الخطاب ٤٠

الاعتراف بالمسيح أو رفضه

"وَمَعَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ صَنَعَ أَمَامَهُمْ آيَاتٍ هَذَا عَدَدُهَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ لِيَتِمَّ قَوْلُ أشعياء النَّبِيِّ: «يَا رَبُّ مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا وَلِمَنِ اسْتُعْلِنَتْ ذِرَاعُ الرَّبِّ؟» لِهَذَا لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يُؤْمِنُوا. لأَنَّ أشعياء قَالَ أَيْضاً: «قَدْ أَعْمَى عُيُونَهُمْ وَأَغْلَظَ قُلُوبَهُمْ لِئَلَّا يُبْصِرُوا بِعُيُونِهِمْ وَيَشْعُرُوا بِقُلُوبِهِمْ وَيَرْجِعُوا فَأَشْفِيَهُمْ». قَالَ أشعياء هَذَا حِينَ رَأَى مَجْدَهُ وَتَكَلَّمَ عَنْهُ. وَلَكِنْ مَعَ ذَلِكَ آمَنَ بِهِ كَثِيرُونَ مِنَ الرُّؤَسَاءِ أَيْضاً غَيْرَ أَنَّهُمْ لِسَبَبِ الْفَرِّيسِيِّينَ لَمْ يَعْتَرِفُوا بِهِ لِئَلَّا يَصِيرُوا خَارِجَ الْمَجْمَعِ لأَنَّهُمْ أَحَبُّوا مَجْدَ النَّاسِ أَكْثَرَ مِنْ مَجْدِ اللَّهِ" (يوحنا ١٢: ٣٧- ٤٣).

الجزء الأول من هذا المقطع يوحي بحقيقة مهيبة للغاية، شيء نحن عرضة لأن ننساه. إن هذا المقطع يذكّرنا بأن كلمة الله لها تأثير مليّنٌ وأيضاً مقسٍّ على نفوس أولئك الذين يسمعونها. لقد قِيل، وحسنٌ ما قيل، أنه كما أن الشمس نفسها تلين الشمع وتقسي الصلصال، كذلك الأمر فإن نفس رسالة الإنجيل قد تلين قلب امرئٍ وتأتي به إلى التوبة وإلى إيمان أكيد واضح بالرب يسوع المسيح، وقد تقسّي قلب شخص آخر وتضعه في تلك الحالة التي لا يكون فيها الإنسان مستعداً أبداً لأن يسلم ذاته أو يذعن لله ويقتبل المسيح، بل يموت في خطاياه ويُطرد من حضرة الله إلى الأبد. إنها ليست مسألة هدف الله، ولا حتى الطريقة التي يتم فيها تقديم الحقيقة. ليس الله هو الذي عين أن بعض الناس يقبلونها بينما آخرون ينبذونها، حتى أن بعض الناس يتلقونها بينما آخرون يرفضونها، أو أن بعضاً يُليَّنون وآخرون يُقسَّون، بل أنها مسألة موقف المرء الشخصي نحو الحقيقة.

عندما تكلم الله إلى شعب إسرائيل العهد القديم بهذه الكلمات التي يقتبسها يوحنا هنا: "«يَا رَبُّ مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا وَلِمَنِ اسْتُعْلِنَتْ ذِرَاعُ الرَّبِّ؟»" فإنه لفت انتباههم إلى حقيقة أنه كان قد أعطاهم تعليمات واضحة تتعلق بشر وإثمية الصنمية وعبادة الأوثان. لقد ناشدهم أن يتركوا له المكانة الأولى في قلوبهم لأنه الإله الوحيد الحقيقي والحي. ولكنهم أشاحوا عنه. فأرسل أنبياءه ليعيدهم إليه، ولكنهم رفضوا شهادة أولئك الأنبياء وازدروا بها، وجاء الوقت عندما ما عاد للرسالة أي تأثير على ضمائرهم على الإطلاق. ولذلك فإن الله أسلمهم إلى قسوة القلب لأنهم آثروا ذلك بأنفسهم. لقد اختاروا أن يعصوا الله. لدينا مثل هذه الحالة في ٢ تسالونيكي ٢، حيث لدينا تلك الصورة المريعة عن إنسان الخطيئة الذي سيستعلن في هذا العالم في الأيام الداكنة من الضيقة التي سنواجهها، والتي ستكون أقرب مما يتصور أي واحد منا، والذي لا يمكن أن تقوم له قائمة إلى أن تُختطف كنيسة الله. نقرأ عن أناس في ذلك الوقت سيُتركون في هذا العالم؛ بعضٌ يكونون قد سمعوا الإنجيل مراراً وتكراراً، ولكنهم لطالما رفضوه. ويخبرنا (بولس): "وَلأَجْلِ هَذَا سَيُرْسِلُ إِلَيْهِمُ اللهُ عَمَلَ الضَّلاَلِ، حَتَّى يُصَدِّقُوا الْكَذِبَ (أي أكذوبة ضِدَّ الْمَسِيحِ)، لِكَيْ يُدَانَ جَمِيعُ الَّذِينَ لَمْ يُصَدِّقُوا الْحَقَّ، بَلْ سُرُّوا بِالإِثْمِ" (٢ تسالونيكي ٢: ١١- ١٢).

