الأصحاح ١٤

تدخل الله السُّباعي الجوانب بالنعمة والدينونة

لقد وصلنا إلى أشد الرؤى الرؤيوية قتامة وسوداوية. سقطت الحقيقة في الشوارع؛ دم قديسي الله أُهرق كالماء؛ تحدٍ وقح لله وتبجح متكبر نشهده ونسمعه؛ يكاد الخير يتلاشى من الأرض (مز ٤: ٦)، والإيمان بالله يكاد يختفي (لو ١٨: ٨). "إنسان الأرض"، أو ضد المسيح، ينهب ويسكب في فلسطين بين القديسين، يُمجد ويؤله نفسه في أورشليم وفي الهيكل، ويخدع العالم، ويحول العالم النبوي كله إلى ساحة ملعب للشيطان. الوحش في تكبره، واضطهاده، وتجديفه منشغل كما وكيل الشيطان الفعال في أوسع مجال مخصص له. والآن تصل صرخة البقية الباقية من اليهود إلى الرب التي طالما تكررت، وهم يعانون أكثر من الآخرين تحت وطأة محنة متراكمة مكدسة قائلين: "إلى متى؟" الاستغاثة المؤثرة تثير في قلوبنا عاطفة تجاوب إذ نشعر وكأننا نشترك في نفس الظروف: "يَا رَبُّ لِمَاذَا تَقِفُ بَعِيداً؟ لِمَاذَا تَخْتَفِي فِي أَزْمِنَةِ الضِّيقِ؟" (مزمور ١٠: ١). الأصحاح ١٤ من الرؤيا هو الجواب على صراخ القلة البقية التقية. إنه يسجل تدخل الله بالنعمة والدينونة. قد رأينا النشاط الهائل للشيطان وانتصاره الظاهري- ولكن هل كان العالم المسيحي واليهودي هما مجال عمله الخاص؟ إن كان كذلك فهذا يفترض أن الله لا مبالٍ وأنه قد تخلى عن شعبه لرحمة عدوه الذي لا يرحم. ولكن ليس الأمر هكذا، كما تظهر محتويات هذا الأصحاح بشكل مقنع.

قلنا للتو أن الأصحاحات ١٢و ١٣ و١٤ تشكل نبوءة واحدة مترابطة. المصدر الخفي للشر يتبدى أنه التنين: هدف رجل الله هو الطفل؛ إسرائيل، أم الابن الذكر، تهرب من انتقام التنين: وهذه هي المواضيع الرئيسية الثلاثة في الأصحاح ١٢ الذي لا يُقدم كتاريخ، بل كما يُرى في السماء. ثم، وكما مواضيع الأصحاح ١٣، لدينا طابع، وتاريخ، وأفعال الوحشين الذين من خلالهما ينفذ الشيطان مخططاته الشريرة على الأرض. وبعد ذلك نجد أننا أمام سلسلة من الحوادث التي هي بيد الله (الأصحاح ١٤). هناك سبع مواضيع متمايزة في الأصحاح: (١)، البقية المتبقية من يهوذا على جبل صهيون (الآيات ١- ٥)؛ (٢)، شهادة الله الختامية، أو الإنجيل الأبدي (الآيات ٦، ٧)؛ (٣)، إعلان سقوط بابل (الآية ٨)؛ (٤)، المصير المشؤوم الفظيع لأولئك الذين يعبدون الوحش (الآيات ٩- ١١)؛ (٥)، البركة الفورية لأولئك الذين يموتون في الرب (الآية ١٣)؛ (٦)، حصاد الأرض وقد جُمع، الدينونة الحسنة التمييز (الآيات ١٤- ١٦)؛ (٧)، عهد الغضب، الانتقام القاسي (الآيات ١٧- ٢٠). ومن هنا تأتي أهمية هذه الأصحاحات الثلاث. إن موقعها بين الأبواق والجامات تفسر الكثير. إنها تظهر من هو الفاعل الحقيقي للإثم المريع على الأرض، الأدوات البشرية التي بها مُرس الإثم؛ وأخيراً تدخل الله في العالم. إضافة إلى ذلك، كما رأينا الشر عند الوحش، فإننا على وشك ان نرى إدانته الرهيبة تحت الجامات. هذه الأصحاحات أيضاً تشكل مقدمة لابد منها للتأديبات الأشد التي ستأتي متتالية بسرعة وتضرب بقوة، والتي تشكل حصيلة الدينونات الجزائية لله، والتي سيتبعها انتقام الحمل شخصياً.

البقية المحفوظة من اليهود

(الآيات ١- ١٥)

جبل صهيون، الحمل، والبقية اليهودية:

١- "ثُمَّ نَظَرْتُ وَإذَا خَرُوفٌ وَاقفٌ عَلَى جَبَل صهْيَوْنَ، وَمَعَهُ مئَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ أَلْفاً، لَهُمُ اسْمُ أَبيه مَكْتُوباً عَلَى جبَاههمْ".

جبل صهيون يأتي اسمه مرة واحدة فقط في الرؤيا. "يُذكر اسم صهيون حوالي ١١٠ مرة، تسعون منها ضمن العبارات التي تدل على محبة الرب الكبيرة للشعب، ومن هنا تكون للمكان أهمية كبيرة، وذا مغزى عظيم، والسماء تعرف ذلك أيضاً" ١. أول مرة يُذكر اسم صهيون يكون على فم داود عندما يأسرهم الْجِرْجَاشِيِّونَ (٢ صم ٥: ٧) وهذا له مدلولات في غاية الأهمية، إذ كما يقول المؤرخ القديس: "هو نفسه مدينة داود". وكان شاول، سلف داود على العرش، رجل الشعب المختار، وكان يرمز إلى "الملك" الذي يملك في أورشليم قبل أن يأتي الرب. وداود، الملك الحقيقي لإسرائيل، كان رجل الله المختار، وصهيون كرسي حكمه. لذا فهو رمز لربنا، الذي سيملك في صهيون، "وَقُدَّامَ شُيُوخِهِ مَجْدٌ" (أشعياء ٢٤: ٢٣). صهيون حافل بالذكريات المقدسة بالنسبة إلى اليهود. إنه هدف رجائهم. وصهيون أيضاً مدينة الله المختارة. "لأَنَّ الرَّبَّ قَدِ اخْتَارَ صِهْيَوْنَ. اشْتَهَاهَا مَسْكَناً لَهُ: هَذِهِ هِيَ رَاحَتِي إِلَى الأَبَدِ. هَهُنَا أَسْكُنُ لأَنِّي اشْتَهَيْتُهَا" (مزمور ١٣٢: ١٣، ١٤). "جَمِيلُ الاِرْتِفَاعِ فَرَحُ كُلِّ الأَرْضِ جَبَلُ صِهْيَوْنَ. فَرَحُ أَقَاصِي الشِّمَالِ مَدِينَةُ الْمَلِكِ الْعَظِيمِ" (مزمور ٤٨: ٢). إنه كرسي الحكم العالمي للأرض، ومركز اهتمام العالم الألفي (أشعيا ٢). إنه المكان الذي عين فيه الرب ملكه عن عمد (مز ٢: ٦). هناك ثلاثة أفكار متمايزة مرتبطة بجبل صهيون: (١) هو كرسي السلطة الملكية؛ (٢) هو تدخل الله بالنعمة؛ (٣) هو سيادة الرب المطلقة، ولكن ذلك كله هو في ما يتعلق بإسرائيل.

