الخطاب ٢١

سفرُ القاعدة الذهبية

"٢٧«لَكِنِّي أَقُولُ لَكُمْ أَيُّهَا السَّامِعُونَ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ ٢٨بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ. ٢٩مَنْ ضَرَبَكَ عَلَى خَدِّكَ فَاعْرِضْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا وَمَنْ أَخَذَ رِدَاءَكَ فَلاَ تَمْنَعْهُ ثَوْبَكَ أَيْضًا. ٣٠وَكُلُّ مَنْ سَأَلَكَ فَأَعْطِهِ وَمَنْ أَخَذَ الَّذِي لَكَ فَلاَ تُطَالِبْهُ. ٣١وَكَمَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ النَّاسُ بِكُمُ افْعَلُوا أَنْتُمْ أَيْضًا بِهِمْ هَكَذَا. ٣٢وَإِنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ فَأَيُّ فَضْلٍ لَكُمْ؟ فَإِنَّ الْخُطَاةَ أَيْضًا يُحِبُّونَ الَّذِينَ يُحِبُّونَهُمْ. ٣٣وَإِذَا أَحْسَنْتُمْ إِلَى الَّذِينَ يُحْسِنُونَ إِلَيْكُمْ فَأَيُّ فَضْلٍ لَكُمْ؟ فَإِنَّ الْخُطَاةَ أَيْضًا يَفْعَلُونَ هَكَذَا. ٣٤وَإِنْ أَقْرَضْتُمُ الَّذِينَ تَرْجُونَ أَنْ تَسْتَرِدُّوا مِنْهُمْ فَأَيُّ فَضْلٍ لَكُمْ؟ فَإِنَّ الْخُطَاةَ أَيْضًا يُقْرِضُونَ الْخُطَاةَ لِكَيْ يَسْتَرِدُّوا مِنْهُمُ الْمِثْلَ. ٣٥بَلْ أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ وَأَحْسِنُوا وَأَقْرِضُوا وَأَنْتُمْ لاَ تَرْجُونَ شَيْئًا فَيَكُونَ أَجْرُكُمْ عَظِيمًا وَتَكُونُوا بَنِي الْعَلِيِّ فَإِنَّهُ مُنْعِمٌ عَلَى غَيْرِ الشَّاكِرِينَ وَالأَشْرَارِ. ٣٦فَكُونُوا رُحَمَاءَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمْ أَيْضًا رَحِيمٌ. ٣٧وَلاَ تَدِينُوا فَلاَ تُدَانُوا. لاَ تَقْضُوا عَلَى أَحَدٍ فَلاَ يُقْضَى عَلَيْكُمْ. اِغْفِرُوا يُغْفَرْ لَكُمْ. ٣٨أَعْطُوا تُعْطَوْا كَيْلًا جَيِّدًا مُلَبَّدًا مَهْزُوزًا فَائِضًا يُعْطُونَ فِي أَحْضَانِكُمْ. لأَنَّهُ بِنَفْسِ الْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ»" (لوقا ٦: ٢٧- ٣٨).

ألا تبدو هذه الكلمات غريبة علينا اليوم حيث الأمم التي تُسمى متحضرةً هي في نزاعٍ دموي وحيث يخيّم الموت في كل مكان تقريبًا؟ بالطبع، علينا أن نتذكّر أن ربنا يسوع المسيح كان يتكلّم إلى تلاميذه أنفسهم. ليس لدينا هنا، ولا في أي مكان بصراحة، أي تعليم حول كيف ينبغي على أمم الأرض أن تدير شؤون الحكم. وإذ نستعرض الكتاب المقدس، نجد أن الأمم عندما تنسى الله فإن الله يستخدم أممًا أخرى ليعاقبها. مبدأ الحكم يرد عبر كل الكتاب المقدس ولا يتعارض مع مخطط النعمة.

