الخطاب ٣٨

فضح البرّ الذاتي

"٢٥وَإِذَا نَامُوسِيٌّ قَامَ يُجَرِّبُهُ قَائِلاً: «يَا مُعَلِّمُ مَاذَا أَعْمَلُ لأَرِثَ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ؟» ٢٦فَقَالَ لَهُ: «مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي النَّامُوسِ. كَيْفَ تَقْرَأُ؟» ٢٧فَأَجَابَ وَقَالَ: «تُحِبُّ الرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ وَقَرِيبَكَ مِثْلَ نَفْسِكَ». ٢٨فَقَالَ لَهُ: «بِالصَّوَابِ أَجَبْتَ. اِفْعَلْ هَذَا فَتَحْيَا». ٢٩وَأَمَّا هُوَ فَإِذْ أَرَادَ أَنْ يُبَرِّرَ نَفْسَهُ قَالَ ليَسُوعَ: «وَمَنْ هُوَ قَرِيبِي؟» ٣٠فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ: «إِنْسَانٌ كَانَ نَازِلاً مِنْ أُورُشَلِيمَ إِلَى أَرِيحَا فَوَقَعَ بَيْنَ لُصُوصٍ فَعَرَّوْهُ وَجَرَّحُوهُ وَمَضَوْا وَتَرَكُوهُ بَيْنَ حَيٍّ وَمَيْتٍ. ٣١فَعَرَضَ أَنَّ كَاهِناً نَزَلَ فِي تِلْكَ الطَّرِيقِ فَرَآهُ وَجَازَ مُقَابِلَهُ. ٣٢وَكَذَلِكَ لاَوِيٌّ أَيْضاً إِذْ صَارَ عِنْدَ الْمَكَانِ جَاءَ وَنَظَرَ وَجَازَ مُقَابِلَهُ. ٣٣وَلَكِنَّ سَامِرِيّاً مُسَافِراً جَاءَ إِلَيْهِ وَلَمَّا رَآهُ تَحَنَّنَ ٣٤فَتَقَدَّمَ وَضَمَدَ جِرَاحَاتِهِ وَصَبَّ عَلَيْهَا زَيْتاً وَخَمْراً وَأَرْكَبَهُ عَلَى دَابَّتِهِ وَأَتَى بِهِ إِلَى فُنْدُقٍ وَاعْتَنَى بِهِ. ٣٥وَفِي الْغَدِ لَمَّا مَضَى أَخْرَجَ دِينَارَيْنِ وَأَعْطَاهُمَا لِصَاحِبِ الْفُنْدُقِ وَقَالَ لَهُ: اعْتَنِ بِهِ وَمَهْمَا أَنْفَقْتَ أَكْثَرَ فَعِنْدَ رُجُوعِي أُوفِيكَ. ٣٦فَأَيُّ هَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةِ تَرَى صَارَ قَرِيباً لِلَّذِي وَقَعَ بَيْنَ اللُّصُوصِ؟» ٣٧فَقَالَ: «ﭐلَّذِي صَنَعَ مَعَهُ الرَّحْمَةَ». فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «ﭐذْهَبْ أَنْتَ أَيْضاً وَاصْنَعْ هَكَذَا»" (لوقا ١٠: ٢٥- ٣٧).

في رأيي هذا أحد المقاطع التي يُساء فهمها كثيراً جداً أكثر ما يكون في روايات الإنجيل. لا يرويها سوى لوقا، وهو يخبر القصة لهدف محدد جداً. عادة يفكر الناس بمثل السامري الصالح على أنه مجرد خلفية لدرس عن المحبة والاهتمام بأولئك الأقل منا حظاً. قال لي أحدهم مؤخراً: "لستُ في حاجة إلى كفّارة عن خطاياي. دين السامري الصالح كافٍ جداً بالنسبة لي". لقد كان يسند أعماله بالأبدية على القيام بالأعمال الصالحة إلى إخوته البشر، متناسياً أنه على هذا الأساس يكون الجميع تحت الدينونة، لأنه ما من إنسان سوى ربنا المبارك أحب حقاً قريبه كنفسه. مواجهة مضامين هذه القصة بصدق يعني إدراك الاستحالة الكاملة للحصول على الحياة الأبدية عن طريق الأعمال. يمكننا أن نخلص فقط بما صنعه المسيح. ويكون ذلك عندما ندرك أننا عاجزون، مثل الرجل الذي كان يحتضر على طريق أريحا، وأننا مستعدين للخضوع للإنجيل واقتبال الخلاص الذي جاء الرب ليجعله ممكناً.

