الخطاب ٢٤

مصادقة المسيح على يوحنا المعمدان

"١٨فَأَخْبَرَ يُوحَنَّا تَلاَمِيذُهُ بِهَذَا كُلِّهِ. ١٩فَدَعَا يُوحَنَّا اثْنَيْنِ مِنْ تَلاَمِيذِهِ وَأَرْسَلَ إِلَى يَسُوعَ قَائِلًا: «أَنْتَ هُوَ الآتِي أَمْ نَنْتَظِرُ آخَرَ؟» ٢٠فَلَمَّا جَاءَ إِلَيْهِ الرَّجُلاَنِ قَالاَ: «يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ قَدْ أَرْسَلَنَا إِلَيْكَ قَائِلًا: أَنْتَ هُوَ الآتِي أَمْ نَنْتَظِرُ آخَرَ؟» ٢١وَفِي تِلْكَ السَّاعَةِ شَفَى كَثِيرِينَ مِنْ أَمْرَاضٍ وَأَدْوَاءٍ وَأَرْوَاحٍ شِرِّيرَةٍ وَوَهَبَ الْبَصَرَ لِعُمْيَانٍ كَثِيرِينَ. ٢٢فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمَا: «ﭐذْهَبَا وَأَخْبِرَا يُوحَنَّا بِمَا رَأَيْتُمَا وَسَمِعْتُمَا: إِنَّ الْعُمْيَ يُبْصِرُونَ وَالْعُرْجَ يَمْشُونَ وَالْبُرْصَ يُطَهَّرُونَ وَالصُّمَّ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَقُومُونَ وَالْمَسَاكِينَ يُبَشَّرُونَ. ٢٣وَطُوبَى لِمَنْ لاَ يَعْثُرُ فِيَّ». ٢٤فَلَمَّا مَضَى رَسُولاَ يُوحَنَّا ابْتَدَأَ يَقُولُ لِلْجُمُوعِ عَنْ يُوحَنَّا: «مَاذَا خَرَجْتُمْ إِلَى الْبَرِّيَّةِ لِتَنْظُرُوا؟ أَقَصَبَةً تُحَرِّكُهَا الرِّيحُ؟ ٢٥بَلْ مَاذَا خَرَجْتُمْ لِتَنْظُرُوا؟ أَإِنْسَانًا لاَبِسًا ثِيَابًا نَاعِمَةً؟ هُوَذَا الَّذِينَ فِي اللِّبَاسِ الْفَاخِرِ وَالتَّنَعُّمِ هُمْ فِي قُصُورِ الْمُلُوكِ. ٢٦بَلْ مَاذَا خَرَجْتُمْ لِتَنْظُرُوا؟ أَنَبِيًّا؟ نَعَمْ أَقُولُ لَكُمْ وَأَفْضَلَ مِنْ نَبِيٍّ! ٢٧هَذَا هُوَ الَّذِي كُتِبَ عَنْهُ: هَا أَنَا أُرْسِلُ أَمَامَ وَجْهِكَ مَلاَكِي الَّذِي يُهَيِّئُ طَرِيقَكَ قُدَّامَكَ! ٢٨لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ بَيْنَ الْمَوْلُودِينَ مِنَ النِّسَاءِ لَيْسَ نَبِيٌّ أَعْظَمَ مِنْ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانِ وَلَكِنَّ الأَصْغَرَ فِي مَلَكُوتِ اللهِ أَعْظَمُ مِنْهُ». ٢٩وَجَمِيعُ الشَّعْبِ إِذْ سَمِعُوا وَالْعَشَّارُونَ بَرَّرُوا اللهَ مُعْتَمِدِينَ بِمَعْمُودِيَّةِ يُوحَنَّا. ٣٠وَأَمَّا الْفَرِّيسِيُّونَ وَالنَّامُوسِيُّونَ فَرَفَضُوا مَشُورَةَ اللهِ مِنْ جِهَةِ أَنْفُسِهِمْ غَيْرَ مُعْتَمِدِينَ مِنْهُ. ٣١ثُمَّ قَالَ الرَّبُّ: «فَبِمَنْ أُشَبِّهُ أُنَاسَ هَذَا الْجِيلِ وَمَاذَا يُشْبِهُونَ؟ ٣٢يُشْبِهُونَ أَوْلاَدًا جَالِسِينَ فِي السُّوقِ يُنَادُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيَقُولُونَ: زَمَّرْنَا لَكُمْ فَلَمْ تَرْقُصُوا. نُحْنَا لَكُمْ فَلَمْ تَبْكُوا. ٣٣لأَنَّهُ جَاءَ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ لاَ يَأْكُلُ خُبْزًا وَلاَ يَشْرَبُ خَمْرًا فَتَقُولُونَ: بِهِ شَيْطَانٌ. ٣٤جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ فَتَقُولُونَ: هُوَذَا إِنْسَانٌ أَكُولٌ وَشِرِّيبُ خَمْرٍ مُحِبٌّ لِلْعَشَّارِينَ وَالْخُطَاةِ. ٣٥وَﭐلْحِكْمَةُ تَبَرَّرَتْ مِنْ جَمِيعِ بَنِيهَا»" (لوقا ٧: ١٩- ٣٥).

