الخطاب ٦٥

عندما يعود المَلِكُ ليحكم

"١١وَإِذْ كَانُوا يَسْمَعُونَ هَذَا عَادَ فَقَالَ مَثَلاً لأَنَّهُ كَانَ قَرِيباً مِنْ أُورُشَلِيمَ وَكَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّ مَلَكُوتَ اللهِ عَتِيدٌ أَنْ يَظْهَرَ فِي الْحَالِ.١٢فَقَالَ: «إِنْسَانٌ شَرِيفُ الْجِنْسِ ذَهَبَ إِلَى كُورَةٍ بَعِيدَةٍ لِيَأْخُذَ لِنَفْسِهِ مُلْكاً وَيَرْجِعَ. ١٣فَدَعَا عَشَرَةَ عَبِيدٍ لَهُ وَأَعْطَاهُمْ عَشَرَةَ أَمْنَاءٍ وَقَالَ لَهُمْ: تَاجِرُوا حَتَّى آتِيَ. ١٤وَأَمَّا أَهْلُ مَدِينَتِهِ فَكَانُوا يُبْغِضُونَهُ فَأَرْسَلُوا وَرَاءَهُ سَفَارَةً قَائِلِينَ: لاَ نُرِيدُ أَنَّ هَذَا يَمْلِكُ عَلَيْنَا. ١٥وَلَمَّا رَجَعَ بَعْدَمَا أَخَذَ الْمُلْكَ أَمَرَ أَنْ يُدْعَى إِلَيْهِ أُولَئِكَ الْعَبِيدُ الَّذِينَ أَعْطَاهُمُ الْفِضَّةَ لِيَعْرِفَ بِمَا تَاجَرَ كُلُّ وَاحِدٍ. ١٦فَجَاءَ الأَوَّلُ قَائِلاً: يَا سَيِّدُ مَنَاكَ رَبِحَ عَشَرَةَ أَمْنَاءٍ. ١٧فَقَالَ لَهُ: نِعِمَّا أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ لأَنَّكَ كُنْتَ أَمِيناً فِي الْقَلِيلِ فَلْيَكُنْ لَكَ سُلْطَانٌ عَلَى عَشْرِ مُدُنٍ. ١٨ثُمَّ جَاءَ الثَّانِي قَائِلاً: يَا سَيِّدُ مَنَاكَ عَمِلَ خَمْسَةَ أَمْنَاءٍ. ١٩فَقَالَ لِهَذَا أَيْضاً: وَكُنْ أَنْتَ عَلَى خَمْسِ مُدُنٍ. ٢٠ثُمَّ جَاءَ آخَرُ قَائِلاً: يَا سَيِّدُ هُوَذَا مَنَاكَ الَّذِي كَانَ عِنْدِي مَوْضُوعاً فِي مِنْدِيلٍ ٢١لأَنِّي كُنْتُ أَخَافُ مِنْكَ إِذْ أَنْتَ إِنْسَانٌ صَارِمٌ تَأْخُذُ مَا لَمْ تَضَعْ وَتَحْصُدُ مَا لَمْ تَزْرَعْ. ٢٢فَقَالَ لَهُ: مِنْ فَمِكَ أَدِينُكَ أَيُّهَا الْعَبْدُ الشِّرِّيرُ. عَرَفْتَ أَنِّي إِنْسَانٌ صَارِمٌ آخُذُ مَا لَمْ أَضَعْ وَأَحْصُدُ مَا لَمْ أَزْرَعْ ٢٣فَلِمَاذَا لَمْ تَضَعْ فِضَّتِي عَلَى مَائِدَةِ الصَّيَارِفَةِ فَكُنْتُ مَتَى جِئْتُ أَسْتَوْفِيهَا مَعَ رِباً؟ ٢٤ثُمَّ قَالَ لِلْحَاضِرِينَ: خُذُوا مِنْهُ الْمَنَا وَأَعْطُوهُ لِلَّذِي عِنْدَهُ الْعَشَرَةُ الأَمْنَاءُ. ٢٥فَقَالُوا لَهُ: يَا سَيِّدُ عِنْدَهُ عَشَرَةُ أَمْنَاءٍ. ٢٦لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ لَهُ يُعْطَى وَمَنْ لَيْسَ لَهُ فَالَّذِي عِنْدَهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ. ٢٧أَمَّا أَعْدَائِي أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِيدُوا أَنْ أَمْلِكَ عَلَيْهِمْ فَأْتُوا بِهِمْ إِلَى هُنَا وَاذْبَحُوهُمْ قُدَّامِي»" (لوقا ١٩: ١١- ٢٧).

