الفصل ٦

المنارة الذهبية

(اقرأ خروج ٢٥: ٣١ – ٤٠؛ ٢٧: ٢٠ – ٢١؛ لاويين ٢٤: ١ – ٤؛ العدد ٨: ١ - ٤)

إن المنارة الذهبية كانت على الأرجح فانوساً، لأنها كانت تُضاء بالزيت. وفي الحديث عن المنارة الذهبية يجب أن نضع هذا في الحسبان.

لقد كانت مصنوعة من الذهب النقي. وخلافاً للمواد السابقة التي تمعنا فيها، فإنه لم يدخل خشب سنط في بنيتها، كما وأنه لا يتم ذكر قياساتها. لقد كانت تزن وزنةً من الذهب النقي (١١٤ أونصة)، وكانت تساوي حوالي ٥.٧٤٥ جنيهاً على القيمة المنخفضة في تلك الأيام. لقد صُنِعَت من قطعة واحدة، وكانت مزخرفة وأنيقة.

لم يكن في خيمة الاجتماع أي نافذة. وما كان من نور طبيعي يدخل إلى المقدس. إن ضوء المنارة الذهبية، وحده فقط، كان الضوء الذي ينير المقدس. وهذا يذكرنا بالكتاب المقدس: "الْمَدِينَةُ لاَ تَحْتَاجُ إِلَى الشَّمْسِ وَلاَ إِلَى الْقَمَرِ لِيُضِيئَا فِيهَا، لأَنَّ مَجْدَ اللهِ قَدْ أَنَارَهَا، وَالْحَمَلُ سِرَاجُهَا" (رؤيا ٢١: ٢٣).

من الواضح جداً بما لا لبس فيه أن المنارة الذهبية رمز لربنا. فأولاً هي مصنوعة من "الذهب النقي" الذي يرمز دائماً إلى مجد لاهوت الرب. ثم أنه لم تكن فيها قياسات، لأنها تمثل المسيح في مجده بكل اكتمال وبركة شخصه وعمله. فنقرأ: "فِي الشُّعْبَةِ الْوَاحِدَةِ ثَلاَثُ كَأْسَاتٍ لَوْزِيَّةٍ بِعُجْرَةٍ وَزَهْرٍ. وَفِي الشُّعْبَةِ الثَّانِيَةِ ثَلاَثُ كَأْسَاتٍ لَوْزِيَّةٍ بِعُجْرَةٍ وَزَهْرٍ. وَهَكَذَا إِلَى السِّتِّ الشُّعَبِ الْخَارِجَةِ مِنَ الْمَنَارَةِ. وَفِي الْمَنَارَةِ أَرْبَعُ كَأْسَاتٍ لَوْزِيَّةٍ بِعُجَرِهَا وَأَزْهَارِهَا" (خروج ٢٥: ٣٣، ٣٤). ونذكّركم بما قلناه عن عصا هارون التي أينعت، وأزهرت، وأنضجت لوزاً خلال ليلة رمزاً لربنا في قيامته، التي ترمز إلى الحياة البازغة من الموت. هذه الزخارف متعلقة بهذا التعليم وتظهر بوضوح على أنها رمز للمسيح في المكانة التي ضمنها لنا بالقيامة بنتيجة موته الكفاري. إنه أمر جميل أن نلاحظ كيف أن الكتاب المقدس مرتبطة أجزاؤه بعضها ببعض، وتؤكد وتوضح معناها، إذ تلقي الضوء على بعضها البعض.

تحدثنا إلى الآن عن المنارة الذهبية لكونها حاملة للنور. ولكن ماذا عن النور نفسه؟ نعلم أن هذه السّرج كانت تُضاء بالزيت، والزيت هو رمز لثالث الثالوث القدوس، ألا وهو الروح القدس. كيف يشرق النور للمسيحيين اليوم؟ لم يعد المسيح على الأرض. لقد صعد إلى يمين جلال الله في الأعالي. فكيف يشرق النور، إذاً، على المسيحيين اليوم؟ جواباً على ذلك نشير إلى أن ربنا الذي صعد إلى السماء قد أرسل الروح القدس إلى هذا العالم بطريقة خاصة جداً بما يتعلق بكنيسة الله على هذه الأرض. ولذلك نقرأ: "وَمَتَى جَاءَ الْمُعَزِّي الَّذِي سَأُرْسِلُهُ أَنَا إِلَيْكُمْ مِنَ الآبِ رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي مِنْ عِنْدِ الآبِ يَنْبَثِقُ فَهُوَ يَشْهَدُ لِي" (يوحنا ١٥: ٢٦).إننا نعتقد أن الزيت هو رمز واضح لروح الله القدس الذي يشهد للمسيح، وهذا يضع نور المسيح في قلوب المؤمنين.

