الخطاب ٢٠

تناول جسد المسيح وشرب دمه

"فَكَانَ الْيَهُودُ يَتَذَمَّرُونَ عَلَيْهِ لأَنَّهُ قَالَ: «أَنَا هُوَ الْخُبْزُ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ». وَقَالُوا: «أَلَيْسَ هَذَا هُوَ يَسُوعَ بْنَ يُوسُفَ الَّذِي نَحْنُ عَارِفُونَ بِأَبِيهِ وَأُمِّهِ. فَكَيْفَ يَقُولُ هَذَا: إِنِّي نَزَلْتُ مِنَ السَّمَاءِ؟» فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «لاَ تَتَذَمَّرُوا فِيمَا بَيْنَكُمْ. لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُقْبِلَ إِلَيَّ إِنْ لَمْ يَجْتَذِبْهُ الآبُ الَّذِي أَرْسَلَنِي وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ. إِنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي الأَنْبِيَاءِ: وَيَكُونُ الْجَمِيعُ مُتَعَلِّمِينَ مِنَ اللَّهِ. فَكُلُّ مَنْ سَمِعَ مِنَ الآبِ وَتَعَلَّمَ يُقْبِلُ إِلَيَّ. لَيْسَ أَنَّ أَحَداً رَأَى الآبَ إِلاَّ الَّذِي مِنَ اللَّهِ. هَذَا قَدْ رَأَى الآبَ. اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ. أَنَا هُوَ خُبْزُ الْحَيَاةِ. آبَاؤُكُمْ أَكَلُوا الْمَنَّ فِي الْبَرِّيَّةِ وَمَاتُوا. هَذَا هُوَ الْخُبْزُ النَّازِلُ مِنَ السَّمَاءِ لِكَيْ يَأْكُلَ مِنْهُ الإِنْسَانُ وَلاَ يَمُوتَ. أَنَا هُوَ الْخُبْزُ الْحَيُّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ. إِنْ أَكَلَ أَحَدٌ مِنْ هَذَا الْخُبْزِ يَحْيَا إِلَى الأَبَدِ. وَالْخُبْزُ الَّذِي أَنَا أُعْطِي هُوَ جَسَدِي الَّذِي أَبْذُلُهُ مِنْ أَجْلِ حَيَاةِ الْعَالَمِ». فَخَاصَمَ الْيَهُودُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً قَائِلِينَ: «كَيْفَ يَقْدِرُ هَذَا أَنْ يُعْطِيَنَا جَسَدَهُ لِنَأْكُلَ؟» فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «ﭐلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَأْكُلُوا جَسَدَ ابْنِ الإِنْسَانِ وَتَشْرَبُوا دَمَهُ فَلَيْسَ لَكُمْ حَيَاةٌ فِيكُمْ. مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِي وَيَشْرَبُ دَمِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ لأَنَّ جَسَدِي مَأْكَلٌ حَقٌّ وَدَمِي مَشْرَبٌ حَقٌّ. مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي يَثْبُتْ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ" (يوحنا ٦: ٤١- ٥٦).

إنهُ مبدأٌ لافتٌ للانتباه جداً يتعلق بطرق تعامل ربِّنا يسوع المسيح مع البشر، وهو أنه إذا ما أتت النفس إليه، وكانت صادقة وجديّة وتسعى لمعرفة الحق، فإنهُ يتعهدُ بجعل تلكَ الحقيقة بسيطة وممكنة الفهم حتى بالنسبة للإنسان العادي. من جهةٍ أخرى، إن كان المخلِّص قد شرحَ حقيقةً وكانت صعبةَ الفهم على الفكر الطبيعي، والناسُ بدل إدراكهم لحاجتهم ومجيئهم إليه طالبينَ تفسيراً مظهرينَ موقفَ جحودٍ وغطرسةٍ، فإنهُ دائماً يجعل الحقيقة أكثر صعوبةً بدلاً من تبسيطها. بمعنى آخر، إن كان الناس لن يفهموا حقيقة الله عندما تُقدّم إليهم بل يختارون عن عمد أن يتبعوا طريق الخطأ، فإنه ستُعمى بصيرتهم عن إدراك الحقيقة نفسها. هذا المبدأ يسودُ في كل أرجاء الكتاب المقدس. هل تذكرونَ كيف أن فرعون قد صممَ على أن يعصى إرادة الله. إننا نقرأ أن الله قد قسّى قلب فرعون. لقد ثبَّت موقف الملك المتغطرس في شرهِ نفسه. وفيما بعد، وعندما اختارَ شعبُ إسرائيل طريق العصيان، قالَ الله: "سأَخْتَارُ مَصَائِبَهُمْ" (أش ٦٦: ٤). عندما ننظر إلى المستقبل إلى ذلك اليوم عندما ضد المسيح، عدو الله والإنسان الفاسد الشرير الأخير ذاك، عندما يبزغ ضد المسيح هذا، يُخبرنا الكتاب أنَّ الناسَ في ذلك الوقت سوف لن يقبلوا محبة الحقيقة فيَخلصوا، ولذلك فإن الله سيرسلُ لهم مصيبةً شديدة.

هناك أمرٌ جديٌّ وفي غاية الخطورة هنا. هناكَ مسؤوليةٌ جسيمة توضعُ على عاتق الرجل والمرأة الذي تُعلن لهم حقيقةُ الله. تلكَ الحقيقة تُعطى لنا لنؤمن بها. وهي ليست شيئاً يمكننا أن نتلاعبَ به على نحو ماكرٍ أو مخادع. إننا مدعوون لنقبلها. "اشترِ الحقيقة ولا تَبعها"، يقول كاتب سفر الأمثال. إن كان بينكم اليوم من لم يفتح قلبهُ للإنجيل ولم يقتبل المخلِّص، فلا تتخيلوا أنه أمرٌ بسيطٌ أن تُشيحَ وجهك عن الحق أو تنحرفَ عنه. لا تحاولوا أن تُقنعوا أنفسكم أنكم في يومٍ آخر ما ستعملونَ الصواب. "هُوَذَا الآنَ وَقْتٌ مَقْبُولٌ. هُوَذَا الآنَ يَوْمُ خَلاَصٍ" (٢ كور ٢: ٦). هل تتخيلون أنَّ الأمور ستكون على ما يرام تماماً إن انتظرتم لاتخاذ قراركم في أن تأتوا إلى الله عندما تكونون مستعدين؟ عندما يأتي يومكم، قد تجدونَ أن الله قد انسحبَ. وعندما تأتونَ في نهاية الأمر لتقرعوا على الباب، ربما ستجدون أنه قد أُغلقَ وتسمعون صوتاً يقول: "اذْهَبْ عَنِّي. إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكَ قَطُّ!".

قال كاوبر:

"اسمعوا الناموس العادل، الدينونة من السموات:
من يبغض الحق مغفلٌ كاذب؛
ومن سينخدع إلى المنتهى،
ستصيبه البلايا بقوة كالجحيم".

إني لأرجوكم جميعاً، أن تعززوا كل دليل على أن الروح القدس يعمل في قلوبكم وضميركم. اشكروه على فرصة سماع الإنجيل. فقد كَتَبَ: "اسمعوا فتحيا قلوبُكم".

لقد رأينا في دراستنا لهذا الأصحاح السادس من إنجيل يوحنا أن يسوع كان يتعامل مع مجموعة من الناس الأنانيين. ما كانوا مهتمّينَ بالروحانيات. ولذلكَ فبدلاً من أن يشرحَ الأمور بطريقةٍ تجعلهم يفهمونَ بسهولة، وعندما أدركَ أنهم كانوا غير مبالين أو مهتمين حول فهمه، يبدو أنه جعل الأمور صعبةً أكثر فأكثر على الفكر الطبيعي لكي يستوعبها.

لقد تذمّرَ اليهود (الآية ٤١). وراحَ كلّ منهم يحدّث الآخر بدلاً من أن يأتوا إلى الرب يسوع، ويقولوا: "يا معلم، إننا جهلة، وعقولنا مظلمة. إننا لا نفهم، ولكننا نتطلعُ إلى الفهم. نحنُ لا نعرفُ ما تقصد، ولكننا نريد أن نعرف. فيا معلم، أشفق على جهلنا وأنرِنا". لقد تذمّروا وَقَالُوا: "أَلَيْسَ هَذَا هُوَ يَسُوعَ بْنَ يُوسُفَ الَّذِي نَحْنُ عَارِفُونَ بِأَبِيهِ وَأُمِّهِ؟". لا. لم يكن هو من يظنون. لقد كان ابن مريم، ولكن ليس له أب بشري. لقد عرفوه كابنٍ ليوسف في الناصرة، ولذلك قالوا: "أليس هو ابن قريتنا؟ ما قصده بقوله أنه نازلٌ من السماء؟" لم يوجهوا أسئلتهم ليسوع، ولكنه سمع تذمّرهم لأنه كان يعرف ما في قلب الإنسان. "فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «لاَ تَتَذَمَّرُوا فِيمَا بَيْنَكُمْ. لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُقْبِلَ إِلَيَّ إِنْ لَمْ يَجْتَذِبْهُ الآبُ الَّذِي أَرْسَلَنِي وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ". نعم. لكأنه كان يشيح عنهم متعمداً، قائلاً: "لستم الشعبَ الذي أتيتُ من أجله. ليس لدي رسالة أنقلها لكم. ما من أحد يمكن أن يأتي إليَّ إلا من اجتذبه الآب، وهو لا يجتذبكم أنتم". كان قد قال قبل قليل: "كُلُّ مَا يُعْطِينِي الآبُ فَإِلَيَّ يُقْبِلُ". ولكنهم لم يأتوا إليه، وإذاً لم يكونوا من أولئك الذي يجتذبهم الآب.

أصْغِ إليَّ يا صديقي: أ أنت مهتمٌ أن تعرف إن كنتَ أحد أولئك المجتَذَبين من قِبَلِ الله الآب؟ يمكنك معرفة ذلك بكل سهولة. هل أتيتَ إلى يسوع؟ هل ترغب أن تُقبل إليه؟ إن كان في قلبك رغبة ولو صغيرة في المجيء إليه، فإن الآب هو الذي يجتذبك إلى ابنه. فلنسلط الضوء على ما يعمله الروح القدس، وبدل مقاومة مناشدته، سلِّم له في الحال. أذعنْ له وقُلْ: "أيها الرب المبارَك، هناك أمور كثيرة لا أفهمها، ولكني أطلب الاستنارة منك. فأوضح لي الأمور الغامضة المعتمة، وأعطني أن أعرف أني قد وُلِدتُ ثانيةً في يسوع المسيح، وأني سأخلص إلى الأبد". يمكنك أن تتكل على ذلك، وسوف لن تُتْرَكَ في الظلمة والحيرة. "إِنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي الأَنْبِيَاءِ: وَيَكُونُ الْجَمِيعُ مُتَعَلِّمِينَ مِنَ اللَّهِ. فَكُلُّ مَنْ سَمِعَ مِنَ الآبِ وَتَعَلَّمَ يُقْبِلُ إِلَيَّ". فهل سمعْتَ؟ وهل تعلّمْتَ من الآب؟ ما الدرس الذي يعلّمه الآب؟ إنه يسعى ليحتل قلوب الناس بالتدبير الكريم الذي عمله بعطية ابنه المبارك.

لقد أرسلَ الآب ابنهُ ليكونَ مخلِّصاً للعالم. وفي محبته اللا متناهية أرسلهُ إلى العالم، لكي نحيا به. اسمعوا، إذاً، كأبناء صغار صوتَ الآب. دعوهُ يكونُ معلِّّماً لكم. دعوه يعلّمكم ويكشفُ لكم بكلمته غنى نعمته كما تبدت من خلال ابنه المبارك. وهكذا ستتعلمون عن الله وتعرفون أنكم محسوبينَ بين أولئك الذين سوِّيت مسألةُ خطاياهم إلى الأبد. ليسَ الأمرُ أنكم ستكونون قادرين على رؤية الآب بأعينكم الطبيعية، ولكن بعين القلب. الشخص الوحيد الذي رأى الآب حقاً هو مخلِّصنا المبارك نفسه، فهو يقول: "لَيْسَ أَنَّ أَحَداً رَأَى الآبَ إِلاَّ الَّذِي مِنَ اللَّهِ. هَذَا قَدْ رَأَى الآبَ" (يوحنا ٦: ٤٦). ولكن، رغم أني وإياك لا نستطيع أن نراه، إلا أنه يمكننا أن نؤمن بكلمته. إننا نسمع رسالته، ونقبلها بالإيمان وننال حياة أبدية. ولهذا يقول يسوع: "اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ". لتكن هذه نهاية لكل جدل. ليكن هذا جواباً على تساؤلات كل حائر. أنى لي أن أعرف أني ابنٌ لله، وأني مقبولٌ عنده، وأن خطاياي مغفورة، وأن لي حياة أبدية؟ "آمِنْ بِالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَتَخْلُصَ" (أع ١٦: ٣١). "مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ".

لقد سمعتُ أيرا دي. سانكي يخبر عن مدى قلقه لأيام وشهور حول يقين الخلاص، وكيف كان يسعى وراء دليل داخلي يجعله يعرف أنه نال الحياة الأبدية، وكيف أنه قد حضر اجتماعاً واقتِيد لا شعورياً إلى فتح الكتاب المقدس على هذا الأصحاح السادس من إنجيل يوحنا فوقعت عيناه على الآية ٤٧ هذه، وفهمها للتو في داخله بمعنى جديد على نحو غريب. "مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ". أخبرنا السيد سانكي كيف رأى تلك الآية، في تلك الليلة في اجتماعه في سان فرنسيسكو، في لحظة، فرفع بصره وقال: "أنا أومن يا رب. وإن لي جرأة على أن أصدّق كلمتك". وكانت تلك بداية تلك الخدمة العظيمة من الترنم بالإنجيل لمئات وآلاف الناس ناقلاً البشرى السارة بالخلاص الكامل والمجاني.

"مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ". لا تفصلوا بين كلمة "يؤمن بي" و"له حياة أبدية". لا تقولوا "من يؤمن يرجو أن تكون له الحياة الأبدية"، بل "مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ". آمنوا بكلمة الله. يقول يسوع: "أنا"، "أَنَا خُبْزُ الْحَيَاةِ". "أَنَا هُوَ خُبْزُ الْحَيَاةِ. آبَاؤُكُمْ أَكَلُوا الْمَنَّ فِي الْبَرِّيَّةِ وَمَاتُوا". إنه يقول: "بلى. لقد أكل آباؤكم من ذلك الخبز في البرية التي تتوقون إليها، ولكنهم ماتوا. أنا هو الخبز النازل من السماء ليأكله الإنسان فلا يموت". "أنا هو الخبز الحي". ليس فقط أني "جئتُ لأعطيكم الخبز الحي"، بل "أَنَا هُوَ خُبْزُ الْحَيَاةِ. وعليكم اقتبالي بالإيمان. وعلى النفس أن تتغذى بي كما أن الجسد يتغذى بالخبز الطبيعي لكيما تبقوا أحياء". "أَنَا هُوَ الْخُبْزُ الْحَيُّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ. إِنْ أَكَلَ أَحَدٌ مِنْ هَذَا الْخُبْزِ يَحْيَا إِلَى الأَبَدِ. وَالْخُبْزُ الَّذِي أَنَا أُعْطِي هُوَ جَسَدِي الَّذِي أَبْذُلُهُ مِنْ أَجْلِ حَيَاةِ الْعَالَمِ". إنه ينظر متطلعاً إلى الصليب. فما هي إلا برهة ويمضي إلى ذلك الصليب. وهناك يجب أن يُقدّمَ قرباناً على أنه ذبيحة الخطية العظيمة. لقد كانت الأضحية في العهد القديم تُدعى طَعَام وَقُود المذبح، فيقول: "هناك سأموت، وبذلك أبذل ذاتي، فيصبح جسدي خبزاً للنفوس التي تتضور جوعاً فيتناولونه ويتغذون به ويحيون إلى الأبد". "مَنْ لَهُ الاِبْنُ فَلَهُ الْحَيَاةُ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ ابْنُ اللهِ فَلَيْسَتْ لَهُ الْحَيَاةُ" (١ يوحنا ٥: ١٢). وهكذا، يا أصدقائي الأعزاء، فالسؤال الهام المطروح على كل منا هو: "هل اقتبلْتُ المسيح بلا ريب؟" عندما نتناول خبزنا الطبيعي يصبح جزءاً منا ويعطينا قوة وحياة جديدة. وعلى نفس المنوال عندما نتناول خبز الله، عندما نقتبل الرب يسوع المسيح بالإيمان وتركن قلوبنا إلى العمل الذي صنعه لأجلنا على الصليب، فإننا نكتسب قوة وحياة جديدتين.

"«أَنَا هُوَ الْخُبْزُ الْحَيُّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ. إِنْ أَكَلَ أَحَدٌ مِنْ هَذَا الْخُبْزِ يَحْيَا إِلَى الأَبَدِ. وَالْخُبْزُ الَّذِي أَنَا أُعْطِي هُوَ جَسَدِي الَّذِي أَبْذُلُهُ مِنْ أَجْلِ حَيَاةِ الْعَالَمِ». فَخَاصَمَ الْيَهُودُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً قَائِلِينَ: «كَيْفَ يَقْدِرُ هَذَا أَنْ يُعْطِيَنَا جَسَدَهُ لِنَأْكُلَ؟»". لقد بدوا عاجزين على الارتفاع إلى أعلى مما هو طبيعي. لقد كانت كلمات ربنا في غاية الوضوح. كل خاطئ يأتي إلى الله تائباً لن يجد صعوبة في فهم ذلك. ولكن الناموسيين الهازئين قالوا: "كَيْفَ يُعْطِيَنَا جَسَدَهُ لِنَأْكُلَ؟ هذا أمر مبهم غامض. أنى لإنسان أن يعطينا جسده لنأكله؟" وهكذا بدا الرب يسوع وكأنه يقول: "حسناً. إن كنتم ترفضون أن تصدقوني، إن كنتم تأبون أن تأتوا إليّ، فسأخبركم أمراً أكبر صعوبة للفهم". إن كان البشر لن يفهموا ما قاله للتو، فعندها فسوف يخبرهم بشيء آخر يصعب عليهم أكثر أن يفهموه.

ولذلك قال: "«ﭐلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَأْكُلُوا جَسَدَ ابْنِ الإِنْسَانِ وَتَشْرَبُوا دَمَهُ فَلَيْسَ لَكُمْ حَيَاةٌ فِيكُمْ. مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِي وَيَشْرَبُ دَمِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ لأَنَّ جَسَدِي مَأْكَلٌ حَقٌّ وَدَمِي مَشْرَبٌ حَقٌّ. مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي يَثْبُتْ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ". يا لها من عبارات مفاجئة! وكم يصعب على الإسرائيلي غير المؤمن أن يفهمها! ما الذي قصده بقوله "يَأْكُلُ جَسَدِي وَيَشْرَبُ دَمِي"؟ بالطبع لا يمكن أخذ هذه الكلمات حرفياً. فهو لم يقصد أن عليهم أن يتناولوا جسده ودمه الحقيقيين. بحسب الناموس كان يُمنَع على بني إسرائيل أن يأكلوا دماً بأي شكل وأي طريقة. كل نوع من اللحم يأكلونه كان يجب أن يكون خالياً من أي قطرة دم. ومع ذلك يتحدث يسوع عن تناول دمه، ولذهولهم الشديد، يتحدث عن تناول دمه بالذات- دم إنسان. إلا أنه لم يقصد ذلك حرفياً. لقد حثّهم لكي يروا جهلهم وحاجتهم إلى الاستنارة. ظاهرياً لم يكن لكلماته هكذا تأثير. لم يقصد أن يقول أنه كان سيقدم جسده ودمه بسر غامض ما. أعرف أن كثيرين يفترضون أنه كان يشير إلى العشاء الرباني، الذي يتم فيه، بعد الصلاة التي يرفعها الكاهن الذي يرئس القداس، تحوّل أسراري ما على الخبز والخمر المقدمين، فيشترك الناس في تناولهما وكأنهم يتناولون جسد ودم يسوع فعلياً. ولكن دعوني أقول ما يلي: لقد اشترك ملايين الناس في ما يسمى "عشاء الرب" أو "سر القربان المقدس" أو "المناولة" أو "الذبيحة الإلهية"- تسميات مختلفة- ملايين من الناس اشتركوا فيه ولكن دون أن ينالوا به الحياة (الأبدية). ولم يقدموا أي دليل على حصولهم على الحياة الأبدية من خلال هذه المشاركة. فيمكنهم الاشتراك به صباح الأحد بينما يعيشون في الخطية بعد ظهر يوم الأحد. ليس من دليل على الإطلاق على أنهم وُلِدوا من جديد. إن الأسرار لا تعطي الحياة. بل ودعوني أقول أيضاً: ما من أحد البتة أكل جسد يسوع المسيح وشرب دمه دون أن ينال الحياة. لقد وعد بذلك، ووعده صادقٌ. فكلمته ما برحت تتحقق طوال كل العصور.

ما الذي عناه بكلامه ذاك؟ خلال عصر الكنيسة بمجمله أرانا الرب يسوع أن تناول خبز الحياة يعني اقتباله بالإيمان. إنه يعني بالمضمون اقتبال ما يكشفه الكتاب المقدس فيما يتعلق بذبيحة ربنا يسوع المسيح على صليب الجلجثة، في أنه على عود الصليب ذاك قد بُذِلَ جسدُه الثمين من أجلنا وسُفِكَ دمُه لفدائنا. عندما ندرك أن دمه الثمين قد أُريقَ على الصليب كفارةً عن خطايانا، فعندها نأكل جسده ونشرب دمه. وصحيح عملياً أنه في حفظنا للعشاء الرباني فإننا نستحضر إلى أذهاننا من جديد الجلجثة ونتذكر ثانيةً ثمن الفداء. لعله يجب علينا أن ندرك العلاقة بين الشركة وهذه الحقيقة الثمينة. ولكن حذار أن تخلطوا بين الرمز والحقيقة. إذ نتغذى بالإيمان على جسد ودم الرب يسوع المسيح، فإننا نفقد أية شهية إلى ما هو غير مقدس. ذاك الجسد والدم الثمينان أنفسهما سيكونان طعاماً وشراباً لنا طوال الأيام، وعندما نصل إلى المجد العتيد سنبقى منشغلين بيسوع، الحمل الذي ذُبح. "الَّذِي أَحَبَّنَا، وَقَدْ غَسَّلَنَا مِنْ خَطَايَانَا بِدَمِهِ، وَجَعَلَنَا مُلُوكاً وَكَهَنَةً لِلَّهِ أَبِيهِ، لَهُ الْمَجْدُ وَالسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. آمِينَ." (رؤيا ١: ٥، ٦).