إن قلب الله يتجه نحو كل الناس في كل مكان. إنه لا يرغب في موت الخاطئ، بل أن يرجع إليه الجميع ويحيوا. إنه يصرخ قائلاً: "اِطْرَحُوا عَنْكُمْ كُلَّ مَعَاصِيكُمُ الَّتِي عَصِيْتُمْ بِهَا، وَاعْمَلُوا لأَنْفُسِكُمْ قَلْباً جَدِيداً وَرُوحاً جَدِيدَةً. فَلِمَاذَا تَمُوتُونَ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ؟" ولكن إن رفض الناس أن يبالوا أو أن ينتبهوا إلى كلمته فإنهم سيُسلمون إلى قسوة القلب. إن الضمير، وقد حركته الكلمة، قد يتجاوب في البداية ويشعر المرء في نفسه ذاتها بأنه يرغب بأن يسلم ذاته للمسيح، ولكنها يمكن أن تخنق صوت الضمير، وأن ترفض الانتباه إلى كلمة الله، إلى أن يحدث في نهاية الأمر أن الضمير لا يعود له وجود بل يصبح متقسياً متحجراً كالحديد المحمى ويتقسّى الناس في خطاياهم ويموتون دونما رجاءٍ.

لقد نشر ربنا يسوع المسيح بنعمته الرسالة لمدة ثلاث سنوات ونصف رائعة، وكان قد أعطى دليلاً من خلال الآيات والعجائب التي عملها والرسالة الرائعة التي قدّمها للناس، بأنه كان المسيّا وفادي بيت إسرائيل، ولكننا نقرأ أيضاً أنه عمل معجزات كثيرة، ومع ذلك فلم يؤمنوا به. إن المعجزات لوحدها لن تكون كافية لإقناع الناس إذا ما رفضوا الكلمة. ما من آيات، أو عجائب، أو معجزات، ستصل إلى ضمائرهم، إذا ما صمموا على أن يمضوا في خطاياهم ويرفضوا التوبة .

لقد ذكّر ابراهيم ذلك الـ "الغني الذي "مَاتَ أَيْضاً وَدُفِنَ" بذلك، عندما قال له ذاك أنه لا يزال لديه أخوة أحياء، قائلاً: "إِنْ كَانُوا لاَ يَسْمَعُونَ مِنْ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَلاَ إِنْ قَامَ وَاحِدٌ مِنَ الأَمْوَاتِ يُصَدِّقُونَ" (لوقا ١٦: ٣١).

