الخطاب ١٧

دعوة متى واستجابته

"٢٧وَبَعْدَ هَذَا خَرَجَ فَنَظَرَ عَشَّاراً اسْمُهُ لاَوِي جَالِساً عِنْدَ مَكَانِ الْجِبَايَةِ فَقَالَ لَهُ: «ﭐتْبَعْنِي». ٢٨فَتَرَكَ كُلَّ شَيْءٍ وَقَامَ وَتَبِعَهُ. ٢٩وَصَنَعَ لَهُ لاَوِي ضِيَافَةً كَبِيرَةً فِي بَيْتِهِ. وَالَّذِينَ كَانُوا مُتَّكِئِينَ مَعَهُمْ كَانُوا جَمْعاً كَثِيراً مِنْ عَشَّارِينَ وَآخَرِينَ. ٣٠فَتَذَمَّرَ كَتَبَتُهُمْ وَالْفَرِّيسِيُّونَ عَلَى تَلاَمِيذِهِ قَائِلِينَ: «لِمَاذَا تَأْكُلُونَ وَتَشْرَبُونَ مَعَ عَشَّارِينَ وَخُطَاةٍ؟» ٣١فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُم: «لاَ يَحْتَاجُ الأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ بَلِ الْمَرْضَى. ٣٢لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَاراً بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ». ٣٣وَقَالُوا لَهُ: «لِمَاذَا يَصُومُ تَلاَمِيذُ يُوحَنَّا كَثِيراً وَيُقَدِّمُونَ طِلْبَاتٍ وَكَذَلِكَ تَلاَمِيذُ الْفَرِّيسِيِّينَ أَيْضاً وَأَمَّا تَلاَمِيذُكَ فَيَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ؟» ٣٤فَقَالَ لَهُمْ: «أَتَقْدِرُونَ أَنْ تَجْعَلُوا بَنِي الْعُرْسِ يَصُومُونَ مَا دَامَ الْعَرِيسُ مَعَهُمْ؟ ٣٥وَلَكِنْ سَتَأْتِي أَيَّامٌ حِينَ يُرْفَعُ الْعَرِيسُ عَنْهُمْ فَحِينَئِذٍ يَصُومُونَ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ». ٣٦وَقَالَ لَهُمْ أَيْضاً مَثَلاً: «لَيْسَ أَحَدٌ يَضَعُ رُقْعَةً مِنْ ثَوْبٍ جَدِيدٍ عَلَى ثَوْبٍ عَتِيقٍ وَإِلاَّ فَالْجَدِيدُ يَشُقُّهُ وَالْعَتِيقُ لاَ تُوافِقُهُ الرُّقْعَةُ الَّتِي مِنَ الْجَدِيدِ. ٣٧وَلَيْسَ أَحَدٌ يَجْعَلُ خَمْراً جَدِيدَةً فِي زِقَاقٍ عَتِيقَةٍ لِئَلاَّ تَشُقَّ الْخَمْرُ الْجَدِيدَةُ الزِّقَاقَ فَهِيَ تُهْرَقُ وَالزِّقَاقُ تَتْلَفُ. ٣٨بَلْ يَجْعَلُونَ خَمْراً جَدِيدَةً فِي زِقَاقٍ جَدِيدَةٍ فَتُحْفَظُ جَمِيعاً. ٣٩وَلَيْسَ أَحَدٌ إِذَا شَرِبَ الْعَتِيقَ يُرِيدُ لِلْوَقْتِ الْجَدِيدَ لأَنَّهُ يَقُولُ: الْعَتِيقُ أَطْيَبُ»" (لوقا ٥: ٢٧- ٣٩).

لدينا في الواقع ثلاث روايات متمايزة في هذه الآيات ولكنها جميعاً مرتبطة معاً؛ والأخيرتان تتولدان عن الأولى. رأى الرب يسوع، وهو يمر من مَكَانِ الْجِبَايَةِ، عشاراً يُدعى لاوي يجلس في الاستقبال عند محل جباية الضرائب: وقال له، "ﭐتْبَعْنِي". لاوي هو كاتب الإنجيل الأول في العهد الجديد وفي روايته للإنجيل يذكر اسمه الآخر "متى". وكاتب إنجيل لوقا يذكر اسمه العبري.

