الفصل ٢٢

تطهير المجذوم

(اقرأ لا ويين ١٣، ١٤)

الجذام مرض مخيف في طبيعته. إن كل الأمراض هي نتيجة الخطيئة، ولكن مرض الجذام غير القابل للشفاء، والذي يشوه ضحاياه على ذلك النحو، مبتدئاً بمفصل، ثم ينتقل لينهش الأصابع في اليدين والقدمين، وبعدها يهتري الأنف، ويتساقط الشعر، إلى أن يصبح المسكين المصاب على هيئة يُرثى لها، كل ذلك يجعل من مرض الجذام علامة فاجعة للخطيئة بطبيعته المستديمة المشوهة النجسة والمعدية، لدرجة أن المُصاب يُعزل عن الجميع.

ورد ذكر الجذام لأول مرة في الكتاب المقدس عندما قال الرب لموسى أن يضع يده في صدره، وعندما أخرجها من عبّه "إذَا يَدُهُ بَرْصَاءُ مِثْلَ الثَّلْجِ" (خروج ٤: ٦)، وكأنه بذلك يؤكد للشعب حقيقة ما يتفوّه به النبي. "مِنْ أَسْفَلِ الْقَدَمِ إِلَى الرَّأْسِ لَيْسَ فِيهِ صِحَّةٌ بَلْ جُرْحٌ وَأَحْبَاطٌ وَضَرْبَةٌ طَرِيَّةٌ لَمْ تُعْصَرْ وَلَمْ تُعْصَبْ وَلَمْ تُلَيَّنْ بِالزَّيْتِ" (أشعياء ١: ٦).

يقدم لنا (لاويين ١٣) تشخيصاً دقيقاً جداً لهذا الداء، وذلك كي يحدد الكاهن فيما إذا كان الإنسان مصاباً بالجذام أم لا. فبقعة واحدة مصابة مع بعض الأعراض كانت لتحدد إذا ما كان المرء مجذوماً. إن بقعة واحدة تكشف حالة المرض الداخلية، كما أن الخطيئة تأتي من طبيعة خاطئة. يا لصلاح الله كيف أنه يعطينا هذا التمثيل الحيوي لماهية الخطيئة في حضرته. إن لطخة واحدة يمكن أن تكشف عن الإصابة بالمرض، ولكن من جهة أخرى إذا كان الجسد كله يراه الكاهن مصاباً بالبرص من الرأس إلى أخمص القدمين ، "وَرَأى الْكَاهِنُ وَإذَا الْبَرَصُ قَدْ غَطَّى كُلَّ جِسْمِهِ يَحْكُمُ بِطَهَارَةِ الْمَضْرُوبِ. كُلُّهُ قَدِ ابْيَضَّ. انَّهُ طَاهِرٌ" (لاويين ١٣: ١٣). وهذا يعني أنه عندما يكون الخاطئ في كامل حالة الخطيئة، فعندئذ يمكن أن ينال رحمة من لدُنِ الله، ويتبارك. وهنا نتذكر حالة أيوب من العهد القديم وبولس من العهد الجديد ضمن هذا السياق.

لقد كان أيوب رجلاً رائعاً، مستقيماً باراً، وكاملاً في سلوكه، وكريماً، وموضع احترام الجميع كباراً وصغاراً، وعندها اختبره الشيطان، وسمح الله بتجريده من الثروة والعائلة في يوم واحد، وأن يعذّب بِقُرْحٍ رَدِيءٍ مِنْ بَاطِنِ قَدَمِهِ إِلَى هَامَتِه، وأن يعذِّبَه ويُغضبه أصدقاؤُه الثلاثة الميالون إلى الانتقاد اللاذع، متهمين إياه بالنفاق، وهذا ما لم يكن عليه. وعندما تكلم الله إليه أخيراً، فوجِئَ بمدى تقديره أمام الله. "اِسْمَعِ الآنَ وَأَنَا أَتَكَلَّمُ. أَسْأَلُكَ فَتُعَلِّمُنِي. بِسَمْعِ الأُذُنِ قَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ وَالآنَ رَأَتْكَ عَيْنِي. لِذَلِكَ أَرْفُضُ وَأَنْدَمُ فِي التُّرَابِ وَالرَّمَادِ" (أيوب ٤٢: ٤- ٦).

