الخطاب ٣٠

المسيح ينتصر على المرض والموت

"٤١وَإِذَا رَجُلٌ اسْمُهُ يَايِرُسُ قَدْ جَاءَ - وَكَانَ رَئِيسَ الْمَجْمَعِ- فَوَقَعَ عِنْدَ قَدَمَيْ يَسُوعَ وَطَلَبَ إِلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ ٤٢لأَنَّهُ كَانَ لَهُ بِنْتٌ وَحِيدَةٌ لَهَا نَحْوُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَكَانَتْ فِي حَالِ الْمَوْتِ. فَفِيمَا هُوَ مُنْطَلِقٌ زَحَمَتْهُ الْجُمُوعُ. ٤٣وَﭐمْرَأَةٌ بِنَزْفِ دَمٍ مُنْذُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَقَدْ أَنْفَقَتْ كُلَّ مَعِيشَتِهَا لِلأَطِبَّاءِ وَلَمْ تَقْدِرْ أَنْ تُشْفَى مِنْ أَحَدٍ ٤٤جَاءَتْ مِنْ وَرَائِهِ وَلَمَسَتْ هُدْبَ ثَوْبِهِ. فَفِي الْحَالِ وَقَفَ نَزْفُ دَمِهَا. ٤٥فَقَالَ يَسُوعُ: «مَنِ الَّذِي لَمَسَنِي!» وَإِذْ كَانَ الْجَمِيعُ يُنْكِرُونَ قَالَ بُطْرُسُ وَالَّذِينَ مَعَهُ: «يَا مُعَلِّمُ الْجُمُوعُ يُضَيِّقُونَ عَلَيْكَ وَيَزْحَمُونَكَ وَتَقُولُ مَنِ الَّذِي لَمَسَنِي!» ٤٦فَقَالَ يَسُوعُ: «قَدْ لَمَسَنِي وَاحِدٌ لأَنِّي عَلِمْتُ أَنَّ قُوَّةً قَدْ خَرَجَتْ مِنِّي». ٤٧فَلَمَّا رَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّهَا لَمْ تَخْتَفِ جَاءَتْ مُرْتَعِدَةً وَخَرَّتْ لَهُ وَأَخْبَرَتْهُ قُدَّامَ جَمِيعِ الشَّعْبِ لأَيِّ سَبَبٍ لَمَسَتْهُ وَكَيْفَ بَرِئَتْ فِي الْحَالِ. ٤٨فَقَالَ لَهَا: «ثِقِي يَا ابْنَةُ. إِيمَانُكِ قَدْ شَفَاكِ. اِذْهَبِي بِسَلاَمٍ». ٤٩وَبَيْنَمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ جَاءَ وَاحِدٌ مِنْ دَارِ رَئِيسِ الْمَجْمَعِ قَائِلاً لَهُ: «قَدْ مَاتَتِ ابْنَتُكَ. لاَ تُتْعِبِ الْمُعَلِّمَ». ٥٠فَسَمِعَ يَسُوعُ وَأَجَابَهُ: «لاَ تَخَفْ. آمِنْ فَقَطْ فَهِيَ تُشْفَى». ٥١فَلَمَّا جَاءَ إِلَى الْبَيْتِ لَمْ يَدَعْ أَحَداً يَدْخُلُ إِلاَّ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا وَأَبَا الصَّبِيَّةِ وَأُمَّهَا. ٥٢وَكَانَ الْجَمِيعُ يَبْكُونَ عَلَيْهَا وَيَلْطِمُونَ. فَقَالَ: «لاَ تَبْكُوا. لَمْ تَمُتْ لَكِنَّهَا نَائِمَةٌ». ٥٣فَضَحِكُوا عَلَيْهِ عَارِفِينَ أَنَّهَا مَاتَتْ. ٥٤فَأَخْرَجَ الْجَمِيعَ خَارِجاً وَأَمْسَكَ بِيَدِهَا وَنَادَى قَائِلاً: «يَا صَبِيَّةُ قُومِي». ٥٥فَرَجَعَتْ رُوحُهَا وَقَامَتْ فِي الْحَالِ. فَأَمَرَ أَنْ تُعْطَى لِتَأْكُلَ. ٥٦فَبُهِتَ وَالِدَاهَا. فَأَوْصَاهُمَا أَنْ لاَ يَقُولاَ لأَحَدٍ عَمَّا كَانَ" (لوقا ٨: ٤١- ٥٦).

