الخطاب ٣١

من العمى والفقر المدقع إلى البركة الأبدية

"وَفِيمَا هُوَ مُجْتَازٌ رَأَى إِنْسَاناً أَعْمَى مُنْذُ وِلاَدَتِهِ فَسَأَلَهُ تلاَمِيذُهُ قَائِلِين: «يَا مُعَلِّمُ مَنْ أَخْطَأَ: هَذَا أَمْ أَبَوَاهُ حَتَّى وُلِدَ أَعْمَى؟» أَجَابَ يَسُوعُ: «لاَ هَذَا أَخْطَأَ وَلاَ أَبَوَاهُ لَكِنْ لِتَظْهَرَ أَعْمَالُ اللَّهِ فِيهِ. يَنْبَغِي أَنْ أَعْمَلَ أَعْمَالَ الَّذِي أَرْسَلَنِي مَا دَامَ نَهَارٌ. يَأْتِي لَيْلٌ حِينَ لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَعْمَلَ. مَا دُمْتُ فِي الْعَالَمِ فَأَنَا نُورُ الْعَالَمِ». قَالَ هَذَا وَتَفَلَ عَلَى الأَرْضِ وَصَنَعَ مِنَ التُّفْلِ طِيناً وَطَلَى بِالطِّينِ عَيْنَيِ الأَعْمَى. وَقَالَ لَهُ: «ﭐذْهَبِ اغْتَسِلْ فِي بِرْكَةِ سِلْوَامَ». الَّذِي تَفْسِيرُهُ مُرْسَلٌ. فَمَضَى وَاغْتَسَلَ وَأَتَى بَصِيراً. فَالْجِيرَانُ وَالَّذِينَ كَانُوا يَرَوْنَهُ قَبْلاً أَنَّهُ كَانَ أَعْمَى قَالُوا: «أَلَيْسَ هَذَا هُوَ الَّذِي كَانَ يَجْلِسُ وَيَسْتَعْطِي؟» آخَرُونَ قَالُوا: «هَذَا هُوَ». وَآخَرُونَ: «إِنَّهُ يُشْبِهُهُ». وَأَمَّا هُوَ فَقَالَ: «إِنِّي أَنَا هُوَ». فَقَالُوا لَهُ: «كَيْفَ انْفَتَحَتْ عَيْنَاكَ؟» أَجَابَ ذَاكَ وَقَالَ: «إِنْسَانٌ يُقَالُ لَهُ يَسُوعُ صَنَعَ طِيناً وَطَلَى عَيْنَيَّ وَقَالَ لِي: اذْهَبْ إِلَى بِرْكَةِ سِلْوَامَ وَاغْتَسِلْ. فَمَضَيْتُ وَاغْتَسَلْتُ فَأَبْصَرْتُ». فَقَالُوا لَهُ: «أَيْنَ ذَاكَ؟» قَالَ: «لاَ أَعْلَمُ». فَأَتَوْا إِلَى الْفَرِّيسِيِّينَ بِالَّذِي كَانَ قَبْلاً أَعْمَى. وَكَانَ سَبْتٌ حِينَ صَنَعَ يَسُوعُ الطِّينَ وَفَتَحَ عَيْنَيْهِ. فَسَأَلَهُ الْفَرِّيسِيُّونَ أَيْضاً كَيْفَ أَبْصَرَ. فَقَالَ لَهُمْ: «وَضَعَ طِيناً عَلَى عَيْنَيَّ وَاغْتَسَلْتُ فَأَنَا أُبْصِرُ». فَقَالَ قَوْمٌ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ: «هَذَا الإِنْسَانُ لَيْسَ مِنَ اللَّهِ لأَنَّهُ لاَ يَحْفَظُ السَّبْتَ». آخَرُونَ قَالُوا: «كَيْفَ يَقْدِرُ إِنْسَانٌ خَاطِئٌ أَنْ يَعْمَلَ مِثْلَ هَذِهِ الآيَاتِ؟» وَكَانَ بَيْنَهُمُ انْشِقَاقٌ. قَالُوا أَيْضاً لِلأَعْمَى: «مَاذَا تَقُولُ أَنْتَ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ فَتَحَ عَيْنَيْكَ؟» فَقَالَ: «إِنَّهُ نَبِيٌّ». فَلَمْ يُصَدِّقِ الْيَهُودُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ أَعْمَى فَأَبْصَرَ حَتَّى دَعَوْا أَبَوَيِ الَّذِي أَبْصَرَ. فَسَأَلُوهُمَا قَائِلِين: «أَهَذَا ابْنُكُمَا الَّذِي تَقُولاَنِ إِنَّهُ وُلِدَ أَعْمَى؟ فَكَيْفَ يُبْصِرُ الآنَ؟» أَجَابَهُمْ أَبَوَاهُ وَقَالا: «نَعْلَمُ أَنَّ هَذَا ابْنُنَا وَأَنَّهُ وُلِدَ أَعْمَى وَأَمَّا كَيْفَ يُبْصِرُ الآنَ فلاَ نَعْلَمُ. أَوْ مَنْ فَتَحَ عَيْنَيْهِ فلاَ نَعْلَمُ. هُوَ كَامِلُ السِّنِّ. اسْأَلُوهُ فَهُوَ يَتَكَلَّمُ عَنْ نَفْسِهِ». قَالَ أَبَوَاهُ هَذَا لأَنَّهُمَا كَانَا يَخَافَانِ مِنَ الْيَهُودِ لأَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا قَدْ تَعَاهَدُوا أَنَّهُ إِنِ اعْتَرَفَ أَحَدٌ بِأَنَّهُ الْمَسِيحُ يُخْرَجُ مِنَ الْمَجْمَعِ. لِذَلِكَ قَالَ أَبَوَاهُ: «إِنَّهُ كَامِلُ السِّنِّ اسْأَلُوهُ». فَدَعَوْا ثَانِيَةً الإِنْسَانَ الَّذِي كَانَ أَعْمَى وَقَالُوا لَهُ: «أَعْطِ مَجْداً لِلَّهِ. نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الإِنْسَانَ خَاطِئٌ». فَأَجَابَ ذَاكَ وَقَالَ: «أَخَاطِئٌ هُوَ؟ لَسْتُ أَعْلَمُ. إِنَّمَا أَعْلَمُ شَيْئاً وَاحِداً: أَنِّي كُنْتُ أَعْمَى وَالآنَ أُبْصِرُ». فَقَالُوا لَهُ أَيْضاً: «مَاذَا صَنَعَ بِكَ؟ كَيْفَ فَتَحَ عَيْنَيْكَ؟» أَجَابَهُمْ: «قَدْ قُلْتُ لَكُمْ وَلَمْ تَسْمَعُوا. لِمَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ تَسْمَعُوا أَيْضاً؟ أَلَعَلَّكُمْ أَنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَصِيرُوا لَهُ تلاَمِيذَ؟» فَشَتَمُوهُ وَقَالُوا: «أَنْتَ تِلْمِيذُ ذَاكَ وَأَمَّا نَحْنُ فَإِنَّنَا تلاَمِيذُ مُوسَى. نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ مُوسَى كَلَّمَهُ اللَّهُ وَأَمَّا هَذَا فَمَا نَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ هُوَ». أَجَابَ الرَّجُلُ وَقَالَ لَهُمْ: «إِنَّ فِي هَذَا عَجَباً! إِنَّكُمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ مِنْ أَيْنَ هُوَ وَقَدْ فَتَحَ عَيْنَيَّ. وَنَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ لاَ يَسْمَعُ لِلْخُطَاةِ. وَلَكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَتَّقِي اللَّهَ وَيَفْعَلُ مَشِيئَتَهُ فَلِهَذَا يَسْمَعُ. مُنْذُ الدَّهْرِ لَمْ يُسْمَعْ أَنَّ أَحَداً فَتَحَ عَيْنَيْ مَوْلُودٍ أَعْمَى. لَوْ لَمْ يَكُنْ هَذَا مِنَ اللَّهِ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَفْعَلَ شَيْئاً». أجابوا وقَالُوا لَهُ: «فِي الْخَطَايَا وُلِدْتَ أَنْتَ بِجُمْلَتِكَ وَأَنْتَ تُعَلِّمُنَا!» فَأَخْرَجُوهُ خَارِجاً. فَسَمِعَ يَسُوعُ أَنَّهُمْ أَخْرَجُوهُ خَارِجاً فَوَجَدَهُ وَقَالَ لَهُ: «أَتُؤْمِنُ بِابْنِ اللَّهِ؟» أَجَابَ ذَاكَ وَقَالَ: «مَنْ هُوَ يَا سَيِّدُ لأُومِنَ بِهِ؟» فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «قَدْ رَأَيْتَهُ وَالَّذِي يَتَكَلَّمُ مَعَكَ هُوَ هُوَ». فَقَالَ: «أُومِنُ يَا سَيِّدُ». وَسَجَدَ لَهُ. فَقَالَ يَسُوعُ: «لِدَيْنُونَةٍ أَتَيْتُ أَنَا إِلَى هَذَا الْعَالَمِ حَتَّى يُبْصِرَ الَّذِينَ لاَ يُبْصِرُونَ وَيَعْمَى الَّذِينَ يُبْصِرُونَ». فَسَمِعَ هَذَا الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ وَقَالُوا لَهُ: «أَلَعَلَّنَا نَحْنُ أَيْضاً عُمْيَانٌ؟» قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «لَوْ كُنْتُمْ عُمْيَاناً لَمَا كَانَتْ لَكُمْ خَطِيَّةٌ. وَلَكِنِ الآنَ تَقُولُونَ إِنَّنَا نُبْصِرُ فَخَطِيَّتُكُمْ بَاقِيَةٌ»" (يوحنا ٩).

