الخطاب ٤٨

سلام الآب

"سلاَماً أَتْرُكُ لَكُمْ. سلاَمِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا. لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ وَلاَ تَرْهَبْ. سَمِعْتُمْ أَنِّي قُلْتُ لَكُمْ أَنَا أَذْهَبُ ثُمَّ آتِي إِلَيْكُمْ. لَوْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي لَكُنْتُمْ تَفْرَحُونَ لأَنِّي قُلْتُ أَمْضِي إِلَى الآبِ لأَنَّ أَبِي أَعْظَمُ مِنِّي. وَقُلْتُ لَكُمُ الآنَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ حَتَّى مَتَى كَانَ تُؤْمِنُونَ. لاَ أَتَكَلَّمُ أَيْضاً مَعَكُمْ كَثِيراً لأَنَّ رَئِيسَ هَذَا الْعَالَمِ يَأْتِي وَلَيْسَ لَهُ فِيَّ شَيْءٌ. وَلَكِنْ لِيَفْهَمَ الْعَالَمُ أَنِّي أُحِبُّ الآبَ وَكَمَا أَوْصَانِي الآبُ هَكَذَا أَفْعَلُ. قُومُوا نَنْطَلِقْ مِنْ هَهُنَا" (يوحنا ١٤: ٢٧- ٣١).

من الممكن في هذه المرحلة أن يكون ربنا المبارك وتلاميذه قد قاموا عن مائدة العشاء التي كانوا يحفظون فيها عيد الفصح، الذي تلاه تأسيس أكثر المناسبات تقديساً في الكنيسة، ألا وهي العشاء الرباني. كان قد غسل أرجلهم، وأخبرهم عن مجيئه ثانية، وعن محبة الآب، وعن مجيء المعزي. والآن نهضوا معاً وبدأوا الطريق نحو جثسيماني حيث كان ربنا المبارك سيدخل إلى ساعة الكرب تلك قبل ذهابه إلى قاعة المحكمة والصلب.

كلماته لها تأثير معين عندما نفكر في الظروف التي نطق بها فيها. إنه يقول: "سلاَماً أَتْرُكُ لَكُمْ. سلاَمِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا. لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ وَلاَ تَرْهَبْ". عند مجيئه إلى الأرض، قُدم للبشر على أنه ذاك الذي يأتي بسلام. وكان النبي أشعياء قد تنبأ قبل سبع مئة سنة من ميلاد المسيح المخلص قائلاً عن اسمه: " يدعى اسمه عجيبا مشيرا إلها قديرا أبا أبديا رئيس السلام". الملائكة رنمت عند ميلاده قائلة: "المجد لله في العلى، وعلى الأرض السلام، وفي الناس المسرَّة". ومع ذلك فإن الأمر المحزن الذي لا يمكن إلا أن يتملك قلوبنا اليوم هو هذا، أنه بعد أكثر من عشرين قرن من الكرازة بالإنجيل، يجهل العالم حالياً السلام أكثر من أي وقت مضى. أشار ربنا إلى أن هذا ما سيحدث قبل أن يمضي، وقال أن سبب ذلك هو: "لأنكم لا تعلمون وقت افتقادكم و الأشياء التي تخص سلامكم". "جاء إلى خاصته وخاصته لم تقبله". لقد قدم نفسه لهم ملكاً فقالوا: "لا نريد لهذا الرجل أن يملك علينا". وفي بلاط بيلاطس رفضوه بهذه الشخصية- أي كملك. سألهم بيلاطس: "ماذا؟ هل تريدون أن أصلب ملككم؟" فأجابه اليهود: "لا ملك علينا سوى قيصر"، ولكم عانوا من عدة قياصرة منذ ذلك الحين! وكل ذلك بسبب تلك الخطيئة الفظيعة. قال المخلص قبل أن يمضي: "لا تظنوا أني جئت لألقي سلاماً على الأرض. ما جئت لألقي سلاماً بل سيفاً". أي، إن لم يقتبله الناس والحقيقة التي كانت ستحررهم، فعندها لابد أنهم يبقون في عبودية الخطيئة بكل تبعاتها المريعة.