الرؤية مبهجة وسارة، هي بمثابة الهدوء بعد العاصفة. لم يحكم المسيح بعد في صهيون، ولكن الزمان قريب، وفي هذه الأثناء يقف الرب يسوع كحمل مع الذين اختارهم. الرؤية فيها توقعات. كل من الحشد من الأمميين المخلّصين (٧: ٩) والملكوت الألفي (الأصحاحات ١١، ١٥؛ ١٢: ١٠) هي رؤى توقعية تتحقق فعلياً في المجيء الثاني بقوة وسلطة. هنا الحمل يقف على جبل، جبل صهيون، ولكن الجامات لم تُسكب بعد. الـ ١٤٤٠٠٠ شخصاً الذين نشاهدهم هنا من يهوذا، وثمة عدد مشابه من كل إسرائيل (٧: ٤) وهذا يشكل رؤية منفصلة. هذه الجماعة لها اسم الحمل واسم أبيه (وليس أبيهم) مكتوبة على جباههم. سمة الوحش هي على كل واحد من الذين يعبدونه. اسم الحمل واسم أبيه أيضاً على جبهة كل معترف بالمسيح. هؤلاء الشهود يُنظر إليهم على أنهم قد خرجوا من المحنة العنيفة تحت الوحش. هم يهود حافظوا بثبات على حقوق الله والحمل؛ والآن يعترفون علانية به. العديد من إخوتهم عانوا حتى الموت، خاتمين شهادتهم بدمائهم. وأولئك الوارد ذكرهم هنا حُفظوا خلال فظائع الضيقة. نستنتج أن الجماعة من الأمميين التي لا حصر لها (٧: ٩) تتطابق مع الأغنام الذين يذهبون إلى الحياة الأبدية (متى ٢٥: ٣٤، ٤٦)؛ وإضافة إلى ذلك، الجماعة الثالثة، الممحصة كالفضة والممتحنة في الذهب (زكريا ١٣: ٨، ٩)، على نفس المنوال يتم الحديث عنهم على أنهم الـ ١٤٤٠٠٠ يهودي مؤمن الذين يشغلون هذا المكان المرموق من الملكوت الألفي الأرضي. إنهم يقفون مع الحمل على كرسي الملكية. يا للتبديل الذي جرى! من استبداد الوحش إلى الصحبة مع الحمل! من مكان الألم إلى كرسي القوة المجيدة!

ضاربو القيثارة والمرنّمون:

٢، ٣- "وَسَمعْتُ صَوْتاً منَ السَّمَاء كَصَوْت ميَاهٍ كَثيرَةٍ وَكَصَوْت رَعْدٍ عَظيمٍ. وَسَمعْتُ صَوْتاً كَصَوْت ضَاربينَ بالْقيثَارَة يَضْربُونَ بقيثَارَاتهمْ، وَهُمْ يَتَرَنَّمُونَ كَتَرْنيمَةٍ جَديدَةٍ أَمَامَ الْعَرْش وَأَمَامَ الأَرْبَعَة الْحَيَوَانَات وَالشُّيُوخ. وَلَمْ يَسْتَطعْ أَحَدٌ أَنْ يَتَعَلَّمَ التَّرْنيمَةَ إلاَّ الْمئَةُ وَالأَرْبَعَةُ وَالأَرْبَعُونَ أَلْفاً الَّذينَ اشْتُرُوا منَ الأَرْض". تنطلق السماء مفجرة أغنية التسبيح. كنا قد رأينا أصوات بابل على الأرض، صرخة المنتصر الممتزجة مع عويل المهزومين. شهدنا الوحش يطأ الأرض ويُفتكها (دا ٧: ٢٣)- وهذا عرض للقوة وحشي بربري- وشركاه في الجريمة، ضد المسيح، يُعتموا معنوياً ويخدعوا العالم. أما الآن فثمة مناظر أخرى تُمتع العين، وأصوات وأغانٍ أخرى تروق للأذن. نلتقي بجماعة جديدة في السماء، متمايزة عن الأحياء والشيوخ، إذ يعزفون على القيثارة ويغنون "أَمَامَ الْعَرْش وَأَمَامَ الأَرْبَعَة الْحَيَوَانَات وَالشُّيُوخ".

تُذكر القيثارة ثلاث مرات في الرؤيا، وفي كل حالة تكون مرتبطة مع الأغنية (٥: ٨؛ ١٤: ٢؛ ١٥: ٢). وهكذا يُصور لنا التسبيح الكورالي للمفتدين والجند السماوي. الشيوخ، الذين يمثلون المفديين في الماضي والحاضر، كل منهم يحتفل بنشيد وقيثارة مترنمين بتدخل الله بنعمته المقتدرة المخلِّصة (٥: ٨- ١٠). ومن جديد جماعة الشهداء من يهوذا يعبرون عن سرورهم وانتصارهم على نحو مشابه للشيوخ (١٤: ٢، ٣؛ ١٥: ٢، ٣). نفهم من النص في أصحاحنا هذا أن أولئك العازفين على القيثارة وأولئك الذين هم على بحر الزجاج (١٥: ٢) هما نفس الجماعة ونفس الفئة. النشيد والقيثارة متناغمين جداً لدرجة أن الكلام عنها يكون وكأنهما "صوت" فخم كمثل "مياه كثيرة" وقوي كمثل "الرعد العظيم". ثم تنشد هذه الجماعة من عازفين القيثارة "تَرْنيمَة جَديدَة" خلافاً للترنيمة القديمة. كانت القديمة تتكلم عن الفداء؛ وأما الأخيرة فموضوعها الخلق (أيوب ٣٨: ٧). الحمل والترنيمة الجديدة متلاصقان (٥: ٨؛ ١٤: ٢). الله والترنيمة القديمة متحدان. "نشيد موسى" و"نشيد الحمل" (١٥: ٣) مترابطان في موضوعهما الأوحد وهو طرق الله القديمة في تعامله بقوة وقدرة مع إسرائيل إضافة إلى نعمته الحالية لهم ولنا. حشد الأمميين المخلّصين الذين يُشكّلون مركز سكان الأرض الألفية يُقال بأنهم "أَمَامَ الْعَرْش" (٧: ٩). ولذا فإن الجماعة ترنم هنا "أَمَامَ الْعَرْش". ولكن مكان كليهما مختلف فالأولى على الأرض والأخيرة في السماء، وبالتالي فالمكانة تختلف بناء على ذلك. الأمميون المخلّصون لهم موقف افتراضي أمام العرش، بينما جماعة اليهود الشهداء فلهم مكان فعلي أمام العرش.

٣- "لَمْ يَسْتَطعْ أَحَدٌ أَنْ يَتَعَلَّمَ التَّرْنيمَةَ إلاَّ الْمئَةُ وَالأَرْبَعَةُ وَالأَرْبَعُونَ أَلْفاً الَّذينَ اشْتُرُوا منَ الأَرْض". المنشدون في السماء وأولئك الذين مع الحمل على جبل صهيون هما في حالة تعاطف قوية بشكل واضح. كلاهما يشكلان معاً جماعة واحدة على الأرض. هم يهود وأتقياء. كان لهم أصحاب في الشهادة بالاجتهاد وفي المعاناة تحت قمع الوحش وضد المسيح. كثيرون ختموا شهادتهم بدمهم، وآخرون مروا خلال الضيقة، وحفظوا أنفسهم أحرار من أي فساد يصيبهم به العالم الشرير. الجماعة الأولى هم الجماعة التي ترنم وتعزف على القيثارة في السماء؛ والجماعة الأخيرة هم الذين حفظوا من يهوذا على جبل صهيون؛ ومن هنا يأتي الترابط الحميمي بين الجماعتين. ونلاحظ كم هو ملائم أن اليهود المخلّصين والمعتقين على جبل صهيون هم الذين سيكونون وحدهم من أهل الأرض الذين يدخلون في ترنيمة إخوتهم "أمام العرش" في السماء. على الأرض يتعلمون الترنيم؛ وفي السماء يعرفون الترنيم (١ كور ١٣: ١٢).

