الفصل ٢٣

(اقرأ عدد ١٩)

يرد ذكرها في سفر العدد في نهاية خبرة البرية لبني إسرائيل، وقد كان لها مغزى خاص. وسنرى أن في ذلك تدبيراً لإزالة النجاسة في الشعب المرتبط بعلاقة مع إله قدوس. سوف يتعلم المؤمنون من هذا درساً، في أن يكونوا يقظين ومتنبهين في سلوكنا كمسيحيين، وفي العلاقات التي نكونها.

كان على بني اسرائيل أن يجلبوا لأَلِعَازَارَ الكَاهِنِ بَقَرَةً حَمْرَاءَ صَحِيحَةً لا عَيْبَ فِيهَا وَلمْ يَعْلُ عَليْهَا نِيرٌ. وكان يجب أن تُخْرَجُ إِلى خَارِجِ المَحَلةِ وَتُذْبَحُ قُدَّامَهُ. وَيَأْخُذُ أَلِعَازَارُ الكَاهِنُ مِنْ دَمِهَا بِإِصْبِعِهِ وَيَنْضِحُ مِنْ دَمِهَا إِلى جِهَةِ وَجْهِ خَيْمَةِ الاِجْتِمَاعِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وذلك أمام كل الشعب. وتوجب أن َتُحْرَقُ البَقَرَةُ أَمَامَ عَيْنَي أَلِعَازَارَ وأن يُحْرَقُ جِلدُهَا وَلحْمُهَا وَدَمُهَا مَعَ فَرْثِهَا. وأن َيَأْخُذ الكَاهِنُ خَشَبَ أَرْزٍ وَزُوفَا وَقِرْمِزاً وَيَطْرَحُهُنَّ فِي وَسَطِ حَرِيقِ البَقَرَةِ. وَيَجْمَعُ رَجُلٌ طَاهِرٌ رَمَادَ البَقَرَةِ وَيَضَعُهُ خَارِجَ المَحَلةِ فِي مَكَانٍ طَاهِرٍ فَتَكُونُ لِجَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيل فِي "حِفْظٍ مَاءَ نَجَاسَةٍ. إِنَّهَا ذَبِيحَةُ خَطِيَّةٍ" (عدد ١٩: ٩).

إن المغزى من وراء كل ذلك واضح. فلا يمكن أن تكون هناك قداسة بمعزل عن عمل المسيح الفدائي، عندما أظهر الله على الجلجثة بغضه الشديد للخطيئة في إدانته الكاملة للخطيئة، وذلك بتركه لحامل الخطيئة، ابنه الوحيد المحبوب، على الصليب ليحمل كل الغضب الذي تستحقه الخطيئة. إن حرق البقرة بكل أجزائها، سواء كان الجلد، جمال الحيوان، أو الروث، فداحة الخطيئة – وبالنسبة للإنسان، أفضل ما لديه وأسوأ ما لديه – هذا يرمز إلى قضاء الله الذي لا مفر منه والذي سيقع على شخص البديل. لقد كان ربنا بلا عيب أو شائبة. فهو "لم يعرف خطيئة". "ولم يرتكب إثماً". و"لم تكن فيه خطيئة". هذا ما يشهد به الكتاب المقدس عنه. لم يكن تحت نير أو عبودية. لقد كان خلواً تماماً من الخطيئة وقصاصها، وإلا لما أمكنه أن يبذل حياته لأجلنا.

إن الكاهن بإلقائه خَشَبَ أَرْزٍ وَزُوفَا وَقِرْمِزاً فِي وَسَطِ حَرِيقِ البَقَرَةِ إنما يُظهرُ أن كل فخر ومجد البشر يجب أن يتلاشى، فالزوفا يشير إلى دناءة وخسة الإنسان، وعلى كل شيء في الإنسان أن يسقط أمام قداسة الله.

عندما كان الإنسان يتنجس بلمسه جسد ميت، فإن نجاسته تبقى عليه لسبعة أيام. وفي اليوم الثالث كان عليه أن "يتطهر" وذلك بأن يأخذ ماءً جارياً (حياً) مع رماد البقرة في إناء وينضحه على كل ما حوله هناك، ويكرر ذلك في اليوم السابع. وفِي اليَوْمِ السَّابِعِ، وإذ يتطهر النجس، فإنه يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَرْحَضُ بِمَاءٍ فَيَكُونُ طَاهِراً فِي المَسَاءِ.

معنى ذلك أنه عندما يكون المؤمن نجساً بسماحه للخطيئة والعثرة في حياته، فحتى يتطهر لابد أن يكون هناك إحساس بقداسة الله كما يرمز إليه ذبح وحرق البقرة الحمراء. هل يؤكد رمز البقرة الحمراء هذا المعنى؟ يشير الرماد إلى دينونة الخطيئة وقد أُنزِلَت. إن تذكار ذلك، وتطبيق الكلمة في قوة التطهير التي لروح قدس الله، يُرمز إليها بـ "الماء الحي" وقد مُزِج بالرماد (تذكار ما عاناه الرب يسوع على الصليب)، تلك التي لها تأثير تطهيري ومبكّت على قلب المؤمن.

ليس هذا فقط، بل إن غسل الثياب واغتسال الشخص يرمز إلى قيام الشخص النجس بالتخلي عن طرق عيشه، وحتى أفكاره، وإلى ضرورة الطهارة الشخصية في موقفه الأخلاقي أمام الله.

هذا لا يشير إلى تطهر الخاطئ بالدم، بل تطهر القديس بماء الكلمة بأن يملأ قلبه بالإحساس المهيب بالخطيئة التي تُرى رمزياً في حرق الذبيحة، وفي الرماد، بحيث أن المؤمن يوبّخه قلبه حقاً في حضرة الله.

قارن ما قيل عن اليوم الثالث بما قيل عن اليوم السابع. لابد أن يكون هناك وقت أمام القديس الذي يخطئ لكي يستعيد الشركة مع الله. فمثلاً، إذا ما أُمسِك كارزٌ أو واعظ في خطيئة ما، وعاد إلى رشده، فمن عير المناسب له أن يُشهر علانية كخادم، بل يجب أن يأخذ وقتاً ليستعيد وضعه السابق.

لعله يمكننا أن نجد مثالاً عن ذلك في حالة الرسول بطرس. فبعد سقوطه، وإنكاره للمسيح بأعظم الأيمان واللعنات، نظر إليه الرب بتلك النظرة التي امتزج فيها الحزن والمحبة التي تغفر، وهذا ما دفعه لأن يخرج ويبكي بكاء مراً. ولكن كانت هناك حاجة لشيء آخر. لقد رأى ربنا بطرس لوحده بعد قيامته من بين الأموات. ولكنه مع ذلك امتحنه إلى أقصى الحدود، إلى أن كشف بطرس عن مكنونات قلبه في حضور الرب وقال: "«يَا رَبُّ أَنْتَ تَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ. أَنْتَ تَعْرِفُ أَنِّي أُحِبُّكَ»" (يوحنا ٢١: ١٧).  وهنا أوصاه الرب أن: "«ارْعَ غَنَمِي»"، ومن هنا نجد أنه هو من كان ينطق بلسان الجماعة في يوم العنصرة.

يحسن بنا أن نتأمل في حادثة رماد البقرة الحمراء هذه، التي تعلمنا أن الخطيئة أمرٌ نجسٌ، وكم هو ضروري أن نحفظ أنفسنا في حالةٍ تناسبُ حضورَ الله المقدس. إنها تُظهر أيضاً أن القديس قد لا يرتكب دائماً النجاسة بإرادته، بل من ملامسته للنجاسة، وهذا قد يكون بدون انتباه منه. فيصير نجساً ويحتاج إلى "ماء التطهير". لعله يجب إدانة الخطيئة في الجماعة، وإذ نستمع إلى هذه القصة، ندرك أهمية التطهير. إنها تخبرنا عن الرماد الذي مُزِجَ مع ماء حي هو "ماء حفظ". فكم من الضروري، والحالة هذه إذاً، أن ننفصل أو أن نحفظ أنفسنا في منأى عن الشر، وأن نبقى في سعادة القلب الناجمة عن حياة الشركة مع الله.