الخطاب ١٤

عند بركة بيت حسدا

"وَبَعْدَ هَذَا كَانَ عِيدٌ لِلْيَهُودِ فَصَعِدَ يَسُوعُ إِلَى أُورُشَلِيمَ. وَفِي أُورُشَلِيمَ عِنْدَ بَابِ الضَّأْنِ بِرْكَةٌ يُقَالُ لَهَا بِالْعِبْرَانِيَّةِ «بَيْتُ حِسْدَا» لَهَا خَمْسَةُ أَرْوِقَةٍ. فِي هَذِهِ كَانَ مُضْطَجِعاً جُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنْ مَرْضَى وَعُمْيٍ وَعُرْجٍ وَعُسْمٍ يَتَوَقَّعُونَ تَحْرِيكَ الْمَاءِ. لأَنَّ ملاَكاً كَانَ يَنْزِلُ أَحْيَاناً فِي الْبِرْكَةِ وَيُحَرِّكُ الْمَاءَ. فَمَنْ نَزَلَ أَوَّلاً بَعْدَ تَحْرِيكِ الْمَاءِ كَانَ يَبْرَأُ مِنْ أَيِّ مَرَضٍ اعْتَرَاهُ. وَكَانَ هُنَاكَ إِنْسَانٌ بِهِ مَرَضٌ مُنْذُ ثَمَانٍ وَثلاَثِينَ سَنَةً. هَذَا رَآهُ يَسُوعُ مُضْطَجِعاً وَعَلِمَ أَنَّ لَهُ زَمَاناً كَثِيراً فَقَالَ لَهُ: «أَتُرِيدُ أَنْ تَبْرَأَ؟» أَجَابَهُ الْمَرِيضُ: «يَا سَيِّدُ لَيْسَ لِي إِنْسَانٌ يُلْقِينِي فِي الْبِرْكَةِ مَتَى تَحَرَّكَ الْمَاءُ. بَلْ بَيْنَمَا أَنَا آتٍ يَنْزِلُ قُدَّامِي آخَرُ». قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «قُمِ. احْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ». فَحَالاً بَرِئَ الإِنْسَانُ وَحَمَلَ سَرِيرَهُ وَمَشَى. وَكَانَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ سَبْتٌ. فَقَالَ الْيَهُودُ لِلَّذِي شُفِيَ: «إِنَّهُ سَبْتٌ! لاَ يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَحْمِلَ سَرِيرَكَ». أَجَابَهُمْ: «إِنَّ الَّذِي أَبْرَأَنِي هُوَ قَالَ لِي احْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ». َسَأَلُوهُ: «مَنْ هُوَ الإِنْسَانُ الَّذِي قَالَ لَكَ احْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ؟». أَمَّا الَّذِي شُفِيَ فَلَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ مَنْ هُوَ لأَنَّ يَسُوعَ اعْتَزَلَ إِذْ كَانَ فِي الْمَوْضِعِ جَمْعٌ. بَعْدَ ذَلِكَ وَجَدَهُ يَسُوعُ فِي الْهَيْكَلِ وَقَالَ لَهُ: «هَا أَنْتَ قَدْ بَرِئْتَ فلاَ تُخْطِئْ أَيْضاً لِئَلاَّ يَكُونَ لَكَ أَشَرُّ». فَمَضَى الإِنْسَانُ وَأَخْبَرَ الْيَهُودَ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الَّذِي أَبْرَأَهُ. وَلِهَذَا كَانَ الْيَهُودُ يَطْرُدُونَ يَسُوعَ وَيَطْلُبُونَ أَنْ يَقْتُلُوهُ لأَنَّهُ عَمِلَ هَذَا فِي سَبْتٍ" (يوحنا ٥: ١- ١٦).

والآن نأتي إلى التمعن في آية أخرى, ومعجزة أخرى قد نجدها مدونّة إجمالاً في إنجيل يوحنا. فالرسول، وبتوجيه من الروح القدس يختار المعجزات المتعددة التي يسردها لنا, ويدل بذلك على أنه كان يسعى لأن يوضح الطرق المختلفة التي تفعل فيها نعمة الله الرائعة, كما تبدّت في المسيح, للخطاة المعوزين البائسين.