الآية في (عدد ٨: ٢) تؤكد على ذلك بشكل أروع ما يكون. فنقرأ: "«قُل لِهَارُونَ: مَتَى رَفَعْتَ السُّرُجَ فَإِلى قُدَّامِ المَنَارَةِ تُضِيءُ السُّرُجُ السَّبْعَةُ»". من الواضح أن السرج كانت قد رُتِّبَت هكذا لكي تضيء المنارة الذهبية الجميلة، وإن الزخرف المكون من البراعم والزهور واللوز، التي هي رمز للحقيقة الكبيرة المتعلقة بالحياة المنبعثة من الموت، والتي معرفتنا كلياً بها، والبركة في المسيح، تقوم على أساس القيامة المجيدة، التي هي دليل على قبول الله لموته الكفاري، وبهذا أعطاه الحرية ليباركنا بطريقته الرائعة هذه.

على كل ساق (أو شعبة) جانبية من المنارة كانت هناك ثلاثة كاسات، لوزية الشكل، مع بعجزها وزهورها. والعدد (٣) بالتأكيد رمز للشهادة الكاملة للروح القدس على مجد المسيح في شخصه وعمله. وإن الشعبة المركزية كانت تحوي على أربعة كأسات بعجزها وأزهارها، دلالة على أن شخص ربنا وعمله، ومجدهما، هو للعالم أجمع. وللأسف، إن العالم أجمع لا يستجيب. كان للمنارة الذهبية سبعة شُعَب، رمز النشاطات المتعددة الجوانب للروح القدس في شهادته للمسيح. وإن سفر الرؤيا يذكر أربع مرات الأرواح السبع لله. وفي مقطع محدد نجد القول: "سَبْعَةُ مَصَابِيحِ نَارٍ مُتَّقِدَةٌ، هِيَ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ اللهِ" (رؤيا ٤: ٥). وفي (أفسس ٤: ٤) نقرأ بشكل واضح صريح أن هناك "َرُوحٌ وَاحِدٌ". وهذا صحيح بالتأكيد. فرغم أن هناك سبع شُعَبٍ في المنارة، إلا أن هناك منارة واحدة فقط. ورغم أن هناك سبع سرج تضيء إلا أن نوراً واحداً ينبثق منها.

إن الآية في (أشعياء ١١: ١، ٢) توضح ذلك. فنقرأ: "وَيَخْرُجُ قَضِيبٌ مِنْ جِذْعِ يَسَّى وَيَنْبُتُ غُصْنٌ مِنْ أُصُولِهِ. وَيَحِلُّ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ رُوحُ الْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ رُوحُ الْمَشُورَةِ وَالْقُوَّةِ رُوحُ الْمَعْرِفَةِ وَمَخَافَةِ الرَّبِّ". فهنا نجد ثلاثة ثنائيات تشكل مع تعبير "روح الرب" سبعة أوصاف لروح الله الواحدة.

ليس هناك ذكر لأبعاد المنارة الذهبية، التي ترمز إلى الكمال اللامتناهي لربنا القائم. فرغم أنه حمل الناسوت إلى عرش الله، ولم يتخلّ عنه من ذلك الحين وصاعداً، فإننا نجد التفسير لعدم ذكر أبعاد المنارة في الآية "فَإِنَّهُ فِيهِ يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ اللاَّهُوتِ جَسَدِيّاً" (كولوسي ٢: ٩).

من الواضح أن نور الله الكامل ما كان ليشرق إلى أن قام المسيح وصعد إلى السماء. لقد كان رائعاً على الأرض نوراً للعالم، ومع ذلك فما كان للحق الكامل أن يظهر على نحو كامل لولا ذلك. فبعد القيامة فقط أمكن للرب أن يقول لمريم: "«... اذْهَبِي إِلَى إِخْوَتِي وَقُولِي لَهُمْ: إِنِّي أَصْعَدُ إِلَى أَبِي وَأَبِيكُمْ وَإِلَهِي وَإِلَهِكُمْ»" (يوحنا ٢٠: ١٧)، وفي هذا الإعلان عن العلاقة الجديدة والرائعة التي أنشأتها المحبة الإلهية بفضل موته وقيامته، وبقوة الروح القدس.

وأيضاً، لم يحدث إلا بعد قيامة المسيح وصعوده، واتخاذه لمكانه في الأعالي، ونزول الروح القدس بتلك الطريقة الكاملة المحددة التي تميز المسيحية، بعد كل ذلك فقط أمكن إظهار حقيقة الجسد الواحد، ذلك السر الخفي منذ كل الدهور. "جَسَدٌ وَاحِدٌ، وَرُوحٌ وَاحِدٌ، كَمَا دُعِيتُمْ أَيْضاً فِي رَجَاءِ دَعْوَتِكُمُ الْوَاحِدِ" (أفسس ٤: ٤).