يا لها من مسؤولية رهيبة تقع على عاتق كل واحد منا ممن يسمعون كلمة الله كما هي مدونة هنا في هذا السفر المقدس. إن رفض الناس هذه الشهادة، فإن الآيات والعجائب والمعجزات سوف لن تقنعهم. إنهم يتقسون في خطاياهم. هؤلاء الناس الذين رفضوا أن يسمعوا الكلمة التي أتى بها يسوع، وهكذا فإن قول أشعياء تحقق فيهم، عندما صرخ قائلاً (الأصحاح ٥٣): "«يَا رَبُّ مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا وَلِمَنِ اسْتُعْلِنَتْ ذِرَاعُ الرَّبِّ؟»". كان يقول ضمناً أن الغالبية العظمى سترفض شهادة يسوع عندما يأتي، وقد فعلوا ذلك حقاً. فقط مجموعة صغيرة اقتبلته. والآن ذلك السؤال لا يزال مطروحاً علينا: "مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا وَلِمَنِ اسْتُعْلِنَتْ ذِرَاعُ الرَّبِّ؟" هل صدقتَ وآمنتَ، يا صديقي العزيز؟ هل فتحتَ قلبك لكلمة الله؟ هل تكشفت قوته القديرة على الخلاص لك؟ هل تعرف أنه هو ذاك الذي خلصك من النزول إلى هاوية الجحيم، وأعطاك مكاناً في المسيح، متحرراً من كل دينونة؟ إن كنت تزدري بالكلمة وترفضها، فإن الله لن تكون لديه رسالة أخرى لك.

وهكذا نقرأ أنهم لم يستطيعوا أن يؤمنوا لأنه "«قَدْ أَعْمَى عُيُونَهُمْ وَأَغْلَظَ قُلُوبَهُمْ لِئَلَّا يُبْصِرُوا بِعُيُونِهِمْ وَيَشْعُرُوا بِقُلُوبِهِمْ وَيَرْجِعُوا فَأَشْفِيَهُمْ»". هل كان الله غير راغبٍ في أن يهتدوا؟ أبداً على الإطلاق. لطالما كان يتوق إلى اهتدائهم. لقد توسّل إليهم أن يعودا إليه، ولكنهم رفضوا الرسالة وقسوا قلوبهم ضده، فقال الله: "حسنٌ، يمكنكم أن تبقوا متقسّين في خطاياكم"، وجاء اليوم عندما لم يعد للكلمة تأثيرٌ عليهم.

قبل سنوات، كنت أتحدث إلى مجموعة صغيرة من الصبيان والبنات في مدرسة يوم الأحد في سان فرانسيسكو. كنت أحاول أن أوضح لهم الأمر بإعطاء مثل فقلت: "كم هو أمر محزن أن تعرفوا، يا أولادي الأعزاء، أنكم في كل مرة تقولون "لا" للرب يسوع، قلبكم يصبح أكثر قساوة، وإن استمريتم في القول "لا"، فإن القلب يصبح أقسى فأقسى فأقسى إلى أن يصير في خاتمة المطاف كما يقول الله، قلباً من حجر، ولا تعودون تهتمون بأمور الله، بل تصرّون على رفض نعمته، ولذلك فإنكم تموتون في خطاياكم". وهكذا كنت أناشد أولئك الصبيان والبنات أن يسلموا قلوبهم ليسوع في أيامهم الأولى (طالما أنهم لا يزالون صغاراً في السن). وكانت هناك طفلة صغيرة تسمع كلماتي، وما كانت تتجاوز الخامسة من العمر (وإننا أحياناً نفكر أن هؤلاء الصغار لا يستوعبون)، فتلك الفتاة، كانت قد ثبتت عينيها علي وأنا أتكلم. لقد أتت بها والدتها إلى مدرسة الأحد ثم أخذتها إلى المنزل، وفي الطريق إلى البيت لم تنطق بأي كلمة. كانت تفكر في والدها العزيز الذي لم يذهب إلى الكنيسة أو إلى مدارس الأحد أبداً، والذي لم يسمع كلمة الله على الإطلاق، وعندما وصلت إلى المنزل، كان الأب جالساً هناك يدخن سيجاراً، وقد نشر حوله جريدة الأحد. فاندفعت الصغيرة كالسهم أمام والدتها داخلة إلى المنزل وصعدت ومضت إلى والدها فوثبت تعانقه قائلةً له: "بابا، بابا، هل تشعر بقلبك؟ هل يبدو لك كأنه حجر؟" فقال: "ما الذي تقولينه؟" فقالت: "حسناً، ذلك الرجل في مدرسة الأحد قال أنك إذا استمريت في قول "لا" ليسوع، فإنك ستنال صخراً في معدتك! هل هناك حجر في معدتك؟ آه، يا بابا، آمل ألا يكون الحال هكذا، لأنك إن كانت الحال هكذا، فلا يمكنك أن تخلص". فالتفت الأب إلى أمها وقال لها غاضباً: "ما الذي يقولونه لهذه الطفلة؟" فأوضحت الأم المسألة قليلاً مع بعض الشرح، وعندما رأى الدموع في عيني زوجته وشعر بذراعي طفلته الصغيرة تحيط بعنقه، وسمعها تقول: "آه يا بابا، لا تستمر في قول "لا" ليسوع "، رفع بصره وقال: "حسناً أعتقد أنه آن الأوان لتسوية هذه المسألة"، وركع على ركبتيه وأسلم حياته للمسيح. يا لها من رحمة أتته في الوقت المناسب! يا له من أمر ٍ رهيب أن نقول "لا" لصوت الرب يسوع المسيح.

