الخطاب ١٢

"سنة الرب المقبولة"

"١٤وَرَجَعَ يَسُوعُ بِقُوَّةِ الرُّوحِ إِلَى الْجَلِيلِ وَخَرَجَ خَبَرٌ عَنْهُ فِي جَمِيعِ الْكُورَةِ الْمُحِيطَةِ. ١٥وَكَانَ يُعَلِّمُ فِي مَجَامِعِهِمْ مُمَجَّداً مِنَ الْجَمِيعِ. ١٦وَجَاءَ إِلَى النَّاصِرَةِ حَيْثُ كَانَ قَدْ تَرَبَّى. وَدَخَلَ الْمَجْمَعَ حَسَبَ عَادَتِهِ يَوْمَ السَّبْتِ وَقَامَ لِيَقْرَأَ ١٧فَدُفِعَ إِلَيْهِ سِفْرُ إِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ. وَلَمَّا فَتَحَ السِّفْرَ وَجَدَ الْمَوْضِعَ الَّذِي كَانَ مَكْتُوباً فِيهِ: ١٨«رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ ولِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ وَأُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّةِ ١٩وَأَكْرِزَ بِسَنَةِ الرَّبِّ الْمَقْبُولَةِ». ٢٠ثُمَّ طَوَى السِّفْرَ وَسَلَّمَهُ إِلَى الْخَادِمِ وَجَلَسَ. وَجَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْمَجْمَعِ كَانَتْ عُيُونُهُمْ شَاخِصَةً إِلَيْهِ. ٢١فَابْتَدَأَ يَقُولُ لَهُمْ: «إِنَّهُ الْيَوْمَ قَدْ تَمَّ هَذَا الْمَكْتُوبُ فِي مَسَامِعِكُمْ». ٢٢وَكَانَ الْجَمِيعُ يَشْهَدُونَ لَهُ وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْ كَلِمَاتِ النِّعْمَةِ الْخَارِجَةِ مِنْ فَمِهِ وَيَقُولُونَ: «أَلَيْسَ هَذَا ابْنَ يُوسُفَ؟» ٢٣فَقَالَ لَهُمْ: «عَلَى كُلِّ حَالٍ تَقُولُونَ لِي هَذَا الْمَثَلَ: أَيُّهَا الطَّبِيبُ اشْفِ نَفْسَكَ. كَمْ سَمِعْنَا أَنَّهُ جَرَى فِي كَفْرِنَاحُومَ فَافْعَلْ ذَلِكَ هُنَا أَيْضاً فِي وَطَنِكَ ٢٤وَقَالَ: «ﭐلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ لَيْسَ نَبِيٌّ مَقْبُولاً فِي وَطَنِهِ. ٢٥وَبِالْحَقِّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّ أَرَامِلَ كَثِيرَةً كُنَّ فِي إِسْرَائِيلَ فِي أَيَّامِ إِيلِيَّا حِينَ أُغْلِقَتِ السَّمَاءُ مُدَّةَ ثَلاَثِ سِنِينَ وَسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمَّا كَانَ جُوعٌ عَظِيمٌ فِي الأَرْضِ كُلِّهَا ٢٦وَلَمْ يُرْسَلْ إِيلِيَّا إِلَى وَاحِدَةٍ مِنْهَا إِلاَّ إِلَى امْرَأَةٍ أَرْمَلَةٍ إِلَى صِرْفَةِ صَيْدَاءَ. ٢٧وَبُرْصٌ كَثِيرُونَ كَانُوا فِي إِسْرَائِيلَ فِي زَمَانِ أَلِيشَعَ النَّبِيِّ وَلَمْ يُطَهَّرْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ إِلاَّ نُعْمَانُ السُّرْيَانِيُّ». ٢٨فَامْتَلأَ غَضَباً جَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْمَجْمَعِ حِينَ سَمِعُوا هَذَا ٢٩فَقَامُوا وَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَجَاءُوا بِهِ إِلَى حَافَّةِ الْجَبَلِ الَّذِي كَانَتْ مَدِينَتُهُمْ مَبْنِيَّةً عَلَيْهِ حَتَّى يَطْرَحُوهُ إِلَى أَسْفَلُ. ٣٠أَمَّا هُوَ فَجَازَ فِي وَسْطِهِمْ وَمَضَى" (لوقا ٤: ١٤- ٣٠).