خلال القسم الأول من خدمة ربنا المبارك، اعتُقِل يوحنا المعمدان بأمر من الملك هيرودس بسبب أمانته في سعيه إلى الضغط على ضمير ذلك الملك الشرير بسبب خسته وفساده، وخاصة فيما يتعلق بعلاقته الزانية مع زوجه أخيه، هيروديا. وأُبقي يوحنا لأشهر في السجن ليضنى ويهزل.

بحسب التقليد، كانت هذه قلعة مخاييروس، وهي حصن في برية اليهودية يطل على البحر الميت. ليس من دليل مؤكد بشكل قاطع على أن يوحنا كان مسجونًا هناك. إن مخاييروس بعيدة جدًا عن طبرية، حيث كان هيرودس وحيث جُلب يوحنا المعمدان ليُقطع رأسه. على كل حال، أينما كان السجن الذي احتُجز فيه يوحنا، لا بد أنه كان نهاية غريبة لخدمته العظيمة. فذاك الذي اعتاد أن يتكلم إلى آلاف والذي قدّم الرب يسوع لهم على أنه المسيا الموعود، ابن الله، حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم، يبدو الآن مهملًا متروكًا. لا شك أنه كانت ترده من حين إلى آخر أخبار عن المعجزات العظيمة التي صنعها يسوع، وأخبار عن أحاديث يسوع وخطبه، ولكن لم يصله شيء يؤكد أنه كان يقدم نفسه فعليًا لبني إسرائيل على أنه المسيا الموعود. سواء كان يوحنا قد بدأت تخامره الشكوك بخصوص ذلك، أم أن تلاميذه فقط هم الذين كانوا محتارين، لا نعرف، ولكن يخبرنا هذا المقطع من الإنجيل أن يوحنا دعا اثنين من تلاميذه وأرسلهما إلى يسوع، يسألانه: "أَنْتَ هُوَ الآتِي أَمْ نَنْتَظِرُ آخَرَ؟" هل يعقل أن يسوع، مثل المعمدان، كان مجرد سابق آخر للمسيا الحقيقي؟ أم أنه كان فعليًا الملك الموعود، ولسبب ما امتنع عن أن يؤكد أو يظهر سلطانًا؟ تلك هي المشاكل التي تناولتها تساؤلات يوحنا.