"العشار" في الكتاب المقدس هو جابي الضرائب، وكان هذا يغني نفسَه على حساب ظلم شعبه. في ظل الحكم الروماني لفلسطين، كان رئيس الجباة عموماً يهودي يشتري المنصب من الحكومة ويلزّم الضرائب لأجل مصلحته الذاتية. وكان متى ينتمي إلى هذه الفئة من الناس. وقال أحدهم أن متى ربما كان هو من علّم بطرس السباب والشتم. لا أستطيع أن أجزم بصحة هذا القول، ولكني أتفهم الناس الذين يقولون ذلك. كان ٢٠ بالمئة من السمك المصيد من البحيرة يُجمع كضرائب في مرفأ كفرناحوم. فكم كان يزعج بطرس إذاً أن يُضطر للتخلي عن أفضل ما يصطاده من السمك، ولعل هذا هو ما صار يجعله يسب ويشتم. ولذلك فقد كان متى ذا سمعة رديئة بغيضة بين أهل الريف الذي يعيش فيه.

لا أعرف بالضبط كم من مرة قد رأى وسمع يسوع وعاين أعمال اقتداره، ولكنه كان على إطلاع على خدمته، ولذلك فعندما دعاه يسوع قائلاً: "ﭐتْبَعْنِي"، ترك متى كل شيء، ونهض وتبعه. هذا لا يعني أنه ترك كل شيء في الحال، بل يعني أنه تخلّى عن كل ما له علاقة بالحسابات وسوّى علاقته بالحكومة الرومانية قائلاً لهم: "لقد سمعت صوت يسوع الناصري، ومن الآن فصاعداً سأكرس له حياتي وكل ما أملك".

بالنسبة إلى متى، كان إتباع يسوع يعني أن يتخلّى عن الغش والأنانية. قال يسوع: "إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي، فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ، وَيَتْبَعْنِي". فما هو ردك على هذه الدعوة؟ عندما سمع متى الدعوة، أنهى عمله وأقر بيسوع رباً على حياته. وعندها، وقبل أن يترك كل شيء نهائياً، أقام وليمة عظيمة. أفترض أنه كان رجلاً ثرياً نسبياً، وأنه دعا عدداً كبيراً من الناس الذين كان يعرفهم جيداً، وهؤلاء جلسوا جميعاً معاً إلى مائدة الوليمة. ودعا يسوع وتلاميذه أيضاً، ولبى هؤلاء الدعوة. بالنسبة إلى الفريسيين كان غريباً في نظرهم أن يقبل يسوع هكذا دعوة.

لقد كانوا مهتمين بتفاصيل الناموس أكثر من نفوس البشر. كانوا يحاولون أن يجدوا أخطاء وعيوب في الرب يسوع لأنه كان يشفي في أيام السبت، وكان يعاشر جباة الضرائب والخطأة؛ ولكن هؤلاء الناس المرفوضين كانوا هم نفس الجماعة التي نزل من السماء ليخلّصهم. قال يسوع: "لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَاراً بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ".

هناك مخلّص لك إن كنت ضالاً. وإن لم تكن ضالاً، وكنت قد فعلت دائماً أفضل ما أمكنك وأطعت الناموس وحفظت القاعدة الذهبية فلعلك لست مع يسوع. ولكن إن كنت خاطئاً بائساً، وإن كان قلبك مسوداً من الخطيئة، فأنت هو الذي يسعى إليه يسوع. إنه يتوق إلى أن تعرفه.

