الخطاب ٢٢

الأسس المتينة والأسس غير المتينة

"٣٩وَضَرَبَ لَهُمْ مَثَلًا: «هَلْ يَقْدِرُ أَعْمَى أَنْ يَقُودَ أَعْمَى؟ أَمَا يَسْقُطُ الاِثْنَانِ فِي حُفْرَةٍ؟ ٤٠لَيْسَ التِّلْمِيذُ أَفْضَلَ مِنْ مُعَلِّمِهِ بَلْ كُلُّ مَنْ صَارَ كَامِلًا يَكُونُ مِثْلَ مُعَلِّمِهِ. ٤١لِمَاذَا تَنْظُرُ الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ وَأَمَّا الْخَشَبَةُ الَّتِي فِي عَيْنِكَ فَلاَ تَفْطَنُ لَهَا؟ ٤٢أَوْ كَيْفَ تَقْدِرُ أَنْ تَقُولَ لأَخِيكَ: يَا أَخِي دَعْنِي أُخْرِجِ الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِكَ وَأَنْتَ لاَ تَنْظُرُ الْخَشَبَةَ الَّتِي فِي عَيْنِكَ. يَا مُرَائِي! أَخْرِجْ أَوَّلًا الْخَشَبَةَ مِنْ عَيْنِكَ وَحِينَئِذٍ تُبْصِرُ جَيِّدًا أَنْ تُخْرِجَ الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ. ٤٣لأَنَّهُ مَا مِنْ شَجَرَةٍ جَيِّدَةٍ تُثْمِرُ ثَمَرًا رَدِيًّا وَلاَ شَجَرَةٍ رَدِيَّةٍ تُثْمِرُ ثَمَرًا جَيِّدًا. ٤٤لأَنَّ كُلَّ شَجَرَةٍ تُعْرَفُ مِنْ ثَمَرِهَا. فَإِنَّهُمْ لاَ يَجْتَنُونَ مِنَ الشَّوْكِ تِينًا وَلاَ يَقْطِفُونَ مِنَ الْعُلَّيْقِ عِنَبًا. ٤٥اَلإِنْسَانُ الصَّالِحُ مِنْ كَنْزِ قَلْبِهِ الصَّالِحِ يُخْرِجُ الصَّلاَحَ وَالإِنْسَانُ الشِّرِّيرُ مِنْ كَنْزِ قَلْبِهِ الشِّرِّيرِ يُخْرِجُ الشَّرَّ. فَإِنَّهُ مِنْ فَضْلَةِ الْقَلْبِ يَتَكَلَّمُ فَمُهُ. ٤٦وَلِمَاذَا تَدْعُونَنِي: يَا رَبُّ يَا رَبُّ وَأَنْتُمْ لاَ تَفْعَلُونَ مَا أَقُولُهُ؟ ٤٧كُلُّ مَنْ يَأْتِي إِلَيَّ وَيَسْمَعُ كَلاَمِي وَيَعْمَلُ بِهِ أُرِيكُم مَنْ يُشْبِه. ٤٨يُشْبِهُ إِنْسَانًا بَنَى بَيْتًا وَحَفَرَ وَعَمَّقَ وَوَضَعَ الأَسَاسَ عَلَى الصَّخْرِ. فَلَمَّا حَدَثَ سَيْلٌ صَدَمَ النَّهْرُ ذَلِكَ الْبَيْتَ فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُزَعْزِعَهُ لأَنَّهُ كَانَ مُؤَسَّسًا عَلَى الصَّخْرِ. ٤٩وَأَمَّا الَّذِي يَسْمَعُ وَلاَ يَعْمَلُ فَيُشْبِهُ إِنْسَانًا بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الأَرْضِ مِنْ دُونِ أَسَاسٍ فَصَدَمَهُ النَّهْرُ فَسَقَطَ حَالًا وَكَانَ خَرَابُ ذَلِكَ الْبَيْتِ عَظِيمًا»" (لوقا ٦: ٣٩- ٤٩).