عندما جاء هؤلاء الرجال إلى يسوع، سألوه بناء على تعليمات يوحنا. لا يخبرنا الإنجيل أنه أعطاهم جوابًا مباشرًا، بل إنه سمح لهم بأن ينظروا إلى الكثيرين الذين شفاهم من مختلف الأمراض والأوبئة وخلّصهم من الأرواح الشريرة. وأيضًا قد أعطى البصر لمن كانوا عميانًا. كانت هذه العلامات المنظورة على مسيانيته وكان يجب أن تعبّر أكثر من الكلمات بكثير وأن تبرهن على أنه حقًا المُنتظَر. بعد أن لاحظ تلاميذ يوحنا الأدلة على قدرته، أخبرهم يسوع أن يعودوا إلى يوحنا وأن يخبروه بما رأوا وسمعوا: كيف أن "الْعُمْيَ يُبْصِرُونَ، وَالْعُرْجَ يَمْشُونَ، وَالْبُرْصَ يُطَهَّرُونَ، وَالصُّمَّ يَسْمَعُونَ، وَالْمَوْتَى يَقُومُونَ، وَالْمَسَاكِينَ يُبَشَّرُونَ". ما الذي كان للمسيا أن يفعله حتى الآن أكثر من ذلك خدمة لحاجات الناس؟ أضاف يسوع قائلًا: "طُوبَى لِمَنْ لاَ يَعْثُرُ فِيَّ". أي قصد أولئك الذين لن يعثروا إذا ما أخفق في تأكيد ذاته بالطريقة التي كان يتوقعها الكثيرين من بني إسرائيل.

ما إن انطلق الرسل ذاهبين إلى يوحنا حتى بدأ يسوع يكلّم الناس عن السابق. وأكد بطريقة مليئة بالتقدير على عظمة خدمة هذا الإنسان المكرس. هناك أمر هنا يجب أن نقدّره كثيرًا في قلوبنا. إننا نميل جميعًا، أحيانًا، إلى الشعور بأننا مهملين ومتروكين، وأن الرب لا يتكلم دائمًا بكلمات تصديق موجهة مباشرة إلينا، إلا أنه يجب أن نكون متيقنين من هذا: إن سعينا لأن نكون مخلصين وأمناء للمسيح، فإنه يصادق علينا دائمًا أمام أبيه وملائكته القديسين. لم يستطع يوحنا نفسه أن يسمع ما قاله يسوع للجموع. ولو استطاع ذلك لكان هذا، بلا شك، مصدر تشجيع كبير له، ولكنه كان قد تُرك بعيدًا وغير عارف بتلك الأمور التي كانت تجري في ذلك الوقت، وذلك لكي يتقوى إيمانه ويتعزز أكثر فأكثر.

سألهم الرب، وقبل كل شيء: "مَاذَا خَرَجْتُمْ إِلَى الْبَرِّيَّةِ لِتَنْظُرُوا؟" وثم اقترح جوابًا لسؤاله، "أَقَصَبَةً تُحَرِّكُهَا الرِّيحُ؟

" بالتأكيد لم يكن يوحنا هكذا. لقد كان يوحنا رسولًا قويًا وشجاعًا في الحق، لا يخاف ولا تثنيه أية معارضة أو مقاومة. وتابع الرب كلامه قائلًا: "بَلْ مَاذَا خَرَجْتُمْ لِتَنْظُرُوا؟ أَإِنْسَانًا لاَبِسًا ثِيَابًا نَاعِمَةً؟" هل كان يوحنا المعمدان مثل الكثير من قادة إسرائيل، الذين كانوا يرون في منصبهم مهنة مربحة وينتفعون منها، وهكذا كانوا يعيشون في رفاهية وتنعمون بلباس فاخرة لكي يتركوا انطباعًا كبيرًا عن الناس؟ هكذا أناس كان لديهم قدرة على الدخول إلى بلاط الملوك وكانوا يكرمون وينالون حظوة عند الحكام. ولكن لم يكن الحال هكذا مع كارز البرية ذاك. ومن جديد يطرح الرب سؤالًا: "بَلْ مَاذَا خَرَجْتُمْ لِتَنْظُرُوا؟" ويضيف مباشرة بالقول: "أَنَبِيًّا؟ نَعَمْ، أَقُولُ لَكُمْ: وَأَفْضَلَ مِنْ نَبِيٍّ!" النبي هو الذي يتكلم بالنيابة عن الله مباشرة. ليس هو من يخبر بالأحداث المستقبلية فقط، بل هو ينقل الحق الإلهي بقدرة الروح القدس. لقد كان هذا ما يميز يوحنا المعمدان فعليًا.