كانت المنارة قد صُنِعَت خراطة واحدة. حتى في المجد سيكون هناك إلى الأبد تذكار وشهادة على المحبة المذهلة لربنا في تحمله لجراح الصليب لأجلنا. "وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا" (أشعياء ٥٣: ٥). لقد قال الله الرسول يوحنا : "«لاَ تَبْكِ. هُوَذَا قَدْ غَلَبَ الأَسَدُ الَّذِي مِنْ سِبْطِ يَهُوذَا، أَصْلُ دَاوُدَ، لِيَفْتَحَ السِّفْرَ وَيَفُكَّ خُتُومَهُ السَّبْعَةَ»" (رؤيا: ٥: ٥). وعندما نظر، فإذا "حَمَلٌ قَائِمٌ كَأَنَّهُ مَذْبُوحٌ، لَهُ سَبْعَةُ قُرُونٍ وَسَبْعُ أَعْيُنٍ، هِيَ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ اللهِ الْمُرْسَلَةُ إِلَى كُلِّ الأَرْضِ". وعندما تتراءى المدينة المجيدة، رمز الكنيسة في الألفية، يتم التعريف عنها بأنها "الْعَرُوس امْرَأَة الْحَمَلِ" (رؤيا ٢١: ٩).

كانت هناك أدوات تصاحب خدمة المنارة. فنقرأ: "وَمَلاَقِطُهَا وَمَنَافِضُهَا مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ" (خروج ٢٥: ٣٨). لقد تحدثنا عن المنارة، أو الفانوس، وهي رمز للمسيح نفسه؛ والزيت، رمز الروح القدس، ولكن ليس هناك ذكر للفتيل، الذي لا يمكن أن يكون هناك نور من دونه. ولكن المنافض تدل ضمناً على هذا بشكل واضح. كان يجب استخدامها لإزالة الجزء المحترق من الفتيل بعد ساعات من الاحتراق، وذلك لكي يبقى النور غير محتجب، وفي كامل قوته. لا يمكننا أن نعتبر أن المنافض هي إشارة إلى الروح القدس. هذا واضح. ولكننا نعلم أن الروح القدس يستخدم آنية بشرية تفيض من خلالها خدمته. فلدينا المواهب – الرسل، والأنبياء، والرعاة والمعلمين، والأعوان، ومفاصل جسد المسيح.

إذا كان الروح القدس يستخدم آنية بشرية، فهناك مجال لخدمة تقويمية، وبمعنى آخر الحاجة إلى المنافض. لنأخذ حالة الرسول بطرس على سبيل المثال. لقد كان يتوق ليثبت إخلاصه وتكرسه للرب، ولكن أي ثقة بالنفس كانت تمتزج بذلك! لقد أنكر ربه بأغلظ اليمين واللعنة. لقد استخدم المسيح قصة سقوطه ليعلّم خادمه المندفع دروساً ضرورية للغاية. إن المنافض الذهبية كانت تستخدم لهدف هام. انظر كم كان النور مشرقاً في يوم العنصرة، وأعطى شهادة للمسيح بأبهى قوة، وانضمت ثلاثة آلاف نفس إلى الرب.

أو لنأخذ حالة الرسول بولس. لعله انتفخ مزهواً فوق العادة بالأمور الرائعة التي رآها وسمعها في السماء الثالثة، فأعطاه الرب شوكة في الجسد، ملاك شيطان ليلطمه لئلا يرتفع. لقد كانت المنافض الذهبية تقوم بعملها. لقد قوى الروح القدس بولس للقيام بذلك العمل الجبار في تأسيس الجماعات المسيحية، وإعطاء النور والبركة إلى كنيسة الله برمتها.

ولنتذكر أن المنارة الذهبية كانت تحمل النور: إن الزيت هو رمز الروح القدس الذي يبعث النور. والفتيل هو المؤمنون عندما يستخدمهم الروح القدس، فينقلون النور. ولكن تذكروا أن الكنيسة ليست غايتها التعليم. وليست الكنيسة منبع النور. الكنيسة تتبلور عندما يبقى شعب الله في حالة مشاركة متواضعة ويفرقون ذاتهم كي يملأها الله ويستخدمهم. وبالروح القدس، رمز الكنيسة في الألفية، نقرأ: "وَتَمْشِي شُعُوبُ الْمُخَلَّصِينَ بِنُورِهَا" (رؤيا ٢١: ٢٤). ولكن ذلك النور ليس نور الكنيسة. في الآية السابقة التي اقتبسناها للتو نقرأ: "وَالْمَدِينَةُ لاَ تَحْتَاجُ إِلَى الشَّمْسِ وَلاَ إِلَى الْقَمَرِ لِيُضِيئَا فِيهَا، لأَنَّ مَجْدَ اللهِ قَدْ أَنَارَهَا، وَالْحَمَلُ سِرَاجُهَا". إنه نور الله والحمل يشرق في المدينة التي تعطي النور لشعوب المخلصين. ما لم نفهم ذلك بوضوح نكون في خطر التصوف.

"أنا من فعلت هذا، أنا من فعلت ذاك،
لا يا أخي، لا تفكر هكذا، ولا تقل ذلك،
أي نبع يملأ فراغك.
لقد ذوى الفتيل وغدا ثخيناً،
بدل أن يبقى ضئيلاً نحيلاً."