كان ربنا المبارك قد اجتاز أريحا وقطع شوطاً في طريقه إلى أورشليم. كان يعلم أن كثيرين كانوا يتوقعون منه أن يؤسس في الحال الملكوت الذي لطالما تنبأ به الأنبياء. كان يتوقع الكثير من اليهود منه أن يدخل إلى المدينة الملكية ويعلن نفسه مسيا إسرائيل. كانوا يتوقعون منه أن يترأس جيشاً من الغيورين اليهود وأن يطرد الرومان، ويعتلي عرش أبيه داود ويبدأ حكمه على جبل صهيون. كانت هذه توقعات في العهد القديم للمستقبل. ولكن خلال الدهر الحالي لا يأتي ملكوت الله بظهور خارجي؛ الملكوت يُدرَك الآن بالإيمان. إنه ملكوت روحي في قلوب الرجال والنساء الذين يولدون من فوق، ويقرون بسلطان الرب يسوع المسيح. يُكرز بالإنجيل لكي يخلص الناس ويملكوا معه عندما يعود.

روى الرب يسوع مثلاً ليوضح أن ملكوته ما كان ليؤسس في مجيئه الأول بل سيتبدى عندما يعود: أي، في مجيئه الثاني. هذا المثل كان يستند على حادثة تاريخية حقيقية جرت قبل وقت قصير، وكان الناس على معرفة جيدة بها. عندما مات الملك هيرودس، أي هيرودس الذي كان يحيا عندما وُلد ربنا يسوع المسيح، والذي أصدر المرسوم بأن يُقتل كل أطفال بيت لحم، كان قد أوصى بأن يخلفه أرخيلاوس على العرش. ولكن اليهود كانوا يكرهون هذا الرجل ولم يريدوا أن يحكم عليهم، ولذلك فقد عبر البحر إلى روما ليتشاور مع أغسطس قيصر، ويضمن موافقته وتأييده فيما يتعلق بالمملكة. قبل أن يذهب عهد بمبالغ كبيرة من المال لعدد من أصدقائه وأعطاهم تعليمات عن كيفية استخدام هذا المال في غيابه ليكسب أصدقاء آخرين يؤيدون مصالحه ويكونون على استعداد للاعتراف بمطالبه. ولكن اليهود الذين كانوا يكرهونه أرسلوا رسولاً وراءه وقال هذا لقيصر: "لا نريد لهذا الإنسان أن يملك علينا. إنه قاسٍ؛ وإننا نكره كل أفراد عائلته". تشاور أرخيلاوس مع الإمبراطور، وضمن موافقته وتأييده وعاد في النهاية إلى أورشليم ليعلن ملكاً على اليهودية. ثم أرسل وراء الخدام والوكلاء الذين كان قد ائتمنهم على ماله وسألهم عن استخدامهم له، وكافأهم بحسب أمانتهم لمصالحه. بعد ذلك جمع أعداءه الذين صمموا ألا يعترفوا به ملكاً وقتل كثيرين منهم.

كان كل هذا حياً في فكر الناس، لأن هذا حدث عندما كان يسوع لا يزال غلاماً صغيراً. فاستند في مثله على تلك الحادثة، لأنه كان هناك نوع من الشبه بين ما جرى آنذاك وما سيجري مع رفضهم الحالي له وعودته المستقبلية.