خلفية النص هنا مثيرة للاهتمام جداً. فإننا نعلم أنه بعد خدمة ربنا في الجليل كان هناك عيد لليهود. لا نعرف بالضبط أي عيد هذا. على الأرجح أنه كان عيد الفصح, والرب يسوع, إطاعة للناموس نَزِلَ ليشارك في العيد. عيد الفصح كان ولا بد ذا أهمية استثنائية بالنسبة له. لأنه كان يعلم جيداً أن كل حملٍ فصحي يقدّم ذبيحةً في ذلك الوقت كان يرمز إليه, كما نعلم من ١ كورنثوس ٥: ٧، ٨: "لأَنَّ فِصْحَنَا أَيْضاً الْمَسِيحَ قَدْ ذُبِحَ لأَجْلِنَا. إِذاً لِنُعَيِّدْ لَيْسَ بِخَمِيرَةٍ عَتِيقَةٍ وَلاَ بِخَمِيرَةِ الشَّرِّ وَالْخُبْثِ بَلْ بِفَطِيرِ الإِخْلاَصِ وَالْحَقِّ". ففي ذلك الوقت ذهب يسوع إلى العيد، وخلال دخوله وخروجه وسط الناس مرَّ بجوار بركة بيت حسدا، التي كانت قرب باب الضأن. ونقرأ: "فَصَعِدَ يَسُوعُ إِلَى أُورُشَلِيمَ. وَفِي أُورُشَلِيمَ عِنْدَ بَابِ الضَّأْنِ بِرْكَةٌ يُقَالُ لَهَا بِالْعِبْرَانِيَّةِ «بَيْتُ حِسْدَا» لَهَا خَمْسَةُ أَرْوِقَةٍ". لقد كان هذا ترتيب الله التدبيري الخاص لشعبه خلال عهد الناموس. و«بَيْتُ حِسْدَا» تعني "بيت الرحمة" حيث كان الله يمد يد الرفق الحانية إلى الشعب المبتلي. إننا في حاجة لأن ندرك أنه حتى قبل مجيء النعمة والحق بكل امتلائهما في شخص ربنا يسوع المسيح, قلبُ الله كان نحو كل نفسٍ محتاجة, وقد أَعَدَّ تدبيراً بحيث أن كل من يأتي إليهِ يفعل ذلك. كانت هناك تشريعاتٌ معينة أو متطلبات. لقد جاؤوا إلى الله, وهم حاملين تقدماتهم معهم, ولكن هذه التقدمات كانت ترمز جميعاً للرب يسوع المسيح وكانت تُقبل, ليس لأنها ذات قيمة فعلية أبداً على الإطلاق, بل بِفضل ذاك الذي كانت ترمز لهُ مسبقاً, وبسبب الإيمان والثقة التي كانت تدفع الناس للإتيان بها. ولذلك فطوال التدبير الناموسي التشريعي, كان الله يَتواصَلُ مع الإنسان ويخلِّصه بطريقته العجيبة الرائعة؛ وهذا ما يصوره لنا هذا المشهد.

هنا كانت بركة «بَيْتُ حِسْدَا»، وحولها "كَانَ مُضْطَجِعاً جُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنْ مَرْضَى وَعُمْيٍ وَعُرْجٍ وَعُسْمٍ". هذه العبارات تدلّ على نتائج الخطيئة. إنها تُعمي أعينِنَا عن حق الله ومجد الله. إنها تجعلنا عرجاً لئلا نستطيع أن نسلك في طرق الرب. إنها تشل قوتنا, فنبقى عاجزين وغير قادرين على أن نفعل أي شيءٍ لنخلِّصَ أنفسنا. ومن الطبيعي أننا جميعاً مثل هؤلاء الناس المشلولين المتجمهرين هناك عند البركة. لعلنا نقول أن كل مرضٍ وألمٍ ومعاناةٍ وصراعاتٍ تؤلم وتحزن البشر قد جاءت إلى العالم, ليست بقرار الله الإلهي, بل بسبب تمرد وعصيان الإنسان. إنها ثمار السقوط, وقد جاء ربُنا يسوع المسيح ليبطلَ أعمالَ الشيطان, ويوماً ما, والحمد لله, سيبطل كلياً كل هذه الآثار الناجمة عن الخطيئة.

