الخطاب ١٦

القيامتان

"اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ وَهِيَ الآنَ حِينَ يَسْمَعُ الأَمْوَاتُ صَوْتَ ابْنِ اللَّهِ وَالسَّامِعُونَ يَحْيَوْنَ. لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الآبَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ كَذَلِكَ أَعْطَى الاِبْنَ أَيْضاً أَنْ تَكُونَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ وَأَعْطَاهُ سُلْطَاناً أَنْ يَدِينَ أَيْضاً لأَنَّهُ ابْنُ الإِنْسَانِ. لاَ تَتَعَجَّبُوا مِنْ هَذَا فَإِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَسْمَعُ جَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْقُبُورِ صَوْتَهُ فَيَخْرُجُ الَّذِينَ فَعَلُوا الصَّالِحَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الْحَيَاةِ وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الدَّيْنُونَةِ" (يوحنا ٥: ٢٥- ٢٩).

لنتابع التمحص في كلمات يسوع التي قالها بعد شفائه الرجل المشلول في بركة بيت حسدا. لنتأمل في رسالة الإنجيل العظيمة تلك الواردة في الآية ٢٤: "اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ يَسْمَعُ كلاَمِي وَيُؤْمِنُ بِالَّذِي أَرْسَلَنِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ وَلاَ يَأْتِي إِلَى دَيْنُونَةٍ (أو محاكمة؛ ففي اليونانية الكلمة التي تُترجم "إدانة" في الآية ٢٩ هي نفسها المترجمة "محاكمة" في الآية ٢٧)، بَلْ قَدِ انْتَقَلَ مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ".

والآن في الآية ٢٥ يستخدم ربنا من جديد نفس العبارة التوكيدية في خطابه وبها يسترعي انتباهنا بشدة: "اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ وَهِيَ الآنَ حِينَ يَسْمَعُ الأَمْوَاتُ صَوْتَ ابْنِ اللَّهِ وَالسَّامِعُونَ يَحْيَوْنَ". لا يتكلم في هذه الآية عن الموت جسدياً، بل بالأحرى عن الموت روحياً، لأولئك الأموات في التعديات والخطايا، وهذا يصحُّ على كل الناس الذين هم ليسوا في المسيح، كل الناس الذين في آدم بالنسل الطبيعي. لقد اجتازَ الموتُ إلى كل الناس عندما خطِئ آدم، والله الذي ينظرُ إلى الجنس البشري ها هنا اليوم يراهُ كجنسٍ من الرجال والنساء قد ماتوا لأنفسهم وكلّ شيءٍ روحي، ويجدهم أحياء لما يسميه الناسُ مسرة، أحياء لقضاياهم الشخصية الخاصة، ولكن ليس من أحدٍ فيه نبضة قلبٍ نحو الله- كلُّ واحدٍ ميت وعاجز كلياً، ذلك لأن الإنسان الميت، بالطبع، لا يستطيع أن يفعلَ شيئاً ليُغير حالته أو وضعه. لا يستطيع أن يساعد نفسه، وإن كان لأولئك الأموات في التعديات والخطيئة أن يحيوا، فإن عليهم أن يقبلوا الحياة من خلال شخصٍ آخر، ألا وهو ربنا يسوع نفسه. "إِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ وَهِيَ الآنَ". إنه يستهل هذا الدهر التدبيري الرائع من نعمة الله. لقد بدأت الساعة عندما جاء إلى الأرض، وهي لا تزال مستمرة منذ أكثر من  ٢٠٠٠ سنة- الساعة التي فيها يُحيي الله النفوسَ الميتة ويأتي بالرجال والنساء ليجدوا حياةً في المسيح. لقد سمعت الملايينُ صوتَه وتابت، وتعرف ما يعنيه الحصول على الحياة الأبدية بقبول تلك الكلمة. "إِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ وَهِيَ الآنَ حِينَ يَسْمَعُ الأَمْوَاتُ صَوْتَ ابْنِ اللَّهِ". ذلك الصوت صوت قدير. إنه صوت يمكن أن يصل القلب الميت كلياً أمام كل ما هو مقدس. هل تذكرون لعازر؟ لقد كان ميتاً جسدياً عندما جاء يسوع إلى باحة تلك المقبرة وقال: "ارْفَعُوا الْحَجَرَ". عندما قَالَتْ لَهُ مَرْثَا أُخْتُ الْمَيْتِ: «يَا سَيِّدُ قَدْ أَنْتَنَ لأَنَّ لَهُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ»" (يوحنا ١١: ٣٩). ولكن يسوع أمرهم أن يفعلوا كما قال، وفعلوا ذلك، فنادى: "لِعَازَرُ هَلُمَّ خَارِجاً". لقد سمع ذلك الميتُ صوتَ يسوع لأنه كان صوتاً يعطي الحياة.