في تأملنا في الأصحاح ٨ رأينا أن الرب يسوع المسيح كان يتصرفُ  بحسب اللقب الخاص الذي أعطاهُ لنفسه: "نور العالم".

وفي هذا الأصحاح التاسع، لا يزالُ يظهر نفسه على أنه نور العالم، ولكنَّ الفرق ما يلي: في الأصحاح ٨ رأينا النور يُشرق في القلوب المظلمة لأولئك الذين كانوا يتهمون المرأة البائسة التي أُمسكت في حالة زنى وأُحضرت إلى يسوع لكي يُدينها ويحكم عليها بالموت. فقال: "مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيَّةٍ فَلْيَرْمِهَا أَوَّلاً بِحَجَرٍ!". والنورُ أشرقَ في قلوبهم وكشفَ لهم إثمهم الشخصي، ولذلك ما من أحدٍ جَرُأ على أن يرجمَ تلك الخاطئة البائسة التي ركعت عند قدمي يسوع خَجِلةً. والآن في هذا الأصحاح التاسع لدينا النور يدخلُ إلى قلبٍ مظلم لكي يُعطيه معرفةَ نعمة الله. فلدينا هنا إنسانٌ أعمى، والنورُ أشرقَ في جفونِ عينيه المعتمتين وأنارَ عينيه الطبيعيتين، كما عيون نفسه. نقرأ: "وَفِيمَا هُوَ مُجْتَازٌ رَأَى إِنْسَاناً أَعْمَى مُنْذُ وِلاَدَتِهِ". كان هذا مباشرةً بعدَ الحادثة المدونة في الأصحاح ٨، وعلى الأرجح في نفس يوم السبت، رغم أننا لسنا متأكدين. من الواضح أن الرجلَ كان يشغلُ مكاناً معيناً في باحات الهيكل. كان الناس يرونهُ من وقتٍ لآخر وهو يجلسُ هناك آملاً في أن ينالَ صدقةً منهم. لا شكَ أن البعض كان يسرّهم أن يساعدوه. وإذ كانوا يمرونَ بجانبه، التفت تلاميذ المسيح إليه وقالوا: "«يَا مُعَلِّمُ مَنْ أَخْطَأَ: هَذَا أَمْ أَبَوَاهُ حَتَّى وُلِدَ أَعْمَى؟»" لقد كانوا يعرفونَ ذلك المرض والعمى وشتى الأمور التي كانت تعاني منها الإنسانية البشرية والتي أتت إلى العالم بسبب الخطيئة. والآن، ومثل أصدقاء أيوب الثلاثة، كانوا يحاولون أن يناقشوا ويصنفوا من هو المذنب. فها هنا كان رجلٌ وُلِدَ أعمى. هل كان العمى الذي يعانيه عقوبةً بسبب خطايا والديه، أم بسبب خطيئته هو؟ لعلك تقول: "على الأرجح أن سبب ذلك هو خطيئتهُ هو نفسه؟" حسناً، كان هناك الكثير من اليهود الذين كانوا يعتقدون أنه حتى الطفل في رحم أمه يخطأ. نعلم من التكوين عن يعقوب الذي "فِي الْبَطْنِ قَبَضَ بِعَقِبِ أَخِيهِ (عيسو)". لقد كان اليهود يؤكدون على أن الإرادة الذاتية يمكن أن تظهر في الطفل غير المولود بعد. ما كانوا يؤمنون بتقمص أو تناسخ الأرواح، لذلك كان هذا السؤال لا يحمل إمكانية أن يكون قد أخطأ في حياةٍ سابقة. ولكنهم ارتبكوا وتشوشوا بسبب تعليم بعض الربانيين.

"أَجَابَ يَسُوعُ: لاَ هَذَا أَخْطَأَ وَلاَ أَبَوَاهُ لَكِنْ لِتَظْهَرَ أَعْمَالُ اللَّهِ فِيهِ". ما كان يسوع يقول أن هؤلاء الناس لم يخطأوا أبداً ولا في أي وقتٍ من الأوقات، بل كان يُجيب على سؤالهم.

لماذا وُلِدَ هذا الرجلُ أعمى؟ قد يثيرُ هذا بشكلٍ طبيعي سؤالاً يقلقُ ويزعجُ الكثير من الناس. لماذا يعاني الأطفال الصغار؟ لماذا يُولدُ بعض الأطفال في هذا العالم بأجساد ناقصة ومشوهة؟ البعض عميان، والبعضُ صمٌ وبكمٌ. أنى لك أن تؤمنَ بإلهٍ ذي محبةٍ ونعمةٍ لا متناهيتين ويسمح بمعاناة الأطفال؟ حسناً، إن تركتم جانباً عقيدة سقوط الإنسان، فإني لا أعرفُ أي وسيلةٍ أخرى أوفّقُ فيها بين فكرتي معاناة الأطفال ومحبة الله، ولكن عندما نُدرك أن كلَّ ألم ومعاناة وحزن وأسى قد جاءت إلى العالم بسبب الخطيئة، لأنَّ الإنسان، منذ البدء، قد أشاحَ بوجهه عن الله، فإننا ندركُ عندها أن هذه الأشياء هي نتيجة عصيان الإنسان. ويوضح ربنا يسوع المسيح أمراً آخر، وهو ما يلي: إن كان طفلٌ قد وُلِدَ في هذا العالم بهكذا حالةٍ كما ذكرنا هنا، فبطريقةٍ ما سيتمجد الله بتلك الحالة. هذا الرجل كان قد عاشَ لكي يبلغَ سنَّ الرشد، إذ نعلم من الإنجيل أنه عندما سُئِلَ والداه عنه، قالا: "هو كاملُ السن، فاسألوه". لقد أمضى كلَّ سنوات عمرهِ في الظلمة. ولكن الآن لنفكر في هذا الأمر الرائع: أولُ وجهٍ كان سيراه هذا الرجل هو وجه الرب يسوع المسيح! بالتأكيد كان هذا يشكلُ تعويضاً ما عن كل ما تحملهُ ذلك الرجل طوال تلك السنوات من العتمة.

