الخطاب ٢٦

الزارع والزرع

"١وَعَلَى أَثَرِ ذَلِكَ كَانَ يَسِيرُ فِي مَدِينَةٍ وَقَرْيَةٍ يَكْرِزُ وَيُبَشِّرُ بِمَلَكُوتِ اللهِ وَمَعَهُ الاِثْنَا عَشَرَ. ٢وَبَعْضُ النِّسَاءِ كُنَّ قَدْ شُفِينَ مِنْ أَرْوَاحٍ شِرِّيرَةٍ وَأَمْرَاضٍ: مَرْيَمُ الَّتِي تُدْعَى الْمَجْدَلِيَّةَ الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا سَبْعَةُ شَيَاطِينَ ٣وَيُوَنَّا امْرَأَةُ خُوزِي وَكِيلِ هِيرُودُسَ وَسُوسَنَّةُ وَأُخَرُ كَثِيرَاتٌ كُنَّ يَخْدِمْنَهُ مِنْ أَمْوَالِهِنَّ. ٤فَلَمَّا اجْتَمَعَ جَمْعٌ كَثِيرٌ أَيْضًا مِنَ الَّذِينَ جَاءُوا إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ مَدِينَةٍ قَالَ بِمَثَلٍ: ٥«خَرَجَ الزَّارِعُ لِيَزْرَعَ زَرْعَهُ. وَفِيمَا هُوَ يَزْرَعُ سَقَطَ بَعْضٌ عَلَى الطَّرِيقِ فَانْدَاسَ وَأَكَلَتْهُ طُيُورُ السَّمَاءِ. ٦وَسَقَطَ آخَرُ عَلَى الصَّخْرِ فَلَمَّا نَبَتَ جَفَّ لأَنَّهُ لَمْ تَكُنْ لَهُ رُطُوبَةٌ. ٧وَسَقَطَ آخَرُ فِي وَسَطِ الشَّوْكِ فَنَبَتَ مَعَهُ الشَّوْكُ وَخَنَقَهُ. ٨وَسَقَطَ آخَرُ فِي الأَرْضِ الصَّالِحَةِ فَلَمَّا نَبَتَ صَنَعَ ثَمَرًا مِئَةَ ضِعْفٍ». قَالَ هَذَا وَنَادَى: «مَنْ لَهُ أُذْنَانِ لِلسَّمْعِ فَلْيَسْمَعْ!». ٩فَسَأَلَهُ تَلاَمِيذُهُ قَائِلِين: «مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمَثَلُ؟». ١٠فَقَالَ: «لَكُمْ قَدْ أُعْطِيَ أَنْ تَعْرِفُوا أَسْرَارَ مَلَكُوتِ اللهِ وَأَمَّا لِلْبَاقِينَ فَبِأَمْثَالٍ حَتَّى إِنَّهُمْ مُبْصِرِينَ لاَ يُبْصِرُونَ وَسَامِعِينَ لاَ يَفْهَمُونَ. ١١وَهَذَا هُوَ الْمَثَلُ: الزَّرْعُ هُوَ كَلاَمُ اللهِ ١٢وَﭐلَّذِينَ عَلَى الطَّرِيقِ هُمُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ ثُمَّ يَأْتِي إِبْلِيسُ وَيَنْزِعُ الْكَلِمَةَ مِنْ قُلُوبِهِمْ لِئَلاَّ يُؤْمِنُوا فَيَخْلُصُوا. ١٣وَﭐلَّذِينَ عَلَى الصَّخْرِ هُمُ الَّذِينَ مَتَى سَمِعُوا يَقْبَلُونَ الْكَلِمَةَ بِفَرَحٍ. وَهَؤُلاَءِ لَيْسَ لَهُمْ أَصْلٌ فَيُؤْمِنُونَ إِلَى حِينٍ وَفِي وَقْتِ التَّجْرِبَةِ يَرْتَدُّونَ. ١٤وَﭐلَّذِي سَقَطَ بَيْنَ الشَّوْكِ هُمُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ ثُمَّ يَذْهَبُونَ فَيَخْتَنِقُونَ مِنْ هُمُومِ الْحَيَاةِ وَغِنَاهَا وَلَذَّاتِهَا وَلاَ يُنْضِجُونَ ثَمَرًا. ١٥وَﭐلَّذِي فِي الأَرْضِ الْجَيِّدَةِ هُوَ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ الْكَلِمَةَ فَيَحْفَظُونَهَا فِي قَلْبٍ جَيِّدٍ صَالِحٍ وَيُثْمِرُونَ بِالصَّبْرِ" (لو ٨: ١- ١٥).

