الفصل ١٠

المذبح النحاسي

(اقرأخروج ٢٧: ١ - ٨)

والآن ننتقل خطوة نحو الخارج، ونجد أنفسنا في الفناء (دار المسكن) الذي كان يطوّق خيمة الاجتماع. فعند المرور من مدخل الدار من الخارج، أول ما يصادف نظرنا هو المذبح النحاسي. لقد كان شكلاً رائعاً لافتاً للنظر. ومن الممتع أن نجري مقارنة هنا بين أبعاد تابوت العهد والمذبح النحاسي.

تابوت العهد المذبح النحاسي
طوله ٢.٥ ذراعاً طوله ٥ أذرع
عرضه ١.٥ ذراعاً عرضه ٥ أذرع
ارتفاعه ١.٥ ذراعاً ارتفاعه ٣ أذرع

سنلاحظ من هذه المقارنة أن المذبح النحاسي كان أكبر بكثير من تابوت العهد، وفي مثلي ارتفاعه. إن الله يشدد على الإنسان ضرورة الكفارة، عندما يتناول موضوع العلاقة مع الخطأة بالبركة. هل تتقد فكرة هذا الدرس بشدة في كل قلب؟

خلافاً للتابوت ومائدة خبز الوجوه، اللذان كانا مصنوعين من خشب السنط المكسي بالذهب النقي، فإن المذبح النحاسي كان مصنوعاً من خشب السنط وقد غشّي بالنحاس. إن النحاس المشوب، أو بالحري النحاس النقي، هو أكثر المعادن مقاومة للنار والانصهار. وقد كان لدى القدماء طريقة بها يقسّون النحاس لدرجة عالية، ولا يزال هذا السر غير معروف حتى اليوم. إن النحاس (سواء المشوب أو النقي) كان يرمز إلى ثورة غضب الله على الخطيئة. "«أَمَا إِلَيْكُمْ يَا جَمِيعَ عَابِرِي الطَّرِيقِ؟ تَطَلَّعُوا وَانْظُرُوا إِنْ كَانَ حُزْنٌ مِثْلُ حُزْنِي الَّذِي صُنِعَ بِي الَّذِي أَذَلَّنِي بِهِ الرَّبُّ يَوْمَ حُمُوِّ غَضَبِهِ" (مراثي إرمياء ١: ١٢). وعلى حد قول أحدهم: "الذهب هو بر الله الذي لابد منه للتقرب إلى حيث الله؛ والنحاس هو بر الله الذي به يعالج الله آثام الإنسان حيث يكون الإنسان".

المذبح النحاسي كان المكان الذي تقدم عليه الذبائح، ذبائح المحرقة وذبائح السلامة. كان من يقدم الذبيحة يضع يديه على رأس الأضحية ويقوم بذبحها، ويرش الكهنة دمها على المذبح.

إن حجم المذبح النحاسي كان لافتاً للانتباه، وكأن الله أراد أن يوضح للشعب أنه لا يمكن الاقتراب إليه إلا من خلال ذبيحة كفارية. "بِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لاَ تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ" (عبرانيين ٩: ٢٢). وعلاوة على ذلك، فإن المذبح النحاسي كان مربع الشكل، رمزاً إلى أن بشرى الإنجيل هي لكل أرجاء الدنيا: الشمال، والجنوب، والشرق، والغرب، وهي لليهود والأمميين، للبيض، والحمر، والبرونزيين، وسود البشرة؛ إنها للأمراء والبؤساء؛ للمتعلمين والجهلة؛ للمتدينين والملحدين الجاحدين؛ للأغنياء والفقراء؛ للشبان والكهول. لذلك كانت أوامر الرب أن "«اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا" (مرقس ١٦: ١٥).

إن القرون الأربعة على المذبح، والمصنوعة من خشب السنط والمغشاة بالنحاس، ترمز إلى قوة المذبح. وكأن الله بذلك يطمئن قلب ذاك الذي يسعى ليكون باراً أمامه. ونتذكر كيف أن يوآب، وبدافع الخوف من نتيجة خيانته للملك سليمان، قد "َهَرَبَ يُوآبُ إِلَى خَيْمَةِ الرَّبِّ وَتَمَسَّكَ بِقُرُونِ الْمَذْبَحِ" (١ ملوك ٢: ٢٨). فقد اعتقد أنه قد حصل على ملاذ آمن، ولكنه لم يأتِ بذبيحة ودم، وكان المذبح ضده، فمات.

إن القدور والرُفُوشَ وَالمَرَاكِنَ وَالمَنَاشِلَ وَالمَجَامِرَ المتعلقة بالمذبح النحاسي، كانت كلها مصنوعةً من النحاس. وهذا يُظهر بشكل رمزي أن الله لن يسمح لنا بأن نتفادى الأفكار الخاصة بقداسته، وبرّه ومطاليبه. وهذه يتم تحقيقها بما كانت ترمز إليه الذبيحة التي على المذبح.

وَصُنِعتْ للمذبح شُبَّاكَةٌ صَنْعَةَ الشَّبَكَةِ مِنْ نُحَاسٍ. وصُنِعتْ عَلَى الشَّبَكَةِ أرْبَعَ حَلَقَاتٍ مِنْ نُحَاسٍ عَلَى أرْبَعَةِ أطْرَافِهِ، وقد وُضِعَتْ على هذا النحو لكي تكون الشبكةُ في أمان وسط المذبح. وهكذا لا تستطيع الأضحية الفرار. ففي داخل المذبح تماماً كانت الأضاحي تُوضع بأمان كي تلتهمها النيران.

ونتذكر إبراهيم عندما أمره الله بأن يقدم ابنه ذبيحة على المذبح على جبل المُريّا، وفي اللحظة التي استل فيها إبراهيم السكين ليذبح ابنه، فإن الله أمسك يد إبراهيم، وأخبره أنه كان هناك كبش ممسك في الغابة بقرنيه يمكنه أن يذبحه بدلاً من اسحق. أما عندما وُضِعَ ربنا على الصليب، فما كان هناك بديل عنه، ولم يكن ثمة مفرّ من محنة الصليب.

وفي بستان الجتسماني صرخ الرب يسوع في ألم عظيم وكرب، وكانت قطرات العرق تتساقط كالدم على الأرض: "«يَا أَبَتَاهُ إِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ تَعْبُرَ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسُ إِلاَّ أَنْ أَشْرَبَهَا فَلْتَكُنْ مَشِيئَتُكَ»." (متى ٢٦: ٣٩)، ولكن لم يكن أمامه مفر إذا كان لابد من الكفارة أن تتم، وهذه لا أحد غيره يمكن أن ينجزها. فهو الوحيد الذي كان بمقدوره القيام بالعمل العظيم القدير. وفي كماله أضاف يقول، "ولكن لتكن لا مشيئتي بل مشيئتك". إن شبكة النحاس كانت أمراً حقيقياً واقعياً.

إن برهاناً مذهلاً على ذلك نجده في سفر العدد ١٦. فعندما تمرد قُورَحُ وداثان وأبيرام على الكهنوت، أمر موسى المتمردين بأن يأخذوا مَجَامِرَهم وأن يجْعَلُوا فِيهَا نَاراً وَيضَعُوا عَليْهَا بَخُوراً أَمَامَ باب المسكن في المحلة. وسرعان ما رد الله على افتراضاتهم بأن أحدث أمراً جديداً، فقد فَتَحَتِ الأَرْضُ فَاهَا وَابْتَلعَتْ المتمردين أحياءً. وَخَرَجَتْ نَارٌ مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ وَأَكَلتِ المِئَتَيْنِ وَالخَمْسِينَ رَجُلاً الذِينَ قَرَّبُوا البَخُورَ. وبعد ذلك قال موسى لأَلِعَازَارَ : "اَرْفَع المَجَامِرَ مِنَ الحَرِيقِ وَاذْرِ النَّارَ هُنَاكَ فَإِنَّهُنَّ قَدْ تَقَدَّسْنَ. مَجَامِرَ هَؤُلاءِ المُخْطِئِينَ ضِدَّ نُفُوسِهِمْ فَليَعْمَلُوهَا صَفَائِحَ مَطْرُوقَةً غِشَاءً لِلمَذْبَحِ لأَنَّهُمْ قَدْ قَدَّمُوهَا أَمَامَ الرَّبِّ فَتَقَدَّسَتْ. فَتَكُونُ عَلامَةً لِبَنِي إِسْرَائِيل»" (عدد ١٦: ٣٧، ٣٨).

إن المَجَامِر التي جُعِلَتْ صَفَائِحَ مَطْرُوقَةً ووُضِعَتْ كغطاء للمذبح، كانت وإلى الأبد علامة جليلة على أن الله لا يمكن الاقتراب إليه إلا بالطريقة التي رسم لها بنفسه. إن هناك أعداداً هائلة ممن يهلكون "في مُشَاجَرَةِ قُورَحَ" (يهوذا ١: ١١). ومنهم السبتيون، والقائلون بفجر الألفية، وشهود يهوه، والعلماء المسيحيون، والناكرون لعقيدة الثالوث، وغيرهم ممن ينساقون في هذه الطريق المنحرفة التي ستودي بهم إلى التهلكة.

انظروا إلى تلك المَجَامِر التي جُعِلَتْ صَفَائِحَ مَطْرُوقَةً ووُضِعَتْ كغطاء للمذبح النحاسي، وفكروا في نهاية أولئك الذين تجرأوا على الدنو من الله بغير الطريقة التي اختارها. لا مناص من حقيقة الذبيحة الواحدة الوحيدة الكافية لتحقق مطاليب الله.

وأخيراً، إن العصي المصنوعة من خشب السنط، المغشاة بالنحاس، تذكرنا بصفة البرية التي تميز هذا الدهر. الحمد لله، إن البرية لن تدوم إلى الأبد. إن مسكن الله الآب يقبع أمام كل مؤمن داعياً إياه إلى الإيمان بالرب يسوع المسيح.