لإظهار أساس البركة رغم انتصارهم على الوحش وتملكهم في صهيون، تأتي الكلمات: "الَّذينَ اشْتُرُوا منَ الأَرْض" وليس الذين "افتُديوا" كما يأتي في بعض الترجمات. كل القديسين في السماء والأرض اشتُريوا وافتُديوا. الأمر الأول ينطبق على جميع الناس وكل الأشياء على الأرض، والأمر الأخير ينطبق على المؤمنين فقط والأشياء على الأرض لدى مجيء الرب.

الْمئَةُ وَالأَرْبَعَةُ وَالأَرْبَعُونَ أَلْفاً على جبل صهيون:

٤، ٥- "هَؤُلاَء هُمُ الَّذينَ لَمْ يَتَنَجَّسُوا مَعَ النّسَاء لأَنَّهُمْ أَطْهَارٌ. هَؤُلاَء هُمُ الَّذينَ يَتْبَعُونَ الْخَرُوفَ حَيْثُمَا ذَهَبَ. هَؤُلاَء اشْتُرُوا منْ بَيْن النَّاس بَاكُورَةً للَّه وَللْخَرُوف. وَفي أَفْوَاههمْ لَمْ يُوجَدْ غشٌّ، لأَنَّهُمْ بلاَ عَيْبٍ قُدَّامَ عَرْش الله". في الرؤيا الأولى لدينا ثلاث جماعات من المفديين: (١) الشيوخ، وهم قديسو الماضي والحاضر؛ (٢) جماعة التسبيح من شهداء يهوذا في السماء؛ (٣) المنتصرون من يهوذا الذين بانوا من "الضيقة العظيمة". الجماعة الأخيرة مرتبطة بالحمل في انتصاره، وتقف على جبل صهيون، مركز الملكية والنعمة المطلقة. وسط المفاسد الأفدح، الوثنية الصريحة، والكبرياء المتعجرف، والتجديف الوقح، وحتى الشر، ولكن هؤلاء القديسين لم يتدنسوا. لقد سلكوا في عالم تُرك للشيطان بدون أن يتدنسوا. لقد عاشوا وسلكوا في نقاء مطلق ٢ (٢ كور ١١: ٢). لقد "حفظوا أنفسهم بلا لطخة من العالم". ولكن ليس فقط أن هناك عذرية بتولية في الحياة، بل هناك أيضاً حب عذري، مشاعر حب من قلب صادق نحو الحمل. لقد شهدنا على نقائهم والآن نشهد على طاعتهم التي هي كاملة ولا مثيل لها؛ إنهم "يَتْبَعُونَ الْخَرُوفَ حَيْثُمَا ذَهَبَ". وتبعيتهم له لا ريب فيها.

٤- "اشْتُرُوا منْ بَيْن النَّاس" و"اشْتُرُوا منَ الأَرْض" (الآية ٣). هؤلاء يمثلون العرق والمكان الذي أخذهم الله منهم بنعمته. شراؤهم يعتبر عملاً خاصاً للنعمة الإلهية.

"بَاكُورَةً للَّه وَللْخَرُوف". هذه بركة عظيمة على الأرض آتية. الله والحمل سيحصدون حصاداً وافراً وغنياً، وهؤلاء هم مثال. الأولوية في الزمان والبركة في هكذا شخصية نجدها مُضمَّنة في العبارة "بَاكُورَةً" (انظر رومية ٨: ٢٣؛ ١ كور ١٥: ٢٠- ٢٣؛ يعقوب ١: ١٨؛ الخ).

٥- "وَفي أَفْوَاههمْ لَمْ يُوجَدْ غشٌّ". الصدق في الكلام كان يميزهم. اعترافهم بالمسيح على أنه المسيا الحقيقي كان اعترافاً صادقاً حقيقياً (١ يو ٢: ٢١- ٢٧)، في تغاير مع الحشد الذي استسلم للأكاذيب الباطلة في اقتبالهم وإقرارهم بالمسيح الكذاب، ضد المسيح (٢ تسا ٢: ١١؛ ١ يو ٢: ٢٢).

٥- "لأَنَّهُمْ بلاَ عَيْبٍ". هذه العبارة تختم وصف الـ ١٤٤٠٠٠على جبل صهيون. تستخدم إحدى الترجمات الكلمة "رياء" بدلاً من "غش" وتضيف "بلاَ نقيصةٍ قُدَّامَ عَرْش الله". وهذا تحريف خطير. المعنى المقصود والبسيط من العبارة "أنَّهُمْ بلاَ عَيْب" هي أنهم كانوا كذلك في سلوكهم وحياتهم العملية. لقد رفضوا الخضوع لأوامر الوحش المضطَهِد المجدِّف، ولم يتبعوا الوحش ولم يعبدوه. إغواءات ضد المسيح أيضاً، التي انخدع بها الجموع، تفادوها باشمئزاز وقداسة. بهذا المعنى "كانوا بلاَ عَيْب". مع قداسة الله المطلقة، ومطالب عرشه وطبيعته، ما كان ليمكن لأحد على الأرض أن يقف ويقول: "أنا بلا عيبٍ في ذاتي". لا يتحدث المقطع هنا عن هذا، بل يقول ببساطة أن تقدير الله لهم كان كذلك في ما يختص بسلوكهم العملي تحت حكم الوحش.

مراجعة:

الرؤيا الافتتاحية هي حول الحمل يقف على جبل صهيون ويُجهّز فزراً لانتحال سلطته الملكية كملك على إسرائيل. ومعه يرتبط عدد محدد من اليهود الذين بزغوا عن الضيقة العظيمة. يحملون علانية اسم الحمل واسم أبيه، وهذا من خلال اتقاد كامل للمجد الألفي والله يعترف بهم علانية. ثم يُسمع صوت "من" السماء أو صادر من السماء فخم عظيم ومرتفع وقوي. إنه صوت يجمع بين صوت القيثارة والترنيم للكثيرين. هؤلاء المنشدون وعازفوا القيثارة هم في السماء. مَن هم؟ غنهم جماعة متمايزة عن الشيوخ، وهم الموتى الذين قاموا وتغيرت حياتهم كما يرد في ١ تسا ٤: ١٥- ١٧. جوقة عازفي القيثارات هم إخوة لأولئك الذين على جبل صهيون. لقد بذلوا حياتهم رافضين الخنوع للوحش وخادمه الذي كان يسيطر على ضمائر الجموع. يُرَوْنَ هنا قائمين بالرؤية فقط؛ وفي الواقع كل العالم يدل على توقعات تتعلق بالحكم الألفي. إخوتهم على الأرض، الذين كانوا يوماً رفاق لهم في الاعتراف والألم، وحدهم يستطيعون أن يتعلموا نشيد السماء. كم تكون السماء قريبة من الأرض في تلك الأيام! وكم هي صادقة وجدّية تلك الصداقة بين القديسين في السماء وأولئك الذين على الأرض! إنه يوم هوشع ٢: ٢١، ٢٢، ويوم يوحنا ١: ٥١.