لقد رأى مسبقاً كل هذه المشاهد من النزاع وسفك الدماء، وعندما سألوه: "ما هي علامة مجيئك؟" أجاب قائلاً: "سوف تسمعون بحروب وأخبار حروب، لأنه تقوم أمة على أمة ومملكة على مملكة وتكون مجاعات وأوبئة وزلازل في أماكن، ولكن هذه كلها مبتدأ الأوجاع".

غنى الأولاد الصغار وهو يدخل أورشليم راكباً جحش ابن أتان لآخر مرة قائلين: "مبارك الملك الآتي باسم الرب! سلام في السماء ومجد في الأعالي". لاحظوا الفرق. الملائكة قالت: "على الأرض السلام"، بينما الأولاد قالوا، بوحي إلهي: "سلام في السماء". لأنه كان راجعاً إلى السماء، آخذاً معه السلام الذي كان سيتشارك به بسرور مع الناس في العالم. والآن يجلس إلى يمين الله- إنسان السلام. وقبل أن يمضي قال لتلاميذه: "سلاَماً أَتْرُكُ لَكُمْ. سلاَمِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا. لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ".

أرى أن لدينا شكلين متميزين من السلام في هذه الآية: الأول هو السلام الذي تركه يسوع- "سلاماً أترك لكم". أي، على ما أعتقد، هذا السلام له علاقة بمسألة الخطيئة. ما كان ليمكن أن يكون سلام بين الله والإنسان طالما كانت الخطيئة تحل بينهما كحاجز أو عائق. مرتان في أشعياء نقرأ القول: "لا سلام قال الرب للأشرار". فبالدرجة الأولى إنه يتبع جدال الرب بما يتعلق بالأصنام. فلا سلام لأولئك الذين يضعون أي شيء محل الله الحقيقي والحي.

وبالدرجة الثانية، يصور لنا أشعياء مجيء المخلص إلى العالم، عبد يهوه، الرب يسوع المسيح، ويقول: "محتقر ومخذول من الناس.... وهو مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا. تأديب سلامنا عليه وبحبره شفينا". وأخبر كيف أن الابن سيُرفض من قبل شعبه خاصته أنفسهم وختم ذلك الجزء من النبوءة بهذه الكلمات: "لا سلام،  يقول إلهي، للأشرار"، فلا سلام لأولئك الذين يرفضون الرب يسوع الذي كان هو الوحيد الذي جاء ليعطي السلام. ولكن رغم أنه كان مرفوضاً، إلا أنه مضى إلى الصليب ليصنع كفارة عن الخطيئة، وهناك حقق النبوءة المتعلقة بالتأديب أو العقاب الذي يُصنع به سلامنا. ولذلك فإننا نقرأ في كولوسي ١: "عاملاً الصلح بدم صليبه، بواسطته". أعتقد أن هذا هو ما كان يشير إليه عندما قال: "سلاماً أترك لكم". لم يعد إلى السماء إلى أن سوى مسألة الخطيئة وجعل ممكناً للإنسان أن يكون في سلام مع الله، وذلك على أساس شرعي، إذ كما تذكرون لا يمكن أن يكون هناك سلام مع الله بمعزل عن البر. "ويكون صنع العدل سلاما وعمل العدل سكونا وطمأنينة إلى الأبد" (أشعياء ٣٢: ١٧). يسوع هو "كاهن إلى الأبد على رتبة ملكي صادق، ملك ساليم". "ملكي صادق" تعني "ملك البر"؛ و"ساليم" تعني "السلام". وروح الله يقول: "المترجم أولا «ملك البر» ثم أيضاً «ملك ساليم» أي ملك السلام"- ما من سلام بدون بر. لأجل ذلك، فإني أنا وأنت خطاة ما كان ليمكننا أن نصنع سلاماً مع الله.

في العهد القديم دعا الله للإنسان ليصنع سلاماً معه، ولكن لم يمكن لأي إنسان أن يفعل ذلك. لماذا لا أستطيع أن أصنع سلاماً مع الله؟ لأنه ليست لدي القدرة لأن أترك الخطيئة جانباً. وما من جهد أبذله يمكن أن يرضى به الله عني بعد الخطيئة.