لقد لاحظنا للتو أن العظة على الجبل ليست هي الإنجيل. إنها تعطينا مبادئ ملكوت الله، مبادئ يجب أن يسود حياة أولاد الله في كل الأوقات. هناك بعض يتجاهل ما لدينا هنا. إنهم يصرون على أن العظة أُعطيت للتلاميذ في إسرائيل وستصبح فاعلة ثانية قبل مجيء المسيح في المجيء الثاني. هذه محاكمة سفسطائية. نظرًا إلى حقيقة ما نعلمه بأن بر الناموس يُكمَل فينا نحن الذين نسلك ليس بحسب الجسد بل بحسب الروح، فأنى لنا أن نفكر ولو لوهلة بأن المبادئ الموضوعة هنا للتلاميذ ليس لها قيمة أو تقدير بالنسبة لنا؟ لا يزال المسيح هو الغائب، ونحن هنا خاضعون لسوء الفهم وللمعاناة إذا ما حملنا اسمه. هذا هو تمامًا ما أكد عليه ربنا المبارك في خطبته. "لكِنِّي أَقُولُ لَكُمْ أَيُّهَا السَّامِعُونَ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ". والآن هناك تحدٍّ مباشر لكل واحد منا كأفراد. أطرح عليكم السؤال كما أطرحه على نفسي. أنتم أيها المسيحيون المعترفون هل تحبّون أعداءكم؟ هذا هو ما أمر به الرب يسوع المسيح. إن كنا نحب أعداءنا فسوف لن نُسرّ إذا ما تألموا، وبالتأكيد سوف لن نحاول أن نزيد الأمور سوءًا بالنسبة لهم. إن يسوع يخاطب التلاميذ هنا، ولكن ليس في قضايا وطنية. إن كانت هناك أمم مسيحية فيجب أن تكون مسؤولة على أن تحيا وفقًا لهذه المبادئ. ولكن ليس من أمة تكرّم الرب يسوع المسيح بشكل كامل وتذعن إلى وصاياه.

سعى شيانغ كايشيك إلى أن يحافظ على موقف الحلم والمحبة نحو أولئك الذين جلبوا الأمل و المعاناة إلى شعبه. يخبرنا مرسَل كيف كان قلبه يتأثر عندما كان يسمع ذلك القائد الصيني يصلّي قائلًا: "يا الله، احفظني بعيدًا عن كراهية اليابانيين". إن الأمر يتطلب نعمة لكي يصلّي المرء على هذا النحو. كم نسمع عن مسيحيين ليست لديهم كراهية نحو من يخاصمونهم. وفي المقابل غالبًا ما نجد حتى المسيحيين المعترفين ممتلئين بروح الحقد والكراهية نحو بعضهم البعض. هذا عائق أمام عمل الرب. ينبغي علينا أن نتذكر أن المسيح قال: "بِالْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ". "لكِنِّي أَقُولُ لَكُمْ أَيُّهَا السَّامِعُونَ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ". إطاعة هذه الوصايا الأخلاقية تكون في إظهار روح المسيح. هذه هي المحبة الفعّالة. لقد تبدت بشكل كامل في ربنا المبارك، الذي بذل نفسه عن أولئك الذين كانوا أعداء له والذين أبغضوه بلا سبب. عندما نولد من فوق (يو ٣: ٣)، نأخذ طبيعة إلهية، وهكذا نتمكن من أن نسير في المحبة نحو كل البشر، مهما كان سلوكهم نحونا مؤذيًا أو بغيضًا.

ثم يتابع ربُّنا حديثه بالقول: "بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ". هذا هو مصدر الإيمان. ما من أحد شرير أو فاسد إذ يمكن الوصول إليهم وتليين قلوبهم عن طريق عرش الله. وإننا نلمس ذلك العرش بالصلاة. بمباركتنا لأولئك الذين يلعنوننا، نتشفّع بالله من أجلهم. ومن جديد يضع ربنا مثالًا أمام أعيننا. فهو الذي صلّى قائلًا: "يَا أَبَتَاهُ اغْفِرْ لَهُمْ لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ" (لو ٢٣: ٣٤).

