الخطاب ١٠

نَسَب يسوع

"٢٣وَلَمَّا ابْتَدَأَ يَسُوعُ كَانَ لَهُ نَحْوُ ثَلاَثِينَ سَنَةً، وَهُوَ عَلَى مَا كَانَ يُظَنُّ ابْنَ يُوسُفَ، بْنِ هَالِي،٢٤بْنِ مَتْثَاتَ، بْنِ لاَوِي، بْنِ مَلْكِي، بْنِ يَنَّا، بْنِ يُوسُفَ،٢٥بْنِ مَتَّاثِيَا، بْنِ عَامُوصَ، بْنِ نَاحُومَ، بْنِ حَسْلِي، بْنِ نَجَّايِ، ٢٦بْنِ مَآثَ، بْنِ مَتَّاثِيَا، بْنِ شِمْعِي، بْنِ يُوسُفَ، بْنِ يَهُوذَا،٢٧بْنِ يُوحَنَّا، بْنِ رِيسَا، بْنِ زَرُبَّابِلَ، بْنِ شَأَلْتِئِيلَ، بْنِ نِيرِي،٢٨بْنِ مَلْكِي، بْنِ أَدِّي، بْنِ قُصَمَ، بْنِ أَلْمُودَامَ، بْنِ عِيرِ، ٢٩بْنِ يُوسِي، بْنِ أَلِيعَازَرَ، بْنِ يُورِيمَ، بْنِ مَتْثَاتَ، بْنِ لاَوِي،٣٠بْنِ شِمْعُونَ، بْنِ يَهُوذَا، بْنِ يُوسُفَ، بْنِ يُونَانَ، بْنِ أَلِيَاقِيمَ،٣١بْنِ مَلَيَا، بْنِ مَيْنَانَ، بْنِ مَتَّاثَا، بْنِ نَاثَانَ، بْنِ دَاوُدَ،٣٢بْنِ يَسَّى، بْنِ عُوبِيدَ، بْنِ بُوعَزَ، بْنِ سَلْمُونَ، بْنِ نَحْشُونَ،٣٣بْنِ عَمِّينَادَابَ، بْنِ آرَامَ، بْنِ حَصْرُونَ، بْنِ فَارِصَ، بْنِ يَهُوذَا، ٣٤بْنِ يَعْقُوبَ، بْنِ إِسْحَاقَ، بْنِ إِبْرَاهِيمَ، بْنِ تَارَحَ، بْنِ نَاحُورَ،٣٥بْنِ سَرُوجَ، بْنِ رَعُو، بْنِ فَالَجَ، بْنِ عَابِرَ، بْنِ شَالَحَ، ٣٦بْنِ قِينَانَ، بْنِ أَرْفَكْشَادَ، بْنِ سَامِ، بْنِ نُوحِ، بْنِ لاَمَكَ، ٣٧بْنِ مَتُوشَالَحَ، بْنِ أَخْنُوخَ، بْنِ يَارِدَ، بْنِ مَهْلَلْئِيلَ، بْنِ قِينَانَ،٣٨بْنِ أَنُوشَ، بْنِ شِيتِ، بْنِ آدَمَ، ابْنِ اللهِ" (لوقا ٣: ٢٣- ٣٨).

نأتي الآن إلى التمعن في سلسلة نسب ربنا يسوع المسيح. أولئك الذين قرأوا كتابهم المقدس بانتباه غالباً ما لاحظوا سلسلتي نسب للمخلّص- الأولى التي تُوجد في الأصحاح الأول من إنجيل متى، مبتدئة تدوين العهد الجديد، والأخرى المعطاة هنا في الأصحاح الثالث من إنجيل لوقا.