ولكن الرب يسوع المسيح، كممثل عنا، مضى إلى الصليب وصنع سلاماً- صنع سلاماً بدم صليبه. في (زكريا ٦: ١٣) نقرأ: "ويكون كاهناً على كرسيه وتكون مشورة السلام بينهما كليهما". أي أن ميثاق السلام قد وُضع بين الآب والابن. الابن أخذ مكاننا، وحل مشكلة الخطيئة فصنع بذلك سلاماً للبشر الخطاة البائسين، فكل من يأتي إلى الله كخاطئ تائب، يمكنه في لحظة إيمانه أن يقول: "فإذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح".

في نهاية الحرب الأهلية بين الولايات، يقال لنا أن فرقة كشافة من الفرسان الفيدراليين كانوا يمتطون جيادهم على طول الطريق من ريتشموند إلى واشنطن. وفجأة رأوا بائساً فقيراً مرتدياً ثياباً رثةً وهو زي كونفيدرالي خرج من الغابة. فحيا الكابتن الذي كبح لجام فرسه وانتظره. راح يلهث قائلاً: "إني أموت جوعاً. هل يمكنك أن تساعدني؟ هلا أعطيتني بعض الطعام؟" فقال الكابتن: "تتضور جوعاً! لماذا لا تذهب إلى ريتشموند وتحصل على كل ما تحتاج إليه؟" فأجاب ذاك الآخر قائلاً: "لا أجرؤ على ذلك، لأني إن فعلت سأُعتقل. قبل ثلاثة أسابيع خذُلت وشعرت بالخوف فخرجت من الجيش الكونفيدرالي، وها إني مختبئ في الغابة منذ ذلك الحين منتظراً أن تسنح لي الفرصة لأعبر الحدود إلى الشمال، لأني أعلم أنهم إن اعتقلوني فسوف يعدمونني لأني تركت الخدمة في وقت الحرب". نظر إليه الكابتن بانذهال وقال له: "ألم تسمع النبأ؟" "أي نبأ؟" قال الفقير البائس. "أن الحرب قد انتهت. وقد حل السلام. فالجنرال لي استسلم للجنرال غرانت في أبوماتوكس قبل أسبوعين. وانتهت الكونفيدرالية". فقال ذلك البائس: "ماذا؟ السلام قد حل منذ أسبوعين، وأنا أتضور جوعاً في الغابة لأني لم أعرف ذلك؟" آهٍ، لقد كان ذلك هو إنجيل السلام له. أيها الخاطئون، استمعوا إلي. لقد حل السلام قبل ألفي سنة، وملايين من الناس اليوم يموتون في خطاياهم لأنهم لم يعرفوا بذلك. ليس عليك أن تصنع سلامك مع الله. ليس عليك أن تكفر عن خطاياك. ما كان ليمكنك أن تفعل ذلك، ولكن يسوع قد فعل كل ذلك وهكذا صرت تستطيع أن تأتي إلى الله باسمه (اسم يسوع). كل ذلك قد أنجزه عند الجلجثة وسيضاف إلى رصيدك. ذاك الذي مات على الصليب ليصنع كفارة استرضائية عن خطاياكم قد قام ثانية وها هو يجلس اليوم إلى يمين الله يتكلم بالسلام لك أولئك الذين يأتون إليه ويؤمنون به فادياً لهم-

"السلام مع الله هو المسيح في المجد،
الله نور والله محبة؛
مات يسوع ليخبر القصة،
فصالح الخطاة مع الله في الأعالي".

وهكذا فإن يسوع قال: "سلاماً أترك لكم". هل استفدتم من هذا السلام؟ هل يمكنكم القول: "أشكر الله إني تبررت بالإيمان وأن لي سلام مع الله بالرب يسوع المسيح"؟

ولكن هذا أحد جوانب السلام. هناك جانب آخر من السلام. "سلاَمِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا". فالآن يقول يسوع: "سأعطيكم سلاماً سيحفظكم من اضطراب القلب". إننا نعيش في أيام وأوقات شاقة عصيبة. هناك اضطراب وقلق في القلب قد يسبب أسىً شديداً وكرباً حتى وإن كان القلب الطبيعي في حالة صحية جيدة، وذلك عندما يضطر المرء لأن يعاني الحرمان، والمشاكل المالية، والمحن العائلية، وربما الأشد من كل ذلك هو المشاكل الكنسية. أعتقد أحياناً أن أعظم الم يتعرض له الناس هو الاضطراب وسط المسيحيين الذين لا يثقون ببعضهم البعض أو ما عادوا يحبون بعضهم البعض، والذين، وبدل أن يكونوا معينين لبعضهم البعض، قد صاروا معيقين كل منهم لتقدم الآخر. وكثر ما نقف إزاء هذا الأمر. جاء أخ قبل فترة من الزمن وبدأ يخبر آخر أمراً سيئاً عن أخ مسيحي ثالث. فقال الشخص المخاطَب: "مهلاً، هل تخبرني هذا الأمر لأنك تحب هذا الإنسان؟"