هناك حادثتان متصلتان في هذا المقطع من الإنجيل مرتبطتان معاً على نحو وثيق. كان يايرس كان رئيس المجمع، ذلك المجمع الذي كان قد بناه قائد مئة روماني لليهود، والذي اكتُشفت آثاره مؤخراً، ويمكن رؤيته بشكل كامل. جاء رئيس المجمع بقلب حزين، وَوَقَعَ عِنْدَ قَدَمَيْ يَسُوعَ. كانَ لَهُ بِنْتٌ وَحِيدَةٌ لَهَا نَحْوُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً. اعتقد أن كل أب لديه ابنة مريضة يمكن أن يشاطره مشاعره. كانت الابنة نور عيني الأب وفرحة روحه. بدا الأمر وكأنه ما من قوة على الأرض كان ليمكن أن تنقذها. ولكن يايرس كان يؤمن بأن يسوع لديه القوة ويمكنه أن يشفي ابنته، ولذلك فقد خرج يطلبه، وفي موقف تضرّع، توسل إليه أن يأتي إلى بيته وأن يشفي ابنته. وفي الحال بدأ يسوع رحلة الذهاب معه. وفي الطريق، وإذ احتشد الجمع حوله، امرأة كانت تعاني من مرض جسدي بنيوي، وقد سمعت أن يسوع كان في الطريق، قالت في قلبها: "لعله يستطيع أن يفعل شيئاً من أجلي". ولذلك حاولت أن تصل إليه.

إنه لأمر لافت أن لوقا الطبيب يكتب عن حالة هذه المرأة التي أنفقت كل مالها على الأطباء. أطباء كثيرون كانوا شرفاء محترمين، ولكنهم لم يستطيعوا شفاءها. عرف لوقا حالة المرأة واللاجدوى منها. لقد عانت من استخدام كل أنواع الدواء والعقاقير في تلك الأيام التي كانت تُستخدم في ذلك النوع من الداء الذي أصابها؛ يقول مرقس أنها "تَأَلَّمَتْ كَثِيرًا مِنْ أَطِبَّاءَ كَثِيرِينَ، وَأَنْفَقَتْ كُلَّ مَا عِنْدَهَا وَلَمْ تَنْتَفِعْ شَيْئًا، بَلْ صَارَتْ إِلَى حَال أَرْدَأَ".

عندما علمت أن يسوع كان في المدينة، تذكرت المناسبات الكثيرة التي قيل لها أنه شفى فيها أناساً من كل أنواع الأمراض. تدفق الإيمان في نفسها، وقررت أن تتصل به. إنه الطبيب العظيم. ما من أحد أتى إليه يطلب الشفاء على وجه الأرض إلا ونال مراده. إن قدرته لا تزال نفسها الآن: يسوع المسيح هو نفسه أمس، واليوم، وإلى الأبد. ذاك الذي كان في أيام القديم يقول الكلمة ويهرب حتى الموت منه، لا يزال ربّاً وسيّداً على المرض والموت. من جهة أخرى، حسنٌ أن نتذكر انه ما من وعد في الكتاب المقدس يقول بأن الرب سيشفي دائماً اليوم كل الذين يأتون إليه وهم يعانون من اعتلال جسدي. لو كان هذا صحيحاً، لما مرض المسيحيون أبداً. لكن يسوع، وبدلاً من أن يشفي أحياناً، فإنه يقوم بأمر أفضل، كما في حالة بولس، الذي طلب منه أن يحرره من الشوكة في الجسد التي كانت تسبب له الكثير من الألم المبرّح. فقال له الرب بما معناه: لن أحرّرك من المعاناة يا بولس، بل سأعطيك النعمة على احتمالها. سيأتي يوماً ما في المجد وسنتحرر كلنا من آثار الخطيئة، والمرض، والألم مهما كان نوعها. وذلك سيكون يوم فداء الجسد، عندما ستُصار أجساد اتضاعنا هذه على مثل جسد مجده. ولكن حتى منذ الآن لدينا الحرية لأن نأتي إليه ونطلب منه أن يشفينا وأن نصلّي من أجل بعضنا البعض لكي نُشفى؛ إلا أن ذلك يجب أن يكون دائماً بإذعان لمشيئته المقدسة. بهذه الروح جاء إليه يايرس، وبنفس الطريقة أرادت هذه المرأة البائسة أن تلمس يسوع.