اعتادَ السيد سبرجن أن يُخبرَ عن مسيحي طاعن في السن وُلِدَ أعمى ومع ذلك كان قديساً مؤمناً سعيداً. وفي إحدى الأيام عندما يتحدث مع مؤمن آخر قال: "أتعلم، لديَّ أشياء أشكرُ بها الله أكثر منك". فسألهُ: "ماذا؟ أكثر مني؟" لماذا، فأنا أرى منذُ سنوات؟" فرفعَ الرجل الأعمى بصرهُ إليه بتلك العينين اللتين لا نظرَ فيهما وقال لهُ: "نعم. ولكنكَ رأيتَ أشياءَ كثيرةٍ كانت كريهةً ومزعجة، ووجوهاً كثيرةً كانت جلفة وغاضبة وشريرة، ولكن أول وجهٍ سأراهُ على الإطلاق سيكون وجهَ مخلصي المبارك، الذي أحبني وبذلَ نفسهُ عني. ولذلكَ فإن لديَّ أشياءَ كثيرة أشكرُ الله عليها أكثر منك". لا بدّ أن نعمة الله هي التي مكّنت هذا الشخص من أن يتحدث هكذا. أعرفُ أن كثيرينَ منكم من الذين يقرأون هذا كانوا طوالَ حياتهم يندبونَ حقيقة أنهم عانوا بشكلٍ أو بآخر بينما الآخرون لم يمروا بهكذا معاناة، ولعلَّ ذلك كان منذُ سن  الطفولة، ولطالما قالوا: "إن طرق الله صعبةُ الفهم". دعوني أؤكد لكم ما يلي: إن كنتم ستضعون في ذهنكم أن الله لا يمكن أن يرتكب أخطاء، وأنهُ صالحٌ جداً فلا يبلي أطفال الناس بدون داعٍ، وإن كنتم تؤمنون بأنه مُحبٌ جداً فلا يفعل أيَّ شيءٍ مزعج للإنسان، فعندها ستُدركونَ أنكم عندما تدرسونَ الكلمة وعندما تضعونَ ثقةَ قلبكم فيه، يوماً ما ستجدونَ سبباً لتشكروا الله وتسبّحوه حتى على الأشياء التي سبّبت لكم الألم الشديد وجعلتكم تبكونَ بدموعٍ مريرةٍ.

عن هذا الرجل يقول يسوع: "لاَ هَذَا أَخْطَأَ وَلاَ أَبَوَاهُ لَكِنْ لِتَظْهَرَ أَعْمَالُ اللَّهِ فِيهِ". لقد أرسلَ الله ابنه المبارك إليه في الوقت المناسب ليجعلهُ شاهداً رائعاً على قدرته على التحرير. أتلاحظون ذلك؟ - كان الربُّ مهتماً بهذا الرجل بزمنٍ طويل قبل أن يهتمَ هذا الرجل نفسه بيسوع. لقد كانَ هناكَ إلى جوار باب الهيكل يطلبُ صدقةً ويأمل أن يرحمهُ الناس الذين يجتازون بقربه. لم يعلم أنه كان هناكَ ذاك الذي كانَ في مقدوره أن يفعلَ أكثرَ بكثير من أن يقدمَ لهُ صدقةً؛ ذاك الذي كان في مقدوره أن يعطيه الإبصار. ولكن كان هناك يسوع، وكان يتحدث إلى تلاميذه، فقالَ لهم: "يَنْبَغِي أَنْ أَعْمَلَ أَعْمَالَ الَّذِي أَرْسَلَنِي مَا دَامَ نَهَارٌ. يَأْتِي لَيْلٌ حِينَ لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَعْمَلَ" (يوحنا ٩: ٤). علينا أن نضع هذه الكلمات في قلبنا. قال يسوع: "مَا دُمْتُ فِي الْعَالَمِ فَأَنَا نُورُ الْعَالَمِ". ولكنه قال لتلاميذه: "أنتم نور العالم". ولنا أيضاً يأتي الليل عندما لا يكون من إنسان يعمل. ليُعْطِنا الله أن نكون مخلصين بينما لا تزال لدينا الفرصة لتعريف الناس بالمسيح.

"مَا دُمْتُ فِي الْعَالَمِ فَأَنَا نُورُ الْعَالَمِ. قَالَ هَذَا وَتَفَلَ عَلَى الأَرْضِ وَصَنَعَ مِنَ التُّفْلِ طِيناً وَطَلَى بِالطِّينِ عَيْنَيِ الأَعْمَى". وكان هذا أمراً في غاية البساطة. لعلك تقول أن هذا زاد الحالة سوءاً. فلو كان هناك بصيص نور في عينيه، كان الطين سيزيل كل بصره. ولكن كان هناكَ أمرٌ رائع في ذلك الفعل البسيط. لقد كان صورةً عن تجسد ربنا يسوع المسيح. كان قد نزلَ من مجدِ السماء واتخذ جسداً من الطين وهذا وحده ساعدَ على جعل الظلمة أعظم بالنسبة لكثير من الناس. لم يفهموا عندما رأوه يجولُ بينهم. لم يستطيعوا أن يفهموا إلى أن أظهرَ لهم الروح القدس، بأنه كان المُرسل من الآب. وهكذا طلا عيني هذا الرجل بالطين وقالَ له: "«ﭐذْهَبِ اغْتَسِلْ فِي بِرْكَةِ سِلْوَامَ». الَّذِي تَفْسِيرُهُ مُرْسَلٌ". بمعنى آخر: "عندما تدرك أني المُرسَل من قِبَلِ الله، ستبصر". وهذا ما حدث، إذ مضى واغتسل وَأَتَى بَصِيراً.