هذا يُوضح الضلال الشديد في الأيام الأخيرة، والسبب في أن الرجال والنساء يُسلّمون إلى قسوة القلب. إنهم يشيحون عن الله، وفي النهاية يأتي الزمن عندما يقول الله: "حسناً، لقد انضم أفراييم إلى أصنامه وتبعها: فسأتركهُ لوحده". آمل ألا يصحّ هذا القول أو ينطبق هذا القول أو ما يليه من مقاطع على أي واحد منكم. إن كنتَ لا تزال في خطاياك، وتسمع صوت يسوع منادياً اليوم، أفلن تركع منحنياً أمامه في توبةٍ وإيمان، وتخبره بأنك قد أسلمتَ قلبَك له في نهاية الأمر وأتيتَ إليه بكل خطاياك وحاجاتك، ليكما تؤمن به فادياً ومخلصاً لك؟

نعلم من الكتاب أن أشعياء قد وجه لهم هذا التحذير الخاص لأنه "رأى مجده" (مجد الله): "قَالَ أشعياء هَذَا حِينَ رَأَى مَجْدَهُ وَتَكَلَّمَ عَنْهُ". متى كان ذلك؟ حسن. أتذكرون الحادثة التي يرد ذكرها في الأصحاح السادس من أشعياء، عندما قال: "فِي سَنَةِ وَفَاةِ عُزِّيَّا الْمَلِكِ رَأَيْتُ السَّيِّدَ جَالِساً عَلَى كُرْسِيٍّ عَالٍ وَمُرْتَفِعٍ وَأَذْيَالُهُ تَمْلَأُ الْهَيْكَلَ. السَّرَافِيمُ وَاقِفُونَ فَوْقَهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ سِتَّةُ أَجْنِحَةٍ. بِاثْنَيْنِ يُغَطِّي وَجْهَهُ وَبِاثْنَيْنِ يُغَطِّي رِجْلَيْهِ وَبَاثْنَيْنِ يَطِيرُ. وَهَذَا نَادَى ذَاكَ: «قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْجُنُودِ. مَجْدُهُ مِلْءُ كُلِّ الأَرْضِ»" (أشعياء ٦: ١- ٣). أتعلمون من هو ذاك الذي تقف أمامه السرافيم متعبدةً؟ يقول الروح القدس: "أشعياء هَذَا رَأَى مَجْدَهُ وَتَكَلَّمَ عَنْهُ". كان ربنا يسوع المسيح هناك مع الله الآب في أبهى مجد. ذاك الذي لم يكن نزل بعد إلى هذه الأرض ليخلّص الخطأة، كان موضع عبادة الملائكة، ونظر أشعياء عبر الأجيال ورآه نازلاً ليموت على صليب الجلجثة، فصرخ هاتفاً: "وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا" (أشعياء ٥٣: ٥).

لقد رآه أشعياء بالإيمان، وذاك المبارك وقف وسط إسرائيل، وشعبه ذاته لم يعرفه. لقد جاء إلى خاصته، وخاصتهُ لم تقبله. وماذا عنك؟ هل اقتبلتَه؟ هل دخلت الرسالة من أذن وخرجت من الأخرى؟ أم أنك أحنيت ركبة قلبك في توبةٍ أمامه؟ المشكلة، كما تعلم، أن الكثيرين يؤمنون، ولكنهم لا يمتلكون الشجاعة ليأتوا مباشرةً ويُعلنوا إيمانهم.

نقرأ في الآيات ٤٢، ٤٣: "وَلَكِنْ مَعَ ذَلِكَ آمَنَ بِهِ كَثِيرُونَ مِنَ الرُّؤَسَاءِ أَيْضاً غَيْرَ أَنَّهُمْ لِسَبَبِ الْفَرِّيسِيِّينَ لَمْ يَعْتَرِفُوا بِهِ لِئَلَّا يَصِيرُوا خَارِجَ الْمَجْمَعِ، لأَنَّهُمْ أَحَبُّوا مَجْدَ النَّاسِ أَكْثَرَ مِنْ مَجْدِ اللَّهِ". يا لها من حماقةٍ! مجد الناس ومدحهم سيزول. ما الفرق الذي يحدث إن كان الناس يمتدحونك أم لا إن كنت لا تنال تأييد واستحسان الله؟ لا يمكن للناس أن يفعلوا أي شيءٍ لك فيما يتعلق بأمورك الروحية. يا لها من حماقةٍ عند الناس أن يهتموا بما يفكر به الآخرون تجاههم، ومع ذلك كم من ُأناس أحجموا عن اتخاذ الخطوة اللازمة نحو المسيح لأن الفكرة تأتي من صديقٍ أو رفيقٍ، صديقٍ نواياه الحسنة هي قيد الاحترام والتقدير. إنهم يقولون: "آهٍ، لست مستعداً لتسليم ذاتي بشكلٍ مطلق. ما الذي سيفكر به هذا أو ذاك تجاهي إن فعلتُ ذلك؟"

أذكر عندما كنت غلاماً صغيراً، كيف أن أمي كانت تجذبني إلى ركبتها وتتكلم إليّ بجلالةٍ ومهابة عن أهمية أن أؤمن بالرب يسوع المسيح مخلصاً لي، وكنت دائماً لأقول: "حسناً يا أمي، أود أن أفعل ذلك، ولكن الأولاد سيضحكون عليّ". واعتادت أمي أن تقول: "يا هاري تذكر، قد يضحكون عليك فتدخل إلى الجحيم، ولكنهم لا يستطيعون أن يضحكوا عليك لكي تخرج منه". وكم كانت تلك الكلمات تدخل إلى نفسي سريعاً، وتمكث فيها طوال السنين! نعم، قد يسخر الناس ويهزؤون ولا يفهموننا عندما نأتي إلى المسيح، ولكن في نهاية الأمر، إن استحسانه هو (المسيح) الذي يستحق أن نحصل عليه.

قبل سنين طوال قرأتُ عن صراعٍ حدث بين اثنين من الراجا الهنديين. غلب أحدهم الآخر فأخذ ابن خصمه أسيراً، وفي اليوم الذي كان يفترض أن يعود فيه إلى قصره منتصراً أعدَّ ليدخل المدينة في موكبٍ مهيبٍ. وكان هناك موكبٌ عظيمٌ مؤلف من الفيلة، والفرسان والمشاة ورتلٌ طويلٌ من الأسرى.(١٠:٠٤) ومن بينهم كان الأمير الشاب. لقد قيل له أنه سيتوجب عليه أن يسير حافي القدمين وعاري الرأس. كان ساخطاً وقال: "ماذا؟ أدخُل المدينة هكذا؟ ما الذي سيفكر به الناس حولي؟ كم سيهزؤون بي؟" فقال الراجا: "لم تسمع كل شيءٍ بعد. ستحمل وعاءً من الحليب في يدك وإن أهرقت ولو قطرةً منه، فإنك ستفقد رأسك في نهاية الموكب". وخلال دقائق جلبوا إليه ذلك الوعاء من الحليب، وسار حارسان إلى جانبيه، كل واحدٍ منهما من جهةٍ، وبدأ الموكب بالتحرك. وتابعوا سيرهم دون هَوادةٍ، ربما لميلٍ أو أكثر، دخولاً إلى حضرة الراجا. وسار ذلك الأمير الشاب مع الموكب، حاملاً وعاء الحليب. بدا وكأنه  لن ينهي المسير دون أن يريق بعضاً من الحليب، إلا أنه أكمل المحنة بأمان. وأخيراً وقف أمام  الراجا: "حسناً، يا سيدي الأمير، أيّ نوعٍ من الوجوه أظهرها الناس لك؟" فرفع الأمير الشاب بصره وقال: "يا سيدي الجليل، لم أرَ وجوه الناس. رأيتُ فقط حياتي، التي أحملها في يديّ، وأعرف أن أي خطوةٍ خاطئة ستفقدني حياتي".

أُناس العهد  القديم كانوا يحبون مديح وإطراء الناس لهم أكثر من استحسان الله، وبسبب ذلك لم تكن لديهم الشجاعة الكافية ليعترفوا بالرب يسوع المسيح أمام رُفقائهم. لقد كانوا يعرفون أنه كان المرسَل من قِبَل الآب. لقد كانوا يعرفون أنه راعي إسرائيل، فادي الخُطاة، ولكنَّ استحسان رِفقاهم لهم كان يعنيهم أكثر بكثير من استحسان الله. كيف هو الأمر معك أنت اليوم؟ أنتم تذكرون الآية التي تقول: "إِنِ اعْتَرَفْتَ بِفَمِكَ بِالرَّبِّ يَسُوعَ وَآمَنْتَ بِقَلْبِكَ أَنَّ اللهَ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ خَلَصْتَ" (رو ١٠: ٩). ومن جديد يقول الرب يسوع: "كُلُّ مَنْ يَعْتَرِفُ بِي قُدَّامَ النَّاسِ أَعْتَرِفُ أَنَا أَيْضاً بِهِ قُدَّامَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ" (متى ١٠: ٣٢).

إن آمنتَ في قلبك أن الله أعطى يسوع لك، إن آمنت به، فعندها لا تتردد  في الاعتراف به علانيةً أمام الناس. أعتقد أن مؤمنين كثيرين جداً سراً لا يشعرون بالسلام الذي يجب أن يشعروا به لأنهم لا يعترفون ١٥ : ٠٥بالمسيح صراحةً وعلانيةً. لعلك تقول: "هل هناك حقاً مؤمنين بالسر؟" نعم إن العالم يُخبرنا أن يوسف الذي كان من الرامة كان واحداً منهم، ولكن كم كان خاسراً! جاء في النهاية، وقدم قبره الجديد لكي يُدفن فيه جسدُ ابن الله هناك. وكان نيقوديموس مؤمناً في السر، وحاول مرةً أن يتكلم علانيةً، ولكنه لم يقل بشكلٍ محدد: "إنه ربي ومخلصي". بل أرسل مئة رطلٍ من العطور لدفن جسد الرب يسوع، وتوحد مع المسيح الذي كان قد مات، ولكن كم كان لينال بركاتٍ أكثر لو أنه جاء قبل ذلك بزمنٍ عندما كان يسوع لا يزال على قيد الحياة! أعتقد أن الكثير من الناس اليوم، في أعماق قلوبهم، يؤمنون بالمسيح، وفي منازلهم يقولون أنهم يحبون المسيح ويؤمنون به، ولكنهم لا يكرمونه بأن يقدموا اعترافاً علنياً ظاهراً واضحاً أمام الناس. ليس لديهم الفرح أو الانتصار في حياتهم الذي كانوا سيتمتعون به لو جاؤوا وأعلنوا إيمانهم علانية وجعلوا الآخرين يعرفون بذلك.

"أيا يسوع، هل كُتِبَ لي أن أبقى خجِلاً،
إنساناً فانياً خجلاً منك؟
خجلاً منك، أنت يا من تسبّحه الملائكة،
يا من تشرق أمجاده إلى أيام لا انقضاء لها؟
إني خجلٌ من يسوع، وبعيد عنه،
فكيف يخجل المساء إن كان فيه نجم قد سطع،
فلقد أشرق بأنواره الإلهية
على نفسي المعتمة.
أخجل من يسوع، نعم،
عندما يكون لدي إثم لا أمحوه،
ودمعة لا أمسحها، وصلاح لا أتوق إليه،
وخوف أهدّئه، وروح أخلّصها.
إلى أن يأتي ذلك الزمان، لن ينفعني خيلائي،
وتبجحي بمخلص مذبوح.
آه، لعل في هذا مجدي،
أن المسيح ليس خجلاً مني".