كان لدي صديق غارقٌ في الخطيئة، ميتٌ لله، يعيش في أردأ أشكال الفساد. وفي إحدى الليالي، في فرنسو في كاليفورنيا، وإذ حضر أمسيةً في الهواء الطلق سمع المجموعة ترنّم قائلةً:

"إنه يحطم قوة الخطيئة الباطلة،
ويحرر الأسرى،
ودمه ينقّي الدَّنِسَ،
وقد أٌفِدْتُ بدمه".

هذه الكلمات التي رُنِّمَتْ مراراً وتكراراً وجدتْ طريقَها مباشرةً إلى قلبه، وسمع ذلك الرجل، الميت في الخطية، صوتَ ابن الله، وآمن في تلك الليلة بالرسالة التي وصلَتْه وصار خليقةً جديدةً في المسيح. وانكسرت العادات الآثمة العتيقة التي كانت تقيده طويلاً. لقد صار مختلفاً لأنه سمع صوت ابن الله.

وأتذكر الآن رجلاً آخر، سكيراً بائساً، ضالاً بالكلّية، كان قد جاء إلى أحد الاجتماعات، فسمع أحدهم يردّد كلمات المسيح: "تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ وَأَنَا أُرِيحُكُمْ". فقال: "هل الحديث موجه إليّ؟ أتراه يدعوني إلى المجيء إليه؟" وأتى ذلك الرجل إلى الحياة. ولم يلمس قطرة خمر بعد ذلك. لقد آب واهتدى لأنه سمع صوت ابن الله. إن حياةً لتكمن في كلماته.

"إِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ وَهِيَ الآنَ حِينَ يَسْمَعُ الأَمْوَاتُ صَوْتَ ابْنِ اللَّهِ وَالسَّامِعُونَ يَحْيَوْنَ". لاحظوا أن الله لا يطلب من الناس أن يعملوا ليحصلوا على الحياة. ما كان يمكننا أن نفعل أي شيء لنستحق الحياة، ولا يمكننا أن نرضي الله إلى أن ننالها. "أُجْرَة الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ وَأَمَّا هِبَةُ اللهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ" (رومية ٦: ٢٣). لا يمكننا أن ننال الحياة من خلال الإذعان لطقوس شعائرية دينية أو من الاستفادة من الأسرار. لا يحصل الناس على الحياة عبر المعمودية أو العشاء الرباني أو من خلال القيام بأعمال تكفيرية أو حضور الكنيسة أو التبرع بالمال. إنهم ينالون الحياة الأبدية بسماع صوت ابن الله والإيمان به. "اسمعوا، فتحيا نفوسكم". هل سمعت ذلك الصوت؟ الناس أشاحوا سمعهم عنه. المسيح يتكلم في كل وقت وعبر جميع الأجيال، ولكن كثيرين أغلقوا آذانهم عنه واستمروا في حياة الخطيئة. وما لبثوا قابعين في حالة الموت. ولكن الإنسان في اللحظة التي يسمع فيها ذلك الصوت في أعماق قلبه عندها ينال الحياة. وهذه الحياة يعطيها ابنُ الله. إنه يقول: "كَمَا أَنَّ الآبَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ كَذَلِكَ أَعْطَى الاِبْنَ أَيْضاً أَنْ تَكُونَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ، وَأَعْطَاهُ سُلْطَاناً أَنْ يَدِينَ أَيْضاً لأَنَّهُ ابْنُ الإِنْسَانِ".

إذا رفض الناسُ رسالة الإنجيل، وإن أشاحوا بوجههم عن كلمة ابن الله، وازدروا بنعمته، فعندها، الله نفسه، الذي جعل يسوع مانحاً للحياة لكل الذين يؤمنون، قد عيَّنه أيضاً ديَّاناً على أولئك الذين يرفضونه، في اليوم الأخير. لقد أعطى الآبُ للابنِ أن تكونَ لهُ حياةٌ في نفسه وأعطاهُ السلطةَ على أن يدين. لدينا ما يشابه ذلك في الآية ٢٢. فنقرأ هناك: "لأَنَّ الآبَ لاَ يَدِينُ أَحَداً بَلْ قَدْ أَعْطَى كُلَّ الدَّيْنُونَةِ لِلاِبْنِ". هذا يُعطينا أن نعرفَ أن الابن هو الله لأن الكتاب المقدس يُعلِن أن الله هو الذي يدين العالم. سوف يجلس الله على العرش الأبيض العظيم ويدعو الخطاة أمامهُ ليَتلقوا تَبِعة ذنبِهم في أنهم رفضوا الخلاص الذي كان قد قدّمه لهم، ولكن الأقنوم الإلهي الذي سيظهر عند ذلك العرش سيكون الرب يسوع المسيح. الناسُ الذين يقفون أمام ذلك العرش في خطاياهم سيُدينهم الإنسان، المسيح يسوع. الآبُ قد أعطى يسوع السلطةَ على أن يُصدرَ أحكام الدينونة لأنه ابنُ الإنسان. عندما احتار أيوب بسبب تعاملات الله معه، قال: "لَيْسَ هُوَ إِنْسَاناً مِثْلِي فَأُجَاوِبَهُ فَنَأْتِي جَمِيعاً إِلَى الْمُحَاكَمَةِ. لَيْسَ بَيْنَنَا مُصَالِحٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى كِلَيْنَا" (أيوب ٩: ٣٢، ٣٣). وذاك هو ما كان يتوق أيوب إليه، إنساناً يمكن أن يمثّل الله أمامه، وذاك الإنسان موجود في شخص ربنا يسوع المسيح. فهو إنسان حق كما هو إله حق. "لأَنَّهُ يُوجَدُ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ اللهِ وَالنَّاسِ: الإِنْسَانُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ" (١ تي ٢: ٥). إن رفض الناس الإيمانَ بذاك الإنسان الذي حمل خطايانا في جسده على عود الصليب، فإن أعمالهم ستدينهم. ولئلا يحصل هذا فقد مات (المسيح) على صليب العار ذاك: "هُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا" (أشعياء ٥٣: ٥). إنْ رَفَضَهُ الناسُ الآن وأشاحوا بوجههم عنه، فإنهم سيضطرون يوماً ما للقائه. يوماً ما سيضطرون لمواجهته وهم في خطاياهم عندما يكون الأوان قد فات ليخلصوا. فمن سيمنحهم الحياة سيكون آنذاك ديّانَهم.

أما الآن، وقد تكلمنا عن ساعة، الساعة التي سيُحيي فيها الله الخطاة الأموات إلى الحياة، فإنه يتابع الحديث عن ساعةٍ أخرى، ساعة قيامة أجساد الموتى. إذ أنَّ كليهما موجودتان في الكتاب المقدس. إنه يُحيي أولئك الأموات في التعديات والآثام في هذه الساعة. وفي المستقبل سوف يُحيي أولئك الذين أجسادهم في القبور. "تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَسْمَعُ جَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْقُبُورِ صَوْتَهُ، فَيَخْرُجُ الَّذِينَ فَعَلُوا الصَّالِحَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الْحَيَاةِ وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الدَّيْنُونَةِ". "لا تتعجبوا من ذلك". لكأنه قال: لا تستغربوا من أني أستطيع أن أُحيي أرواح الأموات وأمنح الحياة الأبدية لأولئك الذين يؤمنون. فيوماً ما سأفرغ جميع قبور الأرض. "تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَسْمَعُ جَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْقُبُورِ صَوْتَهُ، فَيَخْرُجُ الَّذِينَ..". لعلك تتساءل: "كيف يكون ذلك؟" وتقول: "ملايين من الناس ماتوا وتحللت أجسادهم إلى مكوناتها الكيميائية. فأنى لهم أن يعودوا إلى الحياة؟" لا شيء مستحيل عند الله الذي خلق تلك الأجساد الرائعة. سوف تكون هناك قيامة للأبرار والأشرار كليهما.