من الواضح أن المرأة وجدت حرجاً في أن تخرج علانية على الملأ وتخبر عن قصتها، وهي ترى كل هؤلاء الناس ينظرون إليها؛ ولكنها قالت في نفسها: "لو أمكنني أن ألمس ولو هدب ثوبه لكنت سأشفى". كان كل يهودي راشد يرتدي رداءً عليه طرف أزرق بحسب تعاليم ناموس موسى، ما يشير إلى أنه يخص إله السماء. لا شك أن هذا الهدب الأزرق كان يُرى على رداء ربنا المبارك، الذي كان يحفظ ناموس الله في كل الأمور. وهكذا، فإن هذه المرأة المريضة البائسة، شقت طريقها وسط الحشد وعندما وصلت إليه مدت يدها المرتجفة ولمست هدب ثوبه الأزرق؛ وفي لحظة شعرت في جسدها بأنها تحررت من مرضها. ممتلئة بشكران لله، كانت وبلا شك لتعود إلى بيتها لتركع مصلّية إليه وتقدّم له مجداً لما فعله لها من خلال الرب يسوع المسيح، ولكن مخلّصنا لم يسمح لها بأن تنصرف سرّاً. التفت يسوع حوله وسأل: "مَنِ الَّذِي لَمَسَنِي؟" وَإِذْ كَانَ الْجَمِيعُ يُنْكِرُونَ، يخبرنا الإنجيل أن بُطْرُسُ وَالَّذِينَ مَعَهُ قَالوا له: "يَامُعَلِّمُ، الْجُمُوعُ يُضَيِّقُونَ عَلَيْكَ وَيَزْحَمُونَكَ، وَتَقُولُ: مَنِ الَّذِي لَمَسَنِي؟" لقد بدا وكأنهم سيستنكرون سؤاله غير المعقول على ما يبدو. فمع وجود كل هؤلاء الجموع المحتشدين حوله، لا بد أن كثيرين لمسوه؛ ولكنه انتبه إلى أن أحداً ما وسط الازدحام لمسه بإيمان. أجاب: "قَدْ لَمَسَنِي وَاحِدٌ، لأَنِّي عَلِمْتُ أَنَّ قُوَّةً قَدْ خَرَجَتْ مِنِّي". لاحظوا أن ربنا المبارك كلما كان يشفي أحداً، كان يدخل معه في علاقة ما فيشاركه همومه وآلامه. هذا ما قصده أشعياء عندما قال: "أَخَذَ أَسْقَامَنَا وَحَمَلَ أَمْرَاضَنَا". هو لم يفعل ذلك على الصليب فقط بل في حياته هنا على الأرض، وهو يجول صانعاً الخير وشافياً كل من جاء إليه. لقد كان تحريره للناس من أمراضهم يأخذ شيئاً منه؛ لقد حمل الأثقال، والآلام، والحزن في ذاته وعلى عاتقه؛ وبهذا فقد بذل نفسه، حرفياً، لكي يُشفوا.

يخبرنا الإنجيل أن الْمَرْأَةُ لما رأت أَنَّهَا لَمْ تَخْتَفِ، "جَاءَتْ مُرْتَعِدَةً وَخَرَّتْ لَهُ، وَأَخْبَرَتْهُ قُدَّامَ جَمِيعِ الشَّعْبِ لأَيِّ سَبَبٍ لَمَسَتْهُ، وَكَيْفَ بَرِئَتْ فِي الْحَالِ". لقد كانت شهادة رائعة على قوته وحنوه، ولا شك أنها جلبت بركة كبيرة على نفس هذه المرأة عندما قامت باعترافها ذاك علانية. اعتراف المرء بصلاح الرب دائماً يجلب البركة؛ لهذا السبب يخبرنا بولس الرسول في رسالته إلى رومية أنه: "إِنِ اعْتَرَفْتَ بِفَمِكَ بِالرَّبِّ يَسُوعَ وَآمَنْتَ بِقَلْبِكَ أَنَّ اللهَ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ خَلَصْتَ. لأَنَّ الْقَلْبَ يُؤْمَنُ بِهِ لِلْبِرِّ وَالْفَمَ يُعْتَرَفُ بِهِ لِلْخَلاَصِ".

