الخطاب ٤٠

تعليم عن الصلاة

"١وَإِذْ كَانَ يُصَلِّي فِي مَوْضِعٍ لَمَّا فَرَغَ قَالَ وَاحِدٌ مِنْ تَلاَمِيذِهِ: «يَا رَبُّ عَلِّمْنَا أَنْ نُصَلِّيَ كَمَا عَلَّمَ يُوحَنَّا أَيْضاً تَلاَمِيذَهُ». ٢فَقَالَ لَهُمْ: «مَتَى صَلَّيْتُمْ فَقُولُوا: أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ عَلَى الأَرْضِ. ٣خُبْزَنَا كَفَافَنَا أَعْطِنَا كُلَّ يَوْمٍ ٤وَﭐغْفِرْ لَنَا خَطَايَانَا لأَنَّنَا نَحْنُ أَيْضاً نَغْفِرُ لِكُلِّ مَنْ يُذْنِبُ إِلَيْنَا وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ لَكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ». ٥ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: «مَنْ مِنْكُمْ يَكُونُ لَهُ صَدِيقٌ وَيَمْضِي إِلَيْهِ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُولُ لَهُ: يَا صَدِيقُ أَقْرِضْنِي ثَلاَثَةَ أَرْغِفَةٍ ٦لأَنَّ صَدِيقاً لِي جَاءَنِي مِنْ سَفَرٍ وَلَيْسَ لِي مَا أُقَدِّمُ لَهُ. ٧فَيُجِيبَ ذَلِكَ مِنْ دَاخِلٍ وَيَقُولَ: لاَ تُزْعِجْنِي! اَلْبَابُ مُغْلَقٌ الآنَ وَأَوْلاَدِي مَعِي فِي الْفِرَاشِ. لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَقُومَ وَأُعْطِيَكَ. ٨أَقُولُ لَكُمْ: وَإِنْ كَانَ لاَ يَقُومُ وَيُعْطِيهِ لِكَوْنِهِ صَدِيقَهُ فَإِنَّهُ مِنْ أَجْلِ لَجَاجَتِهِ يَقُومُ وَيُعْطِيهِ قَدْرَ مَا يَحْتَاجُ. ٩وَأَنَا أَقُولُ لَكُمُ: اسْأَلُوا تُعْطَوْا. اطْلُبُوا تَجِدُوا. اِقْرَعُوا يُفْتَحْ لَكُمْ. ١٠لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَسْأَلُ يَأْخُذُ وَمَنْ يَطْلُبُ يَجِدُ وَمَنْ يَقْرَعُ يُفْتَحُ لَهُ. ١١فَمَنْ مِنْكُمْ وَهُوَ أَبٌ يَسْأَلُهُ ابْنُهُ خُبْزاً أَفَيُعْطِيهِ حَجَراً؟ أَوْ سَمَكَةً أَفَيُعْطِيهِ حَيَّةً بَدَلَ السَّمَكَةِ؟ ١٢أَوْ إِذَا سَأَلَهُ بَيْضَةً أَفَيُعْطِيهِ عَقْرَباً؟ ١٣فَإِنْ كُنْتُمْ وَأَنْتُمْ أَشْرَارٌ تَعْرِفُونَ أَنْ تُعْطُوا أَوْلاَدَكُمْ عَطَايَا جَيِّدَةً فَكَمْ بِالْحَرِيِّ الآبُ الَّذِي مِنَ السَّمَاءِ يُعْطِي الرُّوحَ الْقُدُسَ لِلَّذِينَ يَسْأَلُونَهُ»." (لوقا ١١: ١- ١٣).

في هذا المقطع لدينا ربنا المبارك يعلّم تلاميذه بما يتعلق بامتياز الصلاة. لقد كان يؤكد على الدرس بمدى أهمية الجلوس عند قدميه، والآن جاء تلاميذه إليه وهو يتكلم إلى أبيه. طلبوا منه أن يعلّمهم أن يصلّوا كما فعل يوحنا المعمدان الذي علّم تلاميذه الصلاة. طلب التلاميذ "يَا رَبُّ عَلِّمْنَا أَنْ نُصَلِّيَ"، لا يعني فقط الحاجة إلى التعليم حول اللغة الملائمة التي يجب استخدامها في الصلاة، بل يوحي أيضاً في الحاجة إلى القوة الشديدة لتحرّكنا إلى أن نصلّي.