"وَإِذْ كَانُوا يَسْمَعُونَ هَذَا عَادَ فَقَالَ مَثَلاً لأَنَّهُ كَانَ قَرِيباً مِنْ أُورُشَلِيمَ وَكَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّ مَلَكُوتَ اللهِ عَتِيدٌ أَنْ يَظْهَرَ فِي الْحَالِ. فَقَالَ: «إِنْسَانٌ شَرِيفُ الْجِنْسِ ذَهَبَ إِلَى كُورَةٍ بَعِيدَةٍ لِيَأْخُذَ لِنَفْسِهِ مُلْكاً وَيَرْجِعَ". "إِنْسَانٌ شَرِيفُ الْجِنْسِ". الإنْسَان شَرِيفُ الْجِنْسِ هذا هو الإنسان يسوع المسيح، وقد ذَهَبَ إِلَى كُورَةٍ بَعِيدَةٍ. لقد ذهب إلى بيت الآب، ليس مثل أرخيلاوس ليتشاور مع حاكم أرضي معين، بل ذهب ليتشاور مع أبيه وليبقى معه هناك إلى أن يحين الوقت الملائم ليستلم الملك. قبل أن يسافر ذلك الإنْسَان شَرِيفُ الْجِنْسِ "دَعَا عَشَرَةَ عَبِيدٍ لَهُ وَأَعْطَاهُمْ عَشَرَةَ أَمْنَاءٍ وَقَالَ لَهُمْ: تَاجِرُوا حَتَّى آتِيَ". لقد عهد ربنا المبارك لكل خدامه بكنز معين، مواهب معينة، قدرات معينة، يعتبرنا مسؤولين عن استخدامها جميعاً لأجل مجده خلال فترة غيابه. كل مسيحي عُهد إليه بأمر ما يمكنه أن يستخدمه لأجل المسيح. بفرض أن لديكم موهبة التكلم العلني على الملأ: يمكنكم أن تكرزوا بالإنجيل أمام جموع كبيرة؛ يمكنكم أن تخبروا عن المخلّص الذي مات، والذي قام ثانية- إن كانت لديكم هذه الموهبة فإنكم مسؤولون عن إعلان رسالة المسيح. ولكن لنفترض أنكم تقولون أنه ليسس لديكم موهبة خاصة، حسن، يمكنكم أن تحيوا لأجل المسيح في بيتكم. يمكنكم أن تعيشوا لأجله أمام أصدقائكم وأقربائكم فيدركوا أهمية الاعتراف بسلطان المسيح على حياتهم الخاصة. وربما كانت لديك موهبة الغناء. فعندها سيود منك أن تكرس صوتك لأجله، وأن تستخدم تلك الموهبة التي أعطاك إياها لكي تجعله معروفاً عند الناس. سمعت عن سيدة شابة كانت لديها موهبة من هذا النوع. كان والدها قد صرف مبالغ كبيرة من المال ليؤهلها للغناء الأوبرالي على المسرح، ولكن بينما كانت تكمل دراستها الموسيقية- إن كنتم تستطيعون أبداً أن تكملوا دراسة موسيقية- خلصت في اجتماع خاص وسلّمت حياتها للرب. عندما عادت إلى البيت، قالت: "يا أبي، ما عدت أستطيع أن أستمر في الغناء الأوبرالي الآن: لقد خلّصني المسيح؛ وأسلمت حياتي له. لقد أعطاني موهبة الصوت، والآن أريد أن أستخدمها لأجله". استشاط والدها غضباً؛ وقال لها أخيراً: "يا ابنتي، سوف أعطيك فرصة واحدة أخرى. لقد رتبنا لحفل عظيم لنرحب بك في البيت- حفلة تخرجك. وسيكون أصدقائك هنا الليلة، عندما يأتون أريدك أن تغني لهم بعضاً من تلك الأغاني الأوبرالية التي تعلّمتِها؛ وإن لم تفعلي ذلك سوف أتبرأ منك وأطردك من البيت". انتظرت الفتاة إلى أن جاء المساء. وصل أصدقاءها، وتم تقديمها لهم. جاءت الساعة عندما طُلب إليها أن تذهب إلى البيانو وأن تغني. فتمتمت صلاة في قلبها ومضت إلى الآلة الموسيقية وجلست. بعد الافتتاحية الموسيقية الأولى، راحت تغني بصوتها الجميل المدرب منشدة:

"لا مجال للمرح أو العبث هنا،
لا ولا للرجاء والخوف الدنيويين،
طالما أن الحياة سرعان ما تنقضي؛
ذلك أنه إن كان الديان واقفاً على الباب،
فكل البشر لا محالة سيقفون،
أمام ذاك العرش الذي لا يرحم".

غنّت المقاطع الأربعة من تلك الترنيمة الويزلية القديمة. وبعد أن انتهت نهضت عن البيانو، متوقعة أن يطردها والدها من البيت، ولكنه جاء إليها والدموع تنهمر من عينيه وقال: "يا ابنتي، أنا أيضاً أريد أن أعرف مخلّصك". مكافأة تكريسها لصوتها للرب كانت ربح والدها نفسه للمسيح. لدينا جميعاً مواهب موكلة إلينا علينا أن نستخدمها لصالح الرب خلال فترة غيابه.

كما الحال مع أرخيلاوس، نقرأ عن أولئك الذين أبغضوا ربنا وأرسلوا إليه رسولاً يقول: "لاَ نُرِيدُ أَنَّ هَذَا يَمْلِكُ عَلَيْنَا". لا أغالي إن قلت أن ذلك الرسول لم يكن سوى استفانوس، أول شهيد في المسيحية، الذي ذهب إلى الرب ليحمل شهادة لأنهم لا يريدون يسوع أن يملك عليهم. لقد رجموا استفانوس حتى الموت بسبب رسالته. وذهب ليكون مع المسيح ولينقل قرار الناس.كان هذا هو موقفهم آنذاك، ولا يزال لديهم نفس الموقف طوال القرون منذ ذلك الحين. لقد قالوا: "لا ملك علينا سوى قيصر". لقد رفضوا الاعتراف بيسوع كحاكم شرعي عليهم، ولذلك فإنهم لا يزالون على حالهم من عدم الإيمان.

إذ كان ربنا يتطلّع إلى مجيئه الثاني، قال: "لَمَّا رَجَعَ بَعْدَمَا أَخَذَ الْمُلْكَ أَمَرَ أَنْ يُدْعَى إِلَيْهِ أُولَئِكَ الْعَبِيدُ الَّذِينَ أَعْطَاهُمُ الْفِضَّةَ لِيَعْرِفَ بِمَا تَاجَرَ كُلُّ وَاحِدٍ". لا يُذكر عملياً سوى ثلاثة أشخاص منهم، على سبيل المثال. "جَاءَ الأَوَّلُ قَائِلاً: يَا سَيِّدُ مَنَاكَ رَبِحَ عَشَرَةَ أَمْنَاءٍ. فَقَالَ لَهُ: نِعِمَّا أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ لأَنَّكَ كُنْتَ أَمِيناً فِي الْقَلِيلِ فَلْيَكُنْ لَكَ سُلْطَانٌ عَلَى عَشْرِ مُدُنٍ". بالاستثمار الحكيم والحريص بالوكيل الأول حصل على ربح كبير على ما ائتُمن عليه. أمانته ومصداقيته أقر بها سيده، وكوفئ بناء على ذلك. هذا يفترض بالطبع الطريقة التي سيُعوض بها على خدام المسيح الأمناء لدى عودته مكافأة لهم على ما صنعوه لأجله خلال غيابه. إن كنت أميناً حتى على القليل الآن، فلسوف تملك معه بقوة عندئذ. مقياس سلطتنا في رفقتنا له عندما يرجع ستكون بحسب مقياس تكرّسنا له الآن.

