الخطاب ٥٣

مَثَل العشاء العظيم

"١وَإِذْ جَاءَ إِلَى بَيْتِ أَحَدِ رُؤَسَاءِ الْفَرِّيسِيِّينَ فِي السَّبْتِ لِيَأْكُلَ خُبْزاً كَانُوا يُرَاقِبُونَهُ. ٢وَإِذَا إِنْسَانٌ مُسْتَسْقٍ كَانَ قُدَّامَهُ. ٣فَأَجَابَ يَسُوعُ وَكَلَّمَ النَّامُوسِيِّينَ وَالْفَرِّيسِيِّينَ قَائِلاً: «هَلْ يَحِلُّ الإِبْرَاءُ فِي السَّبْتِ؟» ٤فَسَكَتُوا. فَأَمْسَكَهُ وَأَبْرَأَهُ وَأَطْلَقَهُ. ٥ثُمَّ أَجَابَهُم وَقَالَ: «مَنْ مِنْكُمْ يَسْقُطُ حِمَارُهُ أَوْ ثَوْرُهُ فِي بِئْرٍ وَلاَ يَنْشِلُهُ حَالاً فِي يَوْمِ السَّبْتِ؟» ٦فَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يُجِيبُوهُ عَنْ ذَلِكَ. ٧وَقَالَ لِلْمَدْعُوِّينَ مَثَلاً وَهُوَ يُلاَحِظُ كَيْفَ اخْتَارُوا الْمُتَّكَآتِ الأُولَى قَائِلاً لَهُمْ: ٨«مَتَى دُعِيتَ مِنْ أَحَدٍ إِلَى عُرْسٍ فَلاَ تَتَّكِئْ فِي الْمُتَّكَإِ الأَوَّلِ لَعَلَّ أَكْرَمَ مِنْكَ يَكُونُ قَدْ دُعِيَ مِنْهُ. ٩فَيَأْتِيَ الَّذِي دَعَاكَ وَإِيَّاهُ وَيَقُولَ لَكَ: أَعْطِ مَكَاناً لِهَذَا. فَحِينَئِذٍ تَبْتَدِئُ بِخَجَلٍ تَأْخُذُ الْمَوْضِعَ الأَخِيرَ. ١٠بَلْ مَتَى دُعِيتَ فَاذْهَبْ وَاتَّكِئْ فِي الْمَوْضِعِ الأَخِيرِ حَتَّى إِذَا جَاءَ الَّذِي دَعَاكَ يَقُولُ لَكَ: يَا صَدِيقُ ارْتَفِعْ إِلَى فَوْقُ. حِينَئِذٍ يَكُونُ لَكَ مَجْدٌ أَمَامَ الْمُتَّكِئِينَ مَعَكَ. ١١لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَرْفَعُ نَفْسَهُ يَتَّضِعُ وَمَنْ يَضَعُ نَفْسَهُ يَرْتَفِعُ». ١٢وَقَالَ أَيْضاً لِلَّذِي دَعَاهُ: «إِذَا صَنَعْتَ غَدَاءً أَوْ عَشَاءً فَلاَ تَدْعُ أَصْدِقَاءَكَ وَلاَ إِخْوَتَكَ وَلاَ أَقْرِبَاءَكَ وَلاَ الْجِيرَانَ الأَغْنِيَاءَ لِئَلاَّ يَدْعُوكَ هُمْ أَيْضاً فَتَكُونَ لَكَ مُكَافَأةٌ. ١٣بَلْ إِذَا صَنَعْتَ ضِيَافَةً