لدينا في العهد القديم لوائح عديدة بسلاسل نسب. في سفر التكوين لدينا عشرة منهم، وفي أسفار العهد القديم الأخرى، وخاصة أخبار الأيام الأول، لدينا الكثير منها. لقد كان لله هدف في المحافظة على هذه اللوائح. قد لا تبدو شيّقة بالنَّسَبة لنا. في معظم الأحيان، أولئك الذين يقرأون الكتاب المقدس بيننا بشكل كامل وبشكل منتظم عاماً بعد الآخر، يصيبهم الميل إلى إغفال هذه السلسلة واعتبارها بلا قيمة روحية حقيقية، ومع ذلك فمن حين إلى آخر نجد اسماً ما يلمع وسط أصحاح ما قلّما نكون قد تلفظنا به. إننا نعلم بالتأكيد أنه كان هناك مقصد خاص جعل الله يحفظ هذه الأسماء، وهذا هو ما يلي: قال الله: "لا يَزُولُ قَضِيبٌ مِنْ يَهُوذَا وَمُشْتَرِعٌ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهِ حَتَّى يَأتِيَ شِيلُونُ وَلَهُ يَكُونُ خُضُوعُ شُعُوبٍ" (تك ٤٩: ١٠). وشِيلُونُ هو اسمٌ لربّنا، يسوع المسيح، مسيّا إسرائيل، أمير السلام، لأن شِيلُون تعني "سلام". وقد رأى الله أن يحفظ لوائح وسلاسل النَّسَب تلك من آدم، مروراً بإبراهيم، وصولاً إلى داود، ثم من داود إلى مجيء ربنا يسوع المسيح إلى العالم، لكي يتم برهان حقّه في عرش داود بشكل قاطع جازم.

لا يزال هناك اليوم أناس يرفضون المخلّص على أنه المسيا، كاليهود، الذين لا يزالون يبحثون عن المسيا، ويتوقعون أن تتحقق النبوءات في العهد القديم المتعلقة بمجيء مسيح الرب إلى العالم، قريباً أو بعد فترة من الزمن في المستقبل. لو لم يكن يسوع هو المسيا لما كانت هناك أية مدونات يمكن أن يستندوا عليها ليتابعوا نسب من سيأتي في المستقبل معترفاً بأنه ابن داود الحقيقي، والذي قُدّر له أن يحقق الوعود التي قُطعت لشعب إسرائيل وأن يملك على العالم الأممي. ليس لديهم طريقة اليوم لأن يبرهنوا بأن أي مسيا مستقبلي هو المخلّص الموعود حقاً. لقد فُقدت كل سلاسل النسب. ليس لدينا منها إلا ما نجده في الكتاب المقدس. بعد مجيء الرب يسوع المسيح لم تُحفظ أية سجلّات أو تدوينات يمكن أن تسمح لأي أحد بتعقب سلسلة نسب أي ابن مستقبلي لداود، هذا إن ظهر. ولذلك فإن الله كان لديه سبب خاص لحفظ سلاسل النسب هذه إلى أن وُلد ابنه فعلياً في العالم من عذراء كما قالت النبوءة. بعد ذلك لم يكن هناك أي سبب خاص يستدعي حفظ السجلات، ولذلك فقد فُقدت.

عندما ترجعون إلى إنجيل متى ستجدون أن يوسف هو ابن رجل يُدعى يعقوب، وليس هالي؛ ومن هالي وإلى الخلف حتى داود لديكم في لوقا سلسلة مختلفة كلياً عما في متى. قد يبدو هذا تناقضاً في الكتاب المقدس. يُبرهن هذا بالتأكيد على أن الكتاب المقدس، أولاً وأخيراً، لا يمكن أن يكون موحى من الله، بل هو مركب من مجموعة تدوينات بشرية مجردة وهو غير جدير بالثقة. هذا ما يفكر به الإنسان العادي. ولكن عندما ننظر إلى الكتاب المقدس بعناية، أعتقد أن الغموض يتلاشى. إنه لأمر لافت أن الله حفظ مفتاح السر في السفر الأخير على الأرض حتى نجده.

بعد سقوط أورشليم،قام اليهود، ولكي يحفظوا لشعبهم تعاليم الماضي العظيمة، بجمع عدة أشياء في سلسلة مجلدات تُدعى "التلمود"، واليوم يُولي اليهود التقليديون عناية كبيرة جداً إلى دراسة التلمود أكثر مما يهتمون بدراسة الكتابات المقدسة نفسها، ومع ذلك فقد سرّني أن أرى في مجلة يهودية أن بعض الربانيين الرواد في هذا القرن يحثون اليهود على أن يطلّعوا على العهد القديم، وأن يقرأوه بعناية وتأنٍ. هذا يسعدنا لأننا نعلم أنه إن قرأ الناس العهد القديم بعناية وبتأنٍ، فإن الكثيرين منهم سيأتون إلى نور العهد الجديد. العهد القديم يرشد الناس إلى المسيح المُعلَن عنه في العهد الجديد. في التلمود اليهودي، والذي كُتب بعد بضعة سنوات وحسب من موت ربنا يسوع المسيح، نعلم أن يسوع كان الابن غير الشرعي لمريم التي من بيت لحم، ابنة هالي وهذا يكشف لنا السر.