كم كانت هذه الخبرة رائعة عندما فتح عينيه ورأى جمال العالم وجاء ونظر إلى وجه الرب يسوع المسيح! لقد "مَضَى وَاغْتَسَلَ وَأَتَى بَصِيراً".

في هذه الأثناء كان يسوع قد غاب عن المشهد للحظات. وتجمع الجيران حول ذلك الرجل ونظروا إليه ورأوا أنه صار يبصر، وقالوا: "«أَلَيْسَ هَذَا هُوَ الَّذِي كَانَ يَجْلِسُ وَيَسْتَعْطِي؟»". "آخَرُونَ قَالُوا: «هَذَا هُوَ». وَآخَرُونَ: «إِنَّهُ يُشْبِهُهُ»". لم يكونوا على يقين تام. بالطبع صار هناك فرق. فعادة تكون هناك نظرة فارغة لدى الإنسان الأعمى. قالوا: "أهذا هو جارنا القديم أم لا؟" ما كانوا متأكدين. "أَمَّا هُوَ فَقَالَ: «إِنِّي أَنَا هُوَ»". "نعم أنا هو ذاك الذي وُلِدَ أعمى، والآن صرتُ أُبصر". الشكر لله لأن هذا هو نوع الأعاجيب التي يصنعها يسوع حتى في هذه الأيام. كم هم كُثُرٌ عميان القلوب؛ العميان عن رؤية الحقائق الأبدية، ولكن عندما يعلمون أن يسوع هو المُرسَل من الله الآب ويؤمنون به، يصيرون قادرين على الرؤية. كل شيء يصبح مختلفاً.  

والتفتوا إلى ذلك الرجل وقالوا له: "«كَيْفَ انْفَتَحَتْ عَيْنَاكَ؟»" فأَجَابَ ذَاكَ وَقَالَ: "«إِنْسَانٌ يُقَالُ لَهُ يَسُوعُ صَنَعَ طِيناً وَطَلَى عَيْنَيَّ وَقَالَ لِي: اذْهَبْ إِلَى بِرْكَةِ سِلْوَامَ وَاغْتَسِلْ. فَمَضَيْتُ وَاغْتَسَلْتُ فَأَبْصَرْتُ»". تعجبني البساطة التي في اعتراف هذا الرجل. لقد كان يعرف كيف حقق الشروط- "إِنْسَانٌ يُقَالُ لَهُ يَسُوعُ"- هل تعرف هذا الاسم الحبيب؟ "لأَنَّهُ يُوجَدُ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ اللهِ وَالنَّاسِ: الإِنْسَانُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ" (١ تيموثاوس ٢: ٥). أتعرف ذاك الإنسان المبارك؟

"أنقى الناس على الأرض،
وأكثرهم مجداً؛
الكامل في لاهوته،
إنسان الجلجثة العظيم".

أن تعرفه يعني أن تعرف الله، لأنه التعبير الكامل عن الشخص الإلهي. لقد أمكنه أن يقول: "من رآني فقد رأى الآب".هل تعرفه؟ لا أوجه لك السؤال إن كنت تعترف بالمسيح أو تنتمي إلى كنيسة ما، أو إن كنت تستفيد بين الفترة والأخرى من المشاركة في أسرار الكنيسة أو إن كنت تحاول أن تحيا حياة صالحة. فهذه الأمور لها أماكنها، بل إني أسألك هكذا: هل تعرف الإنسان الذي يُقال له يسوع؟ هل وضعت إيمانك وثقتك فيه مخلصاً لك؟ ما لم تعرفه، فإنك لا تعرف الله، ولا تزال في خطاياك. ولكن عندما تعرفه فإن خطاياك ستُمحى وتحظى بالحياة الأبدية. عندما تعرفه تزول العتمة ويشرق النور الحقيقي.

هذا الرجل التقى بيسوع ومنحه يسوع البصر. يقول: "إِنْسَانٌ يُقَالُ لَهُ يَسُوعُ صَنَعَ طِيناً وَطَلَى عَيْنَيَّ". لقد سمع صوت ذاك الذي قال له: "اذْهَبْ إِلَى بِرْكَةِ سِلْوَامَ وَاغْتَسِلْ". وأطاع فنال البصر. واليوم ينطلق هذا النداء إلى الجميع: "اذْهَبْ وَاغْتَسِلْ. اغتسل وأبصر. آمن بالشهادة التي قدّمها الله المتعلقة بابنه فتنال حياةً أبدية". أتذكرون ما قاله الرب في يوحنا ٥: ٢٤: " الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ يَسْمَعُ كلاَمِي وَيُؤْمِنُ بِالَّذِي أَرْسَلَنِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ وَلاَ يَأْتِي إِلَى دَيْنُونَةٍ (إدانة) بَلْ قَدِ انْتَقَلَ مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ". وأيضاً نقرأ في مكان آخر في الكتاب المقدس: "إِنِ اعْتَرَفْتَ بِفَمِكَ بِالرَّبِّ يَسُوعَ وَآمَنْتَ بِقَلْبِكَ أَنَّ اللهَ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ خَلَصْتَ. لأَنَّ الْقَلْبَ يُؤْمَنُ بِهِ لِلْبِرِّ وَالْفَمَ يُعْتَرَفُ بِهِ لِلْخَلاَصِ" (رومية ١٠: ٩، ١٠).

لقد وثق ذلك الرجل بكلمة يسوع فنال البصر. آلافٌ من الذين قرأوا هذا النص آمنوا بكلمة الرب أيضاً ويمكنهم أن يقدموا نفس الشهادة: "مَضَيْتُ وَاغْتَسَلْتُ فَأَبْصَرْتُ". أنتم الذين لم تقتبلوا المسيح بعد، أناشدكم أن تفعلوا ما طلب منكم فعله. آمنوا به أنه المُرسَل من قِبَل الآب وستنالون النور والحياة والسلام.

"قَالُوا لَهُ: «أَيْنَ ذَاكَ؟» قَالَ: «لاَ أَعْلَمُ». فَأَتَوْا إِلَى الْفَرِّيسِيِّينَ بِالَّذِي كَانَ قَبْلاً أَعْمَى". وبالطبع وُضع الرب يسوع في تضاد مع ضمائرهم الناموسية الشرائعية. لقد كان من المهم أكثر بالنسبة لهم أن يحفظوا نواميس وضعها البشر تتعلق بالسبت من سد حاجة إنسان أعمى بائس. وهكذا عرّضَ يسوع نفسَه مرة أخرى لانتقاداتهم. لقد سألوا الرجل عن كيفية استعادة بصره. فقال: "وَضَعَ طِيناً عَلَى عَيْنَيَّ وَاغْتَسَلْتُ فَأَنَا أُبْصِرُ". وسرعان ما قفز الفريسيون إلى استنتاجات لا مبرر لها، وأدانوا عمل الرب يسوع. فقالوا: "هَذَا الإِنْسَانُ لَيْسَ مِنَ اللَّهِ لأَنَّهُ لاَ يَحْفَظُ السَّبْتَ". لا يهمهم ما يفعل حيال معاناة البشرية، ذلك لأنه لم يحفظ يوم السبت. إنه ليس من الله. لقد كان ينقض في تصرفاته مئات النواميس التي وضعوها بأنفسهم. لقد كان يسوع غير مكترث بهم، فعندما كان أي رجل أو امرأة في محنة كان يساعدهم ولو كان هذا الأمر يزعج هؤلاء الناموسيين.

وكان في وسطهم بعضاً من الناس قالوا: "كَيْفَ يَقْدِرُ إِنْسَانٌ خَاطِئٌ أَنْ يَعْمَلَ مِثْلَ هَذِهِ الآيَاتِ؟". ولذلك كَانَ بَيْنَهُمُ انْشِقَاقٌ. فنادوا الأعمى من جديد وقالوا: "مَاذَا تَقُولُ أَنْتَ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ فَتَحَ عَيْنَيْكَ؟ فَقَالَ: «إِنَّهُ نَبِيٌّ»". إنه مُرسَلٌ من الله. النبي هو إنسان يأتي ليفعل ما يقوله له الله. "فَقَالَ: «إِنَّهُ نَبِيٌّ»".

"لَمْ يُصَدِّقِ الْيَهُودُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ أَعْمَى فَأَبْصَرَ". وقالوا: "ليس هذا هو المتسول الذي اعتاد أن يجلس على باب الهيكل". ولذلك دَعَوْا أَبَوَيِه وَسَأَلُوهُمَا قَائِلِين: "«أَهَذَا ابْنُكُمَا الَّذِي تَقُولاَنِ إِنَّهُ وُلِدَ أَعْمَى؟" ما المعنى الضمني من السؤال؟ لكأنهم كانوا يتهمون والديه بأنهما يخدعان كل الناس هناك. فأجاب والداه وقالا: "«نَعْلَمُ أَنَّ هَذَا ابْنُنَا وَأَنَّهُ وُلِدَ أَعْمَى. وَأَمَّا كَيْفَ يُبْصِرُ الآنَ فلاَ نَعْلَمُ. أَوْ مَنْ فَتَحَ عَيْنَيْهِ فلاَ نَعْلَمُ. هُوَ كَامِلُ السِّنِّ. اسْأَلُوهُ فَهُوَ يَتَكَلَّمُ عَنْ نَفْسِهِ»". والآية التالية توضح لنا لماذا كانا محترسين. فقد شاع الخبر في الحوار سريعاً بأن اليهود سوف يزعجون كل من يشهد للمسيح: "قَالَ أَبَوَاهُ هَذَا لأَنَّهُمَا كَانَا يَخَافَانِ مِنَ الْيَهُودِ لأَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا قَدْ تَعَاهَدُوا أَنَّهُ إِنِ اعْتَرَفَ أَحَدٌ بِأَنَّهُ الْمَسِيحُ يُخْرَجُ مِنَ الْمَجْمَعِ"، ولذلك لم يُريدا أن يوضعا في مأزِقٍ أو خطر، على حد تعبيرنا. فإن أُخرجا من المجمع سيكونان خارج كل شيء، ولذلك كان الناس يخشون هذا الحكم الذي يصدره المجمع بحقهم: الحرم من العضوية. هذان الأبوان لم يريدا أن يتحملا مخاطر الاعتراف بما كانا يؤمنان به في قلبيهما. فقالا: "«إِنَّهُ كَامِلُ السِّنِّ اسْأَلُوهُ»". فَدَعَوْا ثَانِيَةً الإِنْسَانَ الَّذِي كَانَ أَعْمَى وَقَالُوا لَهُ: "«أَعْطِ مَجْداً لِلَّهِ. نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الإِنْسَانَ خَاطِئٌ»". "يبدو أنه مما لا شك فيه أنك وُلِدْتَ أعمى، ولكن يجب ألا تنسب أي فضل لهذا الإنسان (يسوع)، لأنه خاطئ". تروق لي شهادة هذا الرجل الذي كان يوماً أعمى. فقد نظر إليهم محدقاً بعينين ممتلئتين، هاتين العينين اللتين أبصرتا النور للتو، وقال: "«أَخَاطِئٌ هُوَ؟ لَسْتُ أَعْلَمُ. إِنَّمَا أَعْلَمُ شَيْئاً وَاحِداً: أَنِّي كُنْتُ أَعْمَى وَالآنَ أُبْصِرُ»". إنها لشهادة عظيمة، وأعتقد أن كثيرين من قرائي يمكن أن يعطوا مثل هذه الشهادة: "أَعْلَمُ شَيْئاً وَاحِداً: أَنِّي كُنْتُ أَعْمَى وَالآنَ أُبْصِرُ". "بينما كنتُ يوماً خاطئاً بائساً، معتّم الفهم، أعلم الآن أن عينيّ قد انفتحتا".

"أيا مسيحي، فيك وجدَتْ نفسي،
وفيك وحدك فقط،
السلامَ والفرحَ الذي طالما تقتُ إليه،
هذه الغبطة التي لم أعرفها حتى الآن.
فليس سوى المسيح هو الذي يشبع النفس،
ليس من أحد آخر سواه،
فهناك الحب والحياة والفرح الدائم،
وهذا ما نجده فيك يا ربي يسوع".
لقد انتحَبتُ حزناً على المسرات التي خسرتُها،
ولكني لم أطلبك بالدموع،
إلى أن نالت عيناي العمياء نعمتَكَ،
ورأتا محبَّتَك العظيمة"

نحن الذين نخلص لا نستند على كلام شخص قال ذلك، ولا على الإيمان بكلمة الله نفسها وحسب، بل قد اختبرنا في داخلنا عمق المعرفة بحضور الرب يسوع معنا عبر السنين، ما يمكّننا مكن أن نقول من أعماق القلب: "إِنَّمَا أَعْلَمُ". لقد استطاع بولس أن يقول: "إنَّنِي عَالِمٌ بِمَنْ آمَنْتُ، وَمُوقِنٌ أَنَّهُ قَادِرٌ أَنْ يَحْفَظَ وَدِيعَتِي إِلَى ذَلِكَ الْيَوْمِ" (٢ تيموثاوس ١: ١٢).

إذاً يعطي هذا الرجل شهادتَه ويبدأ الآن مستجوبوه بامتحانه أكثر: "كَيْفَ فَتَحَ عَيْنَيْكَ؟" تعجبني جدية الرجل هنا. لقد رفع بصره نحوهم وقال: "قَدْ قُلْتُ لَكُمْ وَلَمْ تَسْمَعُوا. لِمَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ تَسْمَعُوا أَيْضاً؟"، " أَلَعَلَّكُمْ أَنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَصِيرُوا لَهُ تلاَمِيذَ؟". ولكن هذا الجواب أثار سخطهم فقالوا: "أَنْتَ تِلْمِيذُ ذَاكَ وَأَمَّا نَحْنُ فَإِنَّنَا تلاَمِيذُ مُوسَى". ولكن يسوع قال: "موسى كتب عني". "لَوْ كُنْتُمْ تُصَدِّقُونَ مُوسَى لَكُنْتُمْ تُصَدِّقُونَنِي". دعوني أقول لكم أنتم الذين تصدقون موسى وتؤمنون به نبياً لله والذين تقبلون العهد القديم على أنه موحى به من الله، اقرأوا تلك الكتابات، واسألوا الله أن ينير من السماء على هذه المقاطع، وإن كنتم مخلصين وصادقين سترون المسيح يسوع في شهادة موسى.