وجاء الخادم الثاني وقال: "يَا سَيِّدُ مَنَاكَ عَمِلَ خَمْسَةَ أَمْنَاءٍ. فَقَالَ لِهَذَا أَيْضاً: وَكُنْ أَنْتَ عَلَى خَمْسِ مُدُنٍ". ليس للجميع نفس الفطنة والذكاء، ولا نفس المواهب والإمكانيات. إلا أن هذا الرجل، أيضاً، تصرّف بحكمة وباهتمام بمصالح سيده. لم تكن المكافأة كبيرة كمثل الحالة الأخرى، ولكنها كانت تتناسب مع المكسب الذي نتج عن النشاط العملي للوكيل. كما ترون، تُعطى لنا المكانة بحسب العمل المُنجز. أخشى أن يكون بيننا الكثير من المسيحيين الذين يعرفون أنهم مخلّصين ولكن سيكتشفون عند رجوع الملك أنهم هالكون للغاية لأنهم لم يقدّموا سوى القليل من الخدمة للمسيح الناكرة للذات. لقد عشنا لنستمتع للغاية. ولذلك لن يكون لدينا سوى القليل ليكافئنا عليه.

"ثُمَّ جَاءَ آخَرُ قَائِلاً: يَا سَيِّدُ هُوَذَا مَنَاكَ الَّذِي كَانَ عِنْدِي مَوْضُوعاً فِي مِنْدِيلٍ". لقد كان خطأ غير مبرر أن يخفق هذا في الوديعة الموكولة إليه، إذ لم يدرك أنه "يُسْأَلُ فِي الْوُكَلاَءِ لِكَيْ يُوجَدَ الإِنْسَانُ أَمِيناً" (١ كور ٤: ٢). ومع ذلك فكم من مسيحيين يخفقون على نفس المنوال، إذ لا يستخدمون ما عهد الله إليهم به. الطرق النظيفة، وصادقة في العمل مهمة في عمل الله كما في الشؤون المدنية. لكأن هذا الرجل يقول: "يا سيّد، ها هو مالك. لم أفقده ولم أخسره؛ ولكني لم أستخدمه لأني كنت أخشى ألا أستطيع أن أستخدمه بشكل مرضٍ. وكنت أعلم أنك رجل صعب الإرضاء". "كُنْتُ أَخَافُ مِنْكَ إِذْ أَنْتَ إِنْسَانٌ صَارِمٌ تَأْخُذُ مَا لَمْ تَضَعْ وَتَحْصُدُ مَا لَمْ تَزْرَعْ"- "كنت أعلم أنك تطلب الكثير، ولذلك لم أحاول أن أفعل شيئاً". يظهر هذا كم كانت معرفته بسيده ضحلة. إن كان الوكيل يعتقد هكذا حقاً، فإن هذا هو السب عينه الذي كان يفرض عليه أن يكون مجتهداً في عمله، لكي يرضي من استخدمه (رو ١٢: ١١؛ أم ٢٢: ٢٩). هل بينكم من يقول: "لدي موهبة واحدة، ولا أستطيع أن أفعل سوى القليل بها؛ لا أستطيع أن أعمل بما يكفي لأن أحظى باستحسان الرب، ولذلك فإني سوف لن أفعل أي شيء على الإطلاق"؟ التفت هذا الإنْسَان الشَرِيفُ الْجِنْسِ نحو ذلك الخادم الكسول وقال له: "مِنْ فَمِكَ أَدِينُكَ أَيُّهَا الْعَبْدُ الشِّرِّيرُ. عَرَفْتَ أَنِّي إِنْسَانٌ صَارِمٌ آخُذُ مَا لَمْ أَضَعْ وَأَحْصُدُ مَا لَمْ أَزْرَعْ فَلِمَاذَا لَمْ تَضَعْ فِضَّتِي عَلَى مَائِدَةِ الصَّيَارِفَةِ فَكُنْتُ مَتَى جِئْتُ أَسْتَوْفِيهَا مَعَ رِباً؟" عذر الوكيل كان كاذباً. هو لم يعرف سيده، وهو لم يرد أن يزعج نفسه. وبخ السيد كسل وكيله بصرامة، موضحاً أنه لو كان يخشى القيام بأي استثمارات، لعله كان الأفضل له، على الأقل، أن يضع المال حيث يدر عليه فائدة فلا يقعد متبطلاً. إنه درس مفيد في الاستخدام الصحيح للمال الذي يضعه الله في أيدينا، ودرس أخلاقي أكثر وضوحاً. يجب أن نحمل المسؤولية، ليس فقط تجاه أعمال الشر الصريحة، بل أيضاً عن خطايا الإغفال والإهمال. ولذلك فقد أُخذ منه كل شيء، ووجد نفسه بدون مكافأة بسبب إخفاقه في الخدمة. ما لا يُستخدم لا تكون له فائدة، بل بالأحرى سنعاني الخسارة. بينما من يستخدمون بحكمة ما يملكون سيكافأون في المستقبل.