نعم، ستأتي تلك الساعة عندما ينهض كل أولئك الراقدين في القبور. لاحظوا أنه ستكون هناك قيامتان. بعض الناس تخيلوا أن كلتا القيامتين ستحدثان في نفس اللحظة، وأن المخلِّص سوف يُطلِق صوته وكل القبور ستفرغ في الحال. ولكن ليس هذا ما قاله ربُّنا تماماً. يُرينا الكتاب المقدس أنه ستكون هناك قيامتان: الأولى، قيامةٌ للحياة، وهي قيامة الأبرار. في رؤيا ٢٠: ٦، نقرأ: "مُبَارَكٌ وَمُقَدَّسٌ مَنْ لَهُ نَصِيبٌ فِي الْقِيَامَةِ الأُولَى. هَؤُلاَءِ لَيْسَ لِلْمَوْتِ الثَّانِي سُلْطَانٌ عَلَيْهِمْ، بَلْ سَيَكُونُونَ كَهَنَةً لِلَّهِ وَالْمَسِيحِ، وَسَيَمْلِكُونَ مَعَهُ أَلْفَ سَنَةٍ". ثم نقرأ أنه بعد انقضاء الألف عام ستكون هناك قيامة الموتى الأشرار الذين سيقفون أمام العرش الأبيض العظيم للدينونة. إذاً ستكون هناك قيامتان، الأولى من أجل الأبرار للحياة، والثانية من أجل الأشرار للموت. ومع ذلك فكلتاهما تحدثان في ساعة واحدة؟ نعم، في ساعة واحدة. تذكروا كيف استخدم ربنا هذه الكلمة: "إِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ وَهِيَ الآنَ حِينَ يَسْمَعُ الأَمْوَاتُ صَوْتَ ابْنِ اللَّهِ وَالسَّامِعُونَ يَحْيَوْنَ". هذه الساعة بدأت عندما كان المسيح هنا على الأرض وهي لا تزال مستمرة. مرت أكثر من ١٩٠٠ سنة ولا نزال نحيا في تلك الساعة التي فيها يحيي المسيح النفوس الميتة. ساعة القيامة ستدوم ألف سنة على الأقل. في بداية الألف سنة تلك، الأمواتُ الأبرار سوف يُقامون. وفي ختام الألف سنة سيُقام الأشرار الأموات. الأمواتُ الأبرارُ سيَقِفون أمام كرسي دينونة المسيح لكي يكافَأوا. والأموات الأشرار ينهضون ليقفوا أمام العرش الأبيض الكبير، ليتحملوا هناك نتيجة الخطيئةِ المريعة في رفضهم للرب يسوع المسيح وليُدانوا من أجل كل الخطايا التي أضاعوا على أنفسهم فرصة التحرر منها. قد يقول أحدهم: " إني أحتار في الآية ٢٩ فهي تقول: "فَيَخْرُجُ الَّذِينَ فَعَلُوا الصَّالِحَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الْحَيَاةِ وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الدَّيْنُونَةِ". أفبعد ذلك هل يجوز القول أن الخلاص يعتمد على ما يفعله المرء؟ وهل نخلص لأننا نصنع الخير ونضلّ لأننا نفعل الشر؟" فأجيب قائلاً أنه إن ثابر الناس على خطاياهم فسيُدانون على أفعالهم الأثيمة الشريرة. جميع الناس ضالون اليوم ليس فقط بسبب الخطايا التي ارتكبوها بل لأنهم رفضوا الرب يسوع المسيح. إذ أن "اَلَّذِي يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُدَانُ وَالَّذِي لاَ يُؤْمِنُ قَدْ دِينَ لأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِاسْمِ ابْنِ اللَّهِ الْوَحِيدِ" (يوحنا ٣: ١٨). وفي موضع آخر يقول يسوع أن الروح القدس سيأتي ويدينهم على الخطية لأنهم لم يؤمنوا به. تلك هي الخطيئة الرهيبة الكبيرة التي ستهلك نفسك إلى الأبد إن استمررتَ فيها. إن رفضْتَ عمل الصليب، أو أدرتَ ظهرك لذاك الذي مات على الخشبة، فعندها لن تنتفع من الميزات التي نجمت عن ذاك العمل. وفي يوم القيامة ستقوم من القبر كمن صنع الشر وستُدان بسبب خطاياك.