وهنا نعرف الأساس الذي يُذكر مرتين الذي يفسر وقوف هؤلاء المخلّصين في صداقة مقدسة وملكية مع الحمل. لقد اشتُريوا بثمن غالٍ، وهو دم الحمل. ونسمع بعدئذ عن سلوكهم العملي (وليس حالتهم الداخلية)، الذي هو متطابق بالمبدأ مع سلوك كل أبناء الله. (١) الانعزال، شامل وقاطع، عن الشر والوثنية في ما يحيط بهم. لقد حفظوا بتوليتهم العذرية من أي شر ومشاعرهم العذرية نحو المسيح. (٢) الطاعة والتلمذة كملامح مميزة. لقد تبعوا الحمل أينما ذهب لفترة من الزمن وخلال الأزمات عندما انجر الجميع ما عدا النخبة وراء الوحش. اتباعهم للحمل هو أمر حقيقي مميز. لقد تبعوه خلال الرفض الذي تلقاه؛ وعلى نفس المنوال تبعوه في مجده. الكلمة التي تُترجم "يَتْبَعُونَ" هي في الزمن الحاضر. (٣) الصدق، في الكلام والاعتراف، هو صفة أخرى من الشخصية العملية لأولئك القديسين. عندما استسلم العالم المسيحي برمته إلى أكاذيب الشيطان (٢ تسا ٢: ١١) فإن هؤلاء اليهود القديسين الأتقياء تشبثوا بالحقيقة في الكتاب المقدس الذي يعلّم عن المسيا والنبي الحقيقي. (٤) اللاعيب في سلوكهم الخارجي وطرقهم أمام الناس، وليس "أمام عرش الله" وفي هذا خلاصة مركبة تدل على شخصيتهم وحياتهم العملية. لقد كانوا بواكير الحصاد الذي جُمع من إسرائيل، كانوا فرحة لله وللحمل.

إعلان البشارة الأبدية:

٦، ٧- "ثُمَّ رَأَيْتُ مَلاَكاً آخَرَ طَائراً في وَسَط السَّمَاء مَعَهُ بشَارَةٌ أَبَديَّةٌ، ليُبَشّرَ السَّاكنينَ عَلَى الأَرْض وَكُلَّ أُمَّةٍ وَقَبيلَةٍ وَلسَانٍ وَشَعْبٍ، قَائلاً بصَوْتٍ عَظيمٍ: «خَافُوا اللهَ وَأَعْطُوهُ مَجْداً، لأَنَّهُ قَدْ جَاءَتْ سَاعَةُ دَيْنُونَته. وَاسْجُدُوا لصَانع السَّمَاء وَالأَرْض وَالْبَحْر وَيَنَابيع الْميَاه»". يكشف الأصحاح من الآية ٦ إلى النهاية ترتيب الأصحاح. الرؤية الأولى تستبق المشهد السعيد عندما ينبلج الفجر لليوم الجديد فيبدأ الأرض بالسرور بعد أن كانت غيوم الدينونة السوداء قد حلّت. الجماعة الأولى والأكثر سعادة في العالم التي تحررت من عبودية الشيطان هم الـ ١٤٤٠٠٠، البقية التقية من يهوذا التي تثبت في علاقة صداقية آمنة مقدسة مع الحمل على جبل صهيون. ولذا فإن زمان ومكان الرؤيا نفسها (الآيات ١- ٥)، يجب تمييزها عن تحققها. تسلسل الأحداث مع اقتراب النهاية إلى خاتمة تكون في الآية ٦، الإعلان للعالم كله عن البشَارَة الأَبَديَّة.

٦- "رَأَيْتُ مَلاَكاً آخَرَ طَائراً في وَسَط السَّمَاء". هذا الـ "ملاك الآخر" ليس له علاقة بالملاك السابع (١١: ١٥)، ولا مع الجند السماوي الذي تحت قيادة ميخائيل في الأصحاح ١٢، بل مع النسر الرسول الذي يطير وسط السماء معلناً الويلات (٨: ١٣). لعله يمكن القول أنه ليس من متانة في القول بأن الأول نسر والآخر ملاك، إلا أن الاعتراض ظاهري أكثر منه حقيقي. "الملاك" ككلمة لا تشير بحد ذاتها إلى طبيعة بل إلى منصب ومهمة وتُستخدم مع المخلوقات الروحية والبشر على حد سواء. السياق، وليس الكلمة بحد ذاتها، هو الذي يحدد في ما إذا كان المقصود بها بشر أو أرواح. كلمة ملاك تعني حرفياً "رسول". النسر والملاك كلاهما رسل. كلاهما يُشاهد وهو يطير في جلد السماء وكأنه يمسح الأرض، حتى على أقصى حدودها ويُعلن بصوت مرتفع رسالته. النسر الطائر هو نذير دينونة، أما الملاك الطائر فهو بشير رحمة.

٦- هل سيكون هناك إعلان حرفي عن "بشَارَة أَبَديَّة" من قِبل ملاك؟ هل سيعلن كائن روحي فعلياً الخبر السار من وسط السماء خلال مساره السريع؟ الملائكة سيُستخدمون بشكل كبير في الحكم العنائي والتدبيري قبل وخلال الملكوت الألفي. ولكن الكرازة بالإنجيل، سواء عن الملكوت، أو النعمة، أو مجد الله، هو مهمة فوض الله بها البشر وليس الملائكة، في حين أن الملائكة، وبلا شك، سيُنفذون عنائياً عمل إعلان الخبر السار في الأيام الأخيرة من الأسبوع النبوي الأخير. ولكننا نفهم أن الكارزين بالبشَارَة الأَبَديَّة سيكونون يهود مهتدين بشكل رئيسي، وأن نتيجة مأموريتهم تجميع حشد هائل لا عدَّ له من الأمميين المخلّصين للبركة الألفية (مت ٢٥: ٣٤؛ رؤيا ٧: ٩). ويعتقد البعض أن أشعياء ٦٦: ١٩- ٢١ ينطبق على نفس المأمورية التي لدينا هنا، ولكن هذا خطأ. مأمورية أشعياء كان لها دور عندما يأتي الرب شخصياً ليطلب كل الأجساد، كما يُظهر الجزء السابق من الأصحاح بشكل حصري؛ في حين أن البشَارَة الأَبَديَّة تُعلن للأمم قبل مجيء الرب. الملاك الذي يطير خلال تأديته لمأموريته يدل على شهادة واسعة الانتشار وسريعة للنعمة وتحذيراً من الدينونة ستُعلن في مساء "يَوْمِ انْتِقَام إِلَهِنَا" (أشعياء ٦١: ٢). الملاك يعلن البشَارَة الأَبَديَّة فقط في الرؤيا.

الإنجيل الذي يُكرز به الآن هو عن نعمة الله المطلق والغنية نحو الخطأة الآثمين (١ كور ١٥: ١- ٤؛ روم ١: ١٦)؛ وعن إنجيل مجد المسيح (٢ كور ٤: ٤). إنجيل الملكوت كان قد كُرز به قبل موت وقيامة المسيح (مت ١٠: ٧)، وسيُكرز به ثانية بعد انتقال الكنيسة (مت ٢٤: ١٤). ونستنتج أن البشَارَة الأَبَديَّة تختص بالملكوت، وهنا توصَف بـ "أبدية" لأنها حقيقة ثابتة دائمة أن الخالق وليس المخلوق هو موضوع العبادة الوحيد. هذا أيضاً المثال الوحيد الذي يتم فيه تطبيق كلمة "أبدي" على الإنجيل. أول ذكر للخبر السار نجده في تك ١٥: ٣، وحتى خلال الدهور الداكنة التي لا تتبدد من تاريخ البشرية يبقى هذا الإنجيل لا يتغير في طابعه، لأن الله رحوم إلى الأبد، ومنذ دخول الخطيئة إلى العالم حتى دينونتها على يد الله تبقى وحدها الرجاء بمخلوقاته. الإنجيل يُعلن لخمسة مجموعات: (١) "السَّاكنينَ عَلَى الأَرْض". رأينا نفس الفئة من الأشخاص قد تم ذكرها في عدة مناسبات (٣: ١٠؛ ٦: ١٠؛ ١١: ١٠، الخ). غنهم مسيحيين مرتدين كانوا قد رفضوا نداء الله إلى السماء( عب ٣: ١)، واختاروا عمداً الأرض واهتماماتها بدلاً من ذلك. وتم وصفهم على أنهم "السَّاكنينَ عَلَى الأَرْض"، ولكن هناك تعبيراً أقوى نوعاً ما يُستخدم: "المستقرُّون في الأرض". (٢) و"كُلَّ أُمَّةٍ". (٣) "وَقَبيلَةٍ" أي قسم أو جزء من أمة أو شعب. (٤) "وَلسَانٍ" في إشارة إلى اللغات واللهجات المتعددة المحكية. (٥) "وشعب" سواء كانوا منظمين أم لا؛ جموع البشر. هؤلاء الجماعات الأربعة الأخيرة تشمل الجنس البشري، وتُشكّل صيغة عالمية (٧: ٩؛ ١١: ٩). فهؤلاء إذاً هم الأشخاص الذين يُكرز لهم هذا الإنجيل. ولا نعلم إذا ما كان البعض قد قبله أو أن البعض الآخر قد رفضه. سنعلم عن ذلك في مكان آخر.