ثم لدينا الأحزان التي علينا أن نعاني منها بسبب هذا العالم. هناك بالفعل أشياء تدور في كل مكان وهي مؤلمة بما يكفي لتحطم فؤاد كل إنسان حساس. ومع ذلك فإن يسوع يقول: "سلاماً أترك لكم. سلاَمِي أُعْطِيكُمْ". فيعطي الراحة إلى القلوب المضطربة.

"سلامي أعطيكم". كان يمكنه أن يقول: "لقد حطمتم فؤادي". ومع ذلك فإن روحه كانت في سلام كامل. والسلام نفسه الذي تملك قلب ابن الله كان يرغب أن يمنحه لنا. فكيف نناله؟ في أشعياء ٢٦: ٣ نقرأ: "ذو الرأي الممكن تحفظه سالماً لأنه عليك متوكل". هنا السر- الإيمان بالله المحبة والثقة به، الإله ذي القدرة اللامتناهية الذي صنع كل تلك الأعمال بتوافق مع إرادته. يُطلب إلينا أن نأتي إليه هو الذي يقول: " لا تهتموا بشيء، بل في كل شيء بالصلاة والدعاء مع الشكر، لتعلم طلباتكم لدى الله. وسلام الله الذي يفوق كل عقل يحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع". المعنى الحقيقي لهذا المقطع هو التالي: سلام الله سوف "يشغل" قلبك، أو "يحفظ" قلبك، أو "يحمي" قلبك. هذا هو السلام الذي سيتشاطره يسوع مع خاصته.

"يا للسلام الذي يعطيه مخلصي،
سلاماً لم أعرفه من قبل أبداً،
وغدا الطريق أكثر سطوعاً ووضوحاً
منذ أن تعلمت أن أثق به أكثر".

في الآيات ٢٨- ٣١، التي يُختتم بها هذا الأصحاح، نرى كيف أن ربنا المبارك قد حُفِظ في سلام بمواجهة أشد الظروف سوءاً وصعوبة. فقال: "سَمِعْتُمْ أَنِّي قُلْتُ لَكُمْ أَنَا أَذْهَبُ ثُمَّ آتِي إِلَيْكُمْ. لَوْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي لَكُنْتُمْ تَفْرَحُونَ لأَنِّي قُلْتُ أَمْضِي إِلَى الآبِ لأَنَّ أَبِي أَعْظَمُ مِنِّي". "لَوْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي لَكُنْتُمْ تَفْرَحُونَ". أليس في هذا كلمة عزاء لنا نحن الذين فقدنا أشخاص أعزاء على قلوبنا هنا على الأرض؟ لقد قال: "قلت لكم أني ماض. وعليكم أن تكونوا مبتهجين جداً لأني ذاهب إلى الآب". آهٍ، أولئك الأحباء في المسيح الذين غادرونا. إلى أين ذهبوا؟ لقد مضوا إلى الآب. وبالتأكيد ستُسر قلوبنا لمعرفتنا بأنهم دخلوا إلى بيت الآب. "أبي أعظم مني". تذكروا أن الله الابن قد صار إنساناً، وكإنسان على الأرض يأخذ موقف الإذعان ويقول: "أبي أعظم مني". لكونه ابناً سرمدياً، هو واحد مع الآب والروح القدس. "الذي إذ كان في صورة الله، لم يحسب خلسة أن يكون معادلا لله. لكنه أخلى نفسه، آخذاً صورة عبد، صائرا في شبه الناس. وإذ وجد في الهيئة كإنسان، وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب". لقد أخذ مكانة الخضوع الجدير بالاعتبار نحو الآب.