هذا الحشد المتنوع البائس العاجز كانوا مضطجعين في ساحة بيت حسدا. ما الذي كانوا ينتظرونه؟ لقد كانوا ينتظرون تحريك المياه. والآن أعرف أن هناك سؤال لدى الدارسين حول موثوقية الآية (٤), التي تخبرنا أن هناك ملاكا كان ينزلُ ويحرك الماء. في أقدم مخطوطات لإنجيل يوحنا لا نجد هذه الآية على الإطلاق, ونتابع القصة, يبدو أنه كان هناك إشارة للقصة حيث أن الآية كانت موجودة في النص الأصلي. ولكن محررين كثيرين يعتقدون أن هذه الآية قد أُقحِمت في الهامش على يد أحد النساخ قبل سنين كثيرة لكي نفهم لماذا كان الناس يتجمعون عند البركة, ثم جاء ناسخٌ آخر لاحقاً فأدخلها إلى النص. مهما يكن الأمر، إنها تُفسر السبب في وجود الناس هناك. لقد كان هناك نبعٌ وكان الجو هادئاً أحياناً، ولكن بين فينةٍِ وأخرى كانت المياه تفور على نحو متقطع. لَعلّ بعضاً منا رأى ينابيع كهذه, كان الناس يفهمون أن ملاكاً كان ينزل إلى هذا النبع في فصلٍ معين وكان يحرك الماء. ولذلك فمن كان ينزلُ في ذلك الوقت إلى البركة كان يتعافى ويُشفى من أي مرضٍ كان مصاباً به. لقد كان هذا أفضل ما يمكن للناموس أن يفعله. لقد كان الناموس يقدم مساعدةً لمن يحتاج إليه في الحد الأدنى. لقد كان للقوي أن يدخل إلى الماء أولاً. ولكن من كانت حالته أسوأ, ومن كان أكثر عجزاً وأكثر خطيئةً, من كان أكثر تعاسةً في حالتهِ,كان ذاك الأقل حظاً ليستفيد من الامتيازات التي كان يمكن لذاك الناموس أن يُقدّمها. بعض هؤلاء الناس كانوا مضطجعين هناك ليس فقط منذ أسابيع وأشهر بل منذ سنين, وأحدُ الرجال كان هناك وكان يُعاني من مرضٍ منذ ثمانٍ وثلاثين سنة. لقد كان مشلولاً. لقد فقد القدرة على استخدام رجليه. لا نعرف كم طالت فترة اضطجاعه عند بركة بيت حسدا, ولكن على الأرجح أن أصدقاءه كانوا قد أحضروه إلى هنالك قبل أن يقابله يسوع بسنين. لقد كان صورة للخاطئ البائس العاجز. وهذا أمرٌ ينطبق على كل واحد منا في حالتنا الطبيعية.

منذ سنينَ كثيرةٍ, وفي خارج سان فرانسيسكو, كانت مجموعة منا تمضي نزهةً مع مدارس الأحد على الشاطئ قُربَ كْلِفْ هاوسْ. لقد اعتدْنا أن نذهب إلى هناك في ذكرى عيد ميلاد واشنطن. في ذلك الصباح, عندما خرجنا إلى الشاطئ عند الساعة التاسعة, كان الضباب قد بدأ ينقشعُ لتوه، وما هي إلا برهة حتى ذهلنا لنرى كل تلك الأنواع من حُطام السفن التي قذفها البحر إلى الشاطئ. لم نستطيع أن نفهم من أين أتى كُل ذلك الحطام. وبعد برهة علمنا أن سفينةً ضخمةً, هي سفينة (ريو دي جانيرو), وفي طريقها إلى موطنها عائدةً من الصين, حاولت أن ترسو في ميناء سان فرانسيسكو خلال الضباب الكثيف, واصطدمت بصخرةٍ وتحطمت إلى أشلاء. غرق مئاتٌ من الناس؛ وبعضٌ منهم نجا. وروت الصحيفة الرواية التالية: من بين الذين نجوا كان هناك صحفي أمريكيٌ شاب. انكسرت كِلتا رجليه, وأُلقي وهو بتلك الحالة إلى المياه. وعلى الأرجح أن الماء البارد قد أعاده إلى الوعي وبدأ يطفو. بعد ذلك بساعات قام فريقُ إنقاذ بسحبِ ذلك الإنسان العاجز كُلياً من الماء. فكَّرْتُ وأنا أقرأ ذلك أن يا لها من صورةٍ عن نعمة ورحمة الله نحو الخطأة البائسين! كان هناك آخرون سبحوا لساعات قبل أن يتم سحبهم من الماء, وكانوا يتمتعون بالقوةِ والصحة والعافية, وآخرون كثيرين غرقوا؛ ولكن ذلك الرجل لم تكن لديه القدرة على أن يسبح. لقد كان عاجزاً ومع ذلك فقد أُنقذَ. يا لها من صورةٍ تدل على كثيرين منا! نقرأ (في رومية ٥: ٦): "لأَنَّ الْمَسِيحَ إِذْ كُنَّا بَعْدُ ضُعَفَاءَ مَاتَ فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ لأَجْلِ الْفُجَّارِ"، وخلصنا نحن الخطاة البائسين العاجزين ووجدنا الحياة والسلام.  