عندما يكون أحدهم قاسيًا جدًا، فبدلًا من نتعامل معه بنفس الطريقة، دعونا نخرّ على ركبنا ونناشد الله أن يباركه، وعندما يتكلّم إليه روح الله، فإن موقفه سيتغير. حاولوا ذلك وسترون النتيجة. اختلِ بالله واطلب منه أن يتكلم إلى تلك القلوب بمحبة إلهية. صلِّ لأجل أولئك الذين تكنّ لهم مشاعر سيئة. "مَنْ ضَرَبَكَ عَلَى خَدِّكَ فَاعْرِضْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا، وَمَنْ أَخَذَ رِدَاءَكَ فَلاَ تَمْنَعْهُ ثَوْبَكَ أَيْضًا". هذه إحدى الآيات التي يُسر الكثيرون من إخوتي المسيحيين بأن يمرروها إلى بقية بني إسرائيل. يتبين أنها غير ملائمة الآن نوعًا ما، لكن الرب أراد لنا أن نأخذ كلمته بحرفيتها. لقد أعطى مثالًا لتلاميذه. لقد تحمل التوبيخ بدون أن يتذمر وعهد بنفسه إلى ذاك الذي يدين بحقّ وعدل. أساء الناس معاملته بأشد قسوة. جرّوه خارجًا إلى الجلجلة وسمروه على الصليب. كان في مقدوره أن يطلب من الله أن ينزل الدينونة بهم، إلا أنه صرخ قائلًا: "يَا أَبَتَاهُ اغْفِرْ لَهُمْ لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ". إن ضربنا أحد على خدنا، فهل نحن على استعداد لاحتمال ذلك بل وحتى لأن نحتمل المزيد من سوء معاملته لنا كرمى للمسيح؟ "وَمَنْ أَخَذَ رِدَاءَكَ فَلاَ تَمْنَعْهُ ثَوْبَكَ أَيْضًا". يجب ألا نضغط هذه العبارة بشكل حرفي جدًا. الرب نفسه، عندما ضُرب على خده، لم يقل بأن يتحدّى مضطهده ليضربه على الخد الآخر. إن ما يندد به يسوع هو روح الثأر ومقابلة الأذى بمثله. تلميذ الرب يسوع يجب أن يكون قانعًا وراضيًا بأن يعاني ولو ظلمًا. وحتى لو رُفعت دعوى ضده في المحاكم، عليه أن يكون أكثر استعدادًا لأن يعطي أكثر مما يطلبه القانون. إنه مقياسًا عالٍ جدًا بالنسبة للإنسان غير المتجدد، وقلّما يمكن الوصول إليه من قِبل أولئك الذين يعترفون بأنهم أتباع المسيح.

تلك هي النعمة المتجلية وقد قدمها المسيح. "وَكُلُّ مَنْ سَأَلَكَ فَأَعْطِهِ، وَمَنْ أَخَذَ الَّذِي لَكَ فَلاَ تُطَالِبْهُ". على المسيحي أن يكون دائمًا في جانب العطاء ويجب ألا يكون شخصًا استثنائيًا جدًا ليرى أن الناس يستحقون كل شيء يطلبونه منه. هل تستحق أيًا من الأشياء التي يعطيك الله إياها؟ ألم نكن جميعنا جاحدون إزاء ما أعطانا إياه؟ هذا لا يعني أنه يمكننا أن نعطي دائمًا كل ما يطلبه الآخرون، بل الفكرة هي وجوب أن يكون لدينا موقف العطاء، والاستعداد للمساعدة والإعانة أكثر من العكس.

لاحظوا أن الآية لا تقول أن علينا أن عطي كل ما يطلبه الناس. أن نفعل ذلك يعني غالبًا أن نظلم آخرين، كما الحال مع رب الأسرة إن أعطى الفقراء كل ما في بيته، فإن من هم تحت مسؤوليته (١ تيم ٥: ٨)، سوف يكونون في ضائقة. هناك أوقات يفضل فيها أن تقدم نصحًا صادقًا أكثر من صدقات مادية. ولكن إذا فقد إنسان أغراضًا أُخذت منه بالقوة، فإن في مقدوره أن يتخلى عنها إذا ما شعر بأن لديه غنى حقيقي لن يزول.

