الفصل ٨

ألواح خيمة الاجتماع

(اقرأ خروج ٢٦: ١٥- ٣٠)

لقد كانت رغبة الله دائماً وأبداً أن يسكن وسط شعبه. ما رأيناه حتى الآن في خيمة الاجتماع هو أن المسيح بشخصه وسيطٌ، وأن عمله، ماثلٌ أمامنا رمزياً: "لأَنَّهُ يُوجَدُ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ اللهِ وَالنَّاسِ: الإِنْسَانُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ، الَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً لأَجْلِ الْجَمِيعِ، الشَّهَادَةُ فِي أَوْقَاتِهَا الْخَاصَّةِ" (١ تيموثاوس ٢: ٥، ٦). "فَإِنَّ الْمَسِيحَ أَيْضاً تَأَلَّمَ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ أَجْلِ الْخَطَايَا، الْبَارُّ مِنْ أَجْلِ الأَثَمَةِ، لِكَيْ يُقَرِّبَنَا إِلَى اللهِ" (١ بطرس ٣: ١٨). لسنا في حاجة إلى العذراء مريم، المباركة بين النساء، ولا إلى البابا، ولا إلى الكاهن، سواء كان رومانياً أو أنغليكانياً، ليتوسط لأجلنا. إن المؤمن يُقرَّب إلى الله، وله الجرأة ليدخل إلى قدس الأقداس بدم يسوع.

سوف نرى كيف أن درس الألواح سيعلّمنا رمزياً كيف يؤتى المؤمنون إلى الله، و"يُبنَونَ مَعاً، مَسْكَناً لِلَّهِ فِي الرُّوحِ" (أفسس ٢: ٢٢). إذا نظر القارئ إلى اللوح ممثلاً له، وتابع تفاصيل ما حدث للألواح، كصورة تعكس ما حدث له عندما أتى إلى الإيمان، فإنه سيعرف كم هي عظيمة البركة التي ينالها المؤمنون.

الألواح قائمة

لقد كانت الألواح مصنوعة "مِنْ خَشَبِ السَّنْطِ قَائِمَةً". وخشب السنط يرمز إلى الإنسانية. في حالة ربنا المبارك، كان ناسوته خالياً من أي شائبة أو خطيئة، وإلا لما أخذ مكاننا على الصليب. أما نحن فإننا ساقطون وخاطئون. فأنى يمكن في حالتنا أن تكون الألواح قائمة؟ بمعنى آخر، أنى لخاطئ أثيم أن يمثل قائماً أمام إله قدوس؟

كانت الألواح تبلغ عشرة أذرع ارتفاعاً وذراعاً ونصف عرضاً، وهذا يفوق الـ ١٧ قدماً ارتفاعاً وقدمين ونصف عرضاً. لقد كانت مصنوعة من خشب السنط، الخشب الخشن غير العرضة للتلف في الصحراء، البخس الثمن، ولكن الثقيل الوزن للغاية. كيف أمكن لهذه الألواح أن تصمد في الرمال المتنقلة؟ للأسف، كم من خطاة يسعون للوقوف أمام الله على الرمال المتحركة التي قوامها الأعمال الصالحة، وتقويم النفس، كما لو أن الإنسان في مقدوره أن يكون مخلصاً لذاته.

لقد كان ارتفاع الألواح عشرة أذرع. والعدد (٥) هو العدد الرامز إلى المسؤولية البشرية، فالعدد (١٠) وهو ضعف العدد (٥)، إنما هو لتأكيد فكرة المسؤولية تجاه الإنسان. هذه الأيام لا يحب الناس هذه الفكرة، ولكنها قائمة رغم ما يفكر به الإنسان: "كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا سَيُعْطِي عَنْ نَفْسِهِ حِسَاباً لِلَّهِ" (رومية ١٤: ١٢).