بينما ينبغي علينا أن ندرك حقيقة أن الرب كان يسعى ليوقظ ضمير الناموسي إلى مسؤوليته نحو قريبه، مع ذلك من الواضح أنه كان هناك شيء أبعد من ذلك في ذهن الرب. خلال خدمته الأولى الباكرة لربنا، أوضح إلى أتباعه المبادئ التي يجب أن تسيّرهم وهم يتطلعون إلى تأسيس ملكوته. لقد كانت غاية يسوع من سرد مثل السامري الصالح هو أن يُظهر للناموسي حاجته إلى مخلّص. ما لدينا هنا هو قصة رجل كان يحاول أن يحفظ برّه ولم يعرف حالته الهالكة. يخبرنا الإنجيل: "وَإِذَا نَامُوسِيٌّ قَامَ يُجَرِّبُهُ قَائِلاً: «يَا مُعَلِّمُ مَاذَا أَعْمَلُ لأَرِثَ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ؟»". الناموسي الذي سأل هذا السؤال لم يكن سائلاً صادقاً. لقد كان يحاول أن يشد يسوع إلى مجادلة حول ناموس موسى، الذي أعلن أن من أعطاه مبادئه ووصاياه يحيا، وأن من انتهكها سوف يُلعن.

في كلمة "ناموسي" عُني بها الإشارة إلى ذاك الذي هو مفسر لناموس موسى: أي الذي كان متضلّعاً جداً في الكتابات المقدسة في العهد القديم، وخاصة الكتب الموسوية، والذي كان لأجل ذلك يُنظر إليه على أنه ذو سلطان بين الناس عموماً. أفترض أننا سنكون محقين إذا قلنا أن ذلك الناموسي يقابل كثيراً من معه دكتوراه في اللاهوت في أيامنا هذه. كان يُفترض به أن يعرف، أنه ما من إنسانٍ كان يمكن أن يحصل على الحياة الأبدية بحفظ ناموس موسى، لأنه ما من إنسانٍ وُجد على الإطلاق قد أطاع بشكل كامل وصايا الناموس المقدسة.