هذا المثل عن الزارع والزرع يجب أن يكون تحذيرًا وتشجيعًا لكل من يحاول أن يعمل في حقل البشارة بالإنجيل: تحذير من حماقة اتّخاذ المظهر السطحي لكل اعتراف إيمان بالمسيح، ولكن تشجيع عندما الكثير من الذين يعترفون يتبين أنهم غير صادقين، كما نذكر أنه حتى مع ذلك الكارز الإله-الإنسان والذي كان زارع بذرة الإنجيل كان هناك كثيرون ممن سمعوا هباء ً ولم ينتجوا ثمرًا ناضجًا. إن عملنا هو أن نزرع مهما كانت الظروف (جا ١١: ٦)، عالمين أن الزرع لا يفنى (١ بط ١: ٢٣)، وأن عملنا سيحقِّقُ هدفَ الله رغم أن كثيرين لا يهتمون بالرسالة سوى للحظات معدودة (أش ٥٥: ١١)، وأن كل من يسمع بإيمان سيخلص (يو ٥: ٢٤).

الكلمة تختبر وأيضًا تخلّص. عندما يكون القلب منشغلًا بالأمور الأخرى- كهموم هذا العالم أو خداع الغنى- فلن يكون هناك تقدير كبير لتلك الرسالة التي تتكلم عن عالم آخر مختلف كليًا وعن غنى لا يفنى أبدًا. عند الإمكان، على الواعظ والكارز أن يشق الأرض المُراحة ويزرع ولكن ليس بين الشوك (إر ٤: ٣). من جهة أخرى عليه أن يعكف على ذلك فِي وَقْتٍ مُنَاسِبٍ وَغَيْرِ مُنَاسِبٍ (٢ تيم ٤: ٢). حتى وإن تطلب ذلك سقوط بعض الحبات على قلوب قاسية وغير معدّة، لتلتهمها طيور السماء فيما بعد، هذه الصورة المناسبة لإبليس وجنده الأشرار، الذين هم على أهبة الاستعداد لإعاقة تقدم الإنجيل، لأنهم يعلمون أنه إن آمن الناس بالرسالة فسيخلصون. حسنٌ يفعل أولئك الذين يعترفون بالإيمان في المسيح إن اختبروا أنفسهم وتأكدوا من أن إيمانهم هو إيمان عامل بالمحبة وليس مجرد سرعة تصديق ساذجة فارغة.

الآيات الثلاث الأولى من هذا الجزء من الكتاب المقدس تشكل مدخلًا لما يليها وتوضح لنا الظروف التي أظهر فيها المسيح حق الله على شكل هذا المثل. يخبرنا الإنجيل أن يسوع راح يكرز بالإنجيل للناس. كان يعلن الإنجيل بكلمة فمه؛ وكان يُظهر الإنجيل بتجلّيات رائعة كانت تتحقق مع أولئك الذين يؤمنون. وهذا ما يصنعه الله اليوم.

كلمة الحق في الإنجيل تشبه الحبّة لأنها شيء حيّ. إنها الوسيلة التي يستخدمها الله ليحقق الولادة الجديدة (يع ١: ١٨). الروح القدس يجعلها تثمر في قلب المؤمن وهكذا تصنع ثمارًا للحياة الأبدية. وهذا لا ينطبق على إعلانات النظريات البشرية المجردة أو الأنظمة العقائدية. كرازة المسيح لها قوة. إنها آلية الله لتحقيق الخلاص لكل من يؤمن (رو ١: ١٦).