في هذه الحادثة، وإذ سمع الرب يسوع الاعتراف الحافل بالامتنان على فم المرأة التي شُفيت، قال لها بحنو: "ثِقِي يَا ابْنَةُ، إِيمَانُكِ قَدْ شَفَاكِ، اِذْهَبِي بِسَلاَمٍ". يا له من يقين مبارك قد أعطتها إياه تلك الكلمات، ما أضاف إلى تلك الرعدة التي سرت في جسدها كلّه عندما لمست ثوب يسوع. لقد عرفت أن شفاءها كان كاملاً وأنها لن تعاني أبداً مما عانته في الماضي، لأنها تواصلت مع الشافي العظيم نفسه. إن حالة هذه المرأة هو مثل توضيحي جميل عن كيف أن الرجال والنساء اليوم، مبتلين بداء الخطيئة الذي لا شفاء له، يجدون تحرّراً عندما يمدون أيديهم بإيمان ويلمسون الرب المبارك نفسه. إن الإصلاح لن يقدّم هذا التحرير، ولا الانضمام إلى الكنيسة، ولا تطبيق ممارسات أسرارية وطقوس مقدسة؛ بل اقتبال يسوع نفسه بإيمان هو الذي يعطي الخلاص الفوري. لا يمكننا أن نراه الآن بأعيننا المنظورة، ولكنه مع ذلك قريب منا جداً، قريب بما يكفي لأن نصل إليه بإيمان. لأن ما يُرى ليس إيماناً: الإيمان يستند على الاتّكال على كلمة الرب والثقة بها، حتى وإن كانت أعيننا الفانية لا تستطيع أن تعاينه. إنه يقف إلى جانب سرير كل مريض؛ إنه حاضر في كل زنزانة؛ إنه يسير عبر السوق التجارية؛ إنه يمر ذهاباً وإياباً في ممرات كل قاعة مدرسية؛ إنه قريب وفي المتناول في كل بيت؛ وهو يقول لكل نفس مضطربة: "يكفي أن تمد يد الإيمان وتثق بي؛ وأنا أشفيك". فكّروا في كلماته التي نطق بها قبل زمن طويل إلى عالم متعب مضطرب وغير مستقر. "تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ وَأَنَا أُرِيحُكُمْ".

إن أتت هذه الكلمات إلى أي شخص لم يتواصل معه بعد، فإني أناشدك، الآن، أن تنظر بإيمان إلى وجهه المبارك وتؤمن به، وتسمعه يقول لكَ: "ثِق، إِيمَانُكَ قَدْ شَفَاكَ، اِذْهَبْ بِسَلاَم".