أجابه يسوع بالسؤال: "مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي النَّامُوسِ. كَيْفَ تَقْرَأُ؟" لم يحاول يسوع أبداً أن يجادل من لم يكن صادقاً. وفي هذه الحادثة، وضع يسوع الناموسي في موقف الدفاع، فترك له أن يجيب على سؤاله الذاتي الذي طرحه بقدر ما أمكنه ذلك. بهذه الطريقة سيكشف الناموسي موقفه الخاص نحو كل من الله وقريبة. وكان هذا تماماً ما حدث. كان الناموسي قد أُعطي ليُظهر فساد القلب البشري، وليُعطي الخطيئة السمة الخاصة المميزة بالتعدي، وليظهر العجز الكلي لأي إنسان طبيعي أن ينال الخلاص بأهلية أو استحقاق بشري، وليدين الناس بحماقتهم ويشعرهم بالإثم أولئك الذين تجاهلوا بر الله، ويحاولون أن يؤسسوا برّهم الذاتي. يأتي السؤال بقوة أن: "مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي النَّامُوسِ. كَيْفَ تَقْرَأُ؟" لو كان الضمير يسير حسب الناموس فكان يجب أن يملأ النفس بالرب إذ يدرك المرء عجزه الكامل عن أن يصل إلى المعيار الرفيع الذي يضعه الناموس. من الواضح أن الناموسي لم تكن لديه هكذا خبرة، إذ أجاب بلا تردد قائلاً: "تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، وَقَرِيبَكَ مِثْلَ نَفْسِكَ". بإجابته على هذا النحو، لخّص الناموسي لوحي الوصايا في الناموس، بحسب تثنية ٦: ٥ ولاويين ١٩: ١٨. لقد كان جوابه تعليق على حالة نفسه حتى أنه أمكنه أن يتلو تلك الكلمات بارتجال وعفوية ومع ذلك يظهر عدم إحساس من قِبله بحالته الهالكة. من أمكنه أن يطبق هذه الوصايا دائماً؟ ومع ذلك فإن الإخفاق في أحدها يضع الإنسان في حالة بائسة عاجزة كلياً ولا يمكنه إرضاء مطالب الناموس. أجاب الرب يسوع برصانة ورزانة: "بِالصَّوَابِ أَجَبْتَ. اِفْعَلْ هذَا فَتَحْيَا". لقد كانت طعنة حادة بسيف الكلمة ذي الحدين الذي يستخدمه الله، ولكن لم تؤثر إلا قليلاً على ذلك الناموسي المعتل بنفسه وذي القلب المليء بالبر الذاتي. ومع ذلك فما كان من ذلك إلا تأكيد على ما كان يطلبه الناموس، والذي بسببه صارت "خِدْمَة الْمَوْتِ" (٢ كور ٣: ٧) لكل من كانوا تحته. لو كان هناك تحسس وجداني حقيقي، لكان الناموسي سيعترف بأنه انتهك الناموس وخالفه للتو وكان ليستعلن إذا ما كان هناك أي طريق آخر ليتحرر به من لعنة الناموس. بدلاً من هذا، حاول أَنْ يُبَرِّرَ نَفْسَهُ بالسؤال: "مَنْ هُوَ قَرِيبِي؟" لقد كان سؤالاً يثير الانتباه! أظهر هذا الحالة الحقيقية لقلب هذا الرجل. فكروا بشخص رغب في الحياة الأبدية بأعماله، وفي نفس الوقت يكون لا مبالياً بحاجات البشرية المتألمة حتى أنه لم يكتشف بعد حاجة قريبه إلى المحبة والعناية! ومع ذلك فلربما كان أفضل له لو سأل: "ومن هو إلهي؟" لأنه إن كان المرء لا يحب أخاه، الذي يراه، فلا يستطيع أن يحب حقاً الله الذي لا يراه (١ يو ٤: ٢٠). وإجابة على هذا السؤال سرد الرب ما يُعرف عموماً باسم مثل السامري الصالح. لا شك أنها كانت قصة من الواقع، إذ علينا أن نتذكر أن ربنا يسوع المسيح كان نفسه الطريق، والحق، والحياة. لا شك أنه كان سيقدم مثلاً توضيحياً وإن كان ليس له أساس واقعي، وذلك لكي يؤثر على مستمعيه وينقل لهم حقيقة معنية، ولذلك كان يلجأ إلى هذا الأسلوب، كما كان يفعل في بعض المناسبات عندما كان يقول: "اسمعوا هذا المثل". وفي هذه الحالة كان يتكلم بشكل محدد عن إنسان معين نزل من أورشليم إلى أريحا ووقع بين أيدي اللصوص الذين جرحوه وسرقوه وعرّوه من ثيابه وتركوه بين حيّ وميت على قارعة الطريق. في هذا الرجل يمكن أن نرى صورة الضحايا التعساء الواقعين تحت سلطة الخطية والعنف من كل نوع، والتي تحطمت حياتهم وتدمرت بسبب ظروف معاكسة، والذين وقوعهم سيثير الشفقة ويحث الآخرين على تقديم المساعدة، وخاصة في القلوب التي تكشف عن طيبةٍ ولطف. ولكن في سرده لهذه القصة من الواضح أن يسوع كان في ذهنه أمثر من هذا. الرجل الذي تعرض للضرب على طريق أريحا هو صورة حيوية تدل على كل الناس في حالتهم الطبيعية. الذين سُرقت منهم براءتهم نسبياً ونقاؤهم وعفتهم والآن صاروا عاجزين ومدنسين وغير قادرين على أن يستعيدوا حالتهم السابقة، وهم في حاجة إلى من يستطيع أن يخلّصهم من خطيئتهم ونتائج الخطيئة.