القواعد الفضية

إذا رجع القارئ إلى سفر الخروج (٣٠: ١١ - ١٦)، سيجد أنه عندما تم إحصاء شعب إسرائيل كان من الضروري أن يدفعوا فدية عن أرواحهم لئلا يصيبهم الطاعون. لقد أحصى الملك داود عدد الشعب مرة، ولكن لم يكن هناك ذكر لتقديم فدية. وتقول القصة: "فَجَعَلَ الرَّبُّ وَبَأً فِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الصَّبَاحِ إِلَى الْمِيعَادِ، فَمَاتَ مِنَ الشَّعْبِ مِنْ دَانٍ إِلَى بِئْرِ سَبْعٍ سَبْعُونَ أَلْفَ رَجُلٍ" (٢ صموئيل ٢٤: ١٥). إن الله لا يمكن أن يعتبر الناس الخطأة بالجسد إلا عند الدينونة. فإن كان للإنسان أن يكون مقبولاً في نظر الله، فسيكون ذلك من خلال فدية مقبولة.

كان على كل الإسرائيليين من عمر العشرين وما فوق أن يقدموا نصف شاقل من الفضة. وهذا كان يعادل عشرات الجيرات في الوزن، كما لو أنه يرمز إلى تسديد حساب تعدي الوصايا العشر، "لأَنَّ مَنْ حَفِظَ كُلَّ النَّامُوسِ، وَإِنَّمَا عَثَرَ فِي وَاحِدَةٍ، فَقَدْ صَارَ مُجْرِماً فِي الْكُلِّ" (يعقوب ٢: ١٠). إن نصف شاقل من الفضة كانت تساوي شلناً وبنسين. ومهما كان الإسرائيلي غنياً آنذاك، فما كان يُسمح له بأن يقدم أكثر من ذلك. ومهما كان فقيراً، يجب عليه ألا يدفع أقل من ذلك. ألا يعني هذا أن البركة تأتي بنفس الطريقة على الأغنياء والفقراء، النبلاء والدهماء، وأن ذلك يكون عبر عمل المسيح الكفاري على الصليب؟

ولكن قد نسمع أحدهم يقول: إذا كان نصف شاقل من الفضة يُسمى "فضة الكفارة"، أفلا يعني ذلك نوعاً من دفع ثمن الخلاص؟ ونجد العهد الجديد يخبرنا أن الحياة الأبدية هي هبة من الله، وأننا نخلص بالإيمان، وتلك هبة من الله.

الحق يقال، إن الخلاص لا يمكن أن يُشرى بالمال، ولا بأي محاولة أو جهد يبذله الخاطئ. فهو حاصلٌ بكفارة المسيح الاسترضائية على الصليب، وهذا "ليس من الأعمال، لئلا يفتخر أحد" (أفسس ٢: ٩).

إن الفداء ما كان ليحصل لقاء فرض مبلغ زهيد تافه لا يزيد على الشلن. فذاك المبلغ الصغير ما كان سوى إقراراً من قبل المعطي عن كيفية وقوفه في حضرة الله، وحاجته إلى النعمة والمغفرة.

إن مثالاً توضيحياً قد يساعدنا على الفهم. قبل عدة سنين كنا نسعى لاستئجار قطعة من الأرض نشيد عليها خيمة للعمل التبشيري. ووقعت أعيننا على قطعة معينة. وعند الاستعلام علمنا أنها كانت تخص البلدة. فذهبنا إلى البلدية، ونحن مستعدون لدفع جنيه أو حتى ٣٠ شلناً في الأسبوع لقاء استئجار الأرض. ووجدنا موظفي البلدية متعاطفين، وبعد بعض المشاورة، قالوا: "إننا مستعدون للسماح لكم باستخدام هذه القطعة من الأرض لستة أسابيع، بدون أجر، ولكن بما أن لدينا سجل للإجراءات، فإننا سنطلب منكم شلناً لقاء ذلك". شكرنا الله على حسن حظنا، ولم يخطر في بالنا أبداً أننا كنا بذلك ندفع أجراً، بل أننا ببساطة إنما نقدم إقراراً. وهكذا كان الحال مع بني إسرائيل.

إن أنصاف الشاقل الضئيلة القيمة كانت تشكل في مجملها كمية من الفضة ذات قيمة كبيرة إذ أن كل إسرائيلي ذكر في عمر العشرين وما فوق قد دفع هذا المبلغ المفروض. وإن (خروج ٣٨: ٢٥ - ٢٨) يعلمنا أنه وصل إلى ١٠٠ وزنة، و١.٧٧٥ شاقل. إن المئة وزنة قد أنتجت مئة قاعدة من الفضة، بينما الـ١.٧٧٥ شاقل ضمنت الفضة من أجل الرزز للأعمدة، فتغشي وتربط تيجان الأعمدة.