في هذا الجزء من الكتاب المقدس لدينا رواية زيارة العودة التي قام بها الرب إلى مدينة الناصرة بعد أن كان قد ألقى جانباً مئزر النجار وأدوات حرفته، وانطلق ليعتمد أولاً على يد يوحنا في نهر الأردن، وليُختم بالروح القدس لأجل عمله المحدد، ثم ليعبر التجارب في البرية. وبعد فترة مكوث قصيرة في أورشليم، رجع إلى وطنه الأم. كان الناس قد سمعوا الكثير عنه. لقد سمعوا بالآيات المعجزية والعجائب التي اتّسمت بها خدمته في أماكن أخرى، وكانوا في غاية الترقب، يأملون أن يسمع شيئاً مميزاً لهم عندما يظهر في وسطهم. ونعلم أنه دخل إلى المجمع على عادته. هناك أمر يتعلق بهذه الحادثة يمكن أن يخاطب كل واحد منا. كان الرب يسوع قد ترعرع في مدينة الناصرة. عندما كان يسكن هناك، وهو شاب، كان من عادته أن يلازم الخدمة في المكان التي كانت تُقرأ فيه كلمة الله وتُشرَح، وحيث كان الناس يجتمعون معاً لأجل الصلاة. أتخيل أنه كانت هناك أشياء كثيرة حول خدمة المجمع والتي كانت غالباً ما تزعج روحه. الكثير من هؤلاء الذين كانوا يشاركون هناك لا بد أنهم أساؤوا فهم المعنى الحقيقي لكلمة الله. ولكن بالنسبة له كان المجمع يمثّل سلطة الله في تلك المدينة. ولذلك كانت عادته أن يشقّ طريقه إلى هناك من سبتٍ إلى آخر.

أعتقد أن بعض المسيحيين في حاجة إلى أن يكونوا متمرسين أكثر فيما يتعلق بالاجتماع مع شعب الله، حيث تُقدّر كلمة الله وحيث يأتون معاً إلى إنشاد التسابيح والترانيم لله والصلاة له. قال لي رجل يوماً: "ليتني أجد الكنيسة المثالية لأحضر إليها". فأجبته: "يا صديقي العزيز، لا تكلّف نفسك هذا العبء. إن وجدت كنيسة مثالية فلا تنضم إليها، لأنك حين تنضم إليها تصبح ناقصة". ليس من كنيسة مثالية، ولكن يمكننا أن نشكر الله على الأماكن التي يجتمع بها الناس كي يسمعوا كلمة الله، وكي يتشاركوا في التسبيح والصلاة. نحن في حاجة لأن نتذكر تلك الكلمات أن "غَيْرَ تَارِكِينَ اجْتِمَاعَنَا كَمَا لِقَوْمٍ عَادَةٌ، بَلْ وَاعِظِينَ بَعْضُنَا بَعْضاً". علينا أن نفعل ذلك "بِالأَكْثَرِ عَلَى قَدْرِ مَا نرى الْيَوْمَ يَقْرُبُ" (عب ١٠: ٢٥).

لطالما كان يسوع جدير بالاعتماد دائماً، وهو غلام ثم وهو شاب، ليكون في مكانه في المجمع، عند القيام بالخدمة الإلهية. وهكذا كان الناس يعرفون أنه سيكون هناك في ذلك السبت المعين، وكانوا يجتمعون لكي يسمعوه. لقد كان معتاداً على المشاركة علانية في الخدمة. فعندما دخل، نقرأ أنه: "دُفِعَ إِلَيْهِ سِفْرُ إِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ. وَلَمَّا فَتَحَ السِّفْرَ وَجَدَ الْمَوْضِعَ الَّذِي كَانَ مَكْتُوبًا فِيهِ: رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ". لقد بدا وكأنه كان أمراً اعتيادياً بالنسبة إليه، عندما كان يحضر خدمة المجمع، أن يأخذ الدرج المقدس، وأن يتنقل من مقطع إلى آخر ويشرح الكتاب للناس. وهكذا فإنه الآن يدخل في هذا السبت المحدد، الذي دُفع فيه إليه الدّرج ليقرأ ذلك الجزء من الكتابات المقدسة الذي كان يود دائماً أن يقرأه. طلب سفر النبي أشعياء، وفتحه على هذا الجزء المعين، وقرأ: "رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ ولِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ، وَأُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّةِ، وَأَكْرِزَ بِسَنَةِ الرَّبِّ الْمَقْبُولَةِ". ثم أغلق السفر. ربما لم يكن هناك أي مغزى من تلك. لقد قرأ النص، وطوى السفر، وها هو الآن على وشك أن يفسّره. ولكن الحقيقة اللافتة هي أنه قطع قراءته في وسط الجملة. لقد توقف عند الفاصلة. عندما نعود إلى هذا النص في أشعياء ٦١: ١، ٢، سنجد أنه كان مكتوباً ما يلي: "لأُنَادِيَ بِسَنَةٍ مَقْبُولَةٍ لِلرَّبِّ وَبِيَوْمِ انْتِقَامٍ لإِلَهِنَا". لم يقرأ الرب يسوع هذه الكلمات الأخيرة. لماذا؟ لأنه لم يأتِ ليعلن يوم انتقام ربّنا. لقد جاء ليصنع كل ما كُتب عنه في الجزء الآخر من المقطع.