"وَقُلْتُ لَكُمُ الآنَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ حَتَّى مَتَى كَانَ تُؤْمِنُونَ". هذا يمكن تطبيقه على أشياء كثيرة تجري في هذا العالم اليوم. لو لم تكن لدينا شهادة الكتاب المقدس فيما يتعلق بالظروف التي ستخيم على العالم، لكان يمكن أن نُثبط. بعد ألفي سنة من الكرازة بالإنجيل، نجد أن تلك الأمور المريعة تحدث في العالم ما يجعلنا نظن أن بشرى الإنجيل قد أخفقت. ولكن ليس الحال كذلك. وليس الأمر إخفاقاً. الناس لن يقتبلوا الإنجيل. قال أحدهم: "ألا ترى أن المسيحية قد أخفقت بشكل مريع؟" فرد عليه آخر قائلاً: "المسيحية لم تخفق. لم يتم تجريبها أبداً". أترون، لقد أرانا الله مسبقاً الأحوال التي ستخيم على حين عودة الرب. وهكذا كما ترون، فكل شيء معلوم لديه وسيحكم كل شيء لأجل الخير.

"لاَ أَتَكَلَّمُ أَيْضاً مَعَكُمْ كَثِيراً لأَنَّ رَئِيسَ هَذَا الْعَالَمِ يَأْتِي وَلَيْسَ لَهُ فِيَّ شَيْءٌ". لا يمكن لي أو لكم أن نقول ذلك. أنا مسيحي منذ خمسين سنة ولكني لا أجرؤ على قول ذلك. رئيس هذا العالم هو الشيطان ولا يزال هناك شيء فيَّ يتجاوب مع رئيس العالم، ولكن يسوع لم يكن فيه شيء من هذا. لم يعرف خطيئة. ولذلك فعندما جاء إليه رئيس العالم يجربه أخفق. عليَّ أن أكون منتبهاً إلى خدع الشيطان، ولكن لم يكن لدى يسوع حاجة إلى ذلك في حالته. لقد كان دائماً وأبداً ابن الله الذي كان بلا خطيئة، وبلا إثم، ولا عيب فيه.

"وَلَكِنْ لِيَفْهَمَ الْعَالَمُ أَنِّي أُحِبُّ الآبَ وَكَمَا أَوْصَانِي الآبُ هَكَذَا أَفْعَلُ. قُومُوا نَنْطَلِقْ مِنْ هَهُنَا".

"قُومُوا نَنْطَلِقْ مِنْ هَهُنَا". إلى أين ينطلقوا؟ إلى جثسيماني، خارجاً إلى الجلجثة. لماذا؟ "لِيَفْهَمَ الْعَالَمُ أَنِّي أُحِبُّ الآبَ وَكَمَا أَوْصَانِي الآبُ هَكَذَا أَفْعَلُ". هذا هو جانب تقدمة المحرقة من عمل المسيح. لقد مات، ليس فقط من أجل أن يزيل الخطيئة، بل ليمجّد الآب. لقد أُهِين الله في هذا العالم بسبب شر الإنسان وعصيانه ثم صار ابن الله إنساناً وكان طائعاً حتى موت الصليب. لقد مجّد الآب بطريقة اقتبل فيها لله مجداً من خلال تلك الذبيحة القربانية أكثر مما خسِر بسبب كل خطايا الإنسان. وإلى هذا ترمز ذبيحة المحرقة. لقد قدم يسوع نفسه  ذبيحة قربانية وعِطراً ذكي الرائحة لله.

وعندها مجد الله وخلاصنا ارتبطا معاً، والآن وإذ تمجّد الله في عمل الصليب، فيمكنه أن يكون عادلاً وأن يبرِّر كل من يؤمن بيسوع.

"أسمع كلمات المحبة،
أنظر إلى الدم؛
أرى الذبيحة العظيمة،
وأحظى بالسلام مع الله.
إنه سلام أبدي،
أكيد كاسم الرب؛
ثابت كعرشه الراسخ،
فيبقى كذلك إلى الأبد.
الغيوم تأتي وتذهب،
 والريح تعصف بالسماء،
هذه الصداقة التي ختمها الدم لا تتغير،
والصليب منتصر إلى الأبد.
أتغير أنا، أما هو فلا يتغير،
المسيح لا يمكن أن يموت أبداً؛
حبه، وليس حبي، هو موطن الراحة،
وحقه، وليس حقي، هو الرباط".