يا لها من شهادة رائعة تقدّمها هذه للناس رجالًا ونساء. إنه لامتياز لنا ليس فقط أن نكرز بالإنجيل بل أيضًا أن نظهر قوتها في الحياة المفدية. ها هنا شهادة بعض الذين شُفيوا من أرواح شريرة. لقد كانوا فعليًا تحت سلطة الأرواح الشريرة التي تمكنت منها وراحت تتكلم وتتصرف من خلالهم. الرب حرّرهم. ومريم المجدلية تُذكر أولًا على أنها "الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا سَبْعَةُ شَيَاطِينَ". الكلمة يجب أن تكون "أرواح شريرة": "الَّتِي خَرَجَت مِنْهَا سَبْع أرواح شريرة". إذ أن هناك شيطان واحد فقط. لا نعرف أي نوع من النساء كانت. ليس هناك سبب يجعلنا نعتقد أنها كانت امرأة غير عفيفة. حاول الكثيرون أن يطابقوا بينها وبين المرأة التي يتكلم عنها لوقا في الأصحاح ٧، ولكن ليس من دليل عل ذلك. لقد كانت امرأة بها روح شرير تُسيّرها ووجدت انعتاقًا وخلاصًا عندما حررها يسوع. ثم نقرأ عن يُوَنَّا امْرَأَةُ خُوزِي وَكِيلِ هِيرُودُسَ، التي تخلت عن مكانتها المرموقة في المجتمع بكل سرور وصارت تابعة للرب يسوع المسيح بسيطة ومتواضعة. سُوسَنَّةُ، وَأُخَرُ كَثِيرَاتٌ كُنَّ يَخْدِمْنَهُ مِنْ أَمْوَالِهِنَّ. كان ربنا نجّارًا وبالتأكيد ساعد في إعالة والدته إلى اليوم الذي انطلق فيه ليبدأ خدمة أبيه. ومنذ ذلك الوقت فصاعدًا تنازل يسوع وتواضع ليعتاش من عطايا من يتبعونه.

عندما جاء الفريسيون في إحدى الأيام يسألونه: "أَيَجُوزُ أَنْ تُعْطَى جِزْيَةٌ لِقَيْصَرَ أَمْ لاَ؟" بدلًا من أن يُخرج عملةً ممن جيبه، سأل أحدهم أن يريه دينارًا. لقد دخل إلى فقرنا لكي يتعاطف معنا. كان وتلاميذه في حاجة إلى الطعام واللباس. من أين كانت تأتي النقود؟ هؤلاء النساء المخلصات العزيزات كُنَّ يَخْدِمْنَهُ مِنْ أَمْوَالِهِنَّ. كان يهوذا مؤتمنًا ليهتم بأمور المال بالنسبة إلى الجماعة وهم يجولون ويقومون بعمل الخدمة.

"فَلَمَّا اجْتَمَعَ جَمْعٌ كَثِيرٌ أَيْضًا مِنَ الَّذِينَ جَاءُوا إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ مَدِينَةٍ، قَالَ بِمَثَل". كان قرب الشاطئ كما يخبرنا متى ١٣. "خَرَجَ الزَّارِعُ لِيَزْرَعَ زَرْعَهُ". ربما أمكنهم، خلال كلامه، أن يروا زارعًا في أحد التلال. كان يسوع يرسم صوره التوضيحية من أحداث الحياة اليومية. وهذا هو السبب في أنها أحيا، وهذا هو السبب في أنها تروق حتى لقلوب البشر المستمعين اليوم.

"خَرَجَ الزَّارِعُ لِيَزْرَعَ زَرْعَهُ. وَفِيمَا هُوَ يَزْرَعُ سَقَطَ بَعْضٌ عَلَى الطَّرِيقِ، فَانْدَاسَ وَأَكَلَتْهُ طُيُورُ السَّمَاءِ". هذه صورة يسهل فهمها. زارع يخرج ليزرع، فينثر البذار الثمينة وهو يسير ذهابًا وإيابًا عبر الحقل. يبدو أن جزءًا كبيرًا من الزرع قد خُسر ولا يعطي ثمرًا. "انْدَاسَ وَأَكَلَتْهُ طُيُورُ السَّمَاءِ". وربما كان الناس المستمعين إلى يسوع يرون حتى طيور السماء تتبع الزارع. "سَقَطَ آخَرُ عَلَى الصَّخْرِ، فَلَمَّا نَبَتَ جَفَّ لأَنَّهُ لَمْ تَكُنْ لَهُ رُطُوبَةٌ". هناك أناس كثيرون كمثل هؤلاء في تلال فلسطين. "سَقَطَ آخَرُ فِي وَسْطِ الشَّوْكِ". ونمت الأشواك معه وخنقته. "وَسَقَطَ آخَرُ فِي الأَرْضِ الصَّالِحَةِ، فَلَمَّا نَبَتَ صَنَعَ ثَمَرًا مِئَةَ ضِعْفٍ". الحبّة الصغيرة تنتج مئة حبّةٍ. يا لها من أعجوبة رائعة! يتحدث الناس عن استحالة المعجزات، ولكن كل ما حولنا فيه معجزات. نفي كل مكان في الطبيعة نرى أدلة رائعة على قدرة الله. "قَالَ هذَا وَنَادَى:«مَنْ لَهُ أُذْنَانِ لِلسَّمْعِ فَلْيَسْمَعْ!»" من الممكن أن نسمع شيئًا بأذننا الخارجية ولكنه لا يدخل إلى القلب. وعلى هذا النحو يصغي كثير من الناس إلى العظات. إنه يسمعون كلمات، ولكن لا تترك انطباعًا في قلوبهم وضمائرهم. إذا ما أُعلنت كلمة الله، علينا أن نصغي وأن نقتبلها في قلبنا.