كانت قاعدتان قد خصصتا لكل لوح، وتبلغ في مجملها خمسين لوحاً. كانت وزنة الفضة تزن ١١٤ أونصة، وكل أونصة تساوي ٥ شلنات وبالتالي فالقيمة المالية لها تعادل ٣٤٠ جنيهاً، وهذا يعني أن كل قاعدتين مخصصتين للوح الواحد ستتطلب استخدام كمية من الفضة تبلغ قيمتها ٦٨٠ جنيهاً. وبالتالي فإن القواعد المئة للألواح الخمسين كانت تبلغ في مجموعها مبلغاً قدره ٣٤.٠٠٠ جنيهاً.

هل رأى أحدٌ أو سمع عن أساس مكلف إلى هذا الحد نظراً إلى حجمه؟ نعم، في الواقع، رغم أن الرمز باهظ الثمن إلى هذا الحد، فإنه يصبح بلا قيمة تُذكَر عندما نأخذ بعين الاعتبار عمل الفداء لربنا يسوع المسيح، ابن الله، بموته على صليب العار لأجلنا ليكون الأساس الصحيح لوقوف المؤمن أمام الله ونيله البركة منه. فلا عجب إذاً أن نقرأ: "عَالِمِينَ أَنَّكُمُ افْتُدِيتُمْ لاَ بِأَشْيَاءَ تَفْنَى، بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، مِنْ سِيرَتِكُمُ الْبَاطِلَةِ الَّتِي تَقَلَّدْتُمُوهَا مِنَ الآبَاءِ، بَلْ بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَلٍ بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ، دَمِ الْمَسِيحِ" (١ بطرس ١: ١٨، ١٩). إن الرمز كان باهظ الثمن على نحو مذهل، وبالتأكيد فإن المرموز إليه سيكون أعلى ثمناً بكثير. لقد كانت ألواح خيمة الاجتماع كلها قائمة على قواعد فضية غالية الثمن، فالمؤمن يقف على أساس الفداء. وبالتأكيد كانت هذه الفكرة هي أساس الترنيمة التي تقول:—

"يا لغبطتي عندما أراني الله
عظمة الجلجثة،
فتحررت قيودي، وانعتقت روحي،
وأنشدت مترنماً بالفداء.
الفداء أساس السلام.
الفداء، يا له من نعمة.
فلنسبح الله عليه كثيراً،
لذاك الذي يخلصنا على أساس الفداء."

مغزى الرّجلين

نقرأ في الكتاب: "وَلِلَّوْحِ الْوَاحِدِ رِجْلاَنِ (على الهامش: يدان) مَقْرُونَةٌ إِحْدَاهُمَا بِالأُخْرَى" (خروج ٢٦: ١٧). أليس هذا تصوير توضيحي ليد الإيمان التي تبارك؟ أليس في هذا تأكيد أن الخلاص هو ليس من الأعمال، بل بالإيمان بالذبيحة الكفارية للمسيح؟ لدينا ذكر لليدين اللتين تعملان في (عبرانيين ٦: ١٨) حيث تقول الآية: "نَحْنُ الَّذِينَ الْتَجَأْنَا لِنُمْسِكَ بِالرَّجَاءِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَنَا".

علاوة على ذلك كانت هناك رجلان، أو يدان، تمسكان بقاعدتي الفضة، الرجل والتجويف. فرجل واحدة، أو يد، مع قاعدة لن تكون ثابتة راسخة كما لو كانت لدينا رجلان مع كل لوح مع قاعدتين، بحيث تكون قوة الشد على نحو متساوٍ، وهذا يعطي ثباتاً وتماسكاً. ولذلك ففي عمل المسيح الفدائي لدينا حقيقتان عظيمتان أساسيتان علينا قبولهما، وهما:—

  1. عمل المسيح الذي أتمه على الصليب.
  2. قيامته المجيدة التي تؤكد بلا ريب على قبول الله لعمله الفدائي.