الصلاة هي التعبير الطبيعي عن الحياة الإلهية، كما أن التنفس هو دلالة على الحياة الطبيعية. ويمكن القول على كل  نفس مخلوقة من جديد، كما الحال مع شاول الطرسوسي. "هُوَذَا يُصَلِّي" (أع ٩: ١١). ولكن هناك شرائع روحية هامة معينة تتعلق بالصلاة نتعلمها فقط من خلال الشركة مع ربنا المبارك. لقد كان هو نفسه رجل صلاة في أيام اتضاعه هنا على الأرض، ولا يزال الشفيع العظيم على يمين الله الآب.

تجاوباً مع طلبهم أعطاهم رؤوس أقلام مما تسمى عادة ""الصلاة الربانية". إذا أردنا الحديث بدقة، فإنها لم تكن الصلاة الربية أو صلاة الرب، لأن الرب يسوع لم يصلّي هكذا. ربنا المبارك ما كان ليمكن أن يقول صلاة تعبر عن حاجاته ورغباته، لأنه كان الوحيد الذي بلا خطيئة على الإطلاق. ولذلك ما كان يمكنه أن يصلّي ويقول: "اغْفِرْ لَنَا خَطَايَانَا".كان تلاميذه لا يزالون أناساً خطاة كما نحن، ولذلك فقد كانوا في حاجة إلى أن يأتوا إلى الآب لأجل المغفرة. لعل هذه الصلاة يمكن تسميتها بشكل أفضل باسم "صلاة التلاميذ". من الواضح أنه لم يُقصد بها أن تُستخدم بطريقة رسمية، إذ ليس هناك ذكر لها في أي مكان من سفر أعمال الرسل، أو في أي من الرسائل التي توضح لنا ممارسات الكنيسة بشكل جيد كما أيضاً عقائدها. ولكنها نموذج يمكن أن يعتمد عليه في الصلاة المقبولة. إن استُخدمت الصلاة على هذا النحو، فإنها تحقق الهدف المقصود منها. علينا أن نتذكر أنها كانت جزء من تعليم مخلّصنا إلى تلاميذه خاصته. ما من أحد آخر له الحق أن يأتي إلى الله على هكذا النحو. عندما يُعترف به كآب فإننا مدعوون لأن نقدم له طلباتنا وتشفعاتنا، ونحن على يقين بأنه يُسر بأن يستجيب لنا. إن بدا كما وأنه لا مبالٍ، كما في حالة ذلك الصديق الذي لم يحضر مباشرة إلى وليمة جاره، فهذا يكون فقد لاختبار إيماننا، ولحفظنا. الحقيقة قلما نجدها في التطرف. هناك بعض يصرون على أن ما تُسم "صلاة الرب" قُصد بها أن تُستخدم في كل المناسبات كصيغة ثابتة محددة، وأن مجرد تكرار عباراتها الجميلة لها تأثير يشبه السحر. وآخرون ينفرون من استخدامها على الإطلاق ويعتبرونها تكرار غير ملائم في هذا الدهر التدبيري الحاضر من النعمة، وتنطبق فقط على الأيام التي كان فيها المسيح على الأرض وفي فترة الضيقة التي سوف تأتي. ولكن بالتأكيد ليس من تعبير فيها يدل على أن المسيحي المستنير لا يحق له أن يستخدمها في وقت ما، وبشكل عام إن أكبر قيمة لها هي في أنها ترشد أفكارنا عندما ندنو إلى الله في صلاتنا.

ولكن في إنجيل متى، نجد أنها تُعطى لأجل الصلاة الخاصة الفردية. لعلها هنا ذات تطبيق أوسع. الكلمات ليست تماماً نفسها في كلا الإنجيلين. هناك تغايرات طفيفة تُظهر لنا أننا لسنا مضطرين لأن نقول نفس العبارات كل مرة عندما نأتي إلى الله في الصلاة. قال أحدهم أن الصلاة الربي هي "الصلاة التي تعلّمنا أن نصلّي".