لنتأمل في هذا الرجل العاجز البائس عند البركة. لم يسعَ ذلك الرجل طالباً المُخلِّص. لم يطلب من يسوع أن يشفيه. إننا غالباً ما نقوم بكل الإجراءات, ونناشد الخطاة أن يطلبوا يسوع لكي يخلّصهم, ولكن ليس من موضعٍ في الكتاب المقدس يُطلَبُ فيه من الإنسان أن يصلّي من أجل خلاصه. بل بالأحرى، نعلم أن الله نفسه هو الذي يناشد البشر ليتصالحوا معه. هذا الرجل حتى لم يعرف المسيح, ولكن يسوع جاء طالباً إياه. إنه ليسرني أن أخبركم, كما قِيْلَ لي دائماً, عن جواب ذلك الطفل الصغير عندما قال أحدهم: "يا بني, هل وجدت يسوع؟"، فَرفَع بصره وقال: "لماذا يا سيدي؟ لم أعرف أنه كان ضائعاً ولكن أنا كنت ضائعاً، وهو من وجدني".

"ابْن الإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يَطْلُبَ وَيُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ" (لوقا ١٩: ١٠). وهكذا جاء ليجد هذا الإنسان البائس العاجز, الذي لم يعرف عنه شيئاً البتة ولا حتى اسمه. (أي أن ذلك المشلول لم يكن يعرف شيئاً عن المسيح). لقد تبدّت حاجته لقلب ابن الله الحاني الكريم السموح. إن كان أحد من الذين يسمعونني اليوم ضالٌ وبائسٌ فليتأكدْ من أن بؤسهُ وتعاستهُ وعجزه يلمس قلب ابن الله. إنه يريد أن يحررك وأن يخلّصك.

انظروا ما تقول الآية ٦: "هَذَا رَآهُ يَسُوعُ مُضْطَجِعاً وَعَلِمَ أَنَّ لَهُ زَمَاناً كَثِيراً فَقَالَ لَهُ: «أَتُرِيدُ أَنْ تَبْرَأَ؟»". لقد "رَآهُ يَسُوعُ مُضْطَجِعاً وَعَلِمَ أَنَّ لَهُ زَمَاناً كَثِيراً". نعم, ثمانٍ وثلاثين سنةً أطولُ من الفترة التي كان المسيح نفسه على الأرض، مرَّتْ على ذلك الإنسان وهو في هذا المرض. لماذا انتظر طوال ذلك الوقت؟ ألكي يصل الإنسان إلى نهاية حياته؟ ما كنت أنا وأنت لنأتي إلى المسيح لو لم نأتِ إلى رؤية عدم كفاءتنا وعجزنا. لابد أنكم سمعتم عن ذلك الشاب البائس الذي سقط في الماء. فإذ كان عاجزاً عن السباحة, غاص في الماء ثم صعد ثانية, وغاص إلى الأسفل من جديد. في هذه الأثناء كان هناك سباحٌ قوي يقف على رصيف البحر, ينظرُ في الأفق, وصرخ الناس: "لماذا لا تقفز وتنقذ ذلك الرجل؟" فلم يجب بشيء, بل ترك الرّجلَ يَغُوصُ في الماء ثانيةً, ثم خَلعَ عنه معطفه وغاصَ في الماء وأتى به إلى الشاطئ سليماً معافى. فقالوا له: "لماذا انتظرتَ طوال ذلك الوقت قبل أن تنزل إلى الماء لنقذه؟" فأجاب: "لقد كان قوياً في البداية. وكان عليّ أن أنتظر إلى أن تتلاشى قوته. كان علي أن أنتظر إلى أن يصبح عاجزاً عن أن يتصرف بنفسه, إلى أن يصبح عاجزاً وغير قادر على فعل شيء".

