الخطاب ٤٦

الآب متجلياً في الابن

"«لَوْ كُنْتُمْ قَدْ عَرَفْتُمُونِي لَعَرَفْتُمْ أَبِي أَيْضاً. وَمِنَ الآنَ تَعْرِفُونَهُ وَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ». قَالَ لَهُ فِيلُبُّسُ: «يَا سَيِّدُ أَرِنَا الآبَ وَكَفَانَا». قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَنَا مَعَكُمْ زَمَاناً هَذِهِ مُدَّتُهُ وَلَمْ تَعْرِفْنِي يَا فِيلُبُّسُ! اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ فَكَيْفَ تَقُولُ أَنْتَ أَرِنَا الآبَ؟ أَلَسْتَ تُؤْمِنُ أَنِّي أَنَا فِي الآبِ وَالآبَ فِيَّ؟ الْكلاَمُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ لَسْتُ أَتَكَلَّمُ بِهِ مِنْ نَفْسِي لَكِنَّ الآبَ الْحَالَّ فِيَّ هُوَ يَعْمَلُ الأَعْمَالَ. صَدِّقُونِي أَنِّي فِي الآبِ وَالآبَ فِيَّ وَإِلاَّ فَصَدِّقُونِي لِسَبَبِ الأَعْمَالِ نَفْسِهَا. اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَالأَعْمَالُ الَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا يَعْمَلُهَا هُوَ أَيْضاً وَيَعْمَلُ أَعْظَمَ مِنْهَا لأَنِّي مَاضٍ إِلَى أَبِي. وَمَهْمَا سَأَلْتُمْ بِاسْمِي فَذَلِكَ أَفْعَلُهُ لِيَتَمَجَّدَ الآبُ بِالاِبْنِ. إِنْ سَأَلْتُمْ شَيْئاً بِاسْمِي فَإِنِّي أَفْعَلُهُ" (يوحنا ١٤: ٧- ١٤).

هناك سبعة أشياء يوحي بها هذا الجزء، وأوله هو: الآب لا يمكن معرفته إلا من خلال الابن. لاحظوا الآية السابعة: "«لَوْ كُنْتُمْ قَدْ عَرَفْتُمُونِي لَعَرَفْتُمْ أَبِي أَيْضاً. وَمِنَ الآنَ تَعْرِفُونَهُ وَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ»". إنه أمر حقيقي تماماً أن الله يمكن معرفته من خلال الخليقة. يقال لنا ذلك في الأصحاح الأول من الرسالة إلى أهل رومية. هناك نقرأ: "لأَنَّ مُنْذُ خَلْقِ الْعَالَمِ تُرَى أُمُورُهُ غَيْرُ الْمَنْظُورَةِ وَقُدْرَتُهُ السَّرْمَدِيَّةُ وَلاَهُوتُهُ مُدْرَكَةً بِالْمَصْنُوعَاتِ حَتَّى إِنَّهُمْ بِلاَ عُذْرٍ" (رومية ١: ٢٠). وهكذا فإن الناس الذين ينكرون الله، الذين يرفضون أن يؤمنوا بالله، الذين يعيشون وكأنه ليس من إله، هم بلا عذر. غالباً ما نواجه هذا السؤال: "هل سيدين الله الوثنيين البؤساء لأنهم لم يعرفوا الإنجيل؟" كلا. ولكنه سيديننا لأنهم لم يسمعوا بشرى الإنجيل. إننا مسؤولون عن إيصالها إليهم. لقد كنا أنانيين وقانعين بأن نستمتع بطبق الطعام الشهي لوحدنا. لم نلقِ انتباهاً كبيراً إلى وصية الرب أن: "اذهبوا إلى العالم أجمع". لقد راوغنا كثيراً حول إذا ما كانت الوصية تخص الدهر التدبيري الحالي أو دهراً آخر، وادعينا أن لدينا الكثير من النور والمعرفة، وهكذا قبعنا في البيت وتركنا الوثنيين يموتون في خطاياهم. سيتوجب علينا أن نجيب الله على ذلك يوماً ما. الوثنيون ضالون هالكون، ولذلك فهم بحاجة إلى مخلص. "ابْنَ الإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ" (متى ١٨: ١١). لو لم يكن الوثنيون هالكون لما احتاجوا إلى مخلص، ولكنهم هالكون لأنهم لم يريدوا أن يبقوا الله في معرفتهم. إنهم مدانون من قِبل ضمائرهم الخاصة بسبب الخطايا المذنبين بها. سوف لن يُحاسَبوا على خطيئة رفضهم المسيح الذي لم يسمعوا به أبداً، بل على الخطايا التي ارتكبوها بالفعل. إذ نظروا إلى السماء لا بد أنهم عرفوا أن هناك إله. وإذ يرون الأمور الرائعة التي أعدها للإنسان، وإذ يفكرون بأجسادهم ذاتها وكل الوظائف العجيبة فيها لا يمكنهم إلا أن يدركوا إلى أن هنواك خالق لكل البشر هو مسؤول عن كل ذلك. وكذلك قدرته السرمدية وألوهيته يُعرفان من خلال الخليقة. "اَلسَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ اللهِ وَالْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ" (المزمور ١٩: ١). ولكن أبوة الله أمكن فقط إعلانها بالرب يسوع المسيح. الطبيعة تقول لي أن هناك إله، وأنه لا بد أن يكون لا متناهياً في الحكمة والقدرة، ولكنها لا تقول لي أن له قلب أب. لن أعرف ذلك سوى من خلال الوحي الذي أعطاه بابنه المبارك كم نحن جاهلون بذلك الوحي أو الإعلان أحياناً.

أذكر سيدة كنت أتحدث إليها في إحدى المرات، وإن كان هناك إنسان على الأرض ينبغي أن يشكر الله على الإعلان المسيحي، فهم أولئك النساء في العالم، إذ كثر ما تغيرت حالتهم في كل أصقاع الأرض حيث عُرِف الإنجيل. إلا أن هذه السيدة رفعت رأسها إلى الوراء وقالت: "أنا لست مهتمة بالإنجيل. أنا لم أقرأ الكتاب المقدس أبداً. يكفيني أن أعرف أن الله محبة". فقلت: "أتعرفين ذلك؟" فقالت: "نعم بالتأكيد". "أتعرفين حقاً أن الله محبة؟" "بالطبع أعرف". "حسناً، اعذريني يا سيدتي، ولكن كيف اكتشفتِ ذلك؟" "ما هذا السؤال؟ الجميع يعرف أن الله محبة". في الحقيقة، ليس الجميع يعرفون ذلك. إنهم لا يعرفون ذلك في الهند، وفي إفريقيا، وفي الأراضي التي لم تصل لها بشرى الإنجيل. لم يعرفوا ذلك في جزر البحر في عصر آكلي لحوم البشر. ما من أحد عرف ذلك إلى أن جاء يسوع ليكشف قلب الله للمحتاجين. والروح القدس هو الذي أخبرنا أن الله محبة، والدليل الذي أعطانا إياه على ذلك كان: "فِي هَذَا هِيَ الْمَحَبَّةُ: لَيْسَ أَنَّنَا نَحْنُ أَحْبَبْنَا اللهَ، بَلْ أَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا، وَأَرْسَلَ ابْنَهُ كَفَّارَةً لِخَطَايَانَا"(١ يوحنا ٤: ١٠). آهٍ، كم أن الله عظيم، وكم هو قوي، وكم هو حكيم. ربما نكون قد عرفنا أو فهمنا من خلال الخيرات الوافرة التي جعلها لأجل مخلوقاته أنه صالح. ولكن ما كنا لنعرف أنه محبة لو لم يأتِ يسوع ليكشف لنا الآب. "وَﭐلْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ مَجْداً كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ مَمْلُوءاً نِعْمَةً وَحَقّاً". وأكرر قائلاً، ما كنا لنعرف أبوة الله لولا الإعلان المعطى لنا بربنا يسوع المسيح.

ثم بالدرجة الثانية أود أن أذكركم بهذا أن المسيح هو التعبير الدقيق الكامل عن الآب. هل تقولون في أنفسكم أحياناً: "آهٍ، ليتني أفهم الله بشكل أفضل أود لو عرفت كيف ينظر الله الآب إلى الأشياء، وكيف يشعر بخصوص الأشياء، وما موقفه نحو البشر عموماً، وشعبه خصوصاً". حسناً، كل ما تحتاجون إليه هو أن تقرأوا الأناجيل الأربعة وتعرفوا الرب يسوع المسيح أكثر، لأنه جعل الآب معروفاً بكامل امتلائه.

أحبُّ كثيراً تلك الآيات التي تُستهل بها الرسالة إلى العبرانيين: "اَللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيماً، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُقٍ كَثِيرَةٍ، كَلَّمَنَا فِي هَذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ - الَّذِي جَعَلَهُ وَارِثاً لِكُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي بِهِ أَيْضاً عَمِلَ الْعَالَمِينَ. الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ، بَعْدَ مَا صَنَعَ بِنَفْسِهِ تَطْهِيراً لِخَطَايَانَا، جَلَسَ فِي يَمِينِ الْعَظَمَةِ فِي الأَعَالِي" (عبرانيين ١: ١- ٣). هذه الكلمات "رَسْمُ جَوْهَرِهِ" يمكن ترجمتها بشكل آخر: "التعبير الدقيق عن شخصيته".

إنه يتحدث عن يسوع الذي هو التعبير عن شخصية الآب ولذلك فإن كنت تريد أن تعرف ما هو الله الآب، تعرف إلى الرب يسوع المسيح على نحو أفضل. كلما عرفته أكثر، كلما عرفت الآب أكثر. كل ما في شخصية المسيح يعكس ما في قلب الله؛ حبه للقداسة، ابتهاجه بالبر، اهتمامه بالبشر- حتى أولئك الناس الغير مهتدين- وحنوه الشديد العميق نحو خاصته كما تبدى واضحاً من خلال محبته لجماعة التلاميذ الصغيرة تلك الذين سار معهم لثلاث سنوات، والذين نقرأ عنهم أن: "إِذْ كَانَ قَدْ أَحَبَّ خَاصَّتَهُ الَّذِينَ فِي الْعَالَمِ أَحَبَّهُمْ إِلَى الْمُنْتَهَى". اهتمامه الحلو الثمين بالأولاد الصغار، ومحبته للشبيبة، لكي يُسَروا بالمجيء إليه ويجلسوا على ركبته. لقد أخذهم بين ذراعيه ووضع يديه عليهم في البركة. كل هذا يدلنا على محبة الله الآب للأطفال.

من جهة أخرى، ازدراء يسوع بالخطايا مثل الرياء والخداع وعدم الطاعة، الخ، يعبر عن احتقار الله الآب نفسه لكل ما هو كذب وكل ما هو شر. ومن ثم نرى غضب يسوع الممجد. لعلكم تقولون: "لا أود أن أفكر بأن يسوع قد غضب يوماً ما". هناك أناس يصرون على أننا يجب لا نغضب من أي شيء. ولكن الكتاب المقدس يقول: "اغضبوا ولا تخطئوا". فكروا في غضب يسوع عندما وقف في الهيكل بعينين محتاجتين وقال: "مَكْتُوبٌ: بَيْتِي بَيْتَ الصَّلاَةِ يُدْعَى. وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ!»" (متى ٢١: ١٣). وتذكروا في ذلك اليوم في المجمع في كفرناحوم عندما جاءت تلك المرأة الفقيرة البائسة المحنية الظهر للغاية. كان الكتبة والفريسيون يراقبون. كانوا يقولون: "هَلْ يَشْفِيهِا فِي السَّبْتِ؟ فَقَالَ يسوع: «هَلْ يَحِلُّ فِي السَّبْتِ فِعْلُ الْخَيْرِ أَوْ فِعْلُ الشَّرِّ؟ تَخْلِيصُ نَفْسٍ أَوْ قَتْلٌ؟»" ونظر حوله غاضباً وسألهم: "«مَنْ مِنْكُمْ يَسْقُطُ حِمَارُهُ أَوْ ثَوْرُهُ فِي بِئْرٍ وَلاَ يَنْشِلُهُ حَالاً فِي يَوْمِ السَّبْتِ؟»" وأردف قائلاً: "وَهَذِهِ وَهِيَ ابْنَةُ إِبْرَهِيمَ قَدْ رَبَطَهَا الشَّيْطَانُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً أَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تُحَلَّ مِنْ هَذَا الرِّبَاطِ فِي يَوْمِ السَّبْتِ؟»" يا له من سخط مقدس! يا له من غضب مجيد! وغضب يسوع هو غضب الله. كيف نخاف غضب الله ولا نحب أن نفكر بأن ربنا يسوع المسيح قد يغضب؟ يأتي وقت سيهرب منه البشر إلى الصخور والجبال ويستصرخون الصخور والتلال: "اُسْقُطِي عَلَيْنَا وَأَخْفِينَا عَنْ وَجْهِ الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ وَعَنْ غَضَبِ الْحَمَلِ" (رؤيا ٦: ١٦)- غضب الرب يسوع المسيح. نعم إن غضب الحمل على البشر الذين ازدروا بنعمته ورفضوا رحمته قد أبطل كل فرصة للخلاص. أكرر، إن غضب يسوع هو غضب الله. إن أردت أن تعرف الله تعرف على يسوع.

جاء فيلبس إليه وقال: "أرنا الآب، وكفى". كما ترون كان أمراً جديداً لفيلبس. لقد تكلم يسوع بهدوء وبمعرفة كاملة بالآب. فيقول فيلبس: "ما الذي تقصده يا رب؟ أرنا الأب وحسبنا ذلك". وقال يسوع: "أَنَا مَعَكُمْ زَمَاناً هَذِهِ مُدَّتُهُ وَلَمْ تَعْرِفْنِي يَا فِيلُبُّسُ! اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ". أي كما ترون، شخصية الآب تبدت بشكل كامل في يسوع.

ولكن هذا يشتمل على الأمر الثالث الذي أريد أن أركز عليه، ألا وهو وحدة الآب والابن. وحدة الآب والابن لا تشتمل على فكرة أن الآب والابن كانا نفس الأقنوم تماماً. لقد كانا أقنومين، ومع ذلك فهما واحد في وحدة اللاهوت مع الروح القدس- الآب، والابن، والروح القدس. اعتاد جوزيف كوك أن يقول: "الآب بدون الابن والروح القدس لن يكون إلهاً كاملاً. والابن بدون الآب والروح القدس لن يكون إلهاً كاملاً. والروح القدس بدون الآب والابن ليس إلهاً كاملاً. ولكن الآب والابن والروح القدس معاً هم إله واحد في ثلاثة أقانيم مباركة معبودة". ولذلك فإن يسوع كان هنا على الأرض الإنسان، المسيح يسوع، ومع ذلك فقد كان ابن الآب. والآب كان في السماء، وبالطبع كلي الوجود في الكون بأكمله. قال يسوع: "اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ فَكَيْفَ تَقُولُ أَنْتَ أَرِنَا الآبَ؟ أَلَسْتَ تُؤْمِنُ أَنِّي أَنَا فِي الآبِ وَالآبَ فِيَّ؟" الاتحاد بينهما لا ينفصم. "الْكلاَمُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ لَسْتُ أَتَكَلَّمُ بِهِ مِنْ نَفْسِي لَكِنَّ الآبَ الْحَالَّ فِيَّ هُوَ يَعْمَلُ الأَعْمَالَ". كل ما فعله يسوع كإنسان هنا في هذا العالم، فعله في شركة مع الآب. ومن هنا أمكنه أن يقول أن الابن لا يفعل شيئاً من نفسه بل ما يريده الآب منه أن يعمله. فكان من الغير الممكن، لكونه ابن الآب، أن يفعل أي شيء لا يكون في انسجام مع إرادة الآب: أقنومان اثنان ولكن متحدين في الألوهية.

ثم لاحظوا بالدرجة الرابعة أن الأعمال التي عملها يسوع كانت شهادة على حقيقته. الآية ١١ تقول: "صَدِّقُونِي أَنِّي فِي الآبِ وَالآبَ فِيَّ وَإِلاَّ فَصَدِّقُونِي لِسَبَبِ الأَعْمَالِ نَفْسِهَا". لكأنه يتحداهم قائلاً: "إن كنتم غير مستعدين لتصديق إعلان الوحدة مع الآب، وإن كان لا يزال لديكم شكوك في فكركم، فانظروا ما فعلت. هل صنع أي إنسان أي من تلك الأعمال التي قمتُ بها؟ هل استطاع أي إنسان أن ينجز ما أنجزتُ؟ آمنوا إذاً بهذه الأعمال التي عملها الله الآب فيَّ". لو أن إنساناً آخر لمس المجذوم لكان قد تنجس، ولكن عندما لمسه يسوع قال: "اطهر". لم تتنجس يدا الرب يسوع. شفت يداه البرص بدلاً من أن تتنجس بالجذام فيُصاب به. ما من إنسان مجرد كانت لديه القدرة على العاصفة، ولكن يسوع أمكنه أن يُهدئ الريح والأمواج ويقول: "اهدأ، ابكُم". الإنسان يزرع البذار ويحرث الأرض، وفي نهاية المطاف وبرحمة الله، الذي يشرق بشمسه ويُرسل أمطاره عليها فتتفاعل المزروعات معها تحت المرج، تأتي الأرض بالقمح الذي يصنع منه الإنسان خبزه. ولكن يسوع أخذ خمسة أرغفة وبضعة أسماك وبعد ان شكر قدم طعاماً لأكثر من خمسة آلاف إنسان. لماذا فعل هذه الأشياء؟ لمك يفعل ذلك لكي ينظر الناس إليه بذهول أو ليشد انتباههم إلى نفسه، بل لكي يُعلن ما في قلب الله.

ولذلك فإن عجائب يسوع تضعنا أمام تحدٍ. نرى فيها الدليل على أن يسوع هو ابن الآب السرمدي.

ولكنه الآن ماضٍ، وفي الدرجة الخامسة نلاحظ وعداً رائعاً يقطعه لنا وسيحققه في غيابه. نقرأ في الآية ١٢: "اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَالأَعْمَالُ الَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا يَعْمَلُهَا هُوَ أَيْضاً وَيَعْمَلُ أَعْظَمَ مِنْهَا لأَنِّي مَاضٍ إِلَى أَبِي". هناك بعض الناس يقولون أنه يقطع وعداً هنا لم يحققه أبداً. إنهم يقولون أنه ما من إنسان عمل أعمالاً أعظم من تلك المعجزات التي صنعها يسوع. إلا أنه لم يكن يتكلم عن المعجزات. إن عمله الأساسي لم يكن اجتراح الأعاجيب بل الإعلان عن الآب، معرفاً الناس على الآب. عن ذاك كان يتكلم. في ختام خدمته التي استمرت ثلاث سنوات هناك، وعندما غادر هذا العالم، ودع مجموعة مؤلفة من حوالي خمسمئة تلميذ. ولا شك أنه كان هناك بضعة آخرون متفرقون ولكن ليسوا كثيرين. قليلون هم أولئك الذين رأوا فيه إعلان الآب. ولكن لنتابع ما سيجري بعد بضعة أيام- بعد خمسة عشر يوماً. آهٍ، عندها بطرس وبقية الأحد عشر تلميذاً يقفون في يوم العنصرة والأقنوم الثالث من الثالوث القدوس يحل عليهم بقوة ويكونون مستعدين للشهادة له. لقد راحوا يبشرون بمسيح مصلوب ومُقام، وما الذي حدث؟ آمن ثلاثة آلاف إنسان. وعلى الأرجح أن العدد الذي آمن في ذلك اليوم كان أكتر من عدد الذين آمنوا خلال السنين الثلاثة والنصف من رسالة يسوع. إنه لا يتكلم هنا عن المعجزات. لو كان الحديث عن المعجزات، فأيها كان الأعظم؟ بخصوص المعجزات المتعلقة بالجسد، ألم تكن هي تلك المعجزة عندما ذهب إلى ذلك القبر في بيت عنيا ووقف وصرخ: "لعازر هلم خارجاً". فقام ذاك الذي كان مائتاً- الإنسان الذي قالت أخته: "يا سيد، إنه ميت منذ أربعة أيام". كان هذا أعظم عمل قام به يسوع فيما يتعلق بالجسد. هل من أحد عمِل ما هو أعظم من ذلك؟

وما هي أعظم معجزة تتعلق بقدرات الطبيعة؟ هل كانت تحويل الماء إلى خمر أو تكثير الأرغفة والسمكات؟ أوَلمْ تكن إسكات الريح وأمواج البحر؟ ما من أحد آخر أمكنه أن يفعل كل ذلك.

ولكن أعظم عمل قام به على الإطلاق هو أنه أعلن عن الآب. عندما تدرك أن يسوع بتركه لهذا العالم، قد عهد بإنجيله إلى مجموعة صغيرة مؤلفة من إحدى عشر رجلاً لكيما ينقلوه إلى أقاصي الأرض، في ذلك الزمان عندما كان العالم بمجمله ما عدا بضعة قليلة من شعب اسرائيل هالكين ضالين ضائعين في ظلمة الوثنية. ولكن لم تمضِ ثلاثمئة سنة حتى أغلقت المسيحية كل المعابد في الامبراطورية الرومانية الوثنية تقريباً، وبلغ عدد المهتدين إليها إلى ملايين. تلك كانت أعظم أعمال، وعلى مر العصور لا يزال يقوم برسالته تلك.

وبالدرجة السادسة، لاحظوا وعده بأن يستجيب لصلوات خدامه. "وَمَهْمَا سَأَلْتُمْ بِاسْمِي فَذَلِكَ أَفْعَلُهُ.... إِنْ سَأَلْتُمْ شَيْئاً بِاسْمِي فَإِنِّي أَفْعَلُهُ". ربما يرفع أحدهم الصوت قائلاً: "حسناً، لقد طلبت شيئاً من الله باسم ابنه، يسوع المسيح، ولم يستجب لي". آهٍ، ولكن لعلك لم تطلبه حقاً باسمه. فأن تطلب باسمه يعني أن تطلب بسلطته؛ أي أن تصلي بما يتوافق مع إرادته المعلنة. لكأنه قال لنا: "كل ما تطلبونه بسلطتي أفعله". ولذلك فإن ما نحتاج إليه أنت وأنا هو أن نكون متأكدين بأننا نفهم إرادته وأن لدينا سلطته لأجل الطلبات التي نطلبها.

الأمر السابع هو هذا: ربنا له هدف واحد: الجزء الأخير من الآية ١٣ يقول: "لِيَتَمَجَّدَ الآبُ بِالاِبْنِ". لقد كانت مسرة الرب يسوع، وبينما كان هنا على الأرض، هي أن يمجد الآب، والآن إن الفرح الوحيد لقلبه هو أن يرى شعبه يُنفذون المهمة التي أعطاها لهم. كل مرة تخلص فيها نفس، فهذا يكون لمجد الآب وفي هذا فرح الابن. كل ما نفعله في طاعة محِبة لكلمته هو لأجل تمجيد الآب.