٧- ما يُعلن علانية وبشكل واسع يرد بعد ذلك. "خَافُوا اللهَ وَأَعْطُوهُ مَجْداً، لأَنَّهُ قَدْ جَاءَتْ سَاعَةُ دَيْنُونَته". أول واجب للمخلوق هو أن "يخاف الله"، وهذا فعلاً "رأس الحكم"- وهذا يتكرر مرتين (مز ١١١: ١٠؛ امثال ٩: ١٠). إنه أيضاً دعوة للتحول عن الوحش نحو الله: من المخلوق إلى الخالق. الجموع كانوا يمجدون إنساناً آلهه الشيطان. كانوا يعبدونه. بينما الله وحده هو الذي يجب أن يتمجد على الأبد في شخصه وأعماله وطرقه. العالم يُلفت انتباهه هنا إلى هذه الحقيقة العظيمة والجوهرية، والتي يكاد الناس ينسونها كلياً: "أَعْطُوهُ مَجْداً". الأساس المهيب الذي ترتكز عليه هذه الدعوة نجده تالياً: "لأَنَّهُ قَدْ جَاءَتْ سَاعَةُ دَيْنُونَته". يا لها من لحظة رهيبة في تاريخ البشرية! الله على وشك أن يتدخل في الدينونة وما من قوة يمكن أن تسد الضربة. غنها على وشك أن تقع على العالم الدنس والشعوب المرتدة، مسيحيين ويهود. "وَاسْجُدُوا لصَانع السَّمَاء وَالأَرْض وَالْبَحْر وَيَنَابيع الْميَاه". الحقيقة العظيمة الأساسية بأن الله هو خالق كل ما يُرى وكل وما لا يُرى (كولوسي ١: ١٦)، قد زاغ بصر الناس عنها. اغتصب الإنسان مكانة الله، ومطالبة الخالق بحقه في ولاء المخلوقات له تكاد تنمحي من ذهن البشر. حقيقة الخلق هي من أوائل المواضيع الأساسية في الإعلان الإلهي (٣٠: ١). هنا يتم تذكرها والحث على التفكير بها على ضوء الدينونة الفورية المباشرة. عبادة الخالق واجب ضروري على الناس والملائكة. كما رأينا الجنس البشري تحت تصنيفات رباعية- أُمَّةٍ وَقَبيلَةٍ وَلسَانٍ وَشَعْبٍ- هنا أيضاً تصنف الخليقة بأربع عبارات متساوية كونياً مع بعضها: السَّمَاء وَالأَرْض وَالْبَحْر وَيَنَابيع الْميَاه.

كم هو عظيم ويدل على نفس سموحة عند الله، أنه وقبل أن يُلقي بانتقامه العادل على الأرض الآثمة، أن يُرسل إلى الجنس البشري بكليته هذه الرسالة الأخيرة المطرزة بعبارات قوية وجليلة! اللحظة هي في محلها، لأن كل حقيقة عن الخالق كادت تتلاشى عن الأرض. فالجميع يسجدون للوحش ما عدا المختارين والذين يكونون عند ذاك أقلية ضعيفة واهنة.

سقوط بابل:

٨- "ثمَّ تَبعَهُ مَلاَكٌ آخَرُ قَائلاً: «سَقَطَتْ سَقَطَتْ بَابلُ الْمَدينَةُ الْعَظيمَةُ، لأَنَّهَا سَقَتْ جَميعَ الأُمَم منْ خَمْر غَضَب زنَاهَا»". لابد من ملاحظة أن هناك ثلاثة إعلانات ملائكية محددة (الآيات ٦، ٨، ٩). الأول والثالث صدرا "بصوت مرتفع". ولكن ليس الحال هكذا مع الإعلان الثاني. بابل، مدنياً ودينياً، تصور كثيراً في تاريخ الكتاب المقدس. عندما يُنظر إليها كمدينة (إرميا ٥١)، أو كنظام ديني (رؤيا ١٤: ٨؛ ١٧؛ ١٨)، فإنها تُصور كنظام صلب واسع الأرجاء ومستعبِد لشعب الله. بابل القديم كانت أول سلطة أممية وكانت وحيدة سلط عليها الله بشكل مباشر سلطة حكمية (دان ٢: ٣٧). مصيرها، وانعتاق يهوذا من الأسر الذي دام ٧٠ سنة كانا حادثين مترابطين متزامنين. وهكذا سيكون عليه الحال في النهاية. الوحش في سفر الرؤيا، الذي يرث السلطة المدنية والسياسية لبابل القديمة، يهلك عند المجيء (رؤ ١٩)، وشعب الله يتحرر. ولكن ما هو أمامنا الآن هو بابل السرية، ذلك النظام الضخم من الزنى الروحي والفساد الذي يبقى متسلطاً على كل العالم النبوي. نادراً ما يكون ممكننا أن نتصور نظاماً ضخماً من الشر تعتنقه بشكل كبير وحميم الأمم التي كانت تُدعى يوماً مسيحية. ولكن الأمر سيكون هكذا وللأسف. بابل هنا هي التطور الأكمل لحالة الأشياء تحت حالة كنيسة ثياتيرا (٢: ١٨- ٢٣). والبروتستانتية كنظام يُدمر عند المجيء (٣: ٣). وتسقط بابل قبل المجيء (الأصحاح ١٧).

بابل، المدينة التي في القديم، كانت قامعة للأمم والشعوب، ومركزاً وقلعةً للكبرياء والصنمية في العالم. ختم الشيطان سمته عليها. ولكن إسرائيل سيكون الشعب الذي منه تنطلق معرفة الرب. ولكن إسرائيل، حرف وشوه مكانته على الأرض بمحاولته إدراة ورئاسة الأمم، وأثبت انه كان شعباً غير مخلص لرسالته في أن يعرف الناس على شخص الله الحقيقي والوحيد ولذلك فقد نحَّاه الله جانباً. بابل هي النقيض لما سيكون عليه إسرائيل، وبخلاف ما سيكون عليه تحت العهد الجديد (إر ٣١). الكنيسة يُفترض بها أن تكون شاهداً على شخص الله كنور ومحبة، بدلاً من أن تظهر للناس كخادم غير أمين للحق، وقد أخفقت في أن تكون شاهداً لله وللمسيح. بعد ذلك، وكنتيجة تالية للدمار الأخلاقي في الكنيسة، ستكون الأرضية مؤهلة للشيطان ليدخل إلى بابل السرية، التي تمثل فساد الأرض والاستعباد الروحي للأمم التي تكون ثملة بجنون بفسقها وزناها ومفاسدها. مفاتنها المبهرجة الزائفة هي سلاسل مقيدة؛ وكأسها مترع. الأمم استسلمت لإغواءاتها، وشربت بلهفٍ من كأسها الذهبي. وهنا يُعلن عن سقوطها وبعبارات قوية. تكرار كلمة "سَقَطَتْ" يجب أن لا نظن أنها مجرد سمة في اللغة العبرية وحسب. فالإعلان عن سقوط بابل حرفياً يكون مترافق مع إعلان سقوط بابل سرياً وبنفس العبارات تقريباً (أشعياء ٢١: ٩؛ رؤ ١٨: ٢).