هناك أمر يمكنك أن تكون متأكداً منه: لم يكن يسوع يتمتع بالقصف والعربدة مع هؤلاء. أحد اللعنات الكبيرة اليوم هي عمل الشيطان في التسلية والترفيه. هل فكرتم يوماً في معنى كلمة "تسلية"؟ إنها أمر سلبي وتعني "عدم التفكير". قال داود أنه عِنْدَما كان يتأمل اشْتَعَلَتِ النَّار. يُوجد الشيطان كل شيء ليسلي الناس لكي يلهيهم عن التفكير ومواجهة حقائق الأبدية.

لم يلتقِ يسوع بأصدقاء متى لكي يسلّيهم. لقد كان يتكلم بجدية وأمانة عن الأمور المتعلقة بالملكوت. وكان كالعادة جدّياً، وكان هناك ليخلّصهم ويأتي بهم إلى الله. هؤلاء الكتبة والفريسيون كانوا ينظرون بغاية الانتقاد. لقد كانوا، في نظر الله، بنفس السوء مثل هؤلاء الذين كانوا يحتقرونهم. سمعهم الرب يدمدمون وقال: "لاَ يَحْتَاجُ الأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ بَلِ الْمَرْضَى. لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَاراً بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ".

هنالك بعض من الناس لا يكونون سعداء دون طبيب، ولكن الناس عادة لا يحتاجون إلى الطبيب إن كانوا يتمتعون بصحة جيدة، بل فقط عندما يكونون مرضى. ولذلك فإن الناس عندما يدركون أنهم خطاة، الحمد لله، هناك مخلّص ليخلّصنا.

قد يقول قائل: "أنا خاطئ كبير جداً لدرجة يصعب معها أن أخلص". ولكن بالنسبة إلى يسوع لا يمكن أن تكون أبداً خاطئاً كبيراً يصعب أن يخلص. قال بولس: "إنَّ الْمَسِيحَ يَسُوعَ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ لِيُخَلِّصَ الْخُطَاةَ الَّذِينَ أَوَّلُهُمْ أَنَا". أول الخطاة خلص للتو وهو في المجد، ولذلك فإن كل خاطئ في مقدوره أن يخلص إذا ما شاء. يسوع يقبل "كل من يأتي إليه".

كنت أعقد اجتماعاً مع الشبان والصبايا ورفعت العهد الجديد إلى الأعلى وسألتهم: "من يود أن يشتري هذا بدولارين؟" لم يكن لدى أحد نقوداً ليشتريه. ثم قلت لهم أن "كل من" يأتي ويطلب العهد الجديد يكون له مجاناً. رفع أحدهم بصره ومن ثم جاء إليّ يسير عبر الممر قائلاً: "أنا أود الحصول على العهد الجديد، رجاءً". لقد قلتُ لهم بأني سأعطي الكتاب المقدس إلى "كل من" يشاء، وأدرك الفتى أن "كل من" تشتمله.

إن كنت على استعداد لتأخذ مكانك بين "كل من"، فهناك خلاص لك. أخذ اللاوي ذلك المكان وآمن بيسوع قبل أن يتبعه. أنت لا تخلص بإتباع يسوع، بل تخلص بالإيمان به. هذا ما فعله لاوي.

لم يستطع الكتبة والفريسيون أن يدخلوا على فرح الوليمة. قالوا: "لِمَاذَا يَصُومُ تَلاَمِيذُ يُوحَنَّا كَثِيرًا وَيُقَدِّمُونَ طِلْبَاتٍ، وَكَذلِكَ تَلاَمِيذُ الْفَرِّيسِيِّينَ أَيْضًا، وَأَمَّا تَلاَمِيذُكَ فَيَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ؟" بمعنى آخر كانوا يقولون ليسوع: "تلاميذك سعداء جداً، وتلاميذ يوحنا وتلاميذنا أكثر رزانة". أجاب يسوع: "أَتَقْدِرُونَ أَنْ تَجْعَلُوا بَنِي الْعُرْسِ يَصُومُونَ مَا دَامَ الْعَرِيسُ مَعَهُمْ؟". أي، طالما كان هناك، فلماذا ينبغي عليهم ألا يبتهجوا؟