عندما كان التلاميذ لوحدهم مع يسوع، بعيدًا عن الجموع، سألوه عن معنى المثل. لم يفهموا تمامًا ما كان يقوله لهم. "فَسَأَلَهُ تَلاَمِيذُهُ قَائِلِينَ:«مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ هذَا الْمَثَلُ؟» فَقَالَ: لَكُمْ قَدْ أُعْطِيَ أَنْ تَعْرِفُوا أَسْرَارَ مَلَكُوتِ اللهِ، وَأَمَّا لِلْبَاقِينَ فَبِأَمْثَال، حَتَّى إِنَّهُمْ مُبْصِرِينَ لاَ يُبْصِرُونَ، وَسَامِعِينَ لاَ يَفْهَمُونَ". يبدو الأمر غريبًا نوعًا ما الآن. فأولًا يخبرهم بأنهم سيعرفون إذا ما أرادوا أن يعرفوا. إذا أردتم أن تعرفوا الإنجيل، فيمكنكم أن تعرفوه. يكفي أن تأتوا بإيمان والرب سيعطيكم فهمًا. من يأتي إلى يسوع بقلب صادق سوف يعرف. أسرار ملكوت الله أسرار مقدسة يُسر الرب بأن يكشفها إلى النفوس الصادقة.

تشير هذه إلى طرق الله مع البشر منذ أن رُفض ابنه. إنه يكشف أسرارًا كانت محتجبة حتى الآن؛ أمور كانت مخفية منذ تأسيس العالم. في إنجيل متى تُستخدم عبارة "ملكوت السماوات"، وفقط هناك. لا تُذكر في أي مكان آخر في الكتاب المقدس. غنها ملك السماء على الأرض، الذي سيتجلى علانية عندما يرجع ربنا، وأما الآن فلا يدركه إلا من كانوا مستنيرين بالروح القدس. المظهر الحالي للملكوت هو العالم المسيحي المعترف- ذاك الذي ندعوه العالم المسيحي. في هذا العالم أناس كثيرون غير صادقين؛ وهؤلاء سوف يُجمعون ويُطرحون خارج ملكوت الرب عندما يرجع (مت ١٣: ٤١). وعندها ستنزل بهم الدينونة.

كان ربنا يستخدم الأمثال لكي يثير انتباه الناس. كانوا ليودون أن يعرفوا المعنى إن كانوا مهتمين حقًا. ولكنه قال عن الغالبية العظمى: "حَتَّى إِنَّهُمْ مُبْصِرِينَ لاَ يُبْصِرُونَ، وَسَامِعِينَ لاَ يَفْهَمُونَ". ولذلك استخدم الرب يسوع أسلوب الأمثال في التعليم لكي يوضح الأشياء التي أرادهم أن يفهموها ولكي يثير لديهم الرغبة في المعرفة. ولكن عندما لم تكن هناك جدّية في العمق ما كانت الأمثال تفيد بل كانت تقسّيهم.