ولكن ننتقل الآن إلى التمعن في الحادثة الثانية في المقطع أمامنا. نقرأ أنه وبَيْنَمَا كان يسوع في طريقه إلى بيت يَايِرُس، جَاءَ وَاحِدٌ مِنْ ذلك البيت قَائِلاً لَهُ: "قَدْ مَاتَتِ ابْنَتُكَ. لاَ تُتْعِبِ الْمُعَلِّمَ". بمعنى آخر، كانت هذه رسالة محزنة. لقد فات الأوان الآن على يسوع لأن يفعل أي شيء- لو أنه وصل إلى هناك قبلاً لربما استطاع أن يساعد، ولكن الآن ماتت الصغيرة وما عاد يمكن القيام بأي شيء. ولكن كان عليهم أن يعرفوا أنه لا يفوت الوقت أبداً على يسوع؛ لا يفوت الوقت أبداً عليه كي يسمع صلاة الإيمان. كان يايرس قد جاء إليه وكله ثقة في القلب، متكّلاً عليه ليشفي ابنته الصغيرة. بدا وكأن كل أمل قد ضاع، ولكنه كان ليدرك سريعاً أن يسوع ليس فقط لديه القدرة على أن يحرر من المرض، بل أنه هو نفسه القيامة والحياة. تكلم الرب بكلمات طمأنة هادئة ليريح قلب ذلك الأب القلق المخلوع الفؤاد: "لاَتَخَفْ! آمِنْ فَقَطْ، فَهِيَ تُشْفَى". أود أن أركّز على هذه الكلمات الأربعة: "لاَ تَخَفْ! آمِنْ فَقَطْ"، بشدة لكي يشعر كل من ينظر إليها بقوتها ويرفع بصره إلى يسوع بإيمان. من السهل أن نضطرب إزاء الأمور المحيرة في الحياة والأحزان التي تصادفنا، لدرجة نفقد معها رؤية مخلّصنا المبارك وننسى التعامل مع ذاك الكلّي القدرة. إن كان يسوع لا يستطيع أن يساعد في كل مرة نمر فيها بمحنة، فلن يكون المخلّص الذي تنبأ عنه أنبياء العهد القديم؛ ولكن يسوع أظهر مرة تلوى الأخرى قدرته على تحرير كل من يؤمن بكلمته.

إن كانت هذه الكلمات تعني أياً من الذين يتألمون بسبب الحرمان أو الحزن على شخص عزيز، أو بسبب بيت محطم، أو بسبب أطفال عصاة شكسين، أو مرض شديد، أو حزن عميق، فإني أناشدكم أن ترفعوا أبصاركم إلى ذاك الذي يقول: "لا َتَخَفْ! آمِنْ فَقَطْ"، وأن تكونوا متأكدين بأنه سيتولى أمركم. إنكم تخطئون بحق أنفسكم إن لم تجلبوا أحزانكم إليه.

جدير بنا أن نتذكر أن ما من شيء يفاجئ ربنا المبارك. عندما بدأ رحلته نحو بيت يايرس، كان يعرف تماماً ما سيحدث. كان يعرف أن الصغيرة ستموت قبل أن يصل إلى المنزل، ولكنه كان ذاهباً إلى هناك لكي يستعيد تلك الطفلة إلى والديها. ولذلك فعندما جاء إلى المكان الذي كانوا ينتحبون فيه، هرب الموت من هناك، كما سيحدث عندما يأتي يسوع ثانية ليدعوا خاصته ليكونوا معه، عندما سيُهزم الموت.

إذ دخل يسوع البيت، أخذ معه بطرس ويعقوب ويوحنا إلى الغرفة حيث كان يُسجّى جسد الفتاة الصغيرة. كان هناك ندّابون مستأجرون قد جيء بهم إلى المكان، وراح هؤلاء ينوحون ويبكون مرتدين تلك الأزياء الشرقية، ويحدثون جلبةً وضجيجاً عالياً؛ إلا أن الرب يسوع أمرهم أن ينصرفوا، قائلاً: "لاَ تَبْكُوا. لَمْ تَمُتْ لكِنَّهَا نَائِمَةٌ". فغادروا الغرفة على مضضٍ، وهم يضحكون عليه في هزءٍ، كما يخبرنا الإنجيل، إذ كانوا يعلمون في قلبهم أنها كانت ميتة. لم يفهموا أن الكل يحيا له؛ وأنه حتى في ذلك الجسد الذي قد يكون ميتاً يعرف يسوع أن الروح تحيا فيه، وقد رأى في الهيئة الباردة لتلك الفتاة الصغيرة، مجرد فتاة نائمة لا تلبث أن تستيقظ. لقد كان هذا هو الموت بالنسبة إليه فقط. تتذكرون عندما مات لعازر قال الرب يسوع لتلاميذه: "لِعَازَرُ حَبِيبُنَا قَدْ نَامَ. لَكِنِّي أَذْهَبُ لِأُوقِظَهُ". لم يفهم التلاميذ كلامه فقالوا له: "يَا سَيِّدُ إِنْ كَانَ قَدْ نَامَ فَهُوَ يُشْفَى". حِينَئِذٍ قال لهم يسوع علاَنِيَةً أن: "لِعَازَر مَاتَ". وكذلك قال عن الصبية: "لَمْ تَمُتْ لكِنَّهَا نَائِمَةٌ". عندما غادر الجميع الغرفة ما عدا الأبوين والتلاميذ الثلاثة الذين اختارهم يسوع، أمسك المخلّص يد الطفلة بيده وقال: "يَا صَبِيَّةُ، قُومِي!" أو "يا فتاة، استيقظي". وفي الحال عادت نضارة الحياة إلى تينك الوجنتين الباردتين الشاحبتين؛ وتدفق الدم الدافئ من جديد في كل جسدها، "فَرَجَعَتْ رُوحُهَا وَقَامَتْ فِي الْحَالِ. فَأَمَرَ أَنْ تُعْطَى لِتَأْكُلَ". يا لها من لحظة من الفرح الغامر بالنسبة للأبوين الذين احتضنا ابنتهما المحبوبة بين أذرعهم وقد عادت حيّة من جديد وشُفيت تماماً من مرضها.