ويمكن للإيمان أن يهتف بظفر وفرح أن المسيح "أُسْلِمَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا وَأُقِيمَ لأَجْلِ تَبْرِيرِنَا..... فَإِذْ قَدْ تَبَرَّرْنَا بِالإِيمَانِ لَنَا سَلاَمٌ مَعَ اللهِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ" (رومية ٤: ٢٥؛ ٥: ١).

إن القيامة تثبت أن الكفارة قد أكملت لإرضاء الله على نحو كامل. إنها البرهان الإلهي على عمل الخلاص الذي تم على الصليب. يا له من أساس قوي يستند إليه المؤمن! إنه عمل المسيح المنجز، المخلص القائم المنتصر الحي.

ما من عجب إذاً في أن الألواح الكبيرة الثقيلة في خيمة الاجتماع كانت قائمة على نحو متين استناداً إلى هكذا أساسات مكونة من قواعد الفضة المبرومة. ولا عجب أن المؤمن يمكنه الوقوف أمام الله اعتماداً على قيمة وكفاية عمل ربنا على الصليب الذي يشهد عليه انتصار القيامة.

كان هناك لوحان إضافيان عند الزاوية مضاعفان تربطهما معاً حلقة مستقرة على أربعة قواعد من الفضة، اثنتان لكل لوح، كتأكيد على فكرة الاستقرار والثبات التي نتحدث عنها.

ولعلّ المثال التوضيحي التالي من الكتاب المقدس يساعدنا أكثر على فهم مغزى القاعدتين. كان هناك تلميذان يجدّان السير عائدين إلى عمواس من أورشليم. كانا قد وضعا رجاءهما على المسيح، وها هو قد صُلِبَ الآن، ومات، وكان هذا هو اليوم الثالث على دفنه. وكانت قد سرت شائعات بأنه قد قام، ولكن لم يكن ثمة دليل قاطع على ذلك، فوقع هذان التلميذان في شك وكآبة مريرين.

فاقترب ربنا، الذي قام من الأموات منهما. ولكن أعينهما أُمسِكَت عن معرفته. واستفسر عن سبب حزنهما. وفي شكهما وحزنهما قالا: "ونحْنُ كُنَّا نَرْجُو أَنَّهُ هُوَ الْمُزْمِعُ أَنْ يَفْدِيَ إِسْرَائِيلَ. وَلَكِنْ مَعَ هَذَا كُلِّهِ الْيَوْمَ لَهُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ مُنْذُ حَدَثَ ذَلِكَ" (لوقا ٢٤: ٢١). ثم راح ذلك الغريب المجهول يفسّر لهما الكتب، طارحاً عليهما التساؤل: "أَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ بِهَذَا وَيَدْخُلُ إِلَى مَجْدِهِ؟" (لوقا ٢٤: ٢٦)، ما جعل قلبهما يتّقد في داخلهما، وجعلهما يتمسكان به للبقاء معهما، قائلين له: "«امْكُثْ مَعَنَا لأَنَّهُ نَحْوُ الْمَسَاءِ وَقَدْ مَالَ النَّهَارُ»".

لقد نزل عند رغبتهما بكل سرور، ليكتشفا أن ذلك الغريب، الذي ألهب قلبهما بتفسيره المنقطع النظير للكتب، ولبالغ سرورهما، ما كان سوى المخلص القائم، المنتصر على الخطيئة والموت والجحيم. وزالت الغشاوة عن أعينهما وهما يعاينان المسيح القائم واقفاً أمامهما. وإننا نتساءل: هل رأيا آثار المسامير في يديه المباركتين وهو يكسر الخبز في وليمة ذلك المساء المقدسة؟

انظروا كم كان هذان التلميذان غير ثابتين أو متيقنين بمجرد معرفتهما بموت المسيح. كان لابد من المسيح القائم لإقناعهما بقيمة ذلك العمل العظيم الذي أتمه على الصليب. لقد صار لموته معنى أكبر وأكمل على ضوء قيامته، أدركاه وهما يقفان أمامه في فرح وسرور بالغ لحضوره شخصياً معهما.