ثم يقول الرب بشكل قاطع أن يوحنا هو ذاك الذي تنبأت عن مجيئه الآية في أش ٤٠: ٣. وأعلن يقول: "هذَا هُوَ الَّذِي كُتِبَ عَنْهُ: هَا أَنَا أُرْسِلُ أَمَامَ وَجْهِكَ مَلاَكِي الَّذِي يُهَيِّئُ طَرِيقَكَ قُدَّامَكَ!" أيًا كانت شكوك يوحنا أو تلاميذه، إن وُجدت أصلًا، فيما يتعلق بشخص وخدمة الرب، لأن يسوع لم يرتقي مباشرة وفورًا عرش داود، فإن يسوع نفسه لم يترك أي إمكانية للشك في ذهن أولئك الذين كانوا قد أُعّدوا لتلقي كلمته، بالنسبة إلى هوية يوحنا المعمدان نفسه.

لقد كان هو الذي تم التنبؤ عن مجيئه قبل ظهوره بخمسئة سنة. لقد أُعطي له أن يعلن ويبشّر بمجيء مسيا إسرائيل، ابن الله، فادي العالم.

بفضل هذا الامتياز الخاص الذي مُنح إلى يوحنا، آخر الأنبياء، أضاف يسوع: "أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ بَيْنَ الْمَوْلُودِينَ مِنَ النِّسَاءِ لَيْسَ نَبِيٌّ أَعْظَمَ مِنْ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانِ". لقد تطلع أشعياء وإرميا وحزقيال ودانيال وجميع الآخرين من الأنبياء إلى مجيء المسيا، ولكن أُعطي ليوحنا وحده أن يقدمه فعليًا إلى إسرائيل وأن يعلن لهم بشكل قاطع جازم بأنه الفادي المخلّص الذي لطالما انتظروه.

لقد كان يوحنا المعمدان آخر أنبياء العهد القديم. يخبرنا إنجيل لوقا في مكان آخر أنه: "كَانَ النَّامُوسُ وَالأَنْبِيَاءُ إِلَى يُوحَنَّا". بإتباع يوحنا يأتي حلول سنة الرب المقبولة، سنة تقديم يسوع المسيح على أنه المخلّص الوحيد، الذي جاء ليؤسس ملكوت الله على الأرض، لقد أُعطي ليوحنا أن يوجه الناس إلى الملك وأن يقف عند باب مدخل الملكوت وأن يدعو الناس إلى الدخول؛ ولكنه لم يعش بنفسه ليدخل إلى الدهر التدبيري الجديد ويصبح هكذا عضوًا في ذلك الملكوت بالشكل الذي اتخذه منذ أن جاء المسيح إلى العالم. ولذا قال يسوع إن: "الأَصْغَرَ فِي مَلَكُوتِ اللهِ أَعْظَمُ مِنْهُ".

علينا أن نتذكر أن كلمة "ملكوت الله" كما تُستخدم هنا، وكلمة "ملكوت السماوات" كما يستخدمها متى، تشير أحيانًا إلى جانبين مختلفين من الملكوت. إنهما تشيران بشكل أساسي إلى حكم السماء المؤسس على الأرض. ذلك الملكوت قُدّم إلى إسرائيل، ولكنهم رفضوه. ومع ذلك قد تم الاعتراف بسلطان الرب من قِبل الملايين منذ ذلك الحين، وهؤلاء يدخلون إلى ملكوت الله بشكله الحالي الروحي والسري. سيكون ليوحنا نصيبه في الدهر الآتي في الملكوت المتجلي، ولكن لم يكن له دور في الملكوت الذي تأسس الآن في قلوب البشر، بينما الملك يتربع على عرش الآب، منتظرًا مجيئه الثاني.