لقد جاء ليُبشّر المساكين. يروق لي ذلك. إنها حقيقة مذهلة أن الإنجيل الذي انتشر في كل مكان كان مخصّصاً بشكل كبير للفقراء الذين ابتهجوا برسالته. تذكرون أنه مكتوب: "أَشْبَعَ الْجِيَاعَ خَيْرَاتٍ وَصَرَفَ الأَغْنِيَاءَ فَارِغِينَ". "مَا أَعْسَرَ دُخُولَ ذَوِي الأَمْوَالِ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ". المشكلة هي أن الناس عندما تكون لديهم وفرة من خيرات هذا العالم فإنهم يُؤخذون بها وينشغلون بها حتى أنهم لا يعودوا يهتمون بالغنى الروحي. ولكن الفقراء والمحتاجين والمكافحين هم الذين يحبّون أن يسمعوا رسالة الإنجيل. عندما كان يسوع هنا على الأرض، كان عامة الشعب "يَسْمَعُهُ بِسُرُورٍ". بينما الحكّام والرؤساء ذوي البر الذاتي، هم الذين لم يكن لديهم أي إحساس بإثميتهم وأي إدراك إلى حاجتهم، وهم الذين لم يقدّروا يسوع. لم يكن لديهم اهتمام برسالته. وأما الفقراء- فقد أحبوا أن يستمعوا إليه. الحمد لله، إذ رغم مُضي حوالي ألفي سنة على مغادرة يسوع لهذا العالم، لا يزال يُكرز بالإنجيل للفقراء، إن جاء وقت لا نهتم فيه بالفقراء، ولا نُعنى بهم، أو أهملنا المحتاجين، ستُكتب عبارة "قَدْ زَالَ الْمَجْدُ" على أبواب الكنيسة.

نقرأ عن الفقراء في هذا العالم الأغنياء بالإيمان. أولئك الذين ليس لديهم ثروة أرضية غالباً ما يكونون أثرياء بالأمور الروحية بطريقة تفوق أولئك الذين يتمتعون بظروف أفضل. تذكرون تلك القصيدة التي تقول:

"في قلب مدينة لندن
وسط مساكن الفقراء
سُمعت تلك الكلمات الذهبية اللامعة،
لديّ المسيح، فما حاجتي للمزيد؟
ذاك الذي سمعها هرع ليجلب لها
شيئاً من مخزن العالم الكبير.
لم تكن ثمة حاجة إليه، وقالت وهي تحتضر:
لديّ المسيح، فما حاجتي للمزيد؟"

المسيح هو البديل عن كل شيء، ولكن ما من شيء يحل محل المسيح. لقد كان يسوع دائماً مهتماً بالفقراء، وهو لا يزال اليوم مهتماً بالفقراء. لقد جاء ليبشّر الفقراء بالإنجيل، ويقول: "أَرْسَلَنِي الرب لأَشْفِيَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ". وفي هذا يعبّر عن ألوهيته لأن الله هو الذي يستطيع أن يشفي القلوب المنكسرة. إذ ما من إنسان يستطيع أن يفعل ذلك. أفضل إنسان تعرفونه لا يمكنه أن يشفي قلباً منكسراً. فلن ينفعكم أن ترسلوا أصدقاءكم المنكسري القلوب حتى إلى أعظم خدّام المسيح الروحيين، وتقولوا لهم: "هذا الإنسان سيستطيع أن يشفيكم فتتعافون من جديد". ليس لدينا قدرة على شفاء القلوب المنكسرة ولكننا نستطيع أن ندل الناس على ذاك الذي يقدر على ذلك (المسيح). كم من أناس منكسرة قلوبهم! كان الدكتور جوزيف باركر، الذي كان يوماً خادماً في كنيسة مدينة لندن، يخاطب مرة واعظين شباب، فقال لهم: "أيّها السادة الشبّان، بشّروا دائماً ذوي القلوب المنكسرة، ولن تجدوا نقص في الجمهور أبداً". هناك الكثير منهم في كل مكان. القلوب تنزف وتتحطم في كل الأرجاء حولنا جاء يسوع ليشفي منكسري القلوب، وإن كنتم أنتم الذين تقرأون هذه الكلمات من المنكسري القلوب، فدعوني أقول لكم، إنكم تخطئون تجاه أنفسكم إذا لم تأتوا بأثقالكم إلى عند أقدام المسيح. ترتّل جوقة عتيقة قائلة:

"لقد حملتُم أثقالكم،
وحملتموها طويلاً!
فاْئتوا بها إلى يسوع-
فإنه محبّ وقوي!
سيُزيلها جميعاً
وستنتهي أحزانكم.
سيُطلقكم من جديد مبتهجين،
بسلامه الإلهي".

ثم جاء لينادي بإطلاق الأسرى، ليس فقط لفتح أبواب السجون جميعاً وخروج المساجين والمدانين منها، بل ليحرر الناس من سجن الخطيئة ويحرّر أولئك الذين قيّدتهم سلاسل العادة التي لم يستطيعوا كسرها. إنه يصنع ذلك اليوم. إنه يحرر الناس من قوة الشهوانية والفجور، من الحياة النجسة، من التجارب الشريرة والميول الرديئة، التي تقيّد الناس كما تقيّد السلاسل الرجال في الزنزانات. وقد جاء ليشفي العميان. عندما كان هنا على الأرض لمس عيني العميان وأشرق نور مجده هنا على عيونهم التي غشّاها الظلام، وأنارها إلى الأبد. ورغم أننا قد لا نراه اليوم بأعيننا الطبيعية المجردة، وقد لا نجده يقوم بنفس النوع من المعجزات التي صنعها عندما كان هنا على الأرض، فإن هؤلاء العميان روحياً، أولئك الذين أظلم فهمهم، وعجزوا عن إدراك الحقائق الروحية، عندما يأتون إليه تقع القشور من أعينهم، ويعطيهم النور، ويصيرون قادرين مع ذاك الرجل الذي تحرّر في القديم: "لَسْتُ أَعْلَمُ. إِنَّمَا أَعْلَمُ شَيْئًا وَاحِدًا: أَنِّي كُنْتُ أَعْمَى وَالآنَ أُبْصِرُ". يا له من أمر عظيم يحدث عندما يلمس يسوع عيون العميان!

ثم جاء "ليُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّةِ". لقد جرحنا إبليس. الإنسانية نفسها التي نعيش فيها قد جُرِحَت بالسقوط، ولكنه جاء ليحرّر أولئك المنسحقين المجروحين، ليمكّن العرج من المشي، وليقيم الموتى إلى الحياة وليبتهجوا بنعمته المخلّصة.

ختم يسوع كلامه بهذه الكلمات: "لأَكْرِزَ بِسَنَةِ الرَّبِّ الْمَقْبُولَةِ". سنة الرب المقبولة- ما هي هذه السنة؟ إنها الوقت الذي ينظر فيه الله بالنعمة والرحمة إلى الخطأة البائسين. إنه الوقت الذي ينطلق فيه الإنجيل إلى الضالين من الرجال والنساء. "هُوَذَا الآنَ وَقْتٌ مَقْبُولٌ. هُوَذَا الآنَ يَوْمُ خَلاَصٍ".