فَادْعُ الْمَسَاكِينَ: الْجُدْعَ الْعُرْجَ الْعُمْيَ ١٤فَيَكُونَ لَكَ الطُّوبَى إِذْ لَيْسَ لَهُمْ حَتَّى يُكَافُوكَ لأَنَّكَ تُكَافَى فِي قِيَامَةِ الأَبْرَارِ». ١٥فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ وَاحِدٌ مِنَ الْمُتَّكِئِينَ قَالَ لَهُ: «طُوبَى لِمَنْ يَأْكُلُ خُبْزاً فِي مَلَكُوتِ اللهِ». ١٦فَقَالَ لَهُ: «إِنْسَانٌ صَنَعَ عَشَاءً عَظِيماً وَدَعَا كَثِيرِينَ ١٧وَأَرْسَلَ عَبْدَهُ فِي سَاعَةِ الْعَشَاءِ لِيَقُولَ لِلْمَدْعُوِّينَ: تَعَالَوْا لأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ قَدْ أُعِدَّ. ١٨فَابْتَدَأَ الْجَمِيعُ بِرَأْيٍ وَاحِدٍ يَسْتَعْفُونَ. قَالَ لَهُ الأَوَّلُ: إِنِّي اشْتَرَيْتُ حَقْلاً وَأَنَا مُضْطَرٌّ أَنْ أَخْرُجَ وَأَنْظُرَهُ. أَسْأَلُكَ أَنْ تُعْفِيَنِي. ١٩وَقَالَ آخَرُ: إِنِّي اشْتَرَيْتُ خَمْسَةَ أَزْوَاجِ بَقَرٍ وَأَنَا مَاضٍ لأَمْتَحِنَهَا. أَسْأَلُكَ أَنْ تُعْفِيَنِي. ٢٠وَقَالَ آخَرُ: إِنِّي تَزَوَّجْتُ بِامْرَأَةٍ فَلِذَلِكَ لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَجِيءَ. ٢١فَأَتَى ذَلِكَ الْعَبْدُ وَأَخْبَرَ سَيِّدَهُ بِذَلِكَ. حِينَئِذٍ غَضِبَ رَبُّ الْبَيْتِ وَقَالَ لِعَبْدِهِ: اخْرُجْ عَاجِلاً إِلَى شَوَارِعِ الْمَدِينَةِ وَأَزِقَّتِهَا وَأَدْخِلْ إِلَى هُنَا الْمَسَاكِينَ وَالْجُدْعَ وَالْعُرْجَ وَالْعُمْيَ. ٢٢فَقَالَ الْعَبْدُ: يَا سَيِّدُ قَدْ صَارَ كَمَا أَمَرْتَ وَيُوجَدُ أَيْضاً مَكَانٌ. ٢٣فَقَالَ السَّيِّدُ لِلْعَبْدِ: اخْرُجْ إِلَى الطُّرُقِ وَالسِّيَاجَاتِ وَأَلْزِمْهُمْ بِالدُّخُولِ حَتَّى يَمْتَلِئَ بَيْتِي ٢٤لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ لَيْسَ وَاحِدٌ مِنْ أُولَئِكَ الرِّجَالِ الْمَدْعُوِّينَ يَذُوقُ عَشَائِي»" (لوقا ١٤: ١- ٢٤).