جرى كل ذلك حرفياً كما هو مكتوب هنا، ويا لها من صورة رائعة تصف لنا الطريقة التي يُبعث فيها إلى الحياة من خلال المسيح أولئك الذين هم أموات في الخطايا والتعدّيات. عندما يضع فتى أو فتاة إيمانه في الرب يسوع، فإنه ينال في الحال حياة إلهية؛ وإن كان راشداً، ولو بعد سنين من الموت في التعديات والخطايا، فعندما يتكلم يسوع إلى المرء ويسمع ذاك كلمة المخلّص، فإنه يُقامُ إلى جِدَّةِ الْحَيَاةِ.

ولكن المهتدي الشاب يحتاج إلى غذاء لكي يتقوى وينمو؛ لذلك كما أن الرب يسوع أمر بأن تُطعم الصغيرة شيئاً، هكذا فإن المسيحيون الشبان اليوم يحتاجون إلى لبن الكلمة الصافي الحقيقي الأصيل لكي ينميهم.

إذ نفكر في فرح يايرس وزوجته عندما أُعيدت ابنتهما لهما، لعلنا نتطلع بتوق وترقب إلى اللحظة المذهلة عندما سيبتهج ملايين من الآباء عندما ستلفظ القبور أمواتهم، ويُعاد لهم أولادهم الأعزاء الذين أُخذوا منهم وهم على الأرض، هذا الحدث الذي سيكون في يوم انتصار المسيح المجيد. كل من ماتوا في المسيح سيكونون في الجماعة القائمة من الموت، ولنا أن نكون متيقنين أن الأحباء سيطلبون بعضهم بعض ويعرفون بعضهم بعض هناك كما كان الحال هنا.

"عندما سألتقي بأولئك الذين أحببت،
وأمسك بيدي المشتاقة أولئك الذين طال غيابهم،
وأعرف كم كنتَ أميناً معي،
سأكون راضياً قانعاً".

يا لروعة كلمات يسوع التي يقول فيها: "أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيّاً وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى الأَبَدِ!"

دعوني أضيف فكرة واحدة، وهي التالية: هناك خبرات مقدسة جداً بين النفس والرب لا يستطيع الآخرون استيعابها، وربما يُساء فهمها كلّياً إن تكلمنا كثيراً عنها. لقد طلب الرب يسوع من والدي هذه الطفلة المنذهلين ألا يخبرا أحداً عما جرى. لقد كان هذا أمراً بينه وبينهم: كان أمراً مقدساً جداً تماماً لا يجوز الحديث عنه ما لم يطلب الرب ذلك منهما بالفعل. وكذلك الأمر، فإن هناك أمور ثمينة تنكشف للنفس التي في حالة شركة مع المسيح ليس من الضروري أن يعرف بها العالم الخارجي. علينا أن نقدم الإنجيل للجميع، ولكن هناك أشياء ثمينة جداً لا يمكن أن نخبر بها أولئك الذين ليس لهم معرفة بالمسيح.