هل بينكم من يقول في نفسه: "ليتني أكون مسيحياً، أودّ أن أعرف قوة الشفاء التي عند يسوع، ولكني أخشى ألا يكون قد آن الأوان بعد. لا أشعر بتحريك الروح القدس لي. ولست متأكداً بأنه سيكون هناك ترحيب بي. يجب أن أنتظر توقيت الله؟" تلك خديعة من العدو. وقت الله هو الآن. والله نفسه هو الذي يقول ذلك. "هُوَذَا الآنَ وَقْتٌ مَقْبُولٌ". "هَلُمَّ نَتَحَاجَجْ يَقُولُ الرَّبُّ. إِنْ كَانَتْ خَطَايَاكُمْ كَالْقِرْمِزِ تَبْيَضُّ كَالثَّلْجِ. إِنْ كَانَتْ حَمْرَاءَ كَالدُّودِيِّ تَصِيرُ كَالصُّوفِ". "الْيَوْمَ، إِنْ سَمِعْتُمْ صَوْتَهُ فَلاَ تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ". ليس من مبرر يجعل النفس القلقة تستمر في الخطيئة ولو ساعة أخرى لأن الله ينتظر الخاطئ ليعطيه برحمة وسخاء. هذه هي سَنَة الرَّبِّ الْمَقْبُولَة لأن يسوع جاء ليكشف لنا قلب الله الآب، إذ جاء ليموت على الصليب عن خطايانا. أرسل الله الرسالة إلى كل العالم لكي يأتي الجميع ويجدوا سلاماً فيه. لا يزال هذا هو الوقت المقبول. سوف لن يدوم إلى الأبد. لقد دام لحوالي سنتين حتى الآن، منذ أن جاء يسوع وقرأ ذلك الاقتباس من الكتابات المقدسة. لقد قال أنه جاء يكرز بِسَنَةِ الرَّبِّ الْمَقْبُولَةِ. ولم يقرأ تكملة الآية التي تقول: "بِيَوْمِ انْتِقَامٍ لإِلَهِنَا". لم يقرأ يسوع ذلك لأن وقت انتقام ربنا لم يأتِ أوان بدئه بعد، كما وأنه لم يأتِ بعد. ولكن انتبهوا إليه. قد يأتي سريعاً وقريباً. قد لا يمضي وقت طويل قبل أن يَنْزِل الرب يسوع مِنَ السَّمَاءِ "بِهُتَافٍ، بِصَوْتِ رَئِيسِ مَلاَئِكَةٍ وَبُوقِ اللهِ، وَالأَمْوَاتُ فِي الْمَسِيحِ سَيَقُومُونَ أَوَّلاً. ثُمَّ نَحْنُ الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ سَنُخْطَفُ جَمِيعاً مَعَهُمْ فِي السُّحُبِ لِمُلاَقَاةِ الرَّبِّ فِي الْهَوَاءِ". عندها يوم انتقام ربنا سيبدأ على هذا العالم البائس. وعندها سفر الهلاك سيُفتَح، وأبواق الدينونة ستُنفخ، وجامات الغضب ستُسكب على هذا العالم الآثم. هذا الدهر التدبيري كله الذي فيه نعمة الله والذي نعيش فيه، يضعه الرب يسوع في حالة سبات. ولذلك لم يتابع القراءة عن "يَوْمِ انْتِقَامٍ لإِلَهِنَا". أناشدكم أن تستفيدوا من نعمة الله قبل أن يظهر في الدينونة ليهزّ بشكل مرعب هذا العالم ويغلق الباب. الباب مفتوح اليوم وواسع، وهو يقول: "كُلُّ مَنْ يَأْتِي إِلَيَّ".

قرأ ربّنا يسوع هذا المقطع من الكتابات المقدسة ثم أغلق السفر. لقد لفّ الدُرج وأعطاه من جديد إلى الخادم، وجلسَ. نهض ليقرأ الكلمة وجلس ليعلّمها. وبدأ يقول لهم: "الْيَوْمَ قَدْ تَمَّ هذَا الْمَكْتُوبُ فِي مَسَامِعِكُمْ". أي أنه طبّق الكتاب المقدس على نفسه. "رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ"- أي على يسوع. إنه هو الذي جاء ليحقق فعلياً هذه النبوءة من العهد القديم. في العهد القديم، في سفر النبي أشعياء، لدينا هذه النبوءة الرائعة عن المسيا الذي سيأتي. الرب يسوع المسيح أخذ هذه الكلمات نفسها وقرأها، وطبّقها على نفسه، لدهشة مستمعيه الشديدة. أن يطبّقها على نفسه أمر وأن يبرهنها أمر آخر، ولكنه برهنها عن طريق ما صنعه. لقد فعل نفس الشيء الذي ورد في هذه الكلمات، وهو ما يزال يصنع ذلك عبر كل القرون منذ ذلك الحين. اختبره ملايين الناس. لقد جاؤوا إليه. جاؤوا إليه بخطاياهم. جاؤوا إليه ليتحرروا من سلاسل قيود عاداتهم الشريرة، ووضعوا عليه اتّكالهم وإيمانهم، ووجدوا أنه قادر على أن يصنع ما قال أنه سيفعل.

