الفصل ١١

دار المسكن في خيمة الاجتماع

(اقرأ خروج ٢٧: ٩ – ١٩)

إن العدد (٥) ومضاعفاته مذهل للغاية في طريقة طباعته على دار المسكن في خيمة الاجتماع. فستائر البوص المبروم كانت تبلغ خمسة أذرع في ارتفاعها، وكان طولها إلى جهة الجنوب مئة ذراع، وكانت أعمدتها عشرون: وطولها من جهة الشمال كان مئة ذراع، وأعمدتها عشرون: وكان عرضها من جهة الغرب خمسين ذراع وأعمدها عشرة. ولذلك كان بين الأعمدة، ستائر مربعة من الكتان، تبلغ ٥ أذرع طولاً وعرضاً.

هذه الستائر الكتانية المربعة الشكل كانت ترمز إلى حياة ربنا بكل نقاوتها وقداستها. كانت الأعمدة مرتبطة بعصائب من نحاس، ورزز من الفضة وقواعد من النحاس، وهذا كان يرمز إلى حقيقة أنه لولا أنه تم إرضاء مطاليب قداسة الله على الصليب، لما كان هناك تمثيل لحياة ربنا الرائعة في شهادة العالم له: "هَذَا هُوَ الَّذِي أَتَى بِمَاءٍ وَدَمٍ، يَسُوعُ الْمَسِيحُ. لاَ بِالْمَاءِ فَقَطْ، بَلْ بِالْمَاءِ وَالدَّمِ. وَالرُّوحُ هُوَ الَّذِي يَشْهَدُ، لأَنَّ الرُّوحَ هُوَ الْحَقُّ" (١ يوحنا ٥: ٦).

إن الطول الإجمالي للستارة ذو مغزى:—

١٠٠ ذراع من جهة الشمال
١٠٠ ذراع من جهة الجنوب
٥٠ ذراع من جهة الغرب
٣٠ ذراع من جهة الشرق
فيبلغ الطول الإجمالي ٢٨٠ ذراعاً

كان هذا، إن كنتم لا زلتم تذكرون، هو طول الستائر الداخلية الجميلة، التي كانت أمام ناظري الكهنة فقط. إن الستارة المصنوعة من الكتان الناعم تؤكد لكل المحلة الشهادة بنقاء حياة ربنا. فلم يكن هناك أي تعارض أو تضارب بين حياته الخارجية، وحياته الداخلية. وعندما سُئِلَ: "«مَنْ أَنْتَ؟» فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «أَنَا مِنَ الْبَدْءِ مَا أُكَلِّمُكُمْ أَيْضاً بِهِ»" (يوحنا ٨: ٢٥). ما الفرق بين الغطاء المصنوع من جلود التخس والستارة المصنوعة من الكتان الأبيض الناعم؟ الجواب هو أن الأولى هو ما رآه الإنسان غير المؤمن في حياته؛ أما الأخير، فهو رمز النقاوة التي أظهر نفسه بها إلى العالم. لقد رأى الإنسان أن "لا جمال يمكن أن يرغب فيه". بالتأكيد إن إنسانيته التي لا مثيل لها قد اجتذبت انتباههم. "«لَمْ يَتَكَلَّمْ قَطُّ إِنْسَانٌ هَكَذَا مِثْلَ هَذَا الإِنْسَانِ»" (يوحنا ٧: ٤٦)، هذه كانت شهادة خُدَّامُ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْفَرِّيسِيِّينَ، الذين كانوا قد أُرسِلُوا ليأخذوه، ولكن شهادته أعجزتهم عن ذلك، وعادوا صفر اليدين. وكان الناس "َيَتَعَجَّبُونَ مِنْ كَلِمَاتِ النِّعْمَةِ الْخَارِجَةِ مِنْ فَمِهِ" (لوقا ٤: ٢٢). للأسف، هؤلاء الناس لم يقبلوا تلك الشهادة الرائعة.
بوابة الفناء

إن الخمسين ذراعاً من الستارة مع أعمدتها العشر كانت موزعة على النحو التالي:—

١٥ ذراعاً و٣ أعمدة
٢٠ ذراعاً و٤ أعمدة
١٥ ذراعاً و٣ أعمدة
المجموع ٥٠ ذراعاً و١٠ أعمدة

نلاحظ من جديد مضاعفات العدد (٥) التي ترد هنا بشكل عجيب مذهل. وإن الأعمدة الأربعة التي عند بوابة الفناء تلفت الانتباه، لأنها تدل رمزياً على أن مدخلها هو لكل أرجاء العالم، وليس لشعب واحد، أو لعائلة واحدة، أو للكهنة، بل إلى كل العالم حيثما يوجد الإنسان. إن ستارة بوابة دار المسكن كانت أكثر من كتان مبروم وحسب، فقد كانت "صنعة الطراز" وكان فيه اسمانجوني وقرمز وأرجوان. ولقد رأينا لتونا ما مغزى أو رمز هذه.

إن باب الفناء أو الدار هو رمز إلى المسيح الذي قال: "أنا هو الباب" (يوحنا ١٠: ٩). "أنا الطريق" (يوحنا ١٤: ٦). "يُوجَدُ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ اللهِ وَالنَّاسِ: الإِنْسَانُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ" (١ تيموثاوس ٢: ٥). "لَيْسَ اسْمٌ آخَرُ تَحْتَ السَّمَاءِ قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ النَّاسِ بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ" (أعمال ٤: ١٢)." لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي" (يوحنا ١٤: ٦). هذه الآيات خرجت على فمه نفسه. فلا الدموع، ولا الصلوات، أو الإماتات أو المشاعر أو تقديم التضحيات في ساحة المعارك، بل بالمسيح وحده، وبفضل موته الكفاري على الصليب.

إن العدد (٥) ومضاعفاته يدل على المسؤولية وقد حُمِلَت، لأن الأعمدة التي كانت تدعم ستارة الكتان الناعم كانت ترتكز على قواعد من نحاس، للإشارة إلى موت ربنا الكفاري. وإن الأزرق والأرجوان والقرمز ترمز إلى أمجاده الشخصية والوظيفية. ولم يكن من كروبين مشغول على المدخل. النعمة المطلقة المجردة كانت وحدها هناك وتشير إليها البوابة الجميلة رمزياً.

كان هناك مدخل واحد فقط للجميع؛ مدخل واحد فقط إلى المقدس يمر به الكهنة؛ ومدخل واحد فقط إلى قدس الأقداس يعبره رئيس الكهنة.

المسامير والحبال

إن كان الكتان الأبيض في ساحة الدار يرمز إلى المسيح بشكل رئيسي من ناحية شهادة حياته الخالية من كل عيب، إلا أنه من جهة أخرى يعلم المؤمن بأنه عليه أن يكون شهادة للمسيح في هذا العالم. وللأسف، إن كثيرين منا ينهارون في حياتنا اليومية، وينسون أن البر لا يُقاس بأعمال الإحسان والصدقة، بل بالأعمال التي نقوم بها نحو الآخرين بالنعمة التي وضعنا الله فيها.

بهذا المعنى الأخير يصبح للمسامير والحبال مغزى رمزي ألا وهو أننا لا نستطيع أن نشهد بقوتنا الذاتية. فكما أن الأعمدة كانت تمسك بها قوة خارجة عنها، فكذلك المؤمن يستطيع أن يُؤَيَّد بالشهادة بقوة روح قدس الله.