والآن نأتي إلى القاعدة الذهبية- "وَكَمَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ النَّاسُ بِكُمُ افْعَلُوا أَنْتُمْ أَيْضًا بِهِمْ هكَذَا". غالبًا ما قيل أن الرب يسوع المسيح لم يكن أول من ابتكر هذه القاعدة، إذ أنها توجد في آداب عالمية أخرى أبكر منه. فالمعلّم الصيني العظيم، كنفوشيوس (ملك فوتش)، قال: "ما لا تريد أن يفعله الآخرون لك، لا تفعله لهم". هذا موقف سلبي. أما ربنا يسوع فيجعله إيجابيًا فيقول: "وَكَمَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ النَّاسُ بِكُمُ افْعَلُوا أَنْتُمْ أَيْضًا بِهِمْ هكَذَا". فها هنا الصدقة الفعلية، وها هنا الخير الإيجابي، وليس السلبي، بل وحتى هي فرصة حقيقية لتأكيد محبة ولطف الله نحو البشر المحتاجين، وهذا المعيار العالي السامي لا يوجد إلا هنا في سفر الله.

يمكنكم أن تبحثوا في الآداب العالمية التي سبقت مجيء المسيح، ولن تجدوا هكذا تعليم في أي مكان. هذه القاعدة الذهبية كان أول من أعلنها هو ابن الله المبارك. الكتاب المقدس هو سفر القاعدة الذهبية.

إياكم وأن تخطأوا وتفكّروا بأن هذه هي طريق الخلاص. يا أصدقائي الأعزاء، إن كنتم ستنتظرون إلى أن تطبقوا القاعدة الذهبية، فإنكم لن تصيروا مسيحيين على الإطلاق. عليكم الإقرار بأنكم أخطأتم تجاه الله. وأنكم عندما تؤمنون بالمسيح وتقبلونه مخلّصًا لكم، عندها تصبحون مسيحيين. وعندها تقرّون به ربًا. وسوف يمكّنكم الرب من أن تعيشوا القاعدة الذهبي. "وَكَمَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ النَّاسُ بِكُمُ افْعَلُوا أَنْتُمْ أَيْضًا بِهِمْ هكَذَا".

في القسم الثاني من المقطع الذي نتأمل فيه، يرينا يسوع كم من أناسٍ يدّعون أنهم تلاميذه ومع ذلك لا يرتقون أكثر من مستوى العالم في سلوكهم. "وَإِنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ، فَأَيُّ فَضْل لَكُمْ؟ فَإِنَّ الْخُطَاةَ أَيْضًا يُحِبُّونَ الَّذِينَ يُحِبُّونَهُمْ".إن كنتم تحبون الذين يحبونكم وحسب فأي فضل لكم؟ "وَإِذَا أَحْسَنْتُمْ إِلَى الَّذِينَ يُحْسِنُونَ إِلَيْكُمْ، فَأَيُّ فَضْل لَكُمْ؟ فَإِنَّ الْخُطَاةَ أَيْضًا يَفْعَلُونَ هكَذَا". "وَإِنْ أَقْرَضْتُمُ الَّذِينَ تَرْجُونَ أَنْ تَسْتَرِدُّوا مِنْهُمْ، فَأَيُّ فَضْل لَكُمْ؟ فَإِنَّ الْخُطَاةَ أَيْضًا يُقْرِضُونَ الْخُطَاةَ لِكَيْ يَسْتَرِدُّوا مِنْهُمُ الْمِثْلَ". يسخر يسوع من أولئك الذين يدّعون أنهم أولاد الله عندما لا يرتقون في سلوكهم العملي فوق أولئك الذي لا يدّعون أنهم مسيحيون على الإطلاق. علينا ألا نحاول أن نغلب الشر بالشر؛ بل نغلب الشر بالخير. عندها نُظهر روح المسيح. "بَلْ أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، وَأَحْسِنُوا وَأَقْرِضُوا وَأَنْتُمْ لاَ تَرْجُونَ شَيْئًا، فَيَكُونَ أَجْرُكُمْ عَظِيمًا وَتَكُونُوا بَنِي الْعَلِيِّ، فَإِنَّهُ مُنْعِمٌ عَلَى غَيْرِ الشَّاكِرِينَ وَالأَشْرَارِ". هذا أحد أقسى الدروس التي علينا أن نتعلمها. ولكن بإطاعة هذه الكلمات، سنؤكد على علاقتنا مع الله أبينا، لأنه لطيف مع الجاحدين ومع الأشرار. "فَكُونُوا رُحَمَاءَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمْ أَيْضًا رَحِيمٌ".