أسماء الناس ملغاة في سلسلة النسب هذه، ولكن نعلم هنا أن يوسف كان ابن هالي. فهذه السلسلة إذاً هي سلسلة نسب مريم بشكل واضح. كان هالي والد مريم، ويوسف بزواجه لمريم صار ابناً لهالي. المتزوجون لهم أسرتين، أليس كذلك؟ أنتم أيها الأزواج تتكلمون عن أهل عروسكم على أنهما أب وأم لكم، والعروس تتكلم عن أهل زوجها على أنهما أب وأم لها. وهكذا كان الحال في إسرائيل في الأيام القديمة. عندما كان الرجل يتزوج إلى فتاة من عائلة معينة، كان يُعترف بأبيها وأمها على أنهما أبوه وأمه. وهكذا فإن يوسف كان فعلياً ابن يعقوب، ولكن من خلال زواجه لمريم صار ابناً لهالي، ومريم نفسها كانت ابنة بيت داود.

الغاية من إعطائنا سلستي نسب يبدو أنها التالي: في الأصحاح الأول من متى لدينا سلسلة نسب الملك. يتناول متى بشكل خاص مسيانية يسوع. لقد كُتب ليبرهن على أن يسوع كان ملك إسرائيل الموعود. يوسف، الذي تزوج مريم قبل ولادة يسوع فعلياً وأخذها تحت جناح حمايته، كان هو نفسه بالنسب ينحدر من داود، عبر الملك سليمان؛ ولو كانت الظروف ملائمة وعلى ما يرام في إسرائيل، لربما جلس يوسف على عرش داود. فبدلاً من أن يكون يوسف النجار كان ليكون يوسف ملك اليهود، ولكن بسبب السقوط والخطيئة التي دخلت، تمت تنحية عائلة داود جانباً، وصارت، كما نرى، في حالة مذرية. ومع ذلك، فإن النسب الملكي استمر كما ارتأى الله، ويوسف كان آخر شخص في نسب داود الملكي، وبزواجه من مريم، فإن ابنه يسوع، وإذ وُلد بعد أن دخلت في الحياة الزوجية معه، صار الوريث الشرعي لعرش داود. وهذا هو سبب وجود سلسة النسب هذه في إنجيل متى- ليبرهن على أن يسوع هو الوريث الشرعي لعرش داود.

لم يجرِ دم يوسف في عروق يسوع، وبحسب الأنبياء، فإن من المتوقع أن يأتي المسيا نفسه فعلياً من نسل داود. كان يُفترض أن يكون ابن بيت داود. إنه يُدعى ابن داود. يُظهر لوقا أن هذا أيضاً تحقق، إذ نجد من سلسلة النسب هذه أن هالي، والد مريم، ينحدر من نسل داود، ولكن النسل الذي أتت مريم منه كان لابن آخر من داود. كان هالي من ذرية ابن داود، ناثان، بالنسب. وهكذا فإن دم داود كان يجري في عروق مريم. ومن هنا، فإن ربنا يسوع المسيح عندما حُبل به بالروح القدس في رحم العذراء مريم المباركة ووُلد منها، كان فعلياً ابن داود. لقد كان ابن داود، الذي فاق أي ابن آخر، وهو الذي يؤكد مراحم الله على بيت داود، ويجلب البركة الأبدية على كل العالم- "الابن الأعظم لداود العظيم".

وإذاً كان الله حريصاً جداً هنا على أن يعطينا سلسلتي النسب كلتاهما، ليرينا أن الرب يسوع هو الملك الشرعي. من خلال يوسف صار له الحق الشرعي بالعرش، ومن ثم من خلال يكون ابن داود الحقيقي. ليس من أخطاء في أسفار الله. قد نصادف في الكتاب المقدس أشياء نجدها عسيرة الفهم، ولكن علينا أن نكون متأكدين من هذا: إن حصلنا على بعض معلومات إضافية، وإن حصلنا على معرفة أفضل، فإن كلمة الله سيتبين دائماً أنها صحيحة. ليس من أخطاء هنا. "كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحىً بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ، لِكَيْ يَكُونَ إِنْسَانُ اللهِ كَامِلاً، مُتَأَهِّباً لِكُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ" (٢ تيم ٣: ١٦، ١٧).

