محاضرة ١٣

الإيمان العامل بالمحبة

(غل ٥:‏ ٧-‏ ١٥)

"كُنْتُمْ تَسْعَوْنَ حَسَناً. فَمَنْ صَدَّكُمْ حَتَّى لاَ تُطَاوِعُوا لِلْحَقِّ؟ هَذِهِ الْمُطَاوَعَةُ لَيْسَتْ مِنَ الَّذِي دَعَاكُمْ. خَمِيرَةٌ صَغِيرَةٌ تُخَمِّرُ الْعَجِينَ كُلَّهُ. وَلَكِنَّنِي أَثِقُ بِكُمْ فِي الرَّبِّ أَنَّكُمْ لاَ تَفْتَكِرُونَ شَيْئاً آخَرَ. وَلَكِنَّ الَّذِي يُزْعِجُكُمْ سَيَحْمِلُ الدَّيْنُونَةَ أَيَّ مَنْ كَانَ. وَأَمَّا أَنَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ فَإِنْ كُنْتُ بَعْدُ أَكْرِزُ بِالْخِتَانِ فَلِمَاذَا أُضْطَهَدُ بَعْدُ؟ إِذاً عَثْرَةُ الصَّلِيبِ قَدْ بَطَلَتْ. يَا لَيْتَ الَّذِينَ يُقْلِقُونَكُمْ يَقْطَعُونَ أَيْضاً! فَإِنَّكُمْ إِنَّمَا دُعِيتُمْ لِلْحُرِّيَّةِ أَيُّهَا الإِخْوَةُ. غَيْرَ أَنَّهُ لاَ تُصَيِّرُوا الْحُرِّيَّةَ فُرْصَةً لِلْجَسَدِ، بَلْ بِالْمَحَبَّةِ اخْدِمُوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً. لأَنَّ كُلَّ النَّامُوسِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ يُكْمَلُ:‏ «تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ». فَإِذَا كُنْتُمْ تَنْهَشُونَ وَتَأْكُلُونَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً، فَانْظُرُوا لِئَلاَّ تُفْنُوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً".

يتابع بولس حديثه فيرينا أن الحرية المسيحية ليست إذناً أو حرية لنعيش بحسب الجسد، بل إنها حرية لنمجد الله. لاحظ كيف يسكب قلبه أمامهم، إذ يفكر في ارتداهم. يقول:‏ "كنتم تسعون حسناً". أي أنه ينظر إلى الماضي إلى تلك السنوات الأولى ويذكّرهم بتكرّسهم وفرحهم الأول، وكم كانوا مثابرين وكم كانوا يسعون إلى تمجيد الرب. لكن شهادتهم تشوهت، وحبهم الأول ضاع، وما عادوا مخلصين إلى ذاك الحد، وخداماً فاعلين للرب يسوع المسيح كما كانوا قبلاً. لقد ضلّلتهم التعاليم الخاطئة.

"كُنْتُمْ تَسْعَوْنَ حَسَناً. فَمَنْ صَدَّكُمْ حَتَّى لاَ تُطَاوِعُوا لِلْحَقِّ؟" ما الذي جعلهم ينحرفون عن الطريق القويم؟ كان ذلك بسب قبولهم فكرة أنهم، ورغم أنهم تبرروا بالإيمان، كان ليمكنهم، بحسب اعتقادهم، بالناموس فقط أن يتقدسوا، وهذا خطأ شائع اليوم. يعتقد كثيرون أنه في حين أن الناموس لا يمكن أن يبرر، فمع ذلك، فعندما يتبرر المرء، فإن طاعة الناموس هي التي تقدس. ولكن الناموس أعجز ما يكون عن التقديس كما عن التبرير. ولا يفيد أن نحاول وضع الطبيعة القديمة تحت الناموس. إن لديك طبيعتان، القديمة، الجسدانية، والجديدة، الروحية. تلك الطبيعة القديمة مظلمة جداً، والجديدة مشرقة للغاية. الطبيعة القديمة فاسدة، والجديدة صالحة. فليس من المفيد أن تقول للطبيعة القديمة "عليك طاعة الناموس"، لأن الفكر الجسداني لا يخضع لناموس الله، من جهة أخرى، لست في حاجة لتقول ذلك للطبيعة الجديدة لأنها تبتهج بناموس الله. ولذلك فإن تقديسنا ليس من الناموس. ولقد عجز الغلاطيون عن إدراك هذه الحقيقة.

وهكذا يقول بولس في الآية ٨:‏ "هَذِهِ الْمُطَاوَعَةُ لَيْسَتْ مِنَ الَّذِي دَعَاكُمْ". إن الكلمة المترجمة بـ "مطاوعة" كان من الأفضل ترجمتها بـ "إمكانية الإقناع". هذه القابلية للإقتناع، وهذا الاستعداد من جهتك لتقتنع بتعاليم هؤلاء المعلمين الكذبة، "لَيْسَتْ مِنَ الَّذِي دَعَاكُمْ". إن الناس يغيرون وجهات نظرهم الدينية بسهولة كما يغيرون مواقفهم السياسية. ففي يوم يكونون على رأي معين، ثم على رأي آخر في اليوم التالي. إنهم يبدأون على نحو معين سليم، ثم يأتي أول معلم كاذب مضلل فيلفت انتباههم، وإذا ما استند إلى استشهادات كتابية يقولون:‏ "يبدو الأمر معقولاً. وهو يستند إلى الكتاب المقدس في ذلك". وهكذا ينتقلون من معلم إلى آخر ولا يستقرون على رأي أو أمر أينما ذهبوا، يقول الرسول بولس أن هذا الاستعداد للاقتناع برأي معلمين من البشر هو ليس من الله. إن كنت تسلك مع الله فإنك ستصغي إلى صوته وتسمع كلمته، وتُحفظ من سهولة الاقتناع الزائدة.

"خمِيرَةٌ صَغِيرَةٌ تُخَمِّرُ الْعَجِينَ كُلَّهُ". هكذا تقول الآية ٩. هذه الجملة نفسها نجدها في ١ كو ٥:‏ ٦، حيث يحذّر بولس القديسين من التسامح والتساهل في اللا أخلاقيات في وسطهم. لقد كان بينهم إنسان فاسد. كان يعيش في الخطيئة، وبدوا عاجزين عن معالجة أمره، كما تفعل بعض الكنائس اليوم الذين لم تكن لديهم حالة تأديب منذ سنوات، بل هناك تسامح وتساهل في كل أنواع الشرور. إنهم لا يجرأون على أن ينبروا لمعالجة تلك المسائل. هؤلاء الكورنثيون كانوا يتفاخرون بحقيقة أنهم ذووا أفق واسع في التفكير بما يكفي ليغفلوا عن الزنى وسفاح القربى الذي يرتكبه هذا الإنسان، فيقول بولس لهم:‏ "إن كنتم ستفعلون ذلك، فعليكم مواجهة حقيقة أن "خمِيرَةٌ صَغِيرَةٌ تُخَمِّرُ الْعَجِينَ كُلَّهُ". وآخرون ينظرون إلى المشيئة فيقولون:‏ "إذا كانت كنيسة الله لا تتخذ موقفاً ضد هذه الأشياء، فلماذا سنبالي نحن؟"

هنا في غلاطية، لا يتحدث الرسول بولس عن الفساد في الحياة بل عن عقيدة مزيفة غير صحيحة، ويقول أنه إذا لم يعالجوها على ضوء كلمة الله فسيجدون أنها أيضاً مثل الخميرة "خميرة صغيرة تخمر العجين كله"، وسيأتي الوقت عندما سيضلون كلياً معنى نعمة الله. من الجدير بالانتباه أن نلاحظ أن الخميرة في كلمة الله هي دائماً صورة للشر كثيرون من الناس لا يرونها هكذا. إنهم يتحدثون عن "خميرة الإنجيل" في متى حيث يقول الرب يسوع:‏ "«يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ خَمِيرَةً أَخَذَتْهَا امْرَأَةٌ وَخَبَّأَتْهَا فِي ثَلاَثَةِ أَكْيَالِ دَقِيقٍ حَتَّى اخْتَمَرَ الْجَمِيعُ»" (متى ١٣:‏ ٣٣). إن فكرتهم هي أن الأكيال الثلاثة من الدقيق تمثل العالم، وأن المرأة هي الكنيسة التي تضع الخمير، ألا وهو الإنجيل في العالم، وفي المستقبل سيهتدي العالم بأكمله. إننا في تلك الحالة منذ حوالي ٢٠٠٠ سنة، وبدلاً من أن يكون العالم قد اهتدى، نجد أن الكنيسة المعترفة تتراجع عن اهتدائها.

فكروا في استصدار مرسوم لمحو اسم الله من كل النصوص التي كتبت على جدران أي كنيسة في ألمانيا-‏ ألمانيا موطن الإصلاح. ألمانيا حيث قاد لوثر الناس بعيداً عن طلمة الفساد-‏ وفكروا في ذلك البلد الذي يحاول أن يمسح اسم الله اليوم، إننا لا نعمل على اهتداء العالم بسرعة كافية. فكروا في روسيا حيث تم التعريف بالإنجيل منذ أكثر من ١٥٠٠ سنة، ونجد اليوم كل المحاولات المبذولة لتدمير الشهادة التي بقيت في تلك الأرض. إن الأمر يستغرق ألفية تلو الألفية ليخلص العالم بشهادتنا، إذا ما خلص، ولكن ذلك ليس برنامجنا. إذ نقرأ:‏ "مَتَى جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ أَلَعَلَّهُ يَجِدُ الإِيمَانَ عَلَى الأَرْضِ؟ (لوقا ١٨:‏ ٨). "كَمَا كَانَ فِي أَيَّامِ نُوحٍ كَذَلِكَ يَكُونُ أَيْضاً فِي أَيَّامِ ابْنِ الإِنْسَانِ" (لوقا ١٧:‏ ٢٧). لقد كان الفساد والشر يملآن العالم في أيام نوح، وهكذا اليوم يملأ الفساد والشر العالمَ. "كَانُوا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيُزوِّجُونَ وَيَتَزَوَّجُونَ إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ دَخَلَ نُوحٌ الْفُلْكَ وَجَاءَ الطُّوفَانُ وَأَهْلَكَ الْجَمِيعَ" (لوقا ١٧:‏ ٢٧). إننا نرى نفس الأشياء تحدث اليوم، ففي يوم ما سيذهب شعب الله، ليس في فلك، بل سيُختطفون لملاقاة الرب في الهواء، وثم سيأتي طوفان الدينونة المريع فينسكب على هذا العالم البائس. إن المثل لا يعني أن الإنجيل سيستمر إلى أن يهتدي العالم بمجمله. بل يعني العكس تماماً. أكيال الدقيق الثلاثة كانت تمثل تقدمة الدقيق، وتقدمة الدقيق كانت طعام شعب الله وكان يرمز إلى المسيح، مخلصنا المبارك والمقدس. لم يكن هناك خميرة في تقدمة الدقيق، لأن ذلك كان رمز الشر. الخمير هو التعليم المغلوط الذي يفسد الحقيقة. لقد أشار يسوع إلى ثلاث أنواع من الخمير فقال:‏ "«انْظُرُوا وَتَحَرَّزُوا مِنْ خَمِيرِ هِيرُودُسَ وخَمِير الْفَرِّيسِيِّينَ وَخَمِيرِ الصُّدُّوقيين". خمير هيرودس كان الفساد والشر السياسي، وخمير الفريسيين كان البر الذاتي والنفاق، وخمير الصدوقيين كان المادية، كان يمكن القول على أي من هذه على أنها "خميرة صغيرة تخمر العجين كله". إن الأمر الذي يوقف عملها هو أن نعرّضها لتأثير النار، وعندما نتمحص هذه الأشياء على ضوء إنجيل المسيح فلا يعود لها أي فعل أو أثر.

ولكن رغم أن بولس يحذر هؤلاء الغلاطيين إلا أنه لا يتخلى عنهم. إنه يشعر بأنهم سيخرجون من الأمر على نحو سليم، لأنه يعرف كم كانوا صادقين في البداية. "وَلَكِنَّنِي أَثِقُ بِكُمْ فِي الرَّبِّ أَنَّكُمْ لاَ تَفْتَكِرُونَ شَيْئاً آخَرَ. وَلَكِنَّ الَّذِي يُزْعِجُكُمْ سَيَحْمِلُ الدَّيْنُونَةَ أَيَّ مَنْ كَانَ". يا له من قول رزين مهيب! لقد قال الله:‏ "لاَ تَضِلُّوا! اللهُ لاَ يُشْمَخُ عَلَيْهِ. فَإِنَّ الَّذِي يَزْرَعُهُ الإِنْسَانُ إِيَّاهُ يَحْصُدُ أَيْضاً" (غل ٦:‏ ٧). ونعلم أن:‏ "لَيْسَ عِنْدَ اللهِ مُحَابَاةٌ" (رومية ٢:‏ ١١). كم ينبغي لهذا أن يحفظ قلوبنا عندما نرى رجالاً في مراكز مرموقة اليوم وهم مذنبون مدانون بجرائم شائنة شنيعة بحق المدنية. إننا نرتعد إذ نرى مدى عجز الأمم في مكافحة هكذا رجال ومبادئهم الشريرة. عجيب أن طغاة الأرض لا يزالون يتحدون الله. ولكنه سوف يطبق قبضته على كل هذه الأشياء يوماً ما، والدينونة آتية لا محالة طالما أن هناك إلهاً في السماء. لأن الله قد قال، فيما يتعلق بنسل ابراهيم:‏ "لِيَكُنْ لاعِنُوكَ مَلْعُونِينَ وَمُبَارِكُوكَ مُبَارَكِينَ»" (تك ٢٧:‏ ٢٩). الإنسان الذي سيعامل نسل ابراهيم بقساوة وفظاظة هو تحت لعنة الله. ستقع تلك الدينونة يوماً ما. يمكننا أن نكون على يقين من ذلك. ليس من مهرب من ذلك، لأن الله أصدر حكماً قضائياً بذلك. قد يعبث الناس مع الله لبرهة وقد يشكّون لأنه يبدو ذا صبر طويل، ولكن اليونانيين اعتادوا أن يقولوا:‏ "إن طواحين الآلهة تطحن على مهل، إلا أنها تطحن إلى ذرات بالغة الصغر". في كل جانب من جوانب الحياة تبقى الحقيقة في أن الله هو إله دينونةٍ، و"بِهِ تُوزَنُ الأَعْمَالُ" (١ صموئيل ٢:‏ ٣).

ثم يقول بولس:‏ "وَأَمَّا أَنَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ فَإِنْ كُنْتُ بَعْدُ أَكْرِزُ بِالْخِتَانِ"-‏ لنفترض أني كرزتُ بكل هذه الأمور التشريعية الناموسية، فهل تظنون أني كنتُ سأُضطهدُ كما أنا الآن؟ بالتأكيد لا. ولكن إن فعلتُ ذلك لما كنتُ مخلصاً لرسالتي العظيمة الموكلة إليّ. "فَلِمَاذَا أُضْطَهَدُ بَعْدُ؟ إِذاً عَثْرَةُ (عار) الصَّلِيبِ قَدْ بَطَلَتْ". ما الذي يقصده بقوله:‏ "عَثَرةُ الصليب"؟ لقد كانت نهاية مخزية وخيمة للإنسان أن يموت مرغماً على الصليب. لقد كان الصليب كمثل المشنقة اليوم. قال سيسيرو:‏ "الصليب، إنه مخزٌ جداً، حتى أنه ينبغي ألا يذكر في المجتمع الرفيع". كما أن الشخص الذي لديه قريب قد ارتكب جريمة قتل وشنق من جراء ذلك، فإنه لن يرغب في أن يتحدث عن هذا الأمر، هكذا كان الناس يشعرون بخصوص الصليب في تلك الأيام. ومع ذلك فإن ابن الله مات على الصليب. آه يالعاره! فالقدوس، الخالق السرمدي، الذي أتى بكل الأشياء إلى الوجود، قد مضى إلى ذلك الصليب ومات عن خطايانا. يقول بولس عملياً:‏ إنكم تعتبرون ذلك الصليب بلا قيمة إن أدخلتم أية وسيلة خلاص ظاهرة أخرى بدلاً من موت يسوع الذي خلصنا به الرب من الخطايا" ثم يصرخ قائلاً:‏ "يَا لَيْتَ الَّذِينَ يُقْلِقُونَكُمْ يَقْطَعُونَ أَيْضاً!" أو حرفياً:‏ "أود لو يَقطع أولئك الذين يزعجونكم أنفسهم". هؤلاء الرجال الذين يحرِّفون إنجيل المسيح.

في الآية ١٣ يعود إلى موضوع الحرية:‏ "فَإِنَّكُمْ إِنَّمَا دُعِيتُمْ لِلْحُرِّيَّةِ أَيُّهَا الإِخْوَةُ"-‏ لقد تحررتم وما عدتم عبيداً، بل إنكم أحرار-‏ "لاَ تُصَيِّرُوا الْحُرِّيَّةَ فُرْصَةً لِلْجَسَدِ". لا تقولوا :‏ "حسناً. الآن قد خلصت بالنعمة ولذلك فأنا حرٌ أن أفعل ما يحلو لي". لا بل قولوا لقد خلصت بالنعمة ولذلك أنا حر لأمجد الله، إله كل نعمة! لدي الحرية لأحيا لله، لدي الحرية لأُعظِّم وأُبَجِّل المسيح الذي مات عني، ولدي الحرية لأن أسلك في المحبة نحو جميع إخوتي. إنها حرية مجيدة، حرية القداسة، حرية البر. "بَلْ بِالْمَحَبَّةِ اخْدِمُوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً". إذ قد دُعينا إلى هذه الحرية فلنكن مستعدين لأن نكون خداماً. إن ربنا المبارك يضرب لنا مثلاً فقد أخذ ذلك الدور على الأرض:‏ "فَإِنْ كُنْتُ وَأَنَا السَّيِّدُ وَالْمُعَلِّمُ قَدْ غَسَلْتُ أَرْجُلَكُمْ فَأَنْتُمْ يَجِبُ عَلَيْكُمْ أَنْ يَغْسِلَ بَعْضُكُمْ أَرْجُلَ بَعْضٍ" (يوحنا ١٣:‏ ١٤). بالمحبة نُسَرُّ بأن نخدم. انظروا إلى تلك الأمّ التي تُعنى بطفلتها الصغيرة. إن عليها أن تقوم بأشياء كثيرة لا يُسَرُّ قلبُها بها بشكل طبيعي. فهل خدمتها عبودية إذ تُعنى بابنتها الطفلة؟ لا. إنها تُسَرُّ بأن تقوم بما يمليه عليها الحب، وهكذا في علاقتنا مع بعضنا البعض، كم سنكون مسرورين إن كانت لنا الفرصة بأن نخدم إخوتنا المؤمنين. "بِالْمَحَبَّةِ اخْدِمُوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً".

"لأَنَّ كُلَّ النَّامُوسِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ يُكْمَلُ". لكأنه يقول:‏ "إنكُّم تتحدثون عن الناموس، وتصرُّون على أنه على المؤمنين أن يأتوا تحت الناموس. لماذا لا تتوقفون من أجل أن تفكروا بما يعلمه الناموس حقاً؟ "لأَنَّ كُلَّ النَّامُوسِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ يُكْمَلُ:‏ «تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ»". إن الإنسان الذي يحب سوف لن يخالف أي وصية. إن كنت أحب الله كما ينبغي، فلن أُخطئ تجاهه. انظروا إلى يوسف، الذي تعرض لإغواء شديد، لعله كان أكبر مما يتعرض له كثيرون، ومع ذلك فقد كان رده على المغوية أن:‏ "أنىّ لي أن أفعل هذا الشر العظيم وأن أُخطئ نحو الله؟" لقد أحب الله وهذا ما حفظه في ساعة الإغواء والتجربة. وعندما نأتي إلى تعاملنا مع رفاقنا وأصحابنا، إن كنا نحب قريبنا كأنفسنا، فإننا لن نخالف الوصايا. فلن نكذب أحدنا على الآخر، ولن نشهد زوراً، ولن يزني أحد، ولن يكون هناك انتهاك لناموس الله، وسوف لن نقتل. لن يسيء أحد إلى الآخر إن كنا نسلك في المحبة. "لأَنَّ كُلَّ النَّامُوسِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ يُكْمَلُ:‏ «تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ»". إن الروح القدس الذي يسكن في كل مؤمن هو روح محبة، وإن الطبيعة الجديدة هي طبيعة قد غرسها الله بنفسه، فالله محبة وبذلك فمن الطبيعي للطبيعة الجديدة أن تحب. عندما تجد مؤمناً يسلك بطريقة لا محبة فيها، ولا يكون لطيفاً في تعامله، فإن في مقدورك أن تتيقن أن تلك هي الطبيعة القديمة وليست الطبيعة الجديدة، وهي التي تتسلط عليه في تلك اللحظة. ليتنا نسلك في المحبة لكي يتمجد المسيح في جميع طرقنا! لقد قيل عن المسيحيين الأوائل، حتى على لسان الوثنيين أنفسهم،:‏ "انظروا كيف يحبون بعضهم بعضاً!" هل يمكن أن تقول هذا عنّا دائماً؟ أم يجب أن نقول:‏ "انظروا كيف يتشاجرون. انظروا كيف يخزون أحدهم الآخر". ياللعيب، إن قيلت هكذا أشياء عنّا. "لأَنَّ كُلَّ النَّامُوسِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ يُكْمَلُ:‏ «تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ»".

والآن من جهة أخرى، إن أخفق أحد في ذلك:‏ "فَإِذَا كُنْتُمْ تَنْهَشُونَ وَتَأْكُلُونَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً، فَانْظُرُوا لِئَلاَّ تُفْنُوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً". إن كنتم تسيئون إلى سمعة بعضكم البعض، وتنتقدون بعضكم، وتتشاجرون، فانتبهوا، لأن النتيجة الطبيعية هي أنكم سوف تفنون بعضكم بعضاً. أتعلمون لماذا آلت إلى دمارٍ تلك الشهاداتُ الكثيرة التي كانت يوماً ما لامعة في عيني الله؟ ذلك بسبب روحٍ نزاعةٍ إلى الخلاف، والانتقادت والنميمة، تتسلل إلى وسط شعب الله، والله لا يمكنه أن يبارك ذلك. إن كنتم أنتم وأنا نرتكب هكذا إثمٍ، فعلينا أن نأتي إلى حضرة الله ونتفحص طرقنا أمامه. نعم ولنلتمس منه أن يسبر قلوبنا، ونعترف وندين كل أمرٍ فيه خطيئة أمام ناظريه لكيما نكون مساعدين وليس معوقين في خدمته.

"فَإِذَا كُنْتُمْ تَنْهَشُونَ وَتَأْكُلُونَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً، فَانْظُرُوا لِئَلاَّ تُفْنُوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً". قد يقول أحدهم:‏ "حسناً. لطالما كرهت نفسي إذا ما قلت أي شيء فظٍ، وأعتزم ألا أعيد الكرّة". المشكلة هي أنك لم تسلم لسانك إلى الرب يسوع المسيح. إنكم تذكرون الكلمة أن "قَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ عِبَادَتَكُمُ الْعَقْلِيَّةَ" (رو ١٢:‏ ١). إن عدداً كبيراً من الناس قد قدموا كل جزء من أجسادهم تقريباً ما عدا لسانهم. لقد حفظوا لسانهم لأنفسهم، ويسمحون له أن يتحرك بالقيل والقال إلى أن يتسببوا تدريجياً في إحداث الكثير من الألم والحزن وسط شعب الله. أفلا تقولون:‏ "يارب. لساني هذا قد أعطيتنيه كي أمجدك. لطالما استخدمته لأجد عيوباً عند الآخرين، ولأسيء لسمعة أخٍ أو أختٍ، وأن أقول أشياء بدون لطفٍ وبدون لباقة بخصوص الآخرين. فيارب يسوع، إني أقدمه لك، فهذا اللسان قد ابتعته بدمك. ساعدني على أن أستخدمه من الآن فصاعداً فقط لتمجيدك. وباستخدامه في تمجيدك فإني سأستخدمه لأبارك وأساعد الآخرين بدلاً من أن أحزنهم وأعوقهم".

 لعلك لم تأتِ أبداً إلى يسوع، على الأرجح أنك تقول:‏ "هل هناك من قوة كمثل التي تتحدث عنها يمكنها أن ترفع شخصاً فوق حياة الخطيئة، وتمكّنه من أن يحيا هكذا؟" نعم. هناك طريقة. تعال إلى الرب يسوع المسيح، وآمن به، واقتبله مخلصاً لك، وتوِّجْه رباً على حياتك، وستجد أن كل شيء سيكون مختلفاً، كل شيء سيكون جديداً. ستجد فرحاً، وسروراً، ما كنت لتجدهما في كل الطرق المعوجة لهذا العالم البائس، إنه يقول:‏ "هَئَنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي" (رؤيا ٣:‏ ٢٠). افتح باب قلبك على مصراعيه اليوم وقل:‏

"تعال، يارب، وادخل،
واجعل قلبي مسكناً لك.
تعال، وطهّر روحي من الخطيئة،
واسكن معي وحدي"

سيكون في غاية السرور إذ يدخل إلى قلبك، ويأخذ زمام أمورك، وكل شيء سيغدو جديداً على ضوء حضوره.