من جديد نجد ربنا يُدعى إلى العشاء. وفي هذه المناسبة صاحب الدعوة يكون أَحَد رُؤَسَاءِ الْفَرِّيسِيِّينَ. لا يخبرنا الإنجيل عما إذا كان قد طلب من يسوع أن يتعشى معه ومع بعض أصدقائه بسبب اهتمام حقيقي صادق به وبرسالته، أو عما إذا كان الأمر ببساطة أنه فعل ذلك بدافع الفضول أو لكي ينتقد كلمات يسوع وتصرفه. مهما يكن من أمر، فقد قبل يسوع الدعوة، وكالمعتاد سرعان ما صار المضيف الحقيقي أكثر منه ضيفاً خاصاً فقط. أينما ذهب كان على الناس أن يعترفوا بعلو مقامه وسموه، رغم أنه كان حليماً متواضع القلب دائماً وأبداً. هناك أمر يستوقفنا في كلماته وتحمله لدرجة أن أعداءه أنفسهم كانوا يضطرون للاعتراف بسلطانه الذي كان يعلّم به.

الضيوف الآخرون في هذه المناسبة الخاصة كانوا عبارة عن عدد من الناموسيين والفريسيين الذين كانوا يراقبون يسوع عن كثب، وهم تواقون ليجدوا شيئاً يمسكونه عليه. وسرعان ما جاءت الفرصة، إذ كان هناك رجل فقير بائس مبتلٍ في يوم السبت ذاك، والذي كان قد أصيب بالاستسقاء. انعطف قلب الرب نحوه في إشفاق وحنو. من الواضح أن الرجل المريض كان يأمل أن يصنع الرب شيئاً له، ولم يُخيّب ظنه، لأن يسوع التفت إلى الضيوف الآخرين وسأل: "هَلْ يَحِلُّ الإِبْرَاءُ فِي السَّبْتِ؟” لقد كان يعرف تحاملهم وآراءهم المسبقة وكيف كانوا يحاولون أن يجدوا عيباً فيه في عدة مناسبات سابقة لأنه خلّص الناس من الأمراض في أيام السبت. لقد كانوا مهتمين بالطقوس الخارجية أكثر من حاجات الإنسان، ولكن عندما وجه الرب يسوع كلامه إليه مباشرة، لم يجرأوا على الإجابة. وعندما لم يجيبوه، يخبرنا الإنجيل، أنه "أَمْسَكَ (الرجل) وَأَبْرَأَهُ وَأَطْلَقَهُ". عرف الرب ما كان في قلوبهم؛ ولذلك التفت إليهم وسألهم: "مَنْ مِنْكُمْ يَسْقُطُ حِمَارُهُ أَوْ ثَوْرُهُ فِي بِئْرٍ وَلاَ يَنْشِلُهُ حَالاً فِي يَوْمِ السَّبْتِ؟” كانوا ليعتبروا أنه من الملائم والصحيح أن يحرروا أحد البهائم لديهم من بؤس يقع فيه حتى يوم السبت، ولكنهم كانوا ليتجاهلوا حاجات الإنسانية المبتلية والمضايقة. لم يستطيعوا أن يجيبوه بخصوص تلك الأمور.

وإذ لم يجد جواباً عند الناموسيين والفريسيين المرتبكين، وجّه يسوع خطابه عندئذ إلى الضيوف ككل. لقد لاحظ كيف سعى كل واحد منهم ليحصل على أفضل مكان على المائدة. ونقرأ أنه "قَالَ لِلْمَدْعُوِّينَ مَثَلاً وَهُوَ يُلاَحِظُ كَيْفَ اخْتَارُوا الْمُتَّكَآتِ الأُولَى قَائِلاً لَهُمْ: مَتَى دُعِيتَ مِنْ أَحَدٍ إِلَى عُرْسٍ فَلاَ تَتَّكِئْ فِي الْمُتَّكَإِ الأَوَّلِ لَعَلَّ أَكْرَمَ مِنْكَ يَكُونُ قَدْ دُعِيَ مِنْهُ. فَيَأْتِيَ الَّذِي دَعَاكَ وَإِيَّاهُ وَيَقُولَ لَكَ: أَعْطِ مَكَاناً لِهَذَا. فَحِينَئِذٍ تَبْتَدِئُ بِخَجَلٍ تَأْخُذُ الْمَوْضِعَ الأَخِيرَ. بَلْ مَتَى دُعِيتَ فَاذْهَبْ وَاتَّكِئْ فِي الْمَوْضِعِ الأَخِيرِ حَتَّى إِذَا جَاءَ الَّذِي دَعَاكَ يَقُولُ لَكَ: يَا صَدِيقُ ارْتَفِعْ إِلَى فَوْقُ. حِينَئِذٍ يَكُونُ لَكَ مَجْدٌ أَمَامَ الْمُتَّكِئِينَ مَعَكَ. لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَرْفَعُ نَفْسَهُ يَتَّضِعُ وَمَنْ يَضَعُ نَفْسَهُ يَرْتَفِعُ". لقد كان يفترض أن الآخرين ينبغي أن يفعلوا كما فعل هو. ذاك الذي كان له الحق بأن يتمتع بأعلى مقام نزل من بيت الآب إلى هذه الأرض. وهنا اتخذ مكانة وضيعة؛ ولكن في الزمن المحدد من قِبل الله أُعطي أعلى مكانة حيث يجلس الآن على يمين الآب. هو الذي يعلّمنا هذه الدروس من التواضع، ويا له من توبيخ نتلقاه على كبريائنا! نحن دائماً نتطلع إلى الاعتراف والتمييز، ونشعر بالأذى إن لم نحظى به؛ ولكن ربنا كان دائماً مستعداً ليأخذ أكثر الأماكن اتضاعاً. بالتأكيد يجب أن يشعرنا هذا بالخجل والخزي.