الصلاة، بالنسبة إلى يسوع، كانت التعبير على الشركة مع الآب، والذي منه، كان يستمد قوته، كإنسان، يوماً بعد يوم. إن مثال صلاته حرّك التلاميذ لكي يصرخوا قائلين: "يَا رَبُّ عَلِّمْنَا أَنْ نُصَلِّيَ!" كان يوحنا المعدان قد علّم أتباعه أسطر الصلاة. وكانوا يرغبون من يسوع أن يعلّمهم كيف يقتربون إلى الله. لاحظوا المثال المعطى. كان عليهم أن يقولوا: "أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ". قبل كل شيء، يؤكد يسوع على اسم الآب، الذي جاء ليعلنه (يو ١٧: ٢٦). وحدهم أولئك المولودين من الله هم الذين لهم الحق بأن يخاطبوه هكذا. في الصلاة الحقيقية علينا أن نعرف الآب وأن نأتي إليه بقلوب متعبدة، راغبين أن تُصنع مشيئته. عندما يستخدم الخطأة غير المخلصين هذه الصلاة التي أعطاها يسوع كصيغة تدين، فإنهم يستخدمون ما ليس لهم. وحده من يستطيع بالإيمان أن يقول أن الله أبوه، هو الذي له الحق أن يستخدم هكذا كلمات. هذا اعتراف بالعلاقة المباركة بين المخلَّصين والله الذي خلّصهم. يجب الاقتراب من الله بوقار وتبجيل. وتبدأ الصلاة بالعبادة: "لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ". جميل أن يكون لمجده وجلاله تأثير وانطباع عميق علينا. علينا أن ننحني في عبادة أمامه ونعلن له عن طلباتنا.

"لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ، لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذلِكَ عَلَى الأَرْضِ". الإيمان يتطلع إلى ذلك الزمان عندما سيأتي الرب للمرة الثانية ويحرر خاصته من كل الظروف التي تشتّتهم والتي تسود علينا الآن. في ذلك اليوم كل شر سيُهزم وأما البشر "فَيَطْبَعُونَ سُيُوفَهُمْ سِكَكاً وَرِمَاحَهُمْ مَنَاجِلَ. لاَ تَرْفَعُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ سَيْفاً وَلاَ يَتَعَلَّمُونَ الْحَرْبَ فِي مَا بَعْدُ". وعندها بالفعل إرادة الله ستتحقق على الأرض كما هي الآن في السماء. كل بركة حقيقية للبشر تكمن في صنع مشيئته. بعض الناس يتصرفون وكأن إطاعة إرادة الله ستنزع منهم كل فرح في الحياة، ولكن الحقيقة هي العكس تماماً.

ثم لدينا مسألة حاجاتنا الزمنية المؤقتة. "خُبْزَنَا كَفَافَنَا أَعْطِنَا كُلَّ يَوْمٍ". يعلّمنا الرب أن نأتي إلى الآب رافعين إليه حاجاتنا اليومية. لقد وعد بأن يسد كل حاجة لنا ونحن نسير في إطاعة كلمته (مت ٦: ٣٦). ونعلم من مكان آخر أن علينا ألا نقلق أو نهتم بشيء، بل أن يكون لدينا موقف صلاة وخضوع مع شكران، لكي تُعرف رغباتنا. رغم أن الرب يعرف كل شيء عن رغباتنا، إلا أنه يُسر بأن نخبره عنها من يوم إلى آخر.

"وَاغْفِرْ لَنَا خَطَايَانَا لأَنَّنَا نَحْنُ أَيْضًا نَغْفِرُ لِكُلِّ مَنْ يُذْنِبُ إِلَيْنَا، وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ لكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ". ليس الخاطئ هو المقصود هنا، بل المؤمن الذي أخفق. إن لم نغفر لا يمكن أن يُغفر لنا (مر ١١: ٢٦). هذا مبدأ لا يتبدل في سيادة الله على عائلته. عندما يخطئ المؤمن ويسعى إلى التجدد، فإن خطاياه تُغفر له إذ  هو يغفر. وليس هو الحال نفسه في حالة تبرير الخاطئ، الذي يكون بالإيمان وحده. ولكن إن غُفر لنا، فعلينا أن نغفر لأولئك الذين يسيئون إلينا، "كَمَا سَامَحَكُمُ اللهُ أَيْضاً فِي الْمَسِيحِ" (أف ٤: ٣٢). إذ نعلم أنه "كَمَا غَفَرَ لَكُمُ الْمَسِيحُ هَكَذَا انْتُمْ ايْضاً" (كول ٣: ١٣). إن لم نطع كلمة الله، فسوف نقرع على باب التجدد دون طائل عندما نخفق نحن أنفسنا. عندما نعترف بخطايانا، تكون لدينا مشاعر سوء تجاه أولئك الذين يسيئون إلينا. الخاطئ البائس يجد مغفرة عندما يتكل على الرب يسوع ويؤمن به مخلّصاً شخصياً له. "كُلَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ يَنَالُ بِاسْمِهِ غُفْرَانَ الْخَطَايَا". ولكن ما لدينا هنا هو مغفرة الآب عندما يخفق أولاده أنفسهم، وإن لم نغفر لإخوتنا عندها لم يمنحنا الآب المغفرة التجديدية.

ثم لدينا الإقرار بضعفنا الواضح: "وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ لكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ". لكأننا نقول: "يا أبانا، نحن ضعاف في ذواتنا، فامنحنا ألا ندخل في تجربة لا نستطيع أن نحتملها ونتغلب عليها". أي نعترف بضعفنا ونصلّي لئلا نتعرض لاختبار يكون شديداً علينا.

بعد ذلك، أعطى ربنا تلاميذه مثلاً لكي يتشجعوا في صلاتهم الملحة. أحياناً نأتي إلى الله في موقف صلاة، ولكن ليس من اختبار حقيقي للنفس، ولذلك فإن الله ينتظر إلى أن يكون هناك اهتمام أكبر من قِبلنا قبل أن يستجيب. يوضح ربنا المسألة على النحو التالي: "ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: مَنْ مِنْكُمْ يَكُونُ لَهُ صَدِيقٌ، وَيَمْضِي إِلَيْهِ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَيَقُولُ لَهُ يَا صَدِيقُ، أَقْرِضْنِي ثَلاَثَةَ أَرْغِفَةٍ". الصديق هنا يصور الله الذي هو صديق الجميع، والذي يريدنا أن نتوجه جميعنا إليه في كل ظرف تجربة وفي كل ساعة من الحاجة. إنه يتكلّم عن تشفع بعضنا لبعض. الرب يرسم صورة إنسان ظلّ طريقه، ويأتي إلى بيت صديق ويطلب منه طعاماً ومأوى. ولكن الصديق الآخر لا يجد نفسه عاجزاً عن تقديم المساعدة، وبالدلالة يقول: "أنا آسف، ولكن ليس لدي ما يكفي لأساعدك. ولكن لدي صديق يستطيع ذلك، وأنا على يقين من ذلك، ويمكنه أن يؤمن حاجتنا". وهكذا يذهب إلى صديقه في منتصف الليل، ويوقظه من النوم ويطلب منه طعاماً ليسد حاجة ضيفه. يقول: "يَاصَدِيقُ، أَقْرِضْنِي ثَلاَثَةَ أَرْغِفَةٍ، لأَنَّ صَدِيقًا لِي جَاءَنِي مِنْ سَفَرٍ (أو، حرفياً، من بعيد)، وَلَيْسَ لِي مَا أُقَدِّمُ لَهُ". إنه تشفع يتعلق بحاجات الشخص الآخر. في ثقة كاملة يسعى صاحب البيت إلى مساعدة صديقه، وهو على يقين بأنه سوف لن يُرد خائباً.

ولكن صاحب البيت ليس على استعداد بأن يزعج نفسه وعائلته في كل هذا الوقت من الليل. فيناشد قارع الباب أن يتركه ونفسه، لأنه قد ذهب للنوم للتو وأولاده أيضاً في السرير. قد يكون هذا هو الجواب حتى عند أصدق الأصدقاء الذين ينزعجون في ساعة منصف الليل. وهذه القصة تُستخدم كمثال توضيحي عما يبدو، لأذهاننا المحدودة البائسة، على أنه موقف الله عندما لا تُستجاب صلاتنا بشكل فوري. ما من مطلب منا يمكن أن يزعج الرب. إن تأخره في الاستجابة إلى الصلوات والطلبات ليس نكراناً، بل يقصد به أن يختبر إيماننا.

في هذه القصة السائل المتوسّل يستمر في قرع الباب. إنه يرفض أن يُخيّب. سوف لن يقبل موقف الرفض. وأخيراً يمكن للمرء أن يتخيل صديقه يقول لزوجته: "سوف لن نحظى بنوم في هذه الليلة ما لم ألبي له مطلبه". ولذلك فإنه يذهب إلى حجرة المؤونة ويأتي بالخبز، ويعطيه إلى جاره الملّح. تعلّمنا هذه القصة أن نصلّي بمثابرة وإلحاح (رو ١٢: ١٢) إلا أن تُستجاب صلاتنا. علينا ألا نثبط إذا ما توانى الله أو رفض أن يستجيب لنا في الحال عندما نذهب إليه طالبين أمراً معيناً ما. يطبّق يسوع القصة علينا بأن يؤكد على ثلاث كلمات فيما يتعلق بالصلاة- "اسْأَلُوا.... اُطْلُبُوا.... اِقْرَعُوا". إنه لمنفعتنا أن نكون جادين في توسلاتنا، وأن نسكب قلوبنا أمام الله في تشفع لا يتوقف، وأن نقتحم حرفياً بوابة مخزن البركة إلى أن تُستجاب صلاتنا. إن الله لن ينكر صلاة الإيمان، "اسْأَلُوا"، "اُطْلُبُوا"، "اِقْرَعُوا"، هي درجات من الإلحاح. إذ نستمر في هز عرش النعمة، سوف تتحرك قلوبنا ونحاكم أنفسنا، لنعرف إذا ما كنا نصلّي وفق مشيئة الله.

"كُلَّ مَنْ يَسْأَلُ يَأْخُذُ". الوعد لا يعرف حداً أبداً. إنه لا يتجاهل التعليم المعطى في مكان آخر فيما يتعلق بالصلاة، بل يتكلم عما هو طبيعي: النفس المؤمنة تذهب إلى الله في تشفع ليس فيه أنانية، وتستند على الله في سد أي حاجة. الرب يمكن الاعتماد عليه ليكرم كلمته وليعطي بحسب حكمته اللا متناهية. الصلاة ليست محاولة لجعل الله يرغب بأن يبارك. إنها اتخاذا مكانة أمامه يستطيع فيها أن يبارك على الدوام لأن تلك هي طبيعته المقدسة.

"مَنْ مِنْكُمْ، وَهُوَ أَبٌ، يَسْأَلُهُ ابْنُهُ خُبْزًا، أَفَيُعْطِيهِ حَجَرًا؟ أَوْ سَمَكَةً، أَفَيُعْطِيهِ حَيَّةً بَدَلَ السَّمَكَةِ؟ أَوْ إِذَا سَأَلَهُ بَيْضَةً، أَفَيُعْطِيهِ عَقْرَبًا؟" وحده الأب الدنيوية الذي ليس فيه محبة يمكن أن يخيب أولاده بأن يعطيهم ما هو تافه أو مؤذٍ بدلاً مما هو مطلوب وصالح، والله لا يمكن أن يفعل ذلك، فهو يدخر ما هو ملائم ليعطيه بحسب حكمته أكثر مما بحسب ما نطلب (وهو يعطي دائماً ما يرغب به، ولو كان على المدى البعيد مخيباً لأملنا). إذا ما استبدل الله مطلبنا بشيء آخر يجب أن نكون على يقين بأن هذا كان أفضل لنا.  البيضة تمد بأسباب الحياة؛ والعقرب يدمّرها. ما من أب محب سيخدع ابنه على هذا النحو.

"كَمْ بِالْحَرِيِّ الآبُ الَّذِي مِنَ السَّمَاءِ، يُعْطِي الرُّوحَ الْقُدُسَ لِلَّذِينَ يَسْأَلُونَهُ؟" هذه هي العطية الأسمى لأولئك الذين آمنوا بالابن. الروح القدس هو الضيف الساكن في قلب المؤمنين. قوته ستتجلى في حياتهم ويخضعون إلى الله الذي هو مصدر كل البركات.

الصلاة هي التعبير على الاتكال على الله والثقة به. لأننا ضعفاء في أنفسنا فإننا نطلب العون من ذاك الذي هو قدير. وإذ نعرف محبته كأبٍ سماوي لنا، فإننا نثق به، ونتكل عليه، وهكذا نأتي إلى حضرته بجرأة مقدسة لنعلمه بطلباتنا وحاجاتنا. في استجابته لصلاتنا اختار الله لبركات معينة ما كنا لنتلقاها لو لم نصلّي، وذلك لكي يجتذب قلوبنا إلى الشركة معه ويعطينا دليلاً إيجابياً على أننا نتعامل مع إله حي. إن حاجاتنا نفسها تقدم له مع فرصة أن يعرض محبته الحانية وتعاطفه ورأفته نحونا، وليُظهر نفسه كإله شخصي يسرّه أن يسمع صرخاتنا وطلباتنا ويبتهج بأن يؤتينا بالراحة والعزاء.

إنه امتياز مبارك جداً أن نعرف الله بتلك الحميمية التي نذهب إليه معها لنطلب من أجل الآخرين. "كَرَامَةٌ هَذَا لِجَمِيعِ أَتْقِيَائِهِ" (مزمور ١٤٩: ٩). إننا لا نصلي على نحو  صحيح إن لم نكن خاضعين لمشيئة الله.

فقط عندما نسلك في الروح يمكننا أن نصلي بالروح القدس. وهذه هي سمة الصلاة الفعّالة في الدهر التدبيري الجديد.