ثم قال لهم مثلاً ليريهم أنه يجب عليهم ألا يجمعوا بين الأشياء غير المتلائمة مع بعضها. "لَيْسَ أَحَدٌ يَضَعُ رُقْعَةً مِنْ ثَوْبٍ جَدِيدٍ عَلَى ثَوْبٍ عَتِيق، وَإِلاَّ فَالْجَدِيدُ يَشُقُّهُ، وَالْعَتِيقُ لاَ تُوافِقُهُ الرُّقْعَةُ الَّتِي مِنَ الْجَدِيدِ". من الأفضل لك أن تجد قطعة من قماش مشابهة لتلك. القطعة التي أُخذت من الجديد لا تتناسب مع القديم. يجب ألا تحاول أن تخلط نعمة الإنجيل بناموسية اليهودية الباردة.

النَّامُوسَ بِمُوسَى أُعْطِيَ، أَمَّا النِّعْمَةُ وَالْحَقُّ فَبِيَسُوعَ الْمَسِيحِ صَارَا. الناموس يأتي من الله إلى الإنسان، ويقول له: "افعل هذا" و"لا تفعل ذاك". أما النعمة فتعلن خلاص الله الذي هو في منأى عن أي استحقاق بشري.

"وَلَيْسَ أَحَدٌ يَجْعَلُ خَمْرًا جَدِيدَةً فِي زِقَاق عَتِيقَةٍ لِئَلاَّ تَشُقَّ الْخَمْرُ الْجَدِيدَةُ الزِّقَاقَ، فَهِيَ تُهْرَقُ وَالزِّقَاقُ تَتْلَفُ، بَلْ يَجْعَلُونَ خَمْرًا جَدِيدَةً فِي زِقَاق جَدِيدَةٍ، فَتُحْفَظُ جَمِيعًا". لقد كان يتكلم عن زقاق جديدة مصنوعة من جلد الحيوانات. عندما تضع خمراً جديدة في زقاق جديدة ويبدأ التخمر، فإن الزقاق تصمد. لا يمكنك أن تضع حقيقة الإنجيل الحيّة وتضعها في طقوس وأعراف الناموس. إن حاولت أن تحصرها فيها فإنها ستحطّم كل القيود. "لَيْسَ أَحَدٌ إِذَا شَرِبَ الْعَتِيقَ يُرِيدُ لِلْوَقْتِ الْجَدِيدَ، لأَنَّهُ يَقُولُ: الْعَتِيقُ أَطْيَبُ". ويمضي الفريسيون في القول: "إننا نرضى بالخمر العتيق"، وإن الناموسيين ومُحبّي الدنيا هم على هذا النحو اليوم. من الواضح أنهم قانعون بما يحاولون أن يتمتعوا به على الأرض هنا ولا يأبهون بما يقدّمه لهم الله في المسيح يسوع. تذكرون تلك القصة الخرافية التي كتبها إيسوب، والتي يخبر فيها قصة عن نسر كان يطير في السماء، ونظر إلى الأسفل إلى بئرٍ فرأى لقلقاً يقتات على الضفادع. فسأل النسر اللقلق لماذا لم يصعد إلى الأعلى حيث هو، فسأله اللقلق إن كان يوجد ضفادع هناك. أجاب النسر أنه ليس هناك ضفادع وأخبره كم كان أمراً جميلاً أن يطير في الفضاء الرحب. فأجاب اللقلق قائلاً: "يمكنك أن تحتفظ بفضائك، ويكفيني أن أحتفظ بضفادعي".

رُبّ قائلٍ اليوم: "لديكم مسيحكم وسماءكم، ويكفينا أن نحتفظ بأمور الدنيا". هؤلاء الناموسيون البائسون قالوا نفس الأمر. هل هذا ما تقولونه أنتم؟ إن الله يمنحكم أن تجعلوا المسيح مخلّصاً لكم إن كنتم لم تفعلوا ذلك بعد.