في المقطع الذي أمامنا لدينا الحقيقة فقط وقد أُعلن عنها بأن بابل قد سقطت. وتُعتبر دينونة محققة. أشخاص محدودون ينجون ويُحفظون. الطابع، والمصير، والأدوات البشرية في دمارها نجدها محددة في الأصحاحين ١٧ و١٨، بينما دمارها الكلي والأبدي يُحتفل به بشكل كبير في السماء في الآيات الثلاث الأولى من الأصحاح ١٩، وهذا تمهيد لعرس الحمل. الزانية تُهلك، والعروس تظهر.

٨- "خَمْر غَضَب زنَاهَا". أن تكون الأمم جميعها ثملة تعبير فريد ويتجاوز ما قيل عن المدينة الفراتية (إر ٥١: ٧). بابل التي يذكرها سفر الرؤيا بإغواءاتها وإغراءاته الفاحشة وتحريضها على الشر سحرت الأمم وفتنتها. فأثارت شغفهم على نحو مخيف، وصاروا ليس فقط مخبولين (أخلاقياً بالطبع)، بل إن علاقاتها المحظورة معهم أودت بهم إلى سعير الجنون. في قمة الاتحاد الغير أخلاقي والشرير والأحمق بين الكنيسة الفاسدة والأمم التي تساويها فساداً، تأتي الرسالة الافتتاحية إلى مسامعنا: "سَقَطَتْ سَقَطَتْ بَابلُ". من كل النواحي تُعتبر بابل التي في سفر الرؤيا "عظيمة" خلافاً للمدينة القديمة. بعض الترجمات تحذف كلمة "المدينة" من النص (الآية ٨). ولكن هناك إجماع على رفض ذلك.

المصير الفظيع للساجدين للوحش وصبر القديسين:

٩- ١٢- "ثُمَّ تَبعَهُمَا مَلاَكٌ ثَالثٌ قَائلاً بصَوْتٍ عَظيمٍ: «إنْ كَانَ أَحَدٌ يَسْجُدُ للْوَحْش وَلصُورَته، وَيَقْبَلُ سمَتَهُ عَلَى جَبْهَته أَوْ عَلَى يَده، فَهُوَ أَيْضاً سَيَشْرَبُ منْ خَمْر غَضَب الله الْمَصْبُوب صرْفاً في كَأْس غَضَبه، وَيُعَذَّبُ بنَارٍ وَكبْريتٍ أَمَامَ الْمَلاَئكَة الْقدّيسينَ وَأَمَامَ الْخَرُوف. وَيَصْعَدُ دُخَانُ عَذَابهمْ إلَى أَبَد الآبدينَ. وَلاَ تَكُونُ رَاحَةٌ نَهَاراً وَلَيْلاً للَّذينَ يَسْجُدُونَ للْوَحْش وَلصُورَته وَلكُلّ مَنْ يَقْبَلُ سمَةَ اسْمه». هُنَا صَبْرُ الْقدّيسينَ. هُنَا الَّذينَ يَحْفَظُونَ وَصَايَا الله وَإيمَانَ يَسُوعَ". رأينا سقوط بابل يُعلن عنه في الإعلان السابق. الإمبراطورية، في أوج قوتها المتحدة للإرادة والسلطة، هي التي تهلك بابل بشرياً (١٧: ١٦، ١٧). اقرأ: "الْعَشَرَةُ الْقُرُونُ الَّتِي رَأَيْتَ عَلَى الْوَحْشِ". هذه القرون والوحش تعمل معاً بهدف مشترك وهو تدمير المرأة أو بابل. هذا يترك الوحش غير مقيد في مسيرة شره وتجديفه كان قد حمل المرأة سابقاً، أي أيَّدها. أما الآن، فكل الكراهية والاحتقار قد حلت محل الإعجاب السابق بها على مزاياها الروحية. لابد له أن يسود ويملك بدون منافس، وأن يكون المالك الوحيد للقوة والسلطان. يتم تأسيس نظام من القوة البربرية المتوحشة، ولكن مراسيمها تُفرض بشكل قاس لا يرحم. بعد دمار بابل ينتحل الوحش أبشع شخصية له. التطور الكامل الشر، في غياب الزانية، يتم بسرعة، وسياسة عنيدة متصلبة صارمة تُفرض مع القصد أن ينحني الجميع- أغنياء وفقراء، عظماء وضئيلوا الشأن- أمام الوحش وأن يسجدوا له. الخضوع المطلق للوحش هو ناموس الأزمة القادمة. ويصدر صوت تحذير مرتفع تحت هذه الظروف المريعة نحو عابدي الوحش. المصير المريع الذي يُعلن هنا، والذي ليس له مثيل في شدته، يتناسب مع الإثم والذنب الفظيع الذي كان يُمارس علانية آنذاك.

الوحش وصورته يجب أن يُعبدا كلاهما، وسمته يجب أن تُطبع إما على اليد أو على الجبهة، وذلك سيكون تحت عقوبة الموت الفظيعة. لا مهرب. البديل عن السجود للوحش هو الموت، وعلى الأرجح في أقسى أشكاله ضراوة، وكل التجارة والتبادل والمقايضة تكون محظورة بصرامة على أولئك الذين يرفضون الإقرار بمزاعمه (١٣: ١٧).

أتباع الوحش يُحذرون هنا ويُهددون بعقوبات فظيعة جداً لدرجة أن مجرد ذكرها يكفي ليجعل بدن المرء يقشعر. ولكن ماذا عن أولئك الذي سيُضطرون باحتمالها؟ "المَلاَك الثَالث" يقول "بصَوْت عَظيم"- وذلك لكي يسمع الجميع، وهكذا يكونون بلا عذر- ذاك الذي يكون قد سجد للوحش وقبل سمته، "سَيَشْرَبُ منْ خَمْر غَضَب الله". لقد شربت الأمم حتى الثمالة من كأس الزانية (الآية ٨)؛ والآن صاروا تحت العدالة الجزائية فسيشربون كأس الله (الآية ١٠). وفي هذا الكأس ليس من مواد مخففة (مز ٧٥: ٨). إنه كأس غضب صافٍ غير ممزوج. "يُعَذَّبُ بنَارٍ وَكبْريتٍ". العذاب المريع فردي هو. كل واحد سيتعرض لبؤس أبدي في شخصه. "نَارٍ وَكبْريتٍ". (أشعياء ٣٠: ٣٣؛ رؤ ٢٠: ١٠) هما رمزان لألم وكرب لا يوصف. ومن الملامح الأخرى الفظيعة للعذاب المؤلم الذي سيبتلي به كل تابع للوحش هو أن العذاب الذي سيعانونه سيكون "أَمَامَ الْمَلاَئكَة الْقدّيسينَ وَأَمَامَ الْخَرُوف". الملائكة القديسون كانوا قد شهدوا من مكانهم في الأعالي عن الشر الفظيع للوحش وأتباعه؛ والآن سيشهدون على انتقام الله، وكل معذب سيعرف أن الملائكة ينظرون إلى الأسفل نحو العالم المليء بالعذاب الذي لا يمكن وصفه ٣، وأيضاً "أَمَامَ الْخَرُوف" ٤، الذي كانوا قد تحدوه علانية سابقاً، والذي وطئوا دمه بشهوانية. وهذا سيضيف بالطبع بشكل كبير إلى فظاعة حالتهم.