والآن، ماذا عن البقية؟ من هم هؤلاء الذين فَعَلُوا الصَّالِحَاتِ أو صنعوا الخير؟ ما الذي يقصد بذاك القول؟ هل نخلص بفضل الصلاح الذي نعمله؟ نعلم جيداً من مختلف أرجاء الكتاب المقدس أن الخلاص لا يعتمد على أهلية أو استحقاق بشري. "لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ الله. لَيْسَ مِنْ أَعْمَالٍ كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ" (أفسس ٢: ٨، ٩). ويقول الكتاب أيضاً: "أَمَّا الَّذِي يَعْمَلُ فَلاَ تُحْسَبُ لَهُ الأُجْرَةُ عَلَى سَبِيلِ نِعْمَةٍ بَلْ عَلَى سَبِيلِ دَيْنٍ. وَأَمَّا الَّذِي لاَ يَعْمَلُ وَلَكِنْ يُؤْمِنُ بِالَّذِي يُبَرِّرُ الْفَاجِرَ فَإِيمَانُهُ يُحْسَبُ لَهُ بِرّاً" (رومية ٤: ٤، ٥). ليس من تناقض. في اللحظة التي يؤمن بها الخاطئ بالرب يسوع المسيح يحدث تغيير. وذلك هو العلامة الظاهرة الخارجية على أنه مسيحي. بعد تلك الآية مباشرة نقرأ في (أفسس ٢: ١٠): "لأَنَّنَا نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ اللهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا". إن قلتُ لك أني متبررٌ بالإيمان فإنك لا تستطيع أن ترى إيماني. ولا يمكنك أن ترى إذا ما كانت شهادتي حقيقية إلا إذا راقبتَ حياتي. وتتساءل إذا ما كانت حياتي تتطابق مع شهادتي. هل أحيا حياة تشبه حياة المسيح؟ وإن كنتُ لا أحيا هكذا حياة فإنك ترفض شهادتي. الله نفسه لا يقبل شهادة أي إنسان إن كانت حياتُه لا تتطابق مع شهادة إيمانه.وفي ذلك اليوم أولئك الذين مارسوا الصالحات سيُمتَدحون ويتجلّون كأبناء الله.

دعوني أؤكد على هذه الفكرة: كما أن هناك طريقتان للحياة، كذا فهناك طريقتان للموت، وقيامتان، ويلي هاتين القيامتين مصيران. هل قبلتَ المسيح مخلصاً لك؟ إن كان الأمر كذلك، فالموت يعني بالنسبة لك أن تموت في الرب، وأن تُقامَ في القيامة الأولى وتدخل إلى نعيم السماء. من جهة أخرى، إن بقيتَ رافضاً للرب، فإن سيأتي يومٌ تموت فيه في خطاياك. وأولئك الذين يموتون في خطاياهم سيقفون في يوم الدينونة  وسيُتركون رازحين تحت خطاياهم إلى الأبد. لئلا يصير هذا، جاء ربُّنا يسوع المسيح إلى الجلجثة وقدّمَ حياتَه كفارةً، ذبيحةً استرضائية عن كل من سيؤمن به.