وصرّح قائلاً: "الْيَوْمَ قَدْ تَمَّ هذَا الْمَكْتُوبُ فِي مَسَامِعِكُمْ". ونعلم أن الْجَمِيع كانوا يَشْهَدُونَ لَهُ وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْ كَلِمَاتِ النِّعْمَةِ الْخَارِجَةِ مِنْ فَمِهِ، وَيَقُولُونَ: "«أَلَيْسَ هذَا ابْنَ يُوسُفَ؟»". لم يسمعوا في حياتهم شيئاً من هذا القبيل. لم تقل أياً من الكتابات المقدسة مثل هذا من قبل. لم يجرؤ أحد أبداً على الإطلاق أن يطبّق هكذا نبوءة على نفسه. لقد كان فعلاً ابن العذراء مريم المباركة، ولكن على حد معرفتهم به حتى ذلك الوقت كانوا يعرفونه على أنه ابن يوسف، الذي أخذ والدته تحت جناح حمايته وعنايته. ولذلك قالوا: "«أَلَيْسَ هذَا ابْنَ يُوسُفَ؟»" لقد كان يعرف ما يفكرون به. وقال لهم: "«عَلَى كُلِّ حَال تَقُولُونَ لِي هذَا الْمَثَلَ: أَيُّهَا الطَّبِيبُ اشْفِ نَفْسَكَ! كَمْ سَمِعْنَا أَنَّهُ جَرَى فِي كَفْرِنَاحُومَ، فَافْعَلْ ذلِكَ هُنَا أَيْضًا فِي وَطَنِكَ»". وأضاف قائلاً: "لَيْسَ نَبِيٌّ مَقْبُولاً فِي وَطَنِهِ". لقد كان يعرف بعدم الإيمان الذي كان يسود على قلوبهم، حتى أنه ما كانت لديهم أي رغبة في التوجه نحو الله في توبة. ولذلك استخدم مثليت توضيحيين فقال: "بِالْحَقِّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّ أَرَامِلَ كَثِيرَةً كُنَّ فِي إِسْرَائِيلَ فِي أَيَّامِ إِيلِيَّا حِينَ أُغْلِقَتِ السَّمَاءُ مُدَّةَ ثَلاَثِ سِنِينَ وَسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمَّا كَانَ جُوعٌ عَظِيمٌ فِي الأَرْضِ كُلِّهَا وَلَمْ يُرْسَلْ إِيلِيَّا إِلَى وَاحِدَةٍ مِنْهَا إِلاَّ إِلَى امْرَأَةٍ أَرْمَلَةٍ إِلَى صِرْفَةِ صَيْدَاءَ. وَبُرْصٌ كَثِيرُونَ كَانُوا فِي إِسْرَائِيلَ فِي زَمَانِ أَلِيشَعَ النَّبِيِّ وَلَمْ يُطَهَّرْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ إِلاَّ نُعْمَانُ السُّرْيَانِيُّ»". نعمان السرياني كان أممياً وهذا ما استثار غضبهم. لم يرُقْ لهم أن يتحدث على هذا النحو. لقد فهموا من كلام يسوع أن الله يهتم بالأمميين المحتاجين كما اهتمامه باليهود. نعم. إنه في غاية الاهتمام بجميع المحتاجين، "إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ". إنه الرب نفسه على الجميع.

عندما قدّم يسوع هذين المثلين عن نعمة الله التي تتجه إلى الأمميين المحتاجين استشاطوا غيظاً وقَامُوا وَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ.

ذهبت قبل بضع سنوات إلى ذلك الطريق الذي ساروا فيه، وأمكنني أن أتصور المجمع والحشد المكتظ حول يسوع وهم يقولون: "إننا لا نبالي بما تقول. فاخرج من هنا". أَخْرَجُوهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ، وَجَاءُوا بِهِ إِلَى حَافَّةَ الْجَبَلِ الَّذِي كَانَتْ مَدِينَتُهُمْ مَبْنِيَّةً عَلَيْهِ حَتَّى يَطْرَحُوهُ إِلَى أَسْفَلٍ. ولكنه "جَازَ فِي وَسْطِهِمْ وَمَضَى". كيف نجا؟ هل كانت هذه معجزة؟ أعتقد ذلك. لقد عبر وسطهم ولم يستطيعوا أن يروا إلى أين مضى، ولذلك لم يستطيعوا أن يلقوا به من فوق الجرف. ساعته لم تأتِ بعد. لقد جاء إلى هذا العالم ليموت على صليب الجلجلة، وما من قوة بشرية أو شيطانية كان ليمكن أن تنهي حياته إلى أن تأتي تلك الساعة عندما يسلّم ذاته فدية عن الخطاة، على عود الصليب. وحتى ذلك الوقت تكون كل قوتهم عبثاً لا طائل منها.