الفصل ١٨

ذبيحة السلامة

(اقرأ لاويين ٣: ١ – ١٧؛ ٧: ١ - ٣٤)

ينبغي أن نلاحظ أن ذبيحة السلامة لم تكن تقدمةً بغية طلب صنع السلام، بل كانت ذبيحة يُحتفل بها في حالة السلام الذي يكون قد تحقق. وعلى حد قول أحدهم: "إنها ذبيحة ترمز إلى شركة القديسين، بناء على أهلية الذبيحة أمام الله، حيث يكون الكاهن قد قدمها بالنيابة عنا، عن بعضنا البعض، وعن كل جسد القديسين ككهنة لله". كان يجب رش دم الذبيحة فعلياً على المذبح. على أساس الدم المرشوش وحده تقوم شركة القديسين فيما يتعلق بموت المسيح. إن المؤمن يأخذ أولاً ذبيحة الخطيئة، ثم، وإذ يتحرر بالضمير، يمكنه أن يدخل بفرح إلى فكر الله فيما يخص الذبيحة الرائعة لابنه المبارك، كما تتبدى رمزياً في ذبيحة السلامة.

كان الذكور والإناث مقبولين في هذه الذبيحة، لأن جانب هذه الذبيحة لم يكن كلياً لله كما في المحرقة، حيث كان الذكر فقط المقبول كتقدمة. وكان زوجا يمام أو فرخا حمام مقبولين. وهذا سيفترض مسبقاً إحساساً قوياً نوعاً ما لدى مقدم الذبيحة لكي يقرب ذبيحة السلامة.

يظهر المقطع في (لاويين ٧: ١٢، ١٣) أن الذبيحة يمكن أن تأخذ شكل الشكر، أو النذر، أو تقدمة اختيارية. وهذا يؤيد تفسيرنا بأن هذه الذبيحة هي ليست مسألة سلام يُطلب أو يُسعى إليه، بل هي تعبير عن الشكر لله لأجل السلام المنجز والذي يتمتع به المؤمن.

كان مقدم الذبيحة يضع يديه على رأس الذبيحة، رمز قبول المؤمن في المسيح واتحاده معه. لقد كان الدم يُرش على المذبح وما حوله. كانت شحوم الأضحية، التي تشير إلى القوة والسلطة الداخلية، تُحرق على المذبح، وتعلمنا أنه لا يمكن أن يكون هناك شركة بمنأى عن موت المسيح.

(لاويين ٧: ١٢، ١٣) تظهر أن هذه الذبيحة عندما كانت تقدم كذبيحة شكر، كان يرافقها قربان تقدمة، وبهذا نستدل على أن كل جانب من جوانب موت المسيح مرتبط بالجوانب الأخرى. كان من غير الممكن، خاصة مع شخص كالرب يسوع وعمله الذي قام به، أن يحل جانب ما من موته محل جانب آخر، لقد كانت كل الأمور متكاملة وكاملة بما يليق بقداسته. إن الآراء والأفكار المتعلقة بموت المسيح تقودنا إلى التأمل في حياته العجيبة الرائعة؛ وهذا التأمل يقودنا بدوره إلى التأمل العبادي بموته.

وعن قربان التقدمة نقرأ: "مَعَ أقْرَاصِ خُبْزٍ خَمِيرٍ يُقَرِّبُ قُرْبَانَهُ عَلَى ذَبِيحَةِ شُكْرِ سَلامَتِهِ" (لاويين ٧: ١٣). هناك مناسبة وحيدة أخرى يتم فيها ذكر الخمير بما يتعلق بالتقدمات للرب. وهذه هي قربان التقدمة الجديد (لاويين ٢٣: ١٧). وما عدا هذين الاستثناءين، إضافة إلى (عاموس ٤: ٥)، فإن تقدمة خبز الفطير يتم التشديد عليها دائماً.

حسنٌ أن نأتي على بعض الشرح هنا، رغم أن في ذلك استباقاً، إذ سنشرح ذلك لاحقاً بالتفصيل عندما نتحدث عن أعياد الرب (لاويين ٢٣).

في (لاويين ٧: ١٣) نقرأ أن الخبز الخمير كان يقدم مع ذبيحة الشكر. وهذا ما يقدمه المقرّب لله على هذا الشكل من الشكر. إن الآية السابقة تؤكد على الخبز الفطير والأقراص الفطير. هل من تناقض هنا؟

الفكرة بعيدة. في حالة الخبز الفطير والرقائق الفطير، كلاهما رمز لربنا المبارك، ولذلك توجب أن تكون فطير لترمز إلى تحرر المسيح الكامل من الخطيئة بالفكر، والقول، والفعل. ولكن إذا كانت المسألة تتعلق بذبيحة الشكر التي نقدمها، فإن وجود الخمير ما هو إلا اعتراف منا بأن في تقدمتنا قد يكون هناك بعض الجهل، والرضى عن الذات، والكبرياء، ونقص التوقير، بل وحتى روح المنافسة. إنه لمن المؤلم أن نسمع أشياء ناقصة أو خاطئة وغير صحيحة تُقال في تقدمة الشكر، أو أن نرى أخاً يقف خلال التسبيح والعبادة ويده في جيبه، أو يجلس بطريقة تدل على التكاسل واللامبالاة. فلو كانوا في حضرة ملك أرضي، أو حاكم، كانوا سيهتمون أكثر وكانوا سيقدمون الوقار الواجب في كل الأمور.

بالتأكيد إن روح الله تزيل الخمير من التقدمة عندما تقرب إلى الله. ومن المشجع أن نعرف بأنه مهما كان فشلنا في أن نقدم لله ما يليق به من مديح وشكران، فإن الله يسرّ باقترابنا منه ولو على هذا الشكل.

ونقرأ أن مقدم ذبيحة السلامة "يَدَاهُ تَأتِيَانِ بِوَقَائِدِ الرَّبِّ" (لاويين ٧: ٣٠)، وهذا يفترض وجوب أن يبذل الفرد جهداً ليكون حاضراً في هكذا مناسبة ليكون في شركة مع الله، وهذا ما نفهمه من ذبيحة ربنا المبارك على الصليب.

كان على المقرّب أن يأتي بالشحم والصدر، "أمَّا الصَّدْرُ فَلِكَيْ يُرَدِّدَهُ تَرْدِيداً أمَامَ الرَّبِّ". كان الشحم يحرق على المذبح، والصدر كان يخصص لهارون وبنيه. وهكذا الحال بالنسبة للساق اليمنى التي كانت ساق الرفيعة للرب، وتصبح نصيب الكاهن الذي يقدم الذبيحة.

ماذا نتعلم من الصدر، تقدمة الترديد، والساق، تقدمة الرفيعة؟ من الجميل أن نلاحظ أن ما يُقدم إلى الله، الصدر بالترديد (لاويين ٧: ٣٠) هو رمز للمشاعر المقدسة التي لدى ربنا، والتي دعته إلى الموت لأجلنا، وجعلته مقبولاً ومرضياً لأبيه بسرور لا حد له، وأيضاً شركة القديسين: حصة الله الكاملة وحصتنا. إن ساق الرفيعة تشير إلى قوة الذبيحة، كيف أن الذبيحة العظيم التي هي ربنا يسوع وضعتنا ولمرة واحدة وإلى الأبد في حضرة الله بفضل كامل لا شائبة فيه. الساق اليمنى كانت من نصيب الكاهن الذي يقدم دم ذبيحة السلامة (لاويين ٧: ٣٣)، وهذا يدل على فرحنا في الشركة ونحن نفكر بموت المسيح.

هذا نراه في ذلك اللقاء الرائع عندما يجتمع القديسون ليتذكروا الرب في موته. فيحصل الرب على نصيبه، والآب على نصيبه، وسيُمتَدح ابنه، ونحصل على نصيبنا، وكم سيكون من نصيب رائع. إن الرغيف الواحد يرمز إلى الشركة التي تحتضن كنيسة الله بكاملها. وتصعد إلى الأعلى، عذوبة المحبة الرائعة لربنا التي أخذته إلى الصليب؛ وتقدمة الرفيعة تُصعد إلى الأعلى، عذوبة قوة تلك الذبيحة التي تقدر أن تحفظنا من قوة الظلام وتحولنا إلى ملكوت ابنه بدافع محبته.

وأخيراً في حالة ذبيحة النذر أو النافلة من تقدمة القربان، كان ينبغي أن يتم تناول الطعام من ذبيحة السلامة في نفس اليوم، وإذا ما بقيت إلى اليوم الثالث، فعندئذ كان يجب أن تُحرق بالنار. وكل من يأكل منها في اليوم الثالث إنما كان يرتكب بذلك أمراً بغيضاً بالنسبة للرب، وسيتحمل قصاص ذنبه.

يعلمنا هذا أن علينا أن نتخذ مكاننا في عبادة الرب بسلطة وقوة الشركة الحاضرة. إنه لأمر خطير أن نعترف بالدخول إلى حضرة المسيح إن لم يكن بشركة الروح.

هذا يتم التركيز عليه أيضاً عند انتهاء سفر اللاويين بتحذير مهيب، بأنه إذا أكلت نفسٌ من تقدمة ذبيحة السلامة وفيها نجاسةٌ، فإن تلك النفس ستُفصل عن الشعب. ونجد مثالاً على ذلك عندما نقرأ عن مؤمني كورنثوس الذين حوّلوا عشاء الرب المقدس إلى مناسبة لتناول الطعام والشراب بإفراط. ونقرأ: "مِنْ أَجْلِ هَذَا فِيكُمْ كَثِيرُونَ ضُعَفَاءُ وَمَرْضَى وَكَثِيرُونَ يَرْقُدُونَ" (١ كورنثوس ١١: ٣٠). وهذا يعني أن كثيرين قد مُنعوا من المشاركة في عشاء الرب. وفي بعض الحالات التي كان فيها إفراط مات عديدون تحت يد قضاء الله. إن كانوا مؤهلين فذلك بنعمة الله وذبيحة المسيح الكفارية؛ وهم غير مؤهلين للشهادة للمسيح على الأرض، وكانوا يُنَحّون جانباً بدافع التأديب، ولكن كان ذلك كله "لئلا يُدانوا مع العالم". كم كان يؤكد الله على القداسة الشخصية من جهة أولئك الذين عليهم التعامل مع الرب في الأمور المقدسة.