ولنأخذ مثال شاول الطرسوسي. كم كان رائعاً كإنسان في الجسد. لقد كان مخلصاً أكثر من أي إنسان على الأرض. وفيما يخص البر بالناموس فقد كان بلا لوم. ولكن في أحد الأيام تراءى المسيح له. فرأى نوراً يفوق ضياء الشمس الساطعة. ووقع أرضاً، وعلم في لحظة أن من كان يقاومه، ويسوق أتباعه المتواضعين بقسوة إلى السجون، ويعرضهم إلى الموت، لم يكن سوى ابن الله، المخلص المجيد، القائم والمنتصر والجالس عن يمين الله. فأخذ قلمه وكتب: "صَادِقَةٌ هِيَ الْكَلِمَةُ وَمُسْتَحِقَّةٌ كُلَّ قُبُولٍ: أَنَّ الْمَسِيحَ يَسُوعَ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ لِيُخَلِّصَ الْخُطَاةَ الَّذِينَ أَوَّلُهُمْ أَنَا" (١ تيموثاوس ١: ١٥). لقد كان الجذام يغطي كل جسده. لقد كان طاهراً.

لابد أن نكون منتبهين هنا. فالجسد، أي الطبيعة الشريرة الساقطة التي وُلدنا بها، هي جسد دائماً وأبداً. وليس لها شفاء من ذلك. "إِنْ قُلْنَا إِنَّهُ لَيْسَ لَنَا خَطِيَّةٌ نُضِلُّ أَنْفُسَنَا وَلَيْسَ الْحَقُّ فِينَا" (١ يوحنا ١: ٨)، رغم أنه يقول في  الآية التي تسبقها "َدَمُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ".

إن الرمز لا يمكن أن يتعدى فهم الخاطئ لإثمه بالكامل، وإذ له تلك الحالة أمام الله، إذ ينظر إليه الله على أنه طاهر، فإننا نعرف تماماً وبشكل جيد أنه بذبيحة المسيح الكفارية فقط تأتي البركة لأي إنسان كان.

عندما كان يُعلَن شخصٌ ما مجذوماً كم كانت حالته تثير الشفقة! ونقرأ "وَالأبْرَصُ الَّذِي فِيهِ الضَّرْبَةُ تَكُونُ ثِيَابُهُ مَشْقُوقَةً وَرَأسُهُ يَكُونُ مَكْشُوفا وَيُغَطِّي شَارِبَيْهِ وَيُنَادِي: نَجِسٌ نَجِسٌ. كُلَّ الأيَّامِ الَّتِي تَكُونُ الضَّرْبَةُ فِيهِ يَكُونُ نَجِساً. انَّهُ نَجِسٌ. يُقِيمُ وَحْدَهُ. خَارِجَ الْمَحَلَّةِ يَكُونُ مَقَامُهُ" (لاويين ١٣: ٤٥، ٤٦).

لم يكن المجذوم يقيم وحده وحسب، بل كان يُعزَل عن الناس أيضاً. أليس في هذا رمز إلى الخطيئة التي تعزل النفس عن الشركة مع الله؟ قد تكون لدى المؤمن خطيئة من ذلك النوع الذي يحرمه من شركة القديسين على الأرض، كما في حالة ذلك الرجل المتهم بسفاح القربى في (١ كورنثوس ٥). فهناك "داخل" و"خارج" جماعة الله، الذي هو مكان القداسة، حيث يُدان الشر ويعالج، عندما يحدث، كما أن هناك داخل وخارج المحلة بالنسبة للإسرائيليين.

في (لاويين ١٤) نقرأ عن بيت ابتُلي بالجذام. وعندما ثبت ذلك توجب إفراغ البيت وهدّه وأخذ الرمال والتراب الناجمة عن ذلك إلى مكان غير نظيف. وكانت تُستخدم بقية الحجارة والجص، ولكن إذا أصاب البلاء البيت ثانية، فإنه "برصٌ مُفسِدٌ" ليس له شفاء، وهذا يستوجب ردم البيت، ونقل الحجارة، وأخشاب البناء، والجص، وكل شيء إلى مكان غير نظيف.

ألا نلاحظ مثل هؤلاء في وقتنا الحاضر؟ خذ مثلاً هذه الهيئات التي تقول أنها تعترف بالمسيح، والتي تخطيء في عقائدها المتعلقة بشخص ربنا وموته الكفاري، أليس لديهم "بَرصٌ مُفسِدٌ" في وسطهم؟ وانظر أيضاً تلك البدع مثل أخوة المسيح (الناكرون لعقيدة الثالوث)، والسبتيين، والقائلين بفجر الألفية، وشهود يهوه، وحركة العلماء المسيحيين، وغيرهم، أليسوا هم أيضاً على نفس الحال، بيوتٌ مبتلية بالجذام؟

إنها تعاليم مليئة بالتجديف وهي غير مسيحية في الحقيقة. إنها "بَرصٌ مُفسِدٌ".

إن تطهير الشخص الذي يُشفى من الجذام فيه الكثير من التعليم الرمزي. فكان الكاهن يأمر أنْ يُؤْخَذَ لِلْمُتَطَهِّرِ عُصْفُورَانِ حَيَّانِ طَاهِرَانِ وَخَشَبُ أرْزٍ وَقِرْمِزٌ وَزُوفَا. وَيَأمُرُ الْكَاهِنُ أنْ يُذْبَحَ الْعُصْفُورُ الْوَاحِدُ فِي إنَاءِ خَزَفٍ عَلَى مَاءٍ حَيٍّ. أمَّا الْعُصْفُورُ الْحَيُّ فَيَأخُذُهُ مَعَ خَشَبِ الأرْزِ وَالْقِرْمِزِ وَالزُّوفَا وَيَغْمِسُهَا مَعَ الْعُصْفُورِ الْحَيِّ فِي دَمِ الْعُصْفُورِ الْمَذْبُوحِ عَلَى الْمَاءِ الْحَيِّ، وَيَنْضِحُ عَلَى الْمُتَطَهِّرِ مِنَ الْبَرَصِ سَبْعَ مَرَّاتٍ فَيُطَهِّرُهُ ثُمَّ يُطْلِقُ الْعُصْفُورَ الْحَيَّ عَلَى وَجْهِ الصَّحْرَاءِ.

دعونا نتوقف هنا. كم هي مؤثرة هذه الرموز! إن العصفور المذبوح هو رمزٌ لربنا، الذي مات ليطهرنا بدمه الثمين. لقد ذُبِحَ الْعُصْفُورُ الْوَاحِدُ فِي إنَاءِ خَزَفٍ. وإن ربنا الذي كان إلهاً من إله، الله الابن السرمدي، صار إنساناً وبذلك صار في "إنَاءِ خَزَفٍ". "هَيَّأْتَ لِي جَسَداً" (عبرانيين ١٠: ٥). لقد ذُبِحَ الْعُصْفُورِ عَلَى "الْمَاءِ الْحَيِّ". الماء هو رمزٌ لكلمة الله التي طبّقها الروح القدس، والماء الحي يرمز إلى الروح القدس في الفعل. "ا لْمَسِيحِ، ... بِرُوحٍ أَزَلِيٍّ قَدَّمَ نَفْسَهُ لِلَّهِ بِلاَ عَيْبٍ" (عبرانيين ٩: ١٤).

وبالنسبة للعصفور الحي فقد كان متوحداً بالعصفور المذبوح، نظراً لأنه كان منغمساً في دمه. وإن إطلاق الْعُصْفُورَ الْحَيَّ عَلَى وَجْهِ الصَّحْرَاءِ، سمح له بالطيران إلى السماء، حيث كان، وهذا يرينا كيف أن ربنا المبارك قد خضع للموت من أجل خطايانا، وقام من بين الأموات ظافراً، وصعد إلى المجد، دليل النصر الذي حققه. يا لها من شهادة! فكما أن العصفور الذي اصطبغ جناحه بالدم طار إلى السماء، كذلك نقرأ عن المسيح أنه "َلَيْسَ بِدَمِ تُيُوسٍ وَعُجُولٍ، بَلْ بِدَمِ نَفْسِهِ، دَخَلَ مَرَّةً وَاحِدَةً إِلَى الأَقْدَاسِ، فَوَجَدَ فِدَاءً أَبَدِيّاً" (عبرانيين ٩: ١٢). ليس فقط العصفور الحي هو الذي غُمس بدم العصفور المذبوح بل أيضاً خَشَب الأرْزِ وَالْقِرْمِز وَالزُّوفَا. إن خَشَب الأرْزِ وَالْقِرْمِز يرمزان إلى الإنسان بكل عظمته. ونجد سليمان يقول عن الأشجار: "مِنَ الأَرْزِ الَّذِي فِي لُبْنَانَ إِلَى الزُّوفَا النَّابِتِ فِي الْحَائِطِ. وَتَكَلَّمَ عَنِ الْبَهَائِمِ وَعَنِ الطَّيْرِ وَعَنِ الدَّبِيبِ وَعَنِ السَّمَكِ" (ا ملوك ٤: ٣٣). إن انحدار ربنا الوديع منخفض الجناح من عرش الله إلى المذود في بيت لحم، وإلى صليب الجلجثة، يجعل كل عظمة الإنسان مجرد تراب. ألا نجد في ترنيمة اسحق وات انغماس الأرز والقرمز في الدم؟

"عندما نُعاين الصليب العجيب،
الذي مات عليه أمير المجد،
نشعر أن أثمن ما لدينا هو سدى،
ونخزى من كل كبريائنا".

وبالنسبة للزوفا، وإذ يمثل ما هو وضيع في الطبيعة، فإن كثيرين يظنون أن على البؤساء أن يتباركوا بسبب قدرهم التعيس في هذه الحياة، لكن الزوفا المغموس بالدم يطرح تلك الفكرة جانباً. إننا جميعاً خطأة. إن كل هذا يوجزه ما قاله الملك إدوارد السابع وهو يحتضر، فقد سأل بريبنداري كارليل، مؤسس جيش الكنيسة، كيف كان المتسولون عنده. وقبل أن يتسنى لبريبنداري أن يجيب، استأنف الملك حديثه قائلاً: "لاحظ يا كارليل، إن أولئك المتسولين (الزوفا) والملوك (الأرز والقرمز) كلاهما على حد سواء بحاجة لنفس المخلّص". يا له من درس تعلّمه ملك في مثل منزلته الرفيعة تلك.

وبعد ذلك نأتي إلى التفاصيل المعقدة المتعلقة بالتطهير، والتي تخبرنا بوضوح أنه لا يكفي القيام بعمل للخاطئ من الخارج، بل من الداخل أيضاً، وذلك لإزالة كل النجاسة العملية. إن القداسة أمر مطلوب بإصرار. ليكن هذا واضحاً تماماً. إن موت ربنا وسفك دمه على الصليب، هو الذي يعطي الخاطئ الذي يؤمن، حقاً أمام الله- حقاً لم ينجم عن أعمال، بل عن نعمة الله إجمالاً، على الأساس الحق القائم على أن موت ربنا الكفاري قد سوّى مسألة الخطيئة برمّتها للخاطئ المؤمن. ولكن لابد له، بالمقابل، من ملاءمة أخلاقية، أو انسجام، ليكون في حضرة الله.

ليس هناك دمٌ فقط، بل ماءٌ أيضاً- الدم يرمز إلى التطهير القضائي، معطياً للمؤمن الحق في المثول إلى حضرة الله، والماء هو الفعل التطهيري لكلمة الله، التي تعطي الملاءمة. فالموقف المبرر أولاً ثم الملاءمة الأخلاقية. إن أميراً من هذا العالم قد يحق له الظهور في بلاط الملك، ولكنه لن يحلم بالحضور أبداً ما لم يكن في لباس ملكي. لقد كان المتطهر يُعلن نظيفاً، ولكن كان يتوجب عليه أن يغسل ثيابَه، وهذا رمز وقوع الإنسان تحت تأثير نعمة الله بإقلاعه عن العادات التي لا تتناسب ودنوه من الله. كان على المجذوم أن يَغْسِل ثِيَابَهُ وَيَحْلِقُ كُلَّ شَعْرِهِ، دلالة إلى شيء أساسي جداً وهو أنه غير ملائم للمثول أمام الله. ولسبع أيام كان عليه أن يُقِيم خَارِجَ خَيْمَتِهِ سَبْعَةَ أيَّامٍ. وَفِي الْيَوْمِ السَّابِعِ يَحْلِقُ كُلَّ شَعْرِهِ. رَأسَهُ وَلِحْيَتَهُ وَحَوَاجِبَ عَيْنَيْهِ وَجَمِيعَ شَعْرِهِ يَحْلِقُ. وَيَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَرْحَضُ جَسَدَهُ بِمَاءٍ فَيَطْهُرُ.  لاحظوا كيف أن الله يطبع القداسة في فكر، وكلام، وسلوك شعبه المحبوب.

فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ كان المتطهّر يَأخُذُ خَرُوفَيْنِ صَحِيحَيْنِ وَنَعْجَةً وَاحِدَةً حَوْلِيَّةً صَحِيحَةً وَثَلاثَةَ أعْشَارِ دَقِيقٍ تَقْدِمَةً مَلْتُوتَةً بِزَيْتٍ وَلُجَّ زَيْتٍ. وأول ما كان يجب القيام به هو أن يذبح الْكَاهِنُ الْخَرُوفَ الْوَاحِدَ وَيُقَرِّبُهُ ذَبِيحَةَ إثْمٍ مَعَ لُجِّ الزَّيْتِ. يُرَدِّدُهُمَا تَرْدِيدا أمَامَ الرَّبِّ. وَيَأخُذُ الْكَاهِنُ مِنْ دَمِ ذَبِيحَةِ الْإثْمِ وَيَجْعَلُ الْكَاهِنُ عَلَى شَحْمَةِ أذُنِ الْمُتَطَهِّرِ الْيُمْنَى وَعَلَى إبْهَامِ يَدِهِ الْيُمْنَى وَعَلَى إبْهَامِ رِجْلِهِ الْيُمْنَى.  وفي هذا كانت هناك رمزية: أولاً، أنه لا يمكن الاقتراب من الله إلا على أساس ذبيحة المسيح الكفارية، وثانياً، أن المحبة المذهلة المنبعثة من تلك الذبيحة (المسيح) لا تتطلب من إلا تكريس حياتنا له، هو الذي أحبنا وبذل ذاته لأجلنا. "لأَنَّ مَحَبَّةَ الْمَسِيحِ تَحْصُرُنَا. إِذْ نَحْنُ نَحْسِبُ هَذَا: أَنَّهُ إِنْ كَانَ وَاحِدٌ قَدْ مَاتَ لأَجْلِ الْجَمِيعِ. فَالْجَمِيعُ إِذاً مَاتُوا. وَهُوَ مَاتَ لأَجْلِ الْجَمِيعِ كَيْ يَعِيشَ الأَحْيَاءُ فِيمَا بَعْدُ لاَ لأَنْفُسِهِمْ، بَلْ لِلَّذِي مَاتَ لأَجْلِهِمْ وَقَامَ" (٢ كورنثوس ٥: ١٤، ١٥). وإذاً ليس فقط يجب أن يكون لدينا تجاوب، بل إقرارٌ أيضاً بصحة وشرعية ما يطالبنا الله به.

والآن نفهم السبب في الداعي للُجّ الزَيْتٍ. فبعض الزيت كان يُسكبُ في راحة يد الكاهن وبه كان يدهنُ شَحْمَة أذُنِ الْمُتَطَهِّرِ الْيُمْنَى وإبْهَام يَدِهِ الْيُمْنَى وإبْهَام رِجْلِهِ الْيُمْنَى. هذه الأعضاء التي كانت قد لُطّخت بالدم. فالزيتُ كان يُوضَع إذاً فوق الدم. والأذن هي التي تتلقى أصوات الاتصال من الله والآخرين، واليد والقدم ترفعانها. إن الزيت هو رمز الروح القدس، وفقط بقوة وسلطان روح قدس الله يستطيع المؤمن أن يستجيب إلى الله بالطريقة التي تناسب هكذا محبة ونعمة إلهيتين. وَكان الْفَاضِلُ مِنَ الزَّيْتِ الَّذِي فِي كَفِّ الْكَاهِنِ يَجْعَلُهُ عَلَى رَأسِ الْمُتَطَهِّرِ، وهذه صورة عن الإنسان وقد أُعلن بالكلية للرَّبِّ.

"الحب  مذهلٌ، ومقدس للغاية،
حتى يتطلب مني روحي وحياتي وكل كياني"

بعد ذلك كانت تُقدّمُ ذبيحة الخطيئة، يليها محرقةٌ وتقدمة قربانٍ، أشبه ما يكون استحضاراً أمام النفس للجوانب المختلفة لموت المسيح، لإظهار ما كان ضرورياً لتلبية حاجتنا الشديدة.