تذكروا، في سفر المزامير، أن الرب يتكلم عن شخص معين محدد سوف يكون أمامه، فيقول: "هَذَا الإِنْسَانُ، وهَذَا الإِنْسَانُ وُلِدَ فِيهَا، والْعَلِيُّ يُثَبِّتُهَا. الرَّبُّ يَعُدُّ فِي كِتَابَةِ الشُّعُوبِ «أَنَّ هذَا وُلِدَ هُنَاكَ»" (مز ٨٧: ٥، ٦). وهذا الإنسان هو مسيّا الله، مخلّص إسرائيل والعالم.

عندما نأتي لنتمعن بسلسلتي النسب هاتين اللتين في متى ولوقا نُصدم لأول وهلة بالفروقات بينهما، وافترض كثيرون أنهما متناقضتان. في إنجيل متى لدينا لائحة تبدأ بإبراهيم وتصل ذروتها في يوسف، الأب الذي ربى يسوع. ونقرأ في بداية إنجيل متى عن الأجيال التي سبقت يسوع المسيح، ابن دود، ابن إبراهيم. إن إنجيل متى هو إنجيل موجه لليهود. أرجو عدم إساءة فهمي عندما أقول ذلك. لا أقصد بذلك أنه ليس فيه كلمة موثوقة للأمميين، بل أقصد أنه كُتب بشكل خاص لأجل أناس يهود ليبرهن لهم أن يسوع الناصري هو المسيا الموعود به في العهد القديم. كان يجب أن يكون المسيا من نسل إبراهيم، الذي بك ستتبارك كل أمم الأرض، وكان يُفترض أن يأتي من نسل داود مباشرة. ولذلك ففي هذا الأصحاح الأول لدينا سلسلة نسب يسوع المسيح، ابن داود، ابن إبراهيم، وبدءاً من إبراهيم نصل إلى يوسف مباشرة. ونقرأ في الآية ١٦: "وَيَعْقُوبُ (أي، والد يوسف)، وَلَدَ يُوسُفَ رَجُلَ مَرْيَمَ الَّتِي وُلِدَ مِنْهَا يَسُوعُ الَّذِي يُدْعَى الْمَسِيحَ" (مت ١: ١٦). ثم يرينا الكتاب المقدس كيف أن مريم كانت قد حبلت بابن بالروح القدس قبل أن يقدّم لها يوسف الحماية باسمه ويأخذها إلى بيته كزوجة له. اللائحة في إنجيل متى هي بالتحديد سلسلة نسب يوسف. إنها تسرد لنا سلسلة النسب من إبراهيم إلى يوسف. وهي مقسمة إلى ثلاثة أقسام كل منها ١٤ جيلاً. وفي الواقع، عندما ترجعون إلى العهد القديم تجدون أنه كان هناك عدد من الأسماء الأخرى التي كان يجب ذكرها، ولكن لأسباب معينة أغفل الله أسماء بعضها. لقد أسقط اسم ثلاثة ملوك في اليهودية لأنهم تحدروا من نسل المرأة الرديئة إِيزَابَل. ولأسباب أخرى أسقط عدة أسماء من اللائحة، وركز انتباهنا على ثلاث مجموعات يتألف كل منها من ١٤ جيل.

في المثل الأخير، يبدو لأول وهلة أن لدينا فقط ١٣ اسماً. نقرأ في الآية ١٧: "فَجَمِيعُ الأَجْيَالِ مِنْ إِبْراهِيمَ إِلَى دَاوُدَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ جِيلاً وَمِنْ دَاوُدَ إِلَى سَبْيِ بَابِلَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ جِيلاً وَمِنْ سَبْيِ بَابِلَ إِلَى الْمَسِيحِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ جِيلاً". لاحظوا مرة أخرى الآية ١٦ التي تقول أن: "يَعْقُوبُ وَلَدَ يُوسُفَ". هذا هو الجيل الثاني عشر. "رَجُلَ مَرْيَمَ الَّتِي وُلِدَ مِنْهَا يَسُوعُ". هذا هو الجيل الثالث عشر. "الَّذِي يُدْعَى الْمَسِيحَ". هذا هو الجيل الرابع عشر، إذ عندما سيأتي في المرة الثانية سيُعترف به على أنه المسيح، مسيا إسرائيل.

في هذه اللائحة التي يعرضها متى لدينا اسم ٤ نساء يُشار إليهن إلى جانب مريم نفسها. من الطبيعي وحسب عادة اليهود ألا يكون هناك إشارة إلى أية نساء في سلاسة نسب لديهم، وأن النساء الأربعة المذكورات في هذه اللائحة هم النساء الأربع أنفسهم اللواتي كنّ يشعرن بالغيرة من نقاوة السلالة العبرية. كانت هناك ثَامَارَ، التي كان تاريخها أحد أتعس القصص في الكتاب المقدس. وهناك أيضاً رَاحَابَ، زانية أريحا. وهناك أيضاً رَاعُوثَ، الموآبية، المرأة التي كانت خارج عهد الوعد كلياً. وهناك بَثْشَبَعَ، التي كانت زوجة أُورِيَّا، والتي خَطِئَ داود معها بشكل خطير مميت. لماذا تُذكر أسماء هؤلاء النساء في القائمة هنا؟ بالتأكيد ليُظهر لنا أنه "حَيْثُ كَثُرَتِ الْخَطِيَّةُ ازْدَادَتِ النِّعْمَةُ جِدّاً". هؤلاء النساء جميعاً، واللواتي كانت ثلاثة منهن خاطئات عظيمات، نجد أسماءهن في سلسلة النسب التي جاء منها مخلّصنا. وأما الأخرى فقد كانت منبوذة وغريبة في موآب، وتلك قال الرب عنها أنه: "لا يَدْخُل وَلا مُوآبِيٌّ فِي جَمَاعَةِ الرَّبِّ. حَتَّى الجِيلِ العَاشِرِ" (تث ٢٣: ٣). هذه المنبوذة أدخلها الإنجيلي في اللائحة ليخبرنا بأن يسوع لم يكن فقط مسيا إسرائيل، بل هو مخلّص كل الخطاة، في كل الأمم الذين سيؤمنون به ويتكلون عليه.

والآن، إذ ننتقل إلى إنجيل لوقا وننظر إلى سلسلة النسب هناك، فإننا نجدها مختلفة تماماً. "لَمَّا ابْتَدَأَ يَسُوعُ كَانَ لَهُ نَحْوُ ثَلاَثِينَ سَنَةً". كان اللاوي يبلغ الثلاثين من العمر عندما يبدأ الخدمة. ومع ربنا يسوع يبدأ دهر تدبيري جديد. لقد بلغ الآن السن الذي يوشك فيه على أن يبدأ خدمته العلنية، "وَهُوَ عَلَى مَا كَانَ يُظَنُّ ابْنَ يُوسُفَ". لاحظوا أن لوقا كان شديد العناية والتأني في الأصحاحات السابقة مبدياً اهتماماً بأن يظهر لنا أن الرب يسوع لم يكن ابن يوسف، وأنه لم يكن لديه أب بشري. من جهة أخرى، فإنه يعرف أن الناس كانت تفترض أنه ابن يوسف. ولذلك فإنه يذكر هذا هنا. إنه يقول أن يوسف كان ابن هَالِي.

قلتُ سابقاً أن متى كتب بشكل خاص لأجل اليهود؛ ولذلك فإن سلسلة النسب تتبع نسب المسيح ابتداءً من إبراهيم- من إبراهيم وسليمان إلى يوسف.

كتب لوقا للعالم الأممي، وهو ليس مهتماً كثيراً ببرهان أن يسوع هو ابن داود، ولا بأن يسوع هو نسل إبراهيم، مع كل ما يتضمنه ذلك، بل إنه أيضاً يأخذ على عاتقه أن يظهر أنه صار، بالنعمة، واحداً مع كل الجنس البشري. إنه ابن الإنسان، ولذلك فإن سلسلة النسب ترجع بالأصل ليس إلى داود أو إبراهيم، بل إلى آدم نفسه، ومن آدم إلى الله.