ثم نجد أن الرب ليس فقط علّم الضيوف درساً، بل أيضاً وإذ كان ينظر حوله رأى نوع أولئك الأشخاص الذين كانوا حاضرين. فخاطب مضيفه، وبشكل غير مباشر، كل الضيوف: "وَقَالَ أَيْضاً لِلَّذِي دَعَاهُ: إِذَا صَنَعْتَ غَدَاءً أَوْ عَشَاءً فَلاَ تَدْعُ أَصْدِقَاءَكَ وَلاَ إِخْوَتَكَ وَلاَ أَقْرِبَاءَكَ وَلاَ الْجِيرَانَ الأَغْنِيَاءَ لِئَلاَّ يَدْعُوكَ هُمْ أَيْضاً فَتَكُونَ لَكَ مُكَافَأةٌ". أليس ذلك أحد الأسباب التي نختار على أساسها ضيوفاً معينين ندعوهم؟ عندما نقيم وليمة عشاء، معظمنا يكتب قائمة بأسماء الذين سيدعوهم ويختار منهم من سيرد له المجاملة على الأرجح بدعوته له إلى بيته عندما يقيم مأدبة مشابهة. هذا هو الأمر المتبع في العالم، ولكن يجب ألا يُمارس من قِبل أولئك الذين يعترفون بأنهم يتبعون المسيح. قال: "إِذَا صَنَعْتَ ضِيَافَةً فَادْعُ الْمَسَاكِينَ: الْجُدْعَ الْعُرْجَ الْعُمْيَ فَيَكُونَ لَكَ الطُّوبَى إِذْ لَيْسَ لَهُمْ حَتَّى يُكَافُوكَ لأَنَّكَ تُكَافَى فِي قِيَامَةِ الأَبْرَارِ". هذه هي القيامة الأولى- قيامة الحياة عندما سيقوم كل أولئك الذين ماتوا في الرب وسيحضرون أمام كرسي الدينونة، هناك لتتم مكافأتهم بحسب الأعمال التي صنعوها عندما كانوا في الجسد.

من الواضح أن هذا التعليم الذي أعطاه يسوع على تلك المائدة قد أثر بأحد الرجال لدرجة أنه هتف بحماسة تقية قائلاً: "طُوبَى لِمَنْ يَأْكُلُ خُبْزاً فِي مَلَكُوتِ اللهِ". بمعنى، إن كان ملكوت الله هو المجال الذي يسعى فيه الجميع إلى المكان المتواضع، وحيث الفقراء والْجُدْع هم موضع ترحيب بهيج، فبالتأكيد سيكون امتيازاً عظيماً أن يشارك المرء في هكذا شركة رائعة. رداً على ذلك سرد يسوع مثل العشاء العظيم ليظهر أن هناك بضعة فقط نسبياً من أولئك الذين على استعداد ورغبة بأن يستفيدون من الدعوة إلى تناول الخبز في ملكوت الله. فأخبر عن إنسان معين أقام وليمة عظيمة، وفي وقت العشاء أرسل خدامه لينادي الضيوف المدعوين. لكن "ابْتَدَأَ الْجَمِيعُ بِرَأْيٍ وَاحِدٍ يَسْتَعْفُونَ". هذه هي الطريقة التي يعامل بها الناس دعوة الإنجيل. الإنسان الطبيعي ليس له رغبة في أمور الله. امتياز المكان في وليمة الخلاص العظيمة لا يعني شيئاً له. بالنسبة له الوليمة مقامة عبثاً دون فائدة. فقط عندما يعمل روح قدس الله في قلب ووجدان الإنسان يكون مستعداً بأن يدخل ويجلس إلى وليمة الإنجيل. عندما أقام الله بمحبة المأدبة لإسرائيل، رفضوا أن يدخلوا إليها. وهذا يصح على الكثير من الأمميين اليوم. لا أعرف أي شيء آخر يتوافق عليه الناس. هم لا يتوافقون في القضايا السياسية أو المسائل الدينية، ولكنهم لا يريدون المسيح، ولا يريدون أن يخضعوا حياتهم للمخلّص الذي أمّنه الله إلى أن يبكّتهم الروح القدس على ضلالهم وعلى حالتهم البائسة المحتاجة. "فَابْتَدَأَ الْجَمِيعُ بِرَأْيٍ وَاحِدٍ يَسْتَعْفُونَ. قَالَ لَهُ الأَوَّلُ: إِنِّي اشْتَرَيْتُ حَقْلاً وَأَنَا مُضْطَرٌّ أَنْ أَخْرُجَ وَأَنْظُرَهُ. أَسْأَلُكَ أَنْ تُعْفِيَنِي. وَقَالَ آخَرُ: إِنِّي اشْتَرَيْتُ خَمْسَةَ أَزْوَاجِ بَقَرٍ وَأَنَا مَاضٍ لأَمْتَحِنَهَا. أَسْأَلُكَ أَنْ تُعْفِيَنِي". إنها أعذار تافهة واهية بالفعل وحماقة كلّية. وأخيراً جاء رجلٌ شعر بأن لديه عذرٌ قويٌ مبرر. قال: "إِنِّي تَزَوَّجْتُ بِامْرَأَةٍ فَلِذَلِكَ لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَجِيءَ". كم من رجلٍ يسمح لزوجته بأن تحول بينه وبين الرب، وكم من امرأة تسمح لزوجها بأن يكون عائقاً بينها وبين الرب! "فَأَتَى ذَلِكَ الْعَبْدُ وَأَخْبَرَ سَيِّدَهُ بِذَلِكَ. حِينَئِذٍ غَضِبَ رَبُّ الْبَيْتِ". لنتريث هنا. هل يغضب الله على البشر؟ يخبرنا الكتاب المقدس أن "اَللهُ يَسْخَطُ فِي كُلِّ يَوْمٍ". عندما يرفض المرء ابن الله عن عمد، فإن قلب الله يمتلئ بسخط مقدس. الله يحب ابنه ويرغب أن يرى البشر يكرّمون الابن كما يكرّمون الآب.