أستنتج من الأصحاح الرابع في الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس، في الواقع، أنه ما من مسيحي سيبقى بدون مكافأة، إذ نقرأ: "حِينَئِذٍ يَكُونُ الْمَدْحُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ اللهِ" (٤: ٥). ولكني أخشى أن يكون هناك كثيرون بيننا ستكون مكافأتهم صغيرة جداً لأنهم لم يقوموا بخدمة ربنا يسوع المسيح فعلياً إلا بمقدار ضئيل. "إِنَّ كُلَّ مَنْ لَهُ يُعْطَى وَمَنْ لَيْسَ لَهُ فَالَّذِي عِنْدَهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ". النصف الأول من الآية واضح بما فيه الكفاية ولا يحتاج إلى تعليق. والنصف الأخير ربما يُفهم بشكل أفضل إذا ما صغنا الكلمات بشكل أوضح كما يلي: من ذاك الذي لم يستخدم ما ائتُمن عليه، حتى ذلك نفسه سيؤخذ منه. الفرص المهملة تضيع إلى الأبد.

بعد ذلك أمر الإنْسَان الشَرِيفُ الْجِنْسِ بأن يُحضروا أعداءه أمامه. "أَمَّا أَعْدَائِي أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِيدُوا أَنْ أَمْلِكَ عَلَيْهِمْ فَأْتُوا بِهِمْ إِلَى هُنَا وَاذْبَحُوهُمْ قُدَّامِي". وفي ذلك اليوم الذي سيأتي عند عودة المسيح، أولئك الذين يرفضون نعمته، أولئك الذين يرفضون الاعتراف به، أولئك الذين يحتقرون محبته، سيُضطرون لمعرفة دينونته "عِنْدَ اسْتِعْلاَنِ الرَّبِّ يَسُوعَ مِنَ السَّمَاءِ مَعَ مَلاَئِكَةِ قُوَّتِهِ، فِي نَارِ لَهِيبٍ، مُعْطِياً نَقْمَةً لِلَّذِينَ لاَ يَعْرِفُونَ اللهَ". هل سكبتم قلوبكم أمامه؟ هل اعترفتم به بأنه الملك الشرعي؟ هل وضعتم ثقتكم فيه كمخلّص؟ هل تعتبرونه رباً على حياتكم؟ "إِنِ اعْتَرَفْتَ بِفَمِكَ بِالرَّبِّ يَسُوعَ، وَآمَنْتَ بِقَلْبِكَ أَنَّ اللهَ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، خَلَصْتَ. لأَنَّ الْقَلْبَ يُؤْمَنُ بِهِ لِلْبِرِّ، وَالْفَمَ يُعْتَرَفُ بِهِ لِلْخَلاَصِ". إن لم تعترفوا به كرباً حق شرعياً، فافعلوا ذلك اليوم. ليس الوقت متأخراً بعد. لم يرجع الملك بعد، رغم أن مجيئه قريب. سرعان ما سيعود، وعندها سيكون قد فات الأوان لتسووا أموركم معه. فلماذا لا تستفيدوا من الفرصة السانحة فتسلّموا قلبكم وحياتكم له وتعترفوا به رباً وملكاً شرعياً لكم على الأرض؟