أعتقد أن يسوع كان ينتظر ذلك. عندما جِيءَ بالرجل إلى البركة لأول مرة كان لديه آمالٌ عالية. "لن يطول بي الوقت حتى أستطيع أن أنزل إلى الماء", هذا ما كان يعتقده. وعندها يجد شخصاً آخر ينزل إلى الماء قبله. ومراراً وتكراراً مرَّ بهذه الخبرة المخيبة. وها هو الآن مستعد لأن يتخلى عن كل أمل وهو في حالة يأس. إنها النفس البائسةُ التي يحب يسوع أن يلتقيها برحمتهِ و نعمتهِ. إنه يخلّص ذاك الذي يُقرُّ معترفاً: "لا أستطيع أن أفعل شيئاً لأحرر نفسي".

انظروا كيف تعامل الرب مع هذا الرجل: "هَذَا رَآهُ يَسُوعُ مُضْطَجِعاً وَعَلِمَ أَنَّ لَهُ زَمَاناً كَثِيراً فَقَالَ لَهُ: «أَتُرِيدُ أَنْ تَبْرَأَ؟»". هذا سؤال بسيط للغاية. إنه يطرحه على الجميع. هل أنتَ مخلّص يا قارئي؟ الرب يسوع المبارك يقول: "أَتُرِيدُ أَنْ تَبْرَأَ؟" هل تريد أن تجد خلاص الله؟ "أَتُرِيدُ أَنْ تَبْرَأَ؟" أتريد أن تعرف نعمة الله المُخَلِّصة؟ ما هو ردّك؟ أَتُرِيدُ أَنْ تَبْرَأَ؟أجابه الرجل الضعيف العاجز قائلاً: "«يَا سَيِّدُ لَيْسَ لِي إِنْسَانٌ يُلْقِينِي فِي الْبِرْكَةِ مَتَى تَحَرَّكَ الْمَاءُ. بَلْ بَيْنَمَا أَنَا آتٍ يَنْزِلُ قُدَّامِي آخَرُ»". كم من أناس كثيرين هكذا. "يعوزني أمرٌ واحدٌ فقط. ليتني أجد ولو إنساناً واحداً يساعدني". ما أكثر عدد الناس الذين يشعرون هكذا. يقول البعض: "ليتني أجد الكنيسة الصحيحة". يا صديقي، إن انضممتَ إلى أي كنيسة في العالم المسيحي فهذا لا يمكن أن يُخلِّصَك. "ليتني أعرف المبادئ التي ينبغي أن أحيا بها". ليس الفعل هو ما يخلِّصُ روحَك. وكلما فهمنا الدرس أسرع كلما كان ذلك أفضل. "الَّذِي يَعْمَلُ فَلاَ تُحْسَبُ لَهُ الأُجْرَةُ عَلَى سَبِيلِ نِعْمَةٍ بَلْ عَلَى سَبِيلِ دَيْنٍ. وَأَمَّا الَّذِي لاَ يَعْمَلُ وَلَكِنْ يُؤْمِنُ بِالَّذِي يُبَرِّرُ الْفَاجِرَ فَإِيمَانُهُ يُحْسَبُ لَهُ بِرّاً" (رومية ٤: ٤، ٥).قال المشلول: "لَيْسَ لِي إِنْسَانٌ يساعدني". وإذ رأى يسوع الحاجة الماسة عند ذاك فإنه قال له: "قُمِ. احْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ". يا له من أمر غريب يعطيه لإنسان عاجز! ولكن هناك قوة في كلمات يسوع. فنقرأ: "حَالاً بَرِئَ الإِنْسَانُ". في كلمات يسوع ثمة ما غرس الإيمان في قلب ذلك الإنسان. قد يقول قائل: "لماذا أود أن أخلُص والأمر يقتضي إيماناً, بينما أنا لا أملك الإيمان". ولكن "الإيمان يأتي بالسماع, والسماعُ بكلمة الله". يقول ذلك الإنسان: "أودُّ أن أتعافى وأشفى, ولكن ما من مجال". ثم يسمع كلمة يسوع: "قم احمل سريرك وامشِ", فيرفع بصرَه ويبزغُ إيمانٌ في نفسه. كنت لأود أن أراه يثب على قدميه لأول مرة. كان ليقول: "يا عزيزي, بالكاد أستطيع أن أصدق ذلك". ثم نظر إلى الأسفل إلى ذلك العبء من الاضطجاع على الفراش وعند كلمة يسوع حملهُ تحت ذراعه, كنقالةٍ, ومضى مبتهجاً بقوتهِ الجديدة.