ويشرح كل شيء للتلاميذ. " الزَّرْعُ هُوَ كَلاَمُ اللهِ". لتكن الأمور واضحة بالنسبة لنا. علينا أن نقدّم كلمة الله، وليس أفكارنا وتخيلاتنا الذاتية. الزرع هو الكلمة وأولئك الذين هم أولاد الله هم الذين يجب أن يزرعوا الزرع. ماذا عن الفئات المختلفة من المستمعين؟ "الَّذِينَ عَلَى الطَّرِيقِ هُمُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ، ثُمَّ يَأْتِي إِبْلِيسُ وَيَنْزِعُ الْكَلِمَةَ مِنْ قُلُوبِهِمْ لِئَلاَّ يُؤْمِنُوا فَيَخْلُصُوا". إنهم يسمعون مصادفة، وينتبهون لبضعة أشهر ثم ينشغلون بالأمور الأخرى. "ثُمَّ يَأْتِي إِبْلِيسُ وَيَنْزِعُ الْكَلِمَةَ مِنْ قُلُوبِهِمْ لِئَلاَّ يُؤْمِنُوا فَيَخْلُصُوا". تذكرون كلمات بولس إلى السجّان في فيلبي: "آمِنْ بِالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَتَخْلُصَ". يقول الناس أن الأمر في منتهى السهولة؛ وأن هذا الطريق يسيرٌ جدًا. لا يستطيع المرء أن يخلص فقط بالإيمان بالإنجيل. فحتى الشيطان يعرف أنكم تستطيعون ذلك! لاحظوا ما تقول الآية: "الَّذِينَ عَلَى الطَّرِيقِ هُمُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ، ثُمَّ يَأْتِي إِبْلِيسُ وَيَنْزِعُ الْكَلِمَةَ مِنْ قُلُوبِهِمْ لِئَلاَّ يُؤْمِنُوا فَيَخْلُصُوا". يقول لنا الإنجيل: "كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ". أتوافقون على ذلك؟ لنتوقف برهة ونفكّر فيما حدث حتى أن لكم حياة أبدية بالإيمان. "لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ". كما تلاحظون لا يمكن فصل الجزء الأخير عن الجزء الأول من هذه الآية. لقد وهب الله ابنه الوحيد لأجل تسوية مسألة الخطية. "كَمَا رَفَعَ مُوسَى الْحَيَّةَ فِي الْبَرِّيَّةِ هكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ابْنُ الإِنْسَانِ". كان على ابن الإنسان أن يُرفع على الصليب لكي تخلصوا. الشيطان يعرف ذلك، ولذلك فإنه يحاول أن ينزع الكلمة منكم. وهذا هو السبب في أننا كخدّام لله توّاقون لأن تصلوا إلى الإيمان بالمسيح في الحال لأننا نعلم كيف أن الشيطان سيحاول في أمور أخرى لكي يبعدكم عن الإيمان. "الَّذِينَ عَلَى الصَّخْرِ هُمُ الَّذِينَ مَتَى سَمِعُوا يَقْبَلُونَ الْكَلِمَةَ بِفَرَحٍ، وَهؤُلاَءِ لَيْسَ لَهُمْ أَصْلٌ، فَيُؤْمِنُونَ "إِلَى حِينٍ، وَفِي وَقْتِ التَّجْرِبَةِ يَرْتَدُّونَ". ليست دائمًا علامة جيدة أن نرى الناس يقبلون الكلمة بفرح. أخبرني صديق عزيز عن امرأة شابة كانت آبهة وغير مبالية خلال لقاء في إحدى الأمسيات. عندما رجع في الليلة التالية جاءه البعض وقالوا له: "أتذكر تلك الفتاة التي كانت في الخدمة مساء البارحة؛ لقد وجدت السلام أخيرًا". فسأل الواعظ: "هل وجدت أية صعوبة؟" يجب على خادم الله أن يقدم للناس حقيقة الله لكي يروا حاجتهم إلى التوبة، ثم يدينوا أنفسهم أمام ناظري الله، فهو يعطي السلام عندما يؤمنون بالكلمة. ولكن عندما يكتفي الناس بقبول الكلمة بفرح، فإن حالهم يكون كمثل تلك الأرض التي زُرع فيها الزرع فوق قمة الصخر. إنه عمومًا دليل على الضحالة والسطحية عندما يقبل الناس، الذين ليست لهم خبرة صادقة بالاعتراف بالخطايا، رسالة الإنجيل بسرور. الله يتبع طريقة بها يجرح لكي يشفي (تث ٣٢: ٣٩). يجب على الناس أن يشعروا بحاجتهم لكي يقدّروا الشفاء. إنه خطأ كبير أن تحاول أن تقود نفوسًا نحو الاعتراف بالإيمان بالمسيح بدون أن يعرفوا ما يعني أن يواجهوا خطاياهم في حضرة الله. هذا هو أصل المشكلة عند كثير من المرتدين الساقطين بعد ما يُدعى "النهوض"، حيث أن كثيرين، وبتأثير انجراف عاطفي، أو قناعًا زائدة، يعلنون اعترافًا بالإيمان، ولكن بدون تأثر وجداني أو توبة.