لدينا نتائج خدمة يوحنا معلنة في الآية ٢٩، حيث نسمع: "جَمِيع الشَّعْب إِذْ سَمِعُوا وَالْعَشَّارُونَ بَرَّرُوا اللهَ مُعْتَمِدِينَ بِمَعْمُودِيَّةِ يُوحَنَّا". لقد كانت تلك معمودية للتو. كان إقرار من جهة المعتمد بأنه خاطئ ويستحق الموت. وبتقديمه لذلك الاعتراف كان يبرر الله. لم تكن للمعمودية بحد ذاتها دور في الخلاص. فالخلاص كان يمكن فقط للرب يسوع نفسه، الذي أعلن يوحنا المعمدان عن عمله الكفاري العظيم عندما قال: "هُوَذَا حَمَلُ اللَّهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ". لم يعلّم يوحنا أن تلك معمودية كانت لترفع الخطية. معموديته كانت مجرد اعتراف خارجي ظاهري بحقيقة أن البشر كانوا خطأة ويحتاجون إلى مخلّص. استمعت حشود كبيرة من بني إسرائيل إلى يوحنا بتقدير وبتحسس الوجدان، وهكذا نالوا الشهادة من الله ضد أنفسهم وأقروا بتواضع بحالتهم الهالكة باعتمادهم من يوحنا. ولكن لم يكن الحال هكذا مع الغالبية العظمى من رؤساء اليهود. فالْفَرِّيسِيُّونَ وَالنَّامُوسِيُّونَ رَفَضُوا مَشُورَةَ اللهِ مِنْ جِهَةِ أَنْفُسِهِمْ، غَيْرَ مُعْتَمِدِينَ مِنْهُ. هؤلاء الناموسيون المتكبرون المتعجرفون رفضوا أن يأخذوا مكان الخطأة الضالين المحتاجين، وبذلك رفضوا الخضوع إلى المعمودية التي تدل على الحاجة إلى التوبة وضرورتها.

في الآيات التالية، ٣١ إلى ٣٥، يرسم الرب صورة حيوية من التضاد بين خدمة يوحنا المعمدان التي تستهدف الضمائر ورسالة النعمة التي جاء يعلنها شخصيًا. إنه يشبه أبناء الجيل إلى أولاد يجلسون في السوق. فتقوم مجموعة منهم بمحاولة لحث الآخرين على أن يشاركوا بألعاب صبيانية معينة. فيقولون أولًا: "دعونا نلعب دعوة العرس"، ويحاولون أن يعزفوا لحنًا فرحًا بمزاميرهم، ولكن الآخرين يأبون أن يرقصوا. ثم تقول المجموعة الأولى: "حسنٌ، إن كنتم لا تريدون أن تلعبوا لعبة العرس فدعونا نلعب لعبة الجنازة". وهكذا يعزفون بالمزمار لحنًا محزنًا. إلا أن الآخرين يرفضون أيضًا أن ينتحبوا وينوحوا. خدمة يوحنا المعمدان كانت مثل هذه الأخيرة. لقد جاء برسالة جدية مهيبة جدًا داعيًا الناس إلى الاعتراف بخطورة حالتهم كخطأة يحتاجون إلى مخلّص، ولكن الفريسيين وأولئك الذين من جماعتهم انصرفوا عنه ساخرين وقالو: "بِهِ شَيْطَانٌ". وأما يسوع فجاء برسالة مبهجة أكثر، وعاشر العشارين والخطأة، وهو يعلن تلك النعمة والحق التي كانت تضمن الخلاص لكل من يؤمن به؛ ولكن الناموسيين تنّحوا عنه ببرودة، معلنين أنه إِنْسَانٌ أَكُولٌ وَشِرِّيبُ خَمْرٍ، مُحِبٌّ لِلْعَشَّارِينَ وَالْخُطَاةِ. لكن يسوع قال: "الْحِكْمَةُ تَبَرَّرَتْ مِنْ جَمِيعِ بَنِيهَا". بمعنى أنه في حكمة الله هناك وقت لتأكيد أهمية التوبة؛ وهناك وقت أيضًا لتأكيد نعمة الله الثمينة، وسيتمجد في كلا الرسالتين وفي كل ما يستخدمه الخدّام الذي يرسلهم.