وما هي إلا لحظة بعد أن كشف نفسه لهما، حتى اختفى أمام ناظريهما. ولكن لم يعد هناك شك بعد. كان اللوحان مستقران آمنان على قاعدتي الفضة. إن يدي الإيمان، مثل تينك الرجلين، كانتا تمسكان بإحكام بالأساس الضخم. وهكذا يطمئن الله قلوبنا البائسة الضعيفة الإيمان.

الألواح المبنية معاً

حتى الآن كنا نعتبر أن كل لوح يمثل فرداً. وعلى كل حال، سوف لن نستطيع الحصول على فكرة صحيحة عما كان في فكر الله إلى أن نرى بأن اللوح كان يُقصَد به أن يكون جزءاً متكاملاً من كل خيمة الاجتماع. فما كان يُراد له أن يبقى لوحاً منفرداً "قائماً". لقد عُنيَ به أن يكون في حالة تجاور مع الألواح الأخرى، البالغة عشرين لوحاً في الجانب الجنوبي، وعشرين في الشمالي، ولوحين في زوايا خيمة الاجتماع، وستة في الجانب الغربي (خروج ٢٦: ٢٢ - ٢٥)، وأربعة أعمدة مع أربع قواعد لستارة الحجاب بين المقدس والأقداس، والتي تشكل في مجملها ١٠٠ قاعدة ضرورية لأساس الخيمة.

إلام كانت ترمز جميعاً؟ لقد انتقلنا من اللوح المفرد إلى الألواح "المبنية معاً". فما مغزى ذلك؟ والجواب هو أن الله يريد له شعباً يسكن في وسطه، بقعة يطبع اسم عليها. وهذا تم تحقيقه رمزياً في خيمة الاجتماع.

عندما نأتي إلى العهد الجديد نجد المرموز إليه من هذه. لقد كانت الألواح مبنية معاً. ونقرأ القول: "فَلَسْتُمْ إِذاً بَعْدُ غُرَبَاءَ وَنُزُلاً، بَلْ رَعِيَّةٌ مَعَ الْقِدِّيسِينَ وَأَهْلِ بَيْتِ اللهِ، مَبْنِيِّينَ عَلَى أَسَاسِ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ، وَيَسُوعُ الْمَسِيحُ نَفْسُهُ حَجَرُ الزَّاوِيَةِ" (أفسس ٢: ١٩، ٢٠). وأيضاً: "الَّذِي فِيهِ أَنْتُمْ أَيْضاً مَبْنِيُّونَ مَعاً، مَسْكَناً لِلَّهِ فِي الرُّوحِ" (أفسس ٢: ٢٢). ومرة أخرى: "كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضاً مَبْنِيِّينَ كَحِجَارَةٍ حَيَّةٍ، بَيْتاً رُوحِيّاً، كَهَنُوتاً مُقَدَّساً، لِتَقْدِيمِ ذَبَائِحَ رُوحِيَّةٍ مَقْبُولَةٍ عِنْدَ اللهِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ" (١ بطرس ٢: ٥).

الله لديه مسكن هنا على الأرض مشيد من شعبه المفتدى، الذي سُرَّ أن يسكن في وسطهم. كم هي جميلة إذاً الفكرة بأن المؤمنين يخلصون لا ليبقوا منفصلين فرادى، بل ليكونوا في شركة مسيحية رائعة، تشبه بناءً شيّده الروح القدس. كم يجب أن نثمّن ونقدّر هذه الشركة المترابطة المتينة. إنه حقاً ليقوينا ويشجعنا أن يكون شعب الله مترابطاً معاً ومع الرب بالروح القدس. ومن هنا نقرأ عن الرسل الأولين أنهم "وَكَانُوا يُواظِبُونَ عَلَى تَعْلِيمِ الرُّسُلِ وَالشَّرِكَةِ وَكَسْرِ الْخُبْزِ وَالصَّلَوَاتِ" (أعمال : ٢: ٤٢).

العوارض (القضبان) الخمسة

عندما وُضِعَت الألواح في مكانها، على كل جانب من جوانب خيمة الاجتماع وضعت هناك أيضاً خمسة قضبان أفقية. كان قضيبان يحيطان بالألواح من الأسفل واثنان يحيطان بها من الأعلى، ووضع قضيب في المنتصف بطريقة غير عادية. ونقرأ "وَالْعَارِضَةُ الْوُسْطَى فِي وَسَطِ الأَلْوَاحِ تَنْفُذُ مِنَ الطَّرَفِ إِلَى الطَّرَفِ" (خروج ٢٦: ٢٨)، بمعنى أنها كانت قد وُضِعَت بعيدة عن النظر. وهذه العارضة كانت تلف الألواح وتربطها معاً بقوة ومتانة شديدة. وهذا ضمن أن يكون البناء مُحكماً.

إلام ترمز العوارض الأربع الظاهرة للعيان؟ نعتقد أنها ترمز إلى المواهب التي منحها الرب الصاعد إلى السماء لكنيسته. وإلام ترمز العارضتان في أٍسفل الألواح؟ نعتقد أن الجواب هو الكنيسة، أو أعضاء الكنيسة، "مَبْنِيِّينَ عَلَى أَسَاسِ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ، وَيَسُوعُ الْمَسِيحُ نَفْسُهُ حَجَرُ الزَّاوِيَةِ" (أفسس ٢: ٢٠). ونجد ذلك بلغة مجازية رمزية: "وَسُورُ الْمَدِينَةِ (الكنيسة في الألفية) كَانَ لَهُ اثْنَا عَشَرَ أَسَاساً، وَعَلَيْهَا أَسْمَاءُ رُسُلِ الْحَمَلِ الاِثْنَيْ عَشَرَ" (رؤيا ٢١: ١٤). كم نحن مدينون للرسل والأنبياء لإدخالهم المسيحية إلى هذا العالم، بعملهم في تأسيس الجماعات والكنائس، ومن خلال كتاباتهم الملهمة.

إن يوحنا الرسول، وقد أرفق بقية الرسل في قوله، كتب: "الَّذِي رَأَيْنَاهُ وَسَمِعْنَاهُ نُخْبِرُكُمْ بِهِ، لِكَيْ يَكُونَ لَكُمْ أَيْضاً شَرِكَةٌ مَعَنَا. وَأَمَّا شَرِكَتُنَا نَحْنُ فَهِيَ مَعَ الآبِ وَمَعَ ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. وَنَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هَذَا لِكَيْ يَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلاً" (١ يوحنا ١: ٣، ٤). يا لروعة تلك الشركة، فأولاً معرفتهم بالمسيح قرّبت الرسل كل منهم إلى الآخر، ثم بنقل المعرفة إلينا، اجتذبوا المؤمنين إلى المسيح وإلى إخوتهم في الإيمان.

حريّ بنا أن نتذكر أن هؤلاء الأنبياء كانوا أنبياء العهد الجديد، وكان لهم مكانة مرموقة في كشف فكر الله للمسيحيين في عصر الكنيسة الأولى. وهذا نجده في الإصحاح الذي لا يُنسى الذي يتحدث عن التهذيب، أو البنيان، في الكنيسة، ذاك الذي نجده في (١ كورنثوس ١٤: ٢٩ - ٣١).

ماذا كان مغزى العارضتين في أعلى الألواح؟ نعتقد أنهم كانتا ترمزان إلى تلك المواهب الرائعة للكنيسة عند الرعاة والمعلمين. فهاتان قد أُعطيتا "لأَجْلِ تَكْمِيلِ الْقِدِّيسِينَ، لِعَمَلِ الْخِدْمَةِ، لِبُنْيَانِ جَسَدِ الْمَسِيحِ" (أفسس ٤: ١٢). فالمبشر لا يُولَد مبشراً. وإن الله هو الذي يعطيه هذه الموهبة، فيكون مباركاً خلال خدمته للخطاة وللعالم أجمع. ويحتاج من يهتدون على يده إلى راعٍ يرعاهم في شؤون الرب. وإن الكلمتان الدالتان على الراعي (الذي يرعى الخراف) والراعي (الذي يرعى الكنيسة) لهما أصل واحد في اللغة. ثم يأتي المعلم ليكشف الأمور العميقة المتعلقة بكلمة الله، وبذلك يبني شعب الله في إيمانهم. إن الراعي (أو القس) هو مثل الممرض. ألم يكتب الرسول بولس قائلاً: "كُنَّا مُتَرَفِّقِينَ فِي وَسَطِكُمْ كَمَا تُرَبِّي الْمُرْضِعَةُ أَوْلاَدَهَا" (١ تسالونيكي ٢: ٧). إن المعلم يشبه إلى حد كبير المدرس في المدرسة.

ولكن ما مغزى العارضة الطويلة المحتجبة عن النظر، قضيب الربط، المحفور والموضوع على طول الألواح من الطرف إلى الطرف؟ ما المعنى الرمزي المتعلق بهذه العارضة؟ ما من شك في أن هذه العارضة ترمز إلى الروح القدس في قوته وتأثيره غير المنظورين. فلولا تأثير روح الله القدس، وعمله الفعال وسط المؤمنين، لما أمكن أن يكون هناك تماسك أو ترابط بينهم. وحيث تكون هذه القوة أو التأثير ضعيفاً أو غائباً، يكون هناك انفصال، وانقسامات، وتَحَزُّبات، وطوائف وشيع. ولكن حيث يكون حضور الروح القدس قوياً فعالاً، فهناك سيسلك شعب الله في السلام والوحدة. لقد تأسس جسد المسيح (أي الكنيسة) في يوم العنصرة (عيد الخمسين)، عندما حلّ الروح القدس ساكناً في كل مؤمن، ليربطهم جميعاً إلى المسيح أولاً، رأس الجسد في السماء، وليوحدهم معاً على الأرض كأعضاء لجسده الواحد. "مُجْتَهِدِينَ أَنْ تَحْفَظُوا وَحْدَانِيَّةَ الرُّوحِ بِرِبَاطِ السَّلاَمِ. جَسَدٌ وَاحِدٌ، وَرُوحٌ وَاحِدٌ، كَمَا دُعِيتُمْ أَيْضاً فِي رَجَاءِ دَعْوَتِكُمُ الْوَاحِدِ" (أفسس ٤: ٣، ٤).

الألواح المغشاة بالذهب

وأخيراً نجد التعليمات التي أُعطيت لتغشية الألواح بالذهب، ولتزويد العوارض بخواتم ذهبية، وتغشية القضبان بالذهب. وإذ ترمز الألواح إلى المؤمنين، فإن الذهب لا يمكن أن يرمز إلى اللاهوت. بل إنه يرمز إلى البر الإلهي الذي به يقف المؤمن في حضرة الله.

ليس اعتباطياً التفسير بأن خشب السنط والذهب النقي يرمزان إلى ناسوت ولاهوت ربنا، في حين أننا نرى في هذه الحال، أن الخشب والذهب يرمزان إلى المؤمنين عندما لا ترفق بهما صفة "النقي". وعلاوة على ذلك وفيما يتعلق بخشب السنط والذهب النقي كصورة للارتباط بين تابوت العهد ومائدة خبز الوجوه، فإن التعليمات بتغشية خشب السنط بالذهب النقي تأتي بعد ذلك مباشرة، في حين أننا هنا نجد أن التعليمات عن صنع الألواح من خشب السنط تبدأ في (خروج ٢٦، ١٥)، ولا نجد التعليمات المتعلقة بتغشية الألواح بالذهب إلا عندما نصل إلى الآية ٢٩. وبين هاتين النقطتين، ترد ١٤ آية إجمالياً، وفيها التعليمات المتعلقة بالقواعد الفضية (الفداء).

ألا يوحي لنا هذا بفكرة أن المؤمن يدخل إلى معرفة مغفرة الخطايا (الفضة) أولاً، وأن ذلك البر (الذهب)، الدال على التبرير بشكل واضح، يتم الدخول إليه حين الوصول إلى الفهم الكامل لمعنى موت المسيح؟ في نفس الوقت، يمكننا القول بشكل واضح، أن الخاطئ في اللحظة التي يؤمن فيها ينال مغفرة الخطايا، والتبرير، ويكون برّ الله عليه، كلها معاً وبآن معاً، وذلك بمجرد إيمانه بالرب يسوع مخلصاً. وإذ نفهم ذلك يزداد إدراكنا وتقديرنا لهذه الأمور.