"وَالَّذِي سَقَطَ بَيْنَ الشَّوْكِ هُمُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ، ثُمَّ يَذْهَبُونَ فَيَخْتَنِقُونَ مِنْ هُمُومِ الْحَيَاةِ وَغِنَاهَا وَلَذَّاتِهَا، وَلاَ يُنْضِجُونَ ثَمَرًا". لقد سمعوا وكانوا مهتمين حقًا، ولكنهم منشغلون جدًا بهموم ومسرّات هذه الحياة حتى أنهم لا يثمرون. هؤلاء الناس كانوا مهتمين إلى حد ما برسالة الإنجيل، ولكنهم مهتمون أكثر بكثير بشؤون هذه الحياة فيسعون وراء المتعة وتجميع الأموال وهكذا أمور. الكثير من هذه الأشياء قد تكون بريئة بحد ذاتها، ولكن إن كنت منشغلًا جدًا بها حتى أنك تنسى مسؤوليتك نحو الله، فستكون نادمًا طوال حياتك إلى الأبد لأنك لم تضع أمور الرب في الدرجة الأولى من اهتمامك.

"وَالَّذِي فِي الأَرْضِ الْجَيِّدَةِ، هُوَ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ الْكَلِمَةَ فَيَحْفَظُونَهَا فِي قَلْبٍ جَيِّدٍ صَالِحٍ، وَيُثْمِرُونَ بِالصَّبْرِ". قلبٌ جيّد وصالح! ألا يقول الكتاب المقدس أن اَلْقَلْبُ أَخْدَعُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ نَجِيسٌ مَنْ يَعْرِفُهُ؟ فما المقصود إذًا بالقلب الجيد والصالح؟ إنه يعني من يعرف على أنه خاطئ ولكن بنعمة الله سيتبرر، إنه الشخص الذي يقول: "أعلم أني على ضلال وأني منشغل بالأشياء الخطأ، ولكني سأواجه هذه الأشياء وأقرّ بخطاياي وأعترف بها أمام الله". عندما يتخذ إنسان ذلك الموقف، فإنه يكون صادقًا أمام الله.

عندما يدين إنسانٌ نفسَه ويقول: "لقد خطئت"، تصبح بقية الأمور سهلة. على الأقل يكون قد وصل إلى مكان يستطيع الله فيه أن يبرره.

الفئات الأربع من المستمعين نجدها أينما كُرز بالإنجيل. البعض لا ينتبهون أبدًا ويقتلع الشيطان البذار الجيدة. والبعض يبدي انتباهًا ظاهريًا، ولكن ليس من إدراك لحالتهم الآثمة أمام الله. فيقبلون الإنجيل فكريًا، وأحيانًا بسرور، ولكن سرعان ما يُظهرون دليلًا على أنه لم يكن هناك خبرة وجدانية. وآخرون قلقون مشوّشون على نحو خطير ويبدون مؤمنين جديين، ولكن أمور العالم سرعان ما يظهر أنها أهم بكثير في نظرهم من الحقائق الروحية. والمجموعة الرابعة يواجهون حالتَهم الحقيقيةَ أمام الله، ويقرّون بإثميتهم ويعترفون بخطاياهم. وإذ يؤمنون بالمسيح يدخلون إلى السلام، سلام يبقى ويدوم، وثمار هذا السلام تظهر واضحة في حياتهم.

الزرع هو نفسه في كل الحالات. موقف المستمع هو المختلف. البعض لا مبالٍ بشكل مطلق، آخرون انفعاليون ويتأثرون بسهولة، ولكن يترجحون ويترددون. آخرون يكونون جدّيين في البداية ولكن يسمحون لاهتمامات أخرى بأن تتكدّس فتطغي على الأمور الروحية. ثم لدينا أولئك الذين يطلبون معرفة الله وهم على استعداد لاقتبال كلمته عندما تقدم لهم. هؤلاء يثمرون ثمرًا ناضجًا، وبهذا يمجّدون الآب. حمل الثمار هو دليل الحياة الروحية. إن لم يكن هناك ثمار، فإن الاعتراف هو مجرد رياء، كما سيتبين سريعًا في حياتهم بعد مرورهم بتلك الخبرة.