"فَحَالاً بَرِئَ الإِنْسَانُ وَحَمَلَ سَرِيرَهُ وَمَشَى. وَكَانَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ سَبْتٌ". ها هنا تعليق مشؤوم. "كَانَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ سَبْتٌ". ما من خطأ فيما فعله يسوع في يوم السبت، ولكن كان هناك منتقدون ينتظرون أي سلوك له. "ألا يعلم أن هذا هو يوم سبت؟" لقد كان هذا يعنيهم أكثر من أمر شفاء مخلوق بائس. كانوا مهتمين بالشعائر والطقوس أكثر بكثير حتى أنهم كانوا على أهبة الاستعداد لتوجيه أي انتقاد في الحال. فقال اليهود للرجل الذي شُفِيَ: "لاَ يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَحْمِلَ سَرِيرَكَ". فبدلاً من أن يبتهجوا ويقولوا للمشلول "أيا صديقنا. لقد رأيناك هناك لسنين مضطجعاً، وإننا شاكرون لأنك قد شفيت الآن"، نرى هؤلاء الناموسيين التشريعيين، مثل الابن البكر في قصة الابن الضال، الذي أبى الدخول عندما علم أن أخيه قد عاد إلى البيت وأنه قد غُفِرَ له، قد قالوا: "إِنَّهُ سَبْتٌ! لاَ يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَحْمِلَ عبء تصرفك". أما المشلول فقد قال: "أي عبء؟ إن حمله هي مدعاة سرور لي. فقالوا: "لا يحق لك ذلك". أما هو فقال: "إِنَّ الَّذِي أَبْرَأَنِي هُوَ قَالَ لِي احْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ". فكأنه يقول "اذهبوا وتشاجروا معه إن كنتم تتذمرون". فسألوا: "مَنْ هُوَ الإِنْسَانُ الَّذِي قَالَ لَكَ احْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ؟". "أَمَّا الَّذِي شُفِيَ فَلَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ مَنْ هُوَ". لقد كان في جهل تام لدرجة أنه لم يعرف من الذي شفاه. لقد تصرف بحسب ما قيل له.

هذا الإنسان المسكين لم يعرف اسمَ من شفاه. ونقرأ أنه "بَعْدَ ذَلِكَ وَجَدَهُ يَسُوعُ فِي الْهَيْكَلِ وَقَالَ لَهُ: هَا أَنْتَ قَدْ بَرِئْتَ". لم يكن قد ذهب إلى الهيكل لمدة ثمانٍ وثلاثين سنةً وأراد أن يعوّض عن الوقت الضائع. هذا ما يفعله الناس عندما يخلّصهم يسوع. "هَا أَنْتَ قَدْ بَرِئْتَ فلاَ تُخْطِئْ أَيْضاً لِئَلاَّ يَكُونَ لَكَ أَشَرُّ". من الجلي أن مرض ذلك الإنسان كان نتيجة الخطيئة. فحذّره يسوع من مغبّة ارتكاب الخطيئة فيما بعد. لقد كان هذا تحذيراً في حينه. قد نتطهر من إثم الخطية، ولكن هناك تبعات رهيبة مؤقتة لخطايا معينة تتبع المرء طوال حياته رغم حصول المرء على المغفرة.

ها هو الرجل قد عرف من شفاه وأعتقه. "فَمَضَى الإِنْسَانُ وَأَخْبَرَ الْيَهُودَ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الَّذِي أَبْرَأَهُ". لعلكم تتوقعون أنهم كانوا سيذهبون إليه ويشكرونه على عمل اقتداره هذا، إلا أنهم عوضاً عن ذلك قادتهم قلوبُهم الناموسية القاسية الباردة لأن يسلكوا بطريقة مخالفة تماماً، ونقرأ: "لِهَذَا كَانَ الْيَهُودُ يَطْرُدُونَ يَسُوعَ وَيَطْلُبُونَ أَنْ يَقْتُلُوهُ لأَنَّهُ عَمِلَ هَذَا فِي سَبْتٍ". وبدلاً من الاعتراف بحقيقة أنهم في ذلك اليوم، من بين كل الأيام، كانوا ليترقبوا عمل الله، نجدهم ينتقدون يسوع. ما كانوا ليفهموا أو يقبلوا في قلوبهم أن الرحمة والنعمة يمكن أن تسد حاجة خاطئ بائس. فلنحذر إذاً لئلا نسقط نحن أيضاً تحت سطوة روح الناموسية ذاتها.