ثم يقول ربنا شيئًا لم يفكر فيه كثيرون منا. نعلم أنه في الكتاب المقدس ولكنه ليس له تأثير على حياتنا إلا قليلًا: "لاَ تَدِينُوا فَلاَ تُدَانُوا. لاَ تَقْضُوا عَلَى أَحَدٍ فَلاَ يُقْضَى عَلَيْكُمْ. اِغْفِرُوا يُغْفَرْ لَكُمْ". أتساءل من منا يستطيع أن يخضع لهكذا امتحان ويقول: "لستُ مذنبًا". كم نحن سريعون إلى إدانة الآخرين- إدانة دوافع الناس، ونتوقع فيهم شرًّا ليس في محله. وكم تكون إدانتنا عادة قاسية وغير حقيقية! "لاَ تَدِينُوا"، قال ربنا، ونحن لا ننتبه إلى ذلك إلا قليلًا. "لاَ تَدِينُوا فَلاَ تُدَانُوا. لاَ تَقْضُوا عَلَى أَحَدٍ فَلاَ يُقْضَى عَلَيْكُمْ. اِغْفِرُوا يُغْفَرْ لَكُمْ". يقول الشاعر: "الخطأ بشري، والمغفرة إلهية". اغفروا فيُغفَر لكم. "أَعْطُوا تُعْطَوْا، كَيْلًا جَيِّدًا مُلَبَّدًا مَهْزُوزًا فَائِضًا يُعْطُونَ فِي أَحْضَانِكُمْ. لأَنَّهُ بِنَفْسِ الْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ". الله مُعطٍ دائمًا وأبدًا ونحن مدعوون لنحاكيه. دعونا نتحاشى التمركز على الذات، أو طلب تقدير المعروف أو الاعتراف بالجميل. الفرح الحقيقي يوجد في خدمة الآخرين. قال يسوع: "مَغْبُوطٌ هُوَ الْعَطَاءُ أَكْثَرُ مِنَ الأَخْذِ".

إن أظهرنا ثمر الروح القدس، الذي هو المحبة، فسنجد أنه حتى الناس الأشرار غير المخلّصين سيبدأون بالاعتراف بحقيقة أننا حقًا ننتمي إلى المسيح. إنه لأمر مذهل كيف أن النعمة يمكن أن تتغلب على الشر والخطيئة. لا يمكن أن تخسر إذا ما أمضيت حياتك في العطاء، ولكن إن أمضيتها في الأخذ والغرف، فستخسر كل شيء تمامًا. كم من أناس يشبهون البحر الميت. لقرون كثيرة يصب نهر الأردن المياه العذبة في البحر الميت، ومع ذلك يبقى في حاله لقرون. ما من مخرج فيه، ولذلك فإنه يستمر في الغرف والأخذ طوال الوقت. إن أردت أن تعرف سر الحياة السعيدة ستجد أنها في إطاعة كلمة الرب، "أَعْطُوا تُعْطَوْا".

عندما يحكم الله سيعاملنا في النهاية كما عاملنا الآخرين. القلب السموح سيُعطى بوفرة مقابل ما أعطاه. ما من أحد يخسر بالمحبة، ولا يفتقر بالعطاء، إذ أنه ينال البركة من هؤلاء الذين هم أفقر منه وأشد حاجة.

تعليم المسيح أُعطي لإرشاد تلاميذه من الخطأ أن نفترض أن هناك نظام أخلاقي في تعليم ربنا مصمم ليكبح الميول الشريرة للبشر الطبيعيين وليرفعهم إلى مستوى روحي أعلى. ما من شيء يفعل ذلك سوى الولادة الجديدة. عندما يولد الناس من الله، يجدون في تعليم يسوع المبادئ التي ترشدهم لعيش الحياة الجديدة. ولكن علينا أن نتذكر أنه يجب أن تكون هناك حياة نحيا بها قبل أن نستطيع أن نحيا الحياة.