بحسب طريقة ربنا المعتادة في التعليم، يرجع يسوع إلى التعليم بالأمثال في ختامه لهذه الخطبة الرائعة. كم هي حيوية تلك الصورة التي ترتسم أمام أعيننا ونحن نسمعه يقول: "هَلْ يَقْدِرُ أَعْمَى أَنْ يَقُودَ أَعْمَى؟ أَمَا يَسْقُطُ الاثْنَانِ فِي حُفْرَةٍ؟". كيف يمكن للمرء أن يكون ميالًا أكثر إلى الاستناد على النتائج المحزنة الناشئة عن إتباع معلمين بشريين غير مستنيرين بدلًا من الاسترشاد بكلمة الرب الواضحة؟ إنه لأمر لافت في الرسالة الأولى إلى تيموثاوس، الأصحاح السادس، أن الرسول بولس يشدد على أهمية الانتباه على كلمات ربنا يسوع المسيح التي تمثل التعليم المتعلّق بالقداسة والتقوى. هذه الكلمات نجدها في الأناجيل الأربعة، حيث نسمع الرب نفسه يتكلم إلى تلاميذه. ومع ذلك فكثيرًا ما يقولون لنا أن هذا التعليم لم يعد ملزمًا للمسيحيين اليوم، لأن الإعلان الكامل لسر الجسد الواحد قد أُظهِر. النتائج المحزنة الناجمة عن قبول هكذا آراء سرعان ما نراها. أولئك الذين ينادون بها سرعان ما يتبرهن أنهم قادة عميان، وأولئك الذين يقبلونها هم تلاميذ عميان أيضًا، وكلاهما يتعثران ويسقطان إلى حفرة تضارب القوانين من جهة أو الناموسية القاسية من جهة أخرى. حسن أن نزن جيدًا ونثمّن كلمات الرسول تلك، والتي أقتبسها بالكامل هنا: "إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُعَلِّمُ تَعْلِيمًا آخَرَ، وَلاَ يُوافِقُ كَلِمَاتِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ الصَّحِيحَةَ، وَالتَّعْلِيمَ الَّذِي هُوَ حَسَبَ التَّقْوَى فَقَدْ تَصَلَّفَ، وَهُوَ لاَ يَفْهَمُ شَيْئًا، بَلْ هُوَ مُتَعَلِّلٌ بِمُبَاحَثَاتٍ وَمُمَاحَكَاتِ الْكَلاَمِ الَّتِي مِنْهَا يَحْصُلُ الْحَسَدُ وَالْخِصَامُ وَالاِفْتِرَاءُ وَالظُّنُونُ الرَّدِيَّةُ، وَمُنَازَعَاتُ أُنَاسٍ فَاسِدِي الذِّهْنِ وَعَادِمِي الْحَقِّ، يَظُنُّونَ أَنَّ التَّقْوَى تِجَارَةٌ. تَجَنَّبْ مِثْلَ هَؤُلاَءِ. وَأَمَّا التَّقْوَى مَعَ الْقَنَاعَةِ فَهِيَ تِجَارَةٌ عَظِيمَةٌ" (١ تيم ٦: ٣- ٦).

وضع المعلّم، ربنا المبارك، مبادئ يجب على تلاميذه أن يعيشوا وفقها في حياتهم. إن كنا سنخفق في الوصول إلى الكمال الروحي فلا يمكننا أن نتحمل تجاهل ما قد قاله لنا. الآيتان ٤١ و٤٢ هزليتان تقريبًا بالطريقة التي تسخران فيها من حماقة من يحاول أن يقوّم اعوجاج أخيه بينما هو نفسه بعيد عن السير في طرق الاستقامة. "لِمَاذَا تَنْظُرُ الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ، وَأَمَّا الْخَشَبَةُ الَّتِي فِي عَيْنِكَ فَلاَ تَفْطَنُ لَهَا؟" في اللغة اليونانية الشعبية السائدة آنذاك ( Koine )، كما يتبين في الروايات المدونة المكتشفة حديثًا في مصر، تُستخدم هذه الكلمة نفسها من قِبل شاب يكتب إلى أمه، فتتكلم عن المعاناة التي احتملها بسبب خشبة أو دعامة انغرست تحت أظفر إبهامه. من الواضح أنه كان يقصد بالخشبة شظيةً، ولكن هذه الشظية بدت كبيرة جدًا حتى أنه استخدم كلمة خشبة ليصفها. وبلا شك، هذا ما كان في ذهن ربنا. فكيف لمن كانت هناك شظية في عينه، أن يرى بشكل صحيح حالة عين أخيه؟ إن كنتُ تحت وطأة الخطيئة بنفسي فأنا في حالة لا أستطيع بها أن أوبخ الآخرين. ما يجب أن أفعله هو أن أخرج بنفسي من المأزق ثم أستطيع أن أساعد الأخ المخطئ. إذا اتخذنا الموقف الآخر فإنما نكون مرائين- نقر بأمر ونحيا أمرًا آخر. وهكذا يصر الرب على أنه يجب إزالة الخشبة أولًا من عين المرء، وعندها نستطيع أن نرى بوضوح فنزيل الذرة من عين أخينا.