تتكلم الكتابات المقدسة عن الإنسان الأول- آدم. وهناك من افترض أن هناك جنساً قبل آدم في هذا العالم، ولكن كلمة الله تقول: "صَارَ الإنسان الأول، آدَمُ، نَفْسًا حَيَّةً". لم يُولد آدم إلى العالم. لقد خُلق. شكّل الله جسده من تراب الأرض. هل تصدّقون ذلك حقاً؟ أنا أصدّق ذلك، وفي نظري- إن لم يكن هذا في الكتاب المقدس- فإني سأومن بذلك بسبب حقيقة أن الجسد الذي يموت يرجع تراباً ثانية. لقد أخذ الله تراباً من الأرض وجبل به جسد إنسان، ثم نفخ الله في ذلك الإنسان نفس روح الحياة، وصار الإنسان نَفْساً حيَّةً. وهكذا أمكن لآدم أن يُسمى، بهذا المعنى، ابن الله. الله هو أب الأرواح، "إِلهَ أَرْوَاحِ جَمِيعِ البَشَرِ". وفي هذا معنى يدل على أنه صحيح تماماً القول بأبوة الله وأخوة الإنسان. هناك معنى آخر ولكنه ليس صحيحاً. فكما خُلق أصلاً، كان آدم ابن الله. كان الله أباه بالخلق، ولكن دخلت الخطيئة وصار الإنسان بعيداً عن الله. كل الناس مولودون الآن في الخطيئة. هناك أخوة عالمية للإنسان، ولكنها أخوة خطاة. "الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ". عندما يُولد الناس من جديد، عندما يتجددون، فعندها يدخلون في علاقة جديدة. إنهم، بمعنى جديد، أبناء لله. الله هو أبوهم، وأولئك الذين يؤمنون هم جميعاً إخوة في المسيح. كان لدى الوثنيين فكرة بأن الإنسان يأتي أصلاً من الله. كانوا يقولون، كما تذكرون، في القصيدة التي اقتبس منها بولس فِي وَسَطِ أَرِيُوسَ بَاغُوسَ- "لأَنَّنَا أَيْضاً ذُرِّيَّتُهُ" (أع ١٧: ٢٨). ولكن وآسفاه كم أخزى الإنسان الله. كم ابتعدنا عن الله! ومن هنا الحاجة إلى التجدد.

ليس لنا أن نفتخر اليوم في أنفسنا بأننا أولاد الطبيعة بالولادة الطبيعية، وأن نزعم أن الله هو أبونا بمجرد الخلق. إننا بعيدون عن حياة الله بسبب الجهل الذي فينا. ولكي نتمكن اليوم من أن نرفع أبصارنا إلى السماء وأن ندعو الله أبانا ولكي ندخل إلى الأخوة الجديدة التي أسسها بالنعمة، علينا أن نُولد ثانية. كيف تحدث هذه الولادة الجديدة؟ نقرأ عن ربنا يسوع أنه

"جَاءَ إِلَى خَاصَّتِهِ وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ. وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَاناً أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللَّهِ أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ. اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُلٍ بَلْ مِنَ اللَّهِ" (يو ١: ١١- ١٣). عندما نقتبل المسيح، عندما نؤمن به مخلّصاً لنا، نصبح أولاد الله. هذا لا يعني أن نعود إلى المكانة التي كان عليها آدم قبل سقوطه- أي مخلوقين في البر، مخلوقين في البراءة. في الخلق القديم خضع آدم للاختبار، وعندما سقط فإن كل الخليقة سقطت معه. ولكن الآن، المسيح، الذي هو آدم الأخير، قد سدّ كل الدعاوى التي كانت لدى الله ضد البشر الخطاة بذبيحته القربانية على الجلجلة. لقد أُقيم بانتصار من الموت، وصار رأس نسل جديد، خليقة جديدة. وأولئك الذين يؤمنون به لن يخضعوا للتجربة كما آدم قبل أن خطِئ، بل إنهم يُقامون الآن معاً ويمكثون معاً في المسيح، في السماوات. هذه هي دعوتنا المجيدة، وبالنسبة لنا ليس لدينا اهتمام سوى الاهتمام الأكاديمي بمسائل النسب.

تخبرنا الآية في ١ تيم ١: ٤ أن: "لاَ يُصْغُوا إِلَى.... أَنْسَابٍ". إننا لا نستند بأي شكل على نسبنا الأرضي. إننا نتكل في كل شيء على حقيقة أننا تجدّدنا بكلمة وروح قدس الله. لقد حفظ الله سلاسل النسب لابنه لكي يكون لنا تدويناً واضحاً أميناً، ونرى تطابقه مع داود وإبراهيم، ومع آدم كابن الإنسان الذي "جَاءَ لِكَيْ يُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ"؛ وكنسل إبراهيم، الذي به تتبارك كل أمم الأرض؛ كابن داود، الذي سيتربع فيما بعد على عرش أبيه داود ويملك في البر على كل هذا الكون عندما يتحول راجعاً إلى الله. فكم يجدر بنا أن نشكر الله على كمال كلمته المقدسة!