وإذ يستاء ويرفض أولئك الذين ازدروا بوليمته، دعا السيّد عبده وقال له: "اخْرُجْ عَاجِلاً إِلَى شَوَارِعِ الْمَدِينَةِ وَأَزِقَّتِهَا وَأَدْخِلْ إِلَى هُنَا الْمَسَاكِينَ وَالْجُدْعَ وَالْعُرْجَ وَالْعُمْيَ. فَقَالَ الْعَبْدُ: يَا سَيِّدُ قَدْ صَارَ كَمَا أَمَرْتَ وَيُوجَدُ أَيْضاً مَكَانٌ". هكذا كان الحال بعد تنحية بني إسرائيل، حيث توجهت دعوة الإنجيل خارجاً بشكل واسع، ولكن البيت لم يمتلئ بعد. "فَقَالَ السَّيِّدُ لِلْعَبْدِ: اخْرُجْ إِلَى الطُّرُقِ وَالسِّيَاجَاتِ وَأَلْزِمْهُمْ بِالدُّخُولِ حَتَّى يَمْتَلِئَ بَيْتِي لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ لَيْسَ وَاحِدٌ مِنْ أُولَئِكَ الرِّجَالِ الْمَدْعُوِّينَ يَذُوقُ عَشَائِي". إنه دهر تدبيري. أتت الرسالة أولاً إلى اليهود، ولكنهم رفضوه، فانتقلت عندئذ إلى الأمميين. يقول الرسول بولس أنهم "سَيَسْمَعُونَ"، ولكن ليس جميعهم. على مدى القرون كان هناك ملايين ممن قبلوا الدعوة، ولكن البيت لم يمتلئ بعد. لا يزال هناك مكان للمزيد من الناس، والدعوة تمتد إلى كل المبتلين بالخطيئة والحزانى. أرسل السيد عبده لينفّذ أمره أن "أَلْزِمْهُمْ بِالدُّخُولِ". الخادم والعبد هنا هو الروح القدس. فهو وحده الذي يستطيع أن يلزم الناس إلى المجيء إلى المسيح. في رواية متى لوليمة العرس الخدّام هم الذين وجّهوا الدعوة. يستطيعون فقط أن يطلبوا من الناس أن يأتوا؛ ولا يستطيعون إلزامهم أو إجبارهم على المجيء. ولكن هنا نجد عبداً، وليس عبيد. وهذا العبد يلزم الناس بالمجيء بتبكيتهم على خطيئتهم وبجعله إياهم يدركون حاجتهم إلى مخلّص.

"يا لفرحي إذ خلقتني لأسمع صوتك
وأدخل إذ لي مكان هناك،
بينما آلافٌ يأخذون خيار التعاسة،
فيموتون جوعاً بدلاً أن يأتوا إليك.
كان ذلك هو نفس الحب الذي أقام الوليمة
وألزمني بالدخول إليها في لطفٍ؛
وإلا كنتُ لا أزال أرفض أن أتذوق الطعام
وأهلك في خطيئتي".