في أماكن عديدة من الكتاب المقدس، يصور الإنسان كشجرة. وفي المزامير، يُرى البار كشجرة نخلة أو شجرة زيتون، جميلة ومخضوضرة؛ في حين يُصوّر الأشرار كشجرة شريرة، تُلقى في نهاية الأمر إلى النار. يستخدم الرب نفس الصور الرمزية في الآيتين التاليتين: الشجرة الجيدة تعطي ثمرًا جيدًا؛ والشجرة الرديئة تعطي ثمرًا رديئًا. الإنسان ليس خاطئًا لأنه يُخطئ، بل إنه يخطئ لأنه خاطئ. عندما يُولد المرء من الله تصبح الخطيئة بغيضة بالنسبة إليه ويسعى لأن يرتب حياته ويعيشها في البر. وهكذا يؤتي ثمرًا لله. لا يتوقع البشر أن يجنوا تينًا من الشوك، ولا عنبًا من العليق. كل شجرة تحمل ثمرًا حسب نوعها. الإنسان الذي يسلّم ذاته للرب ويسعى لأن يسير وفق كلمته سيُثمر من الكنز الصالح الذي في قلبه وسيكون الثمر صالحًا، لمجد الله وبركة البشر؛ بينما الإنسان الذي تأصل فيه الشر، والذي لم يتجدد أبدًا، فمن فيض قلبه الشرير سيأتي بثمار الشر. القلب هو الذي يدل على طابع الإنسان. "مِنْ فَضْلَةِ الْقَلْبِ يَتَكَلَّمُ فَمُهُ". الاعتراف بالولاء للمسيح واعتباره ربًّا بينما نسلك في عصيان لكلمته، هو حماقة ونفاق ورياء. نرنم أحيانًا، وصادق هو ما نقوله:

"إن لم يكن ربّ الجميع،
فهو ليس ربًّا على الإطلاق".

كم نحتاج لأن نتذكر ذلك! كلمته يجب أن تسود وتسيطر على كل جانب من حياتنا.

جميعنا يعرف المثل الذي ختم به الرب يسوع هذه الخطبة. إنه يشبِّه الإنسان الذي يسمع كلمته ويطيعها بإنسان بنى بيتًا، ولكي يكون هذا البيت منيعًا وقويًا، حَفَرَ وَعَمَّقَ وَوَضَعَ الأَسَاسَ عَلَى الصَّخْرِ. المسيح نفسه هو تلك الصخرة. فقط عندما نبني عليه نكون في أمان. تصويريًا يرسم الرب البيت المبني على هكذا أساس على أنه ينجو من أعتى العواصف. يقول أنه عندما ارتفع السيل، وضربت العاصفة ذلك البيت بقوة، لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُزَعْزِعَهُ، لأَنَّهُ كَانَ مُؤَسَّسًا عَلَى الصَّخْرِ. وهكذا سيكون كل من يؤمن بالمسيح ويتكل عليه مخلّصًا، وعندها يسعى للسير في إطاعة مشيئته المعلنة.

الإنسان المتمحور على ذاته والمتمرد والعاصي، الذي يسمع كلمة المسيح، ولكن لا يجعلها في قلبه ولا يسلّم حياته له كمخلّص، ولا يؤمن به ولا يطيعه، يُشبه إنسانًا بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الأَرْضِ دون أن يستند على أي أساس. فعندما هبّت العاصفة وارتفع السيل وضرب البيت سَقَطَ حَالًا، وَكَانَ خَرَابُ ذلِكَ الْبَيْتِ عَظِيمًا لأنه لم يكن له أساس قوي متين. المثل يشرح نفسه. ليس هناك من حاجة إلى استنارة من روح قدس الله لإيضاح المعنى. كل ما هو مطلوب هو ضمير نقي ورغبة في أن نكون أبرارًا أمام الله. لتكن هذه في قلب كل من يسمع هذه الرسالة.