أيها المؤمن الحديث الإيمان، انظر إلى هذه الألواح القائمة وشاهد رمزياً ما أرادك الله أن تعرفه وتستمتع به. لقد كانت عند ذاك تبلغ عشرة أذرع ارتفاعاً، للدلالة إلى المسؤولية نحو الله، ولكنها كانت قائمة على قواعد فضية (الفداء). وإن الرجلين، أو اليدين، اللتين تمسكان بالأساس بإحكام، أي الخلاص بالإيمان وحده، كانت مغطاة بالذهب (البر الإلهي، بنتيجة الموت الكفاري لربنا)، وهذا رمز التبرير الذي يناله المؤمن للتو بمجرد إيمانه بالرب يسوع المسيح كمخلص ورب له. ومن هنا نقرأ "بِرُّ اللهِ بِالإِيمَانِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ إِلَى كُلِّ وَعَلَى (رمزياً الألواح المغشّاة بالذهب) كُلِّ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ" (رومية ٣: ٢٢). "مِنْهُ أَنْتُمْ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ الَّذِي صَارَ لَنَا حِكْمَةً مِنَ اللهِ وَبِرّاً وَقَدَاسَةً وَفِدَاءً" (١ كورنثوس ١: ٣٠).

وهنا نتذكر قصة النبيل الإنكليزي الذي اهتدى إلى الإيمان مئة بالمئة. لقد قرأ كلمة الله بمزيد من التوق. وفي أحد أيام الشتاء ووسط الثلوج في كندا، وإذ كان يمتطي جواده على رأس جنوده، طرأت إلى ذهنه الآية التي تقول: "َبِرُّكَ إِلَى الْعَلْيَاءِ يَا اللهُ الَّذِي صَنَعْتَ الْعَظَائِمَ. يَا اللهُ مَنْ مِثْلُكَ!" (مزمور ٧١: ١٩). لقد أتت الكتب بقوة كبيرة إلى روحه. فهتف صارخاً بفرح عظيم: "إذاً فأنا على ارتفاع علياء بر الله".

إن كان المسيح برّنا كمؤمنين، فهل نرفض تصديق ذلك؟ كلا، إن المؤمن الذي اهتدى البارحة هو بارٌّ في عين الله مثله مثل بولس الرسول في المجد. إن أصغر مؤمن له هبة الله بكاملها دون انتقاص، ولا فرق في ذلك بينه وبين أعظم القديسين. فابتهجوا، يا حديثي الإيمان، فإن برّ الله لكم بفضل عمل المسيح الفدائي على الصليب.

في محاكم القوانين البشرية من المستحيل أن تبرئ المذنب بدافع من العدالة الصارمة. ولكن عمل المسيح على الصليب كان بتلك الكفاية حتى أن الله يقدر على تبرير الخاطئ الفاجر، "وَأَمَّا الَّذِي لاَ يَعْمَلُ وَلَكِنْ يُؤْمِنُ بِالَّذِي يُبَرِّرُ الْفَاجِرَ فَإِيمَانُهُ يُحْسَبُ لَهُ بِرّاً" (رومية ٤: ٥).

حقيقة أن برّ الله يحلّ على الخاطئ الذي يؤمن نجد تصويراً لها بلغة واضحة في (لوقا ١٥)، حيث نقرأ أنه عندما عاد الابن الضال إلى أبيه بأسماله البالية وبؤسه، فإن الأب هتف بفرح نابع من أعماق قلبه أن "أَخْرِجُوا الْحُلَّةَ الأُولَى وَأَلْبِسُوهُ وَاجْعَلُوا خَاتَماً فِي يَدِهِ وَحِذَاءً فِي رِجْلَيْهِ وَقَدِّمُوا الْعِجْلَ الْمُسَمَّنَ وَاذْبَحُوهُ فَنَأْكُلَ وَنَفْرَحَ" (لوقا ١٥: ٢٢، ٢٣). إن برّ الله بالإيمان بيسوع المسيح هو بكل تأكيد "الحلّة الأولى" لكل المؤمنين.

إن التبرير هو أن يرى الله المؤمن الماثل أمامه بلا لوم وكأنه لم يرتكب خطيئة على الإطلاق. أيها القارئ هلا ابتهجت بهذه البركة الرائعة؟ لا شيء أقل من هذا يليق بحضور الله ورضاه.