بعد ذلك نقرأ أنه وبالصدفة، أو بالأحرى (بالتزامن) نزل من ذلك المكان كاهن معين، رأى الرجل وتجاوزه. كان ذلك الكاهن يمثل الجانب الروحي من العهد الناموسي. لقد رأى الرجل المتدنس، ولكن من الواضح أنه خشي أن يتنجس بلمسه له أو اقترابه منه وخاصة أنه على وشك الموت وقد يلوثه بدمه (لا ٢١: ١). "وَجَازَ مُقَابِلَهُ". ثم جاء لاوي. بدا أكثر اهتماماً بذلك الإنسان البائس، ذلك الجريح الذي كان ضحية اللصوص، إذ نعلم أنه "جَاءَ وَنَظَرَ"، ولكننا من جديد نقرأ أنه "جَازَ مُقَابِلَهُ". لقد كان يمثل الجانب المتعلق بإنسان من الناموس، ولكنه لم يعتبر أن من واجبه مساعدة شخص في حالة يرثى لها كذلك الرجل. كم يحدث أن نرى أناس متدينين جداً، مكرسين لكنيسة ما أو جماعة ما، ومع ذلك ليس لهم رحمة في قلوبهم نحو أولئك الذين يكونون في مشاكل أو رحمة، أو أولئك الذين يكونون في خطاياهم. كان يفترض في اللاوي أن يكن خادماً لله، مكرساً للخدمة لبني إسرائيل، ولكن في إرضائه لذاته، تجاهل حالة ذلك البائس الفقير الذي يحتضر، الملقى على طريق أريحا. فليمنح الله كل من يعترف بأنه خادم الرب يسوع المسيح أن يتذكر دائماً وأبداً أن لدينا مسؤولية عظيمة، ليس فقط في أن نكرز الإنجيل، بل أيضاً أن نصنع الخير لكل الناس.

وأخيراً أتت المساعدة من شخص ما كان أبداً ليكون متوقعاً. لم يكن لليهود أي تعامل مع السامريين. وهنا نجد سامرياً معيناً، وهو مسافر، رأى رجل في حالته البائسة تلك وتحنن عليه. كان هذا آخر رجل في العالم يمكن لذلك اليهودي الفقير الجريح أن يتوقع منه الرحمة. ولكن قلب السامري كان ممتلئاً بالتعاطف على ذلك الجريح المتألم العاجز. عندما حاول اليهود التعبير عن ازدرائهم بيسوع، نادوه سامرياً (يو ٨: ٤٨). من السهل أن نرى في ذلك الشخص الذي أسعف المسافر المحتضر صورة لربنا المبارك نفسه، الذي جاء إلينا عندما كنا في خطيئتنا وحاجتنا، وأظهر نعمته ورحمته اللا محدودة نحونا.

تَقَدَّمَ السامري وَضَمَدَ جِرَاحَاتِ الرجل البائس، وَصَبَّ عَلَيْهَا زَيْتًا وَخَمْرًا، وَأَرْكَبَهُ عَلَى دَابَّتِهِ، وَأَتَى بِهِ إِلَى فُنْدُق. مستخدِماً أفضل طرق العلاج التي عرفها، برهن السامري أنه قريب فعلي لذلك المبتلي. لم يتركه على قارعة الطريق، بل أخذه معه إلى نزلٍ حيث يتم الاعتناء به بشكل أفضل. إنها حقيقة شيقة ولافتة أنه في نصف الطريق بين أريحا وأورشليم، لا يزال هناك حتى اليوم نزل يُعرف باسم السامري الصالح، حيث يستريح المسافرون في طريقهم على ذلك المنحدر الطويل من وادي الأردن إلى مدينة الملك العظيم.

لم يتوقف اهتمام هذا السامري بالمريض عندما أتى به إلى النزل، بل قبل أن يغادره ويمضي في رحلته الشخصية، نعلم أنه "أَخْرَجَ دِينَارَيْنِ". والدينار عملة رومانية بحجم الخمس وعشرين سنتاً ولكن بقوة شرائية كانت في تلك الأيام تعادل قيمتها الحالية بعدة أضعاف. أعطى النقودَ إلى صاحب الفندق وأمره أن "اعْتَنِ بِهِ"، واعداً إياه بأن يوفيه عند عودته عن كل ما أنفق عليه. لاحظوا كلماته بدقة- "عِنْدَ رُجُوعِي أُوفِيكَ". كم هو موحٍ هذا الوعد! ألا يذكرنا بحقيقة أن ربنا المبارك، الذي كان قد عاد إلى السماء، وعندما سيرجع سيكافئ كل ما نكون قد فعلناه له. يمكن للمرء أن يتخيل من وقع عليه سخاء السامري يصير أقوى يوماً بعد يوم. مع ازدياد قوته، لعلنا نفكر فيه على أنه سيذهب إلى مدخل النزل وينظر إلى الطريق مترقباً منتظراً. إذا ما سأله أحدهم عمن ينظر، أعتقد أنه كان سيجيب: "يا صديقي، إني أنتظر ذاك الذي كان قريباً جداً لي في وقت حاجتي؛ ذاك الذي أدين له بحياتي. لقد قال: سأرجع من جديد. وأنا أنتظر عودته. وأريد أن أركع عند قدميه وأعبّر له عن مدى امتناني لما عمله من أجلي".

بالنسبة إلى الناموسي طرح عليه يسوع السؤال أن: "فَأَيَّ هؤُلاَءِ الثَّلاَثَةِ تَرَى صَارَ قَرِيبًا لِلَّذِي وَقَعَ بَيْنَ اللُّصُوصِ؟" لقد كان سؤالاً يدعو إلى التفكير، عُني به أن يُظهر قلب الناموسي ويجعله يدرك أنه كان هو الرجل الذي على طريق أريحا والذي كان في حاجة إلى أحد ما يحرره من الورطة التي أقحمته فيها خطاياه. ولكن للأسف! لم يكن لديه هكذا إدراك بحاجته. أجاب: "الَّذِي صَنَعَ مَعَهُ الرَّحْمَةَ". كل إنسان عاقل كان ليقول نفس الجواب، وهكذا فإن الناموسي أدان نفسه بنفس كلماته. أمره يسوع ببساطة أن: "اذْهَبْ أَنْتَ أَيْضًا وَاصْنَعْ هكَذَا". ترك الناموسي المكان آنذاك مطلقاً العنان لأفكاره. لو كان متسائلاً صادقاً لكان أقرّ بأنه، وإذ كان يسعى إلى الحصول على الحياة الأبدية بحضن الناموس، أن حالته كانت ميؤوساً منها، لأنه خالف الناموس للتو وكان تحت لعنته. لو أنه حافظ على موقف بار أمام الله، لما كان لا مبالياً بقريبه. لم يبدي ذلك الناموسي أي برهان على اقتناعه، وإلا لكان هتف قائلاً: "أنا ذلك الرجل على طريق أريحا- أنا ذاك الذي يحتاج إلى الرحمة". وعندها ما كان يسوع سيرسله إلى اللاوي أو إلى الكاهن للمساعدة، بل كان سيقول له: "لقد جئتُ لكي أطلب وأخلّص ما قد هلك؛ أستطيع أن أشفي نفسك وأعتني بك. لقد جئت لأعطي الحياة الأبدية لكل الذين يؤمنون بي".

الدين الناموسي لا يستطيع أن يفعل شيئاً لإنسان نجس ساقط. الكاهن واللاوي كانا يمثلان لوحي الشريعة، نحو الله ونحو الإنسان، واللذان كُسرا مرة، وصارا خدمة للموت والدينونة. لقد حمل يسوع نفسه تلك الدينونة ومات بدلاً عنا، البار مات عن الفجّار، لكيما يأتي بنا إلى الله. ولذلك فقد أظهر نفسه على أنه قادر على أن يسد كل حاجة وعلى أن يخلّص إلى الأبد كل الذين يؤمنون به.