١١- "يَصْعَدُ دُخَانُ عَذَابهمْ إلَى أَبَد الآبدينَ". في الجمل السابقة لهذا المقطع المهيب العميق رأينا الفرد أمامنا، كما نستدل من استخدام الضمائر الشخصية. والآن، وإذ اكتملت الجماعة، فإن الحديث هو عن "دُخَانُ عَذَابهمْ"، لتلك المجموعة المعنية. يا لها من صورة رهيبة عن دينونة كاملة ساحقة! (تك ١٩: ٢٨؛ أش ٣٤: ١٠). الزانية تُدان على نفس المنوال وتُعاقب (قارن مع ١٩: ٣).

عبارة "إلَى أَبَد الآبدينَ" تُستخدم لتعبر عن:

الوجود الأبدي لله (٤: ٩، ١٠؛ ٥: ١٤؛ ١٠: ٦؛ ١٥: ٧).

المجد الأبدي للخروف (٥: ١٣).

الملك الأبدي للمؤمنين (٢٢: ٥).

المصير الأبدي للشيطان (٢٠: ١٠).

العذاب الأبدي للضالين (١٤: ١١).

عذاب الهالكين والشيطان أبدي. "لاَ تَكُونُ رَاحَةٌ نَهَاراً وَلَيْلاً" هي الإعلان الرهيب الوارد في ١٤: ١١، وهذا النهار والليل الحافلين بالعذاب هو إعلان على نفس الدرجة يرد في ٢٠: ١٠. ما من توقف، ولا تلطيف؛ الألم لا يتوقف. الرعب الذي لا نهاية له الذي سيعانيه أتباع الوحش يفوق تصور البشر. العقاب الأبدي للضالين محفور على سجلات سفر الرؤيا التي لا تفنى. الخطيئة وعقابها تقاس بعظمة ومجد وأبدية الله. هو وحده الذي يستطيع أن يكشف من يكون وما يكون. الخطيئة ضد كائن لا متناهٍ يجب أن ينتج عنها تبعات لا متناهية وأبدية.

"هُنَا صَبْرُ الْقدّيسينَ. هُنَا الَّذينَ يَحْفَظُونَ وَصَايَا الله وَإيمَانَ يَسُوعَ". في حالة الأشياء هذه، والتي ليس لها مثيل في تاريخ الجنس البشري، لا يستطيع القديسون إلا أن يثبتوا ويصبروا وينتظروا. يُمنع عليهم أن يقاوموا بالسيف، وحتى وإن استطاعوا (١٣: ١٠). ولكن الإيمان والصبر في النهاية، ومهما طالت ودة الألم، سينتصر في اليوم الأخير. الموت أمامهم، ولكن من الأفضل لهم أن يقتلهم الوحش على أن يتعذبوا مع الوحش. القديسون المبتلون يلتصقون بمطالب الله الواضحة والإيمان بيسوع. في سجل سفر الرؤيا الشهداء هم شهداء يسوع (١٧: ٦). اسم أعذب صوتٍ لا يتردد إلا قليلاً في السفر، ولكن الارتباطات إليه والتي يظهر بها ذات أهمية عظيمة (١٤: ١٢؛ ١٧: ٦؛ ٢٢: ١٦).

الميت المطوَّب الذي يموتُ في الرب:

١٣- "وَسَمعْتُ صَوْتاً منَ السَّمَاء قَائلاً لي: «اكْتُبْ ٥. طُوبَى للأَمْوَات الَّذينَ يَمُوتُونَ في الرَّبّ مُنْذُ الآنَ - نَعَمْ يَقُولُ الرُّوحُ، لكَيْ يَسْتَريحُوا منْ أَتْعَابهمْ، وَأَعْمَالُهُمْ تَتْبَعُهُمْ»". يقع صوت المتحدث، وليس اسمه، على مسمع الرائي المسيحي. الإضافة "لـي" في هذه الترجمة تُعتبر تحريفاً. فلم تكن الرسالة موجهة إلى يوحنا، رغم أنه سمعها، بل هي لكل القديسين، رغم أنها تنطبق بشكل خاص على المؤمنين في تلك الساعة الحرجة التي تسبق مجيء الرب في الدينونة. مما لاشك فيه أبداً أن الذين يموتون في الرب مباركون ومطوبون هم، ولكن لماذا تُقلب العبارة بالنسبة إلى هذه الفترة الفظيعة من تاريخ البشرية؟ ولماذا تأتي الإضافة "مُنْذُ الآنَ (أو من الآن فصاعداً)؟" ولماذا منذ تلك اللحظة بالذات؟ الإجابة على هذه الأسئلة بسيطة ومرضية. الكلمة "مُنْذُ الآنَ" تدل على النهاية القريبة، والبركة على وشك أن تحل.

في ٢٠: ٤ لدينا تكملة القديسين السماويين الذين يملكون مع المسيح لألف سنة. هناك ثلاث فئات من هؤلاء: (١) جماعة مميزة ومعروفة جيداً تجلس على العروش. هؤلاء هم الموتى المقامون والأحياء المتبدلون لدى مجيء الرب في الهواء (١ تسا ٤: ١٦، ١٧؛ ١ كور ١٥: ٥١- ٥٤). عندما يُختطفون يتم الحديث عنهم على أنهم "شيوخ" طوال القسم النبوي من سفر الرؤيا. (٢) "أرواح أولئك الذين قُطعت رؤوسهم بسبب شهادتهم ليسوع ولكلمة الله". هذه الجماعة تشكل فئة من الشهداء بحد أنفسهم، الذين ذُبحوا قبل أن يُوجد الوحش كسلطة وقوة مضطهدة. إنهم شهود تحت الختم الخامس (٦: ٩- ١١). (٣) "أولئك الذين لم يَسْجُدوا للْوَحْش وَلصُورَته، وَيَقْبَلُوا سمَتَهُ عَلَى جَبْهَتهم أَوْ عَلَى يَدهم". هناك فاصل زمني لبعض الوقت، ربما سنين، بين استشهاد هاتين الجماعتين الأخيرتين. ولذلك إن كانت جماعة القديسين المالكين مع المسيح جميعها مشتملة في الفئات الثلاثة المُشار إليها في (٢٠: ٤)، فبأي جماعة منهم نضع أولئك الذين "يَمُوتُونَ في الرَّبّ؟" لاشك أنهم وسط أولئك الذين استشهدوا تحت الوحش.

هناك اعتبار آخر ومفيد يلي ذلك. إن كانت الجماعتان من الشهداء تشمل كل الذين ماتوا بعد الاختطاف، فمن الواضح إذاً أنه ما من قديس خلال "أسبوع الأزمة" للسنوات السبع يموت موتاً طبيعياً. أولئك الذين "يَمُوتُونَ في الرَّبّ" يُذبحون ذبحاً؛ ومن هنا استحالة تطبيق نصنا المحفور على حجارة وضريح في ذكرى أمواتنا الغوالي علينا. أولئك "الَّذينَ يَمُوتُونَ في الرَّبّ مُنْذُ الآنَ" إنما هم شهداء. إنهم على وشك أن يشركوا في البركة التي لـ "الْقِيَامَةِ الأُولَى" (الأصحاح ٢٠: ٦). بركتهم في شخصه وفي ملئها تفوق للغاية كل أولئك الذين ينجون بعد الضيقة. الأسبقون يأخذون مكانة مميزة في المجد السماوي، والجماعة الأخير تُمنح أعلى مكانة على الأرض؛ الأسبقون يملكون مع المسيح والآخرون يُسادون؛ السابقون ملوك، والآخرون أتباع.

يتجاوب الروح مع صوت الآتي من السماء قائلاً: "نَعَمْ"، ويضيف كلمة تعزية غنية، "لكَيْ يَسْتَريحُوا منْ أَتْعَابهمْ، وَأَعْمَالُهُمْ تَتْبَعُهُمْ". على الأرجح أنه ما من أحد وسط "سحابة الشهود" قد سار على هذا المنوال في حماسة واتقاد الإيمان كهؤلاء؛ ما من أحد خدم هكذا أو عانى هكذا تحت الظروف الأشد وطأة. ولكن الآن هؤلاء الشهود الذين "لم يكن العالم مستحقاً لهم" على وشك أن يدخلوا إلى راحتهم الأبدية- وبالتالي فقد زال وإلى الأبد التعب والشقاء والمعاناة. الله لا ينسى عملهم وتعب محبتهم. عندما يُقام هؤلاء القديسون ويُصعدون فإن أعمالهم تصحبهم، ولا تأتي خلفهم، بل "معهم". أعمالهم ستُثمَّن بقيمتها الحقيقية من قِبل قاضٍ عادل بار، سيُكافئ كل إنسان حسب عمله. الراحة والمكافأة هي النصيب الفوري لأولئك الذين يموتون آنذاك في الرب.

حصاد حصيد الأرض:

١٤، ١٥- "ثُمَّ نَظَرْتُ وَإذَا سَحَابَةٌ بَيْضَاءُ، وَعَلَى السَّحَابَة جَالسٌ شبْهُ ابْن إنْسَانٍ، لَهُ عَلَى رَأْسه إكْليلٌ منْ ذَهَبٍ، وَفي يَده منْجَلٌ حَادٌّ. وَخَرَجَ مَلاَكٌ آخَرُ منَ الْهَيْكَل، يَصْرُخُ بصَوْتٍ عَظيمٍ إلَى الْجَالس عَلَى السَّحَابَة: «أَرْسلْ منْجَلَكَ وَاحْصُدْ، لأَنَّهُ قَدْ جَاءَت السَّاعَةُ للْحَصَاد، إذْ قَدْ يَبسَ حَصيدُ الأَرْض»". الدينونة القضائية على وشك أن تحصد الأرض الآثمة بمكنسة الدمار وتطهرها من الشر. الحصاد والكرمة صور رمزية مألوفة تُستخدم للتعبير عن تعاملات الله الأخيرة. السالفة هي دينونة حسنة التمييز، الغضب القاسي الذي لا يرحم. في الحصاد تُفصل الحنطة عن القش. وفي الكرمة هذه الأخيرة، أي العصارة التي لا قيمة لها، هي وحدها في العالم النبوي، وتُشكل مواد انتقام الرب العادل.

١٤- "نظرت فرأيت". هذا التعبير يستخدم فقط في بداية مواضيع ذات اهتمام غير عادي. هناك مسألتان هامتان للغاية اختيرتا من سلسلة الأحداث السبعة المحتواة في أصحاحنا، يستدعي انتباهنا إليها استخدام الكلمة "رأيت" (انظر الآيات ١: ١٤).

١٤- "سَحَابَةٌ بَيْضَاءُ". هذه العبارة تميز هذا الفعل، وكذلك الأمر العرش الأبيض في دينونة الأموات (٢٠: ١١). السحابة ترمز إلى الحضور الإلهي (١٠: ١؛ متى ١٧: ٥؛ حز ١٠: ٤)، "الأبيض" هو النقاء والبر المطلق الذي يميز ويحكم الحدث.

١٤- "عَلَى السَّحَابَة جَالسٌ شبْهُ ابْن إنْسَانٍ". يُقال أن المسيح سيأتي في سحابة (لو ٢١: ٢٧)، ولكن يُقال أيضاً أنه سيأتي على السُحُب (متى ٢٤: ٣٠). في الحالة الأولى شخصه محتجب؛ وفي القول الأخير يظهر علانية. إنه يجلس على السحابة. هذه الدينونة دينونة هادئة متروية؛ ما من عجلة أو استعجال أو تسرع. "شبْهُ ابْن إنْسَانٍ". بهذا اللقب وهذه الصفة يتعامل المسيح مع حالة الأشياء على الأرض، ويدين غير الأتقياء (متى ٢٥: ٣١؛ يوحنا ٥: ٢٧). كابن لله يُحيي الآن الموتى روحياً (يوحنا ٥: ٢٥)، كما الأموات جسدياً في المستقبل (الآية ٢٨). كنا قد لفتنا الانتباه قبلاً إلى غياب أداة التعريف في هذا اللقب المستخدم في الرؤيا وفي دانيال ٧: ١٣. كابن الإنسان يأتي ويستلم زمام سطوة كونية. ارتباطه مع الجنس البشري والعالم عموماً يُعلن عنه بلقب ابن الإنسان، ولكن بهذه الشخصية نفسها يحمل المواصفات والأمجاد الأخلاقية لقديم الأيام (قارن دا ٧: ١٣ مع الآية ١٤ من أصحاحنا وأيضاًَ مع رؤيا ١: ١٣، ١٤). ما من شك في أن الرائي قد رأى بالرؤيا ابن الإنسان، ولكن في غياب أداة التعريف فإن هذا ما يميزه معنوياً على أنه المسيطر. أداة التعريف ستجعل الأمر محدداً وشخصياً. مواصفات ابن الإنسان يتم استحضارها إلى الذهن، وإلى هذه يتم توجيهنا- إلى تلك الصفات التي تميزه على أنه الواحد أكثر منه الشخص.

١٤- "لَهُ عَلَى رَأْسه إكْليلٌ منْ ذَهَبٍ"، وهذه علامة الوقار الملكي (٤: ٤؛ ٦: ٢). التيجان على رؤوس الجراد كانت "من ذهب" (٩: ٧). ادعاؤها وانتحالها السلطة الملكية كان كاذباً. ها هنا السلطة حقيقية وممنوحة من الله. ولكن الإكليل الذهبي أيضاً تعبير عن البر الإلهي في حدث الانتصار.

١٤- "وَفي يَده منْجَلٌ حَادٌّ". ليس هذا هو تنفيذ الدينونة سواء المعنوية (عب ٤: ١٢) أو المادية (رؤيا ١٩: ١٥)، وإلا فإن سيفاً كان سيُذكر هنا. ولكن المنجل يشير إلى الحاجة لجني الحصاد. إنه "حَادٌّ" لكي يقوم بعمله بشكل دقيق قاطع، وفي "يد" الحصَّاد، والذي هو على وشك أن يبدأ بعملية الفصل- فالقمح يُجمع في الأهراء والبقية التي تفضل تُجمع في رُزمٍ.

١٥- "وَخَرَجَ مَلاَكٌ آخَرُ منَ الْهَيْكَل". كلمة "آخر" تظهر تمايزاً عن أولئك الذين ورد ذكرهم سابقاً في الأصحاح (الآيات ٦، ٨، ٩). العرش والهيكل، كلاهما "في السماء" هما مصدر الدينونة على الأرض كليهما. دينونات العرش تميز الجزء الأول الكبير من السفر وتُختتم بـ ١١: ٨. وتأديبات الهيكل هي موضوع الحديث من ١١: ١٩ وإلى سكب الجامات (الأصحاح ١٦). في الجام السابع، الذي يؤتي بغضب الله إلى ختامه، يتحد الهيكل والعرش في الفعل (الآية ١٧). من اجل العرش انظر ٤: ٥؛ ومن أجل الهيكل انظر ١١: ١٩. العرش يدل على تطبيق الحكم الإلهي؛ والهيكل يشير إلى الحضور المباشر لله. في الجزء الثاني الرئيسي من سفر الرؤيا، من ١١: ١٩، تصير الدينونات ذات طابع أشد من الدينونات السابقة، إذ أن الشر الذي يجب معالجته هو من النوع القاسي المبرح، والأشد صراحة ووقاحة وتجديفاً وهو ذات طابع مدني. ومن هنا فