الخطاب ٤٥

خطيئة الاشتهاء وخطرها

"١٣وَقَالَ لَهُ وَاحِدٌ مِنَ الْجَمْعِ: «يَا مُعَلِّمُ قُلْ لأَخِي أَنْ يُقَاسِمَنِي الْمِيرَاثَ». ١٤فَقَالَ لَهُ: «يَا إِنْسَانُ مَنْ أَقَامَنِي عَلَيْكُمَا قَاضِياً أَوْ مُقَسِّماً؟» ١٥وَقَالَ لَهُمُ: «ﭐنْظُرُوا وَتَحَفَّظُوا مِنَ الطَّمَعِ فَإِنَّهُ مَتَى كَانَ لأَحَدٍ كَثِيرٌ فَلَيْسَتْ حَيَاتُهُ مِنْ أَمْوَالِهِ». ١٦وَضَرَبَ لَهُمْ مَثَلاً قَائِلاً: «إِنْسَانٌ غَنِيٌّ أَخْصَبَتْ كُورَتُهُ ١٧فَفَكَّرَ فِي نَفْسِهِ قَائِلاً: مَاذَا أَعْمَلُ لأَنْ لَيْسَ لِي مَوْضِعٌ أَجْمَعُ فِيهِ أَثْمَارِي؟ ١٨وَقَالَ: أَعْمَلُ هَذَا: أَهْدِمُ مَخَازِنِي وَأَبْنِي أَعْظَمَ وَأَجْمَعُ هُنَاكَ جَمِيعَ غَلاَّتِي وَخَيْرَاتِي ١٩وَأَقُولُ لِنَفْسِي: يَا نَفْسُ لَكِ خَيْرَاتٌ كَثِيرَةٌ مَوْضُوعَةٌ لِسِنِينَ كَثِيرَةٍ. اِسْتَرِيحِي وَكُلِي وَاشْرَبِي وَافْرَحِي. ٢٠فَقَالَ لَهُ اللهُ: يَا غَبِيُّ هَذِهِ اللَّيْلَةَ تُطْلَبُ نَفْسُكَ مِنْكَ فَهَذِهِ الَّتِي أَعْدَدْتَهَا لِمَنْ تَكُونُ؟ ٢١هَكَذَا الَّذِي يَكْنِزُ لِنَفْسِهِ وَلَيْسَ هُوَ غَنِيّاً لِلَّهِ»" (لوقا ١٢: ١٣- ٢١).

هناك خطيئة محظورة بوضوح في الوصايا العشر ولكن قلة يعتقدون أنها شريرة خطيرة: أعني بها، "لاَ تَشْتَهِ". يخبرنا الرسول بولس في الأصحاح السابع من رسالته إلى رومية أن هذه كانت الوصية الوحيدة التي جعلته يشعر بالإثم بسبب إثمية طبيعته. في مكان آخر يقول فيما يتعلق ببر الناموس أنه كان يعيش حياة بلا لوم. لم يحني ركبةً لبعلٍ على الإطلاق؛ لم يتعامل مع اسم الله باستخفاف، ولا أهان والديه. لم يكذب، ولم يسرق، ولم يقتل، ولم يرتكب إثم الزنى. لم يرتكب أياً من الخطايا المحظورة في الوصايا التسع الأولى، ولكن عندما يأتي إلى الوصية العاشرة فإنه يعتبر أنه مدان. تقول الوصية "لاَ تَشْتَهِ". لقد وجد أنها كانت تحرك في داخله فعلياً رغبات غير صحيحة، وكان يدرك أنه كان خاطئ بسبب ذلك. في داخله وجد كل طرق الاشتهاء. كان عاجزاً عن أن يتحكم بأفكاره ورغباته، ولذلك فقد عرف أنه كان متعدياً للناموس. كم قلة هم أولئك الذين يفكرون بالاشتهاء كخطيئة فعلية. ما هو الاشتهاء؟ إنه الرغبة في أن تستحوذ على ما منعه عنك الله ولكن منحه لآخرين. ينبغي علينا أن نكون قانعين بهكذا أشياء لدينا، ولكننا نسعى لتملك أشياء أخرى لم يرَ الله أنه من المناسب أن يمنحنا إياها؛ ولذلك فإننا مدانون بخطيئة الاشتهاء. إنها أحد أكثر الخطايا خبثاً. قد يُظهر الناس تقوى وتديناً ومع ذلك يكونون مدانين بسبب هذه الخطيئة. لقد وبخ ربنا يسوع المسيح الناس على خطيئة الاشتهاء هذه بكلمات شديدة اللهجة وفي مناسبات كثيرة جداً.

لدينا في هذه الحادثة، قصة رجل أتى إلى يسوع وقال له: "يَا مُعَلِّمُ قُلْ لأَخِي أَنْ يُقَاسِمَنِي الْمِيرَاثَ". قد لا يبدو أن هناك أي خطبٍ أو خطأ في هذا السؤال. من الواضح أن الأب كان قد مات وأن الورث كان قد تُرك في عُهدة شقيق هذا الرجل. ربما كان أحد الولدين يعيش في المنزل والآخر يعيش في مكان بعيد، وبالتالي فإن الابن الذي كان في المنزل قرر بأن تكون كل الممتلكات خاصة به. ربما عرف كلا الأخوين يسوع وكانت لديهما ثقة كبيرة بعدالته؛ ولذلك فإن الأول قال له: "تكلم إلى أخي عن هذه المسألة". ولكن يسوع لم يأتِ إلى العالم ليضبط ويعدل الأمور التي على ذلك النحو. لم يأتِ "لِيَدِينَ الْعَالَمَ، بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ الْعَالَمُ". لقد قال: "ﭐنْظُرُوا وَتَحَفَّظُوا مِنَ الطَّمَعِ". هذا المطلب نفسه يشير إلى عدم استقرار وعدم رضى، ويدل على حالة من سعي القلب إلى شيء منعه الله للوقت الحالي. لماذا لا نذعن لإرادته ونكون قانعين بما أعطانا إياه؟ احذروا من الاشتهاء. ليست هذه فقط محبة للمال، بل هي أيضاً محاولة لإيجاد الرضى في الأمور الزمنية الزائلة العابرة. "مَتَى كَانَ لأَحَدٍ كَثِيرٌ فَلَيْسَتْ حَيَاتُهُ مِنْ أَمْوَالِهِ". إننا نجتاز الحياة ونحن نكدّس "أشياء"، كثيرٌ منها لا قيمة له على الإطلاق؛ ولكننا ندخرها. إننا نجاده لنمتلك بيتاً جميلاً، وأراضٍ أكثر، وأثاث منزلي أكثر رفاهية مما يمتلكه بقية الناس، وطقماً للمائدة يكون أظرف، وكساءً أكثر أناقة، وفي أحيان كثيرة نمضي في الادخار والتكديس إلى أن يأتي الموت في نهاية المطاف، ويا للهول! كم سيكون عصيباً ذلك الوقت الذي ينقسم فيه منفّذو الوصية حول سقط المتاع! "مَتَى كَانَ لأَحَدٍ كَثِيرٌ فَلَيْسَتْ حَيَاتُهُ مِنْ أَمْوَالِهِ". ومع ذلك فإن الناس يتصرفون وكأن الخير الأعظم على الأرض يكمن في إضافة المزيد من الممتلكات لأنفسهم. قد يقول البعض: "حسنٌ، ما الذي ينبغي أن نفعله بالأشياء التي لا نحتاجها؟" في مكان ما يخبرنا الرب يسوع أنه إن أردنا السعادة فيجب أن نوزع ممتلكاتنا على الآخرين بدلاً من تخزينها وادخارها لأنفسنا. أسعد إنسان ليس هو من يمتلك أكثر، بل هو الإنسان الذي يعطي أكثر، الإنسان الذي يشارك أكثر الآخرين بأمور الله الصالحة التي عهد بها الله إليه. يمكننا أن نحصل على المزيد من السعادة في تقسيم المال القليل الذي نملكه مع الآخرين أكثر من أن نصرفه على أنفسنا. الرئيس الغني الشاب ذهب إلى يسوع وقال له، "مَاذَا أَعْمَلُ لأَرِثَ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ؟" وقال الرب يسوع: "اِذْهَبْ بِعْ كُلَّ مَا لَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ". لم يقصد أنه كان يستطيع أن ينال الخلاص في التخلي عن المال أو الأغراض. ولكن من الممكن أن يفوتك الخلاص بمخالفتك للوصية التي تقول: "لاَ تَشْتَهِ". ما من إنسان يخلص إن كان يعيش لنفسه وحسب. يجب أن يأتي إلى موضع حيث تبكّته خطيئته، ويعترف ويتحول عنها، ويتكل على المسيح وحده لأجل الخلاص. نجسن جميعاً التصرف إن أخذنا هذا التحذير لأنفسنا: "ﭐنْظُرُوا وَتَحَفَّظُوا مِنَ الطَّمَعِ". قال بولس: "لأَنَّ لِيَ الْحَيَاةَ هِيَ الْمَسِيحُ". الحياة للمسيح يعني الحياة لأجل الآخرين، وهذه عي الحياة على أكمل وجه.

اعتاد اليهود أن يقولوا أن الطفل يولد إلى هذا العالم ويده مطبقة، أي قبضة يده مطبقة، وهي تمسك بأي شيء يمكن أن يصل إلى يديه. ولكننا نموت وأيدينا مفتوحة بكل سعتها؛ ليس لدينا شيء فيها. لا يمكننا أن نأخذ أي شيء معنا؛ علينا أن نذهب فارغي اليدين. لماذا ادخار الأشياء؟ لماذا لا نستخدمها ونستمتع بها بينما نحن على قيد الحياة؟ روى الرب مثلاً لكي يعلّمنا هذا. لقد تكلم عن إنسان غني صاحب أرض، فكّر بنفسه فقط وبراحته، ولم يدرك لوهلة أن ما أوكله الله به يجب أن يُستخدم لمجده ولبركة الآخرين. قال: "مَاذَا أَعْمَلُ لأَنْ لَيْسَ لِي مَوْضِعٌ أَجْمَعُ فِيهِ أَثْمَارِي؟ وَقَالَ: أَعْمَلُ هَذَا: أَهْدِمُ مَخَازِنِي وَأَبْنِي أَعْظَمَ وَأَجْمَعُ هُنَاكَ جَمِيعَ غَلاَّتِي وَخَيْرَاتِي". ليس هناك شيء في هذا المثل يحذرنا من أن نقوم بالتدبير الملائم أو بتدبير المؤن للمستقبل؛ ما من شيء هنا يدين أياً منكنّ يا ربّات البيوت اللواتي تدخرون ثماراً في الصيف لكي تستخدموها في الشتاء؛ ما من شيء يدين ادخار بعض النقود بينما المرء يكسب أجراً وذلك لكي يؤمن حياته عندما يصير كهلاً طاعناً في السن. ولكن هذا الإنسان كان يفكر فقط في نفسه. لقد قال: "أَبْنِي أَعْظَمَ وَأَجْمَعُ هُنَاكَ جَمِيعَ غَلاَّتِي وَخَيْرَاتِي". لو أنه قال: "لن أحتاج إلى كل هذه الأشياء. هناك تلك الأرملة الفقيرة في الجوار التي تعيش في ذلك الكوخ الصغير... كم سيعني الأمر كثيراً بالنسبة لها إذا ما أعطيتها بعض الفاكهة أو أشياء أخرى. وهناك الطفل المشلول البائس. سوف أترك له الكثير من الأشياء على عتبة بيته. فعندما يستيقظ في الصباح سوف لن يعرف من أين أتت؛ سوف لن يعرف أنها جاءت من عجوز هزيل مثلي. سيكون لي الفرح في معرفة أني عملت شيئاً بعيداً عن الأنانية حقاً". وهكذا يمر عبر الشارع منتقلاً من شخص محتاج إلى آخر. ولكنه كان يفكر في نفسه فقط. لقد قال: "سأخزن جَمِيعَ غَلاَّتِي وَخَيْرَاتِي في هذا المخزن الجديد الذي سأبنيه، وأقول لنفسي: يَا نَفْسُ لَكِ خَيْرَاتٌ كَثِيرَةٌ مَوْضُوعَةٌ لِسِنِينَ كَثِيرَةٍ. اِسْتَرِيحِي وَكُلِي وَاشْرَبِي وَافْرَحِي". إنه إنسان أناني، مشتهٍ، لا تقوى لديه، يفكر فقط بإشباع رغباته الذاتية، متأملاً بحياة من الراحة طوال السنين الآتية بدلاً من أن يسعى من أن يكون بركة للآخرين. ولأنه معتدٌّ بنفسه في تصوره الذاتي، ومعتدٌّ في اشتهائه وروح الجشع لديه، فإنه يذهب إلى سريره في تلك الليلة، وربما ينام بين مُلاءات جميلة من الكتان ويتمتع بكل رفاهية وترف. وفجأة في منتصف الليل يستيقظ، ربما مع ألم فظيع، ويصرخ: "نوبة قلبية! ما الذي سيحدث!" ثم يبدو أنه يسمع صوت رنين آتٍ من عتمة الليل، "يا غَبِيُّ هَذِهِ اللَّيْلَةَ تُطْلَبُ نَفْسُكَ مِنْكَ فَهَذِهِ الَّتِي أَعْدَدْتَهَا لِمَنْ تَكُونُ؟" وخلال يوم أو اثنين يمر أصدقاءه أمام كفنه. ينظرون إلى وجهه وهو راقد في النعش ويقولون: "كم يبدو طبيعيا!" ثم يمضون في طريقهم، وبعد هنيهة يتنازع المحامون على ممتلكاته، وكل الأشياء التي كدّسها تتبعثر يميناً وشمالاً. تلك هي نهاية الأرض بالنسبة إلى الإنسان الطماع المشتهي، ولكن ليست نهاية وجوده. إنه يخرج إلى الأبدية ليلاقي الله الذي كان قد تجاهله، ليقابل الله الذي كان قد غمره بالرحمة طوال حياته، والذي لم يفكر نحوه ولو بأدنى ذرة من الامتنان. إنه يخرج إلى الأبدية ليواجه الرب يسوع الذي لم يعترف بمطالبه ودعوته ولم يقر بها أبداً. لقد كان منشغلاً جداً في تكديس الثروات لنفسه على الأرض حتى أنه لم يقم بأي تدبير لأجل الأبدية.

دعوني أقول لكم: ما من إنسان غني مهما كانت ثروته، ومهما كانت أراضيه وممتلكاته واسعة، إن لم يعرف الرب يسوع. كان هناك أناس في كنيسة لاودكية يقولون: "أَنَا غَنِيٌّ وَقَدِ اسْتَغْنَيْتُ، وَلاَ حَاجَةَ لِي إِلَى شَيْءٍ". فيقول الرب يسوع: "أَنْتَ الشَّقِيُّ وَالْبَئِسُ وَفَقِيرٌ وَأَعْمَى وَعُرْيَانٌ". لقد كانوا يعتقدون أن لديهم كل شيء، ولكن في الواقع لم لكن لديهم أي شيء، لقد كانوا بدون المسيح. إن كان المرء بدون المسيح فإنه أفقر من أفقر الفقراء. هكذا إنسان قد يفتخر بنفسه بامتلاكه القليل من الأمور الدنيوية في هذا العالم، ولكنه يقف أمام الله في إعواز مطلق. يقول الرب لكل إنسان على هذا النحو: "أُشِيرُ عَلَيْكَ أَنْ تَشْتَرِيَ مِنِّي ذَهَبًا مُصَفًّى بِالنَّارِ لِكَيْ تَسْتَغْنِيَ". تلك الثروة يمنحها الله لكل من يطلبها منه. إن لم يكن لك المسيح فإنك بائس فقير معدم.

بعد أن آمنا بالمسيح يحذّرنا يسوع ضد تكديس الثروة لأنفسنا على الأرض، حيث يُفسد السوس ويُبلي الصدأ، وحيث ينهب السارقون ويسرقون. حتى المسيحيين هم في خطر سطوة روح الاشتهاء هذه. سعيد هو الإنسان الذي، وبدلاً من أن يكدّس ويجمع ثروة على الأرض، يُرسل كنزاً مسبقاً لكي يتمتع به في السماء. كيف أكنز كنوزاً في السماء؟ إن كل ما أصنعه للآخرين باسم الرب، كل ما أعطيه للمحتاجين باسم يسوع، هو كنز يُودع لي في مصرف السماء. هكذا ودائع تجني عشرة آلاف بالمئة فائدة؛ لأن المسيح قال: "لَيْسَ أَحَدٌ تَرَكَ بَيْتًا أَوْ وَالِدَيْنِ أَوْ إِخْوَةً أَوِ امْرَأَةً أَوْ أَوْلاَدًا مِنْ أَجْلِ مَلَكُوتِ اللهِ، إِلاَّ وَيَأْخُذُ فِي هذَا الزَّمَانِ أَضْعَافًا كَثِيرَةً". مئة ضعف أي عشرة آلاف بالمئة. ولكن هذا يكون في هذه الحياة فقط، إذ يضيف قائلاً: "فِي الدَّهْرِ الآتِي الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ".

قد يقول قائل: "لا أرى الكثير من الخطأ في الاشتهاء. ما الخطب في ذلك فعلياً؟" قد لا ترى أي شيء خطير في هذا لمسألة الآن، ولكن إن أبقتك بعيداً عن المساء وخارجها فإنك ستجد أنها مسألة خطيرة بالفعل. آلاف مؤلفة بقيت خارج السماء بسبب خطيئة الاشتهاء هذه. لقد كانت تلك عائقاً حال بينهم وبين خلاص نفوسهم.