فقالوا: "نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ مُوسَى كَلَّمَهُ اللَّهُ وَأَمَّا هَذَا فَمَا نَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ هُوَ". وهنا أجابهم الرجل الذي أبصر حديثاً وقال: "«إِنَّ فِي هَذَا عَجَباً! إِنَّكُمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ مِنْ أَيْنَ هُوَ وَقَدْ فَتَحَ عَيْنَيَّ. وَنَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ لاَ يَسْمَعُ لِلْخُطَاةِ. وَلَكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَتَّقِي اللَّهَ وَيَفْعَلُ مَشِيئَتَهُ فَلِهَذَا يَسْمَعُ. مُنْذُ الدَّهْرِ لَمْ يُسْمَعْ أَنَّ أَحَداً فَتَحَ عَيْنَيْ مَوْلُودٍ أَعْمَى. لَوْ لَمْ يَكُنْ هَذَا مِنَ اللَّهِ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَفْعَلَ شَيْئاً»". ما يلفت انتباهي هو مدى سرعة نمو هذا الإنسان. فقبل قليل كان شحاذاً أعمى. ولا شك أنه تأمل ملياً في أمور كثيرة وهو قابعٌ في ظلمته هناك. ولذلك فأشياء كثيرة اتضحت له. عندما تتعرف إلى يسوع فإن الحجاب يُرفع عن القلب والفكر.

أما وقد عجزوا عن إيجاد جواب على ما قاله ذلك الإنسان، فقد غضبوا. وهذا يحدث دائما. فكما تعرفون، عندما يُفحم المرء في جدال يحدث بشكل طبيعي أن يرفع صوته في النقاش ويُسكت من يجادله. فانبرى هؤلاء له وقالوا: "«فِي الْخَطَايَا وُلِدْتَ أَنْتَ بِجُمْلَتِكَ وَأَنْتَ تُعَلِّمُنَا!»". من كان هؤلاء الذين يتحدثون هكذا؟ لقد كانوا هؤلاء القوم الذين كانوا يصلون هكذا: "اَللَّهُمَّ أَنَا أَشْكُرُكَ أَنِّي لَسْتُ مِثْلَ بَاقِي النَّاسِ. فلستُ سكّيراً. ولستُ من الزُّنَاةِ". ولهذا نظروا بازدراء إلى ذلك الرجل البائس. من هو ذاك الرجل؟ لقد كان مولوداً "فِي الْخَطَايَا" (على حد قولهم). ولكن الكتاب المقدس لا يقول ذلك. بل يقول "بالخطية". "بِالإِثْمِ صُوِّرْتُ وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي" (مز ٥١: ٥). هكذا قال داود. إننا نسقط في الخطية بعد أن نُولَد.

ولكنهم أخرجوه خارجاً. هذا كان أسوأ ما كان ليمكن أن يحصل له. بعض الناس يخشون أن يُطردوا خارجاً. أتعرفون إلى أين طردوه خارجاً؟ تماماً إلى ذراعي يسوع. فقال له يسوع: "«أَتُؤْمِنُ بِابْنِ اللَّهِ؟»" فأجاب ذاك: "«مَنْ هُوَ يَا سَيِّدُ لأُومِنَ بِهِ؟»" لكأنه بذلك كان يقول: "سأومن بأي شخص تقول لي عنه". فقال له يسوع: "قَدْ رَأَيْتَهُ وَالَّذِي يَتَكَلَّمُ مَعَكَ هُوَ هُوَ". وفي الحال سَجَدَ لَهُ، وقَالَ: "«أُومِنُ يَا سَيِّدُ»". لنفطر في الأمر: في بداية هذا المقطع كان هذا الرجل متسولاً أعمى بائساً وفي حاجة، وفي نهاية المقطع متعبّداً سعيداً، ينظر إلى وجه المسيح. إنها "رحلة حج" رائعة من العمى والفقر إلى السجود عند قدمي المخلّص، إذ يستنير المرء ويغتني إلى الأبدية.

"فَقَالَ يَسُوعُ: «لِدَيْنُونَةٍ أَتَيْتُ أَنَا إِلَى هَذَا الْعَالَمِ حَتَّى يُبْصِرَ الَّذِينَ لاَ يُبْصِرُونَ وَيَعْمَى الَّذِينَ يُبْصِرُونَ». فَسَمِعَ هَذَا الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ وَقَالُوا لَهُ: «أَلَعَلَّنَا نَحْنُ أَيْضاً عُمْيَانٌ؟» قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «لَوْ كُنْتُمْ عُمْيَاناً لَمَا كَانَتْ لَكُمْ خَطِيَّةٌ. وَلَكِنِ الآنَ تَقُولُونَ إِنَّنَا نُبْصِرُ فَخَطِيَّتُكُمْ بَاقِيَةٌ»". إنهم مدانون برفضهم النور عن عمد.

لا يزال الرب يسوع نور العالم. لا يزال يفتح أعين العميان، وإن كان بين قرائي من لم يأتِ بعد إليه ولم يختبر بعد ما يستطيع الرب أن يفعله للقلب الذي يؤمن به، فإنه ليسرني أن أوصي الرب يسوع به. تعالوا بتجاربكم وخطاياكم ودموعكم، تعالوا بكل حاجتكم وإعوازكم، وكونوا على ثقة بأنه سيلبّيها بغنى نعمته وجزيل رحمته.

"تعالوا أيها الحزانى، إلى حيث يمكنكم التماس العطف،
تعالوا إلى كرسي الرحمة، واسجدوا راكعين بحرارة؛
هاتوا قلوبَكم المجروحة، وعبّروا له عن كربكم؛
فليس في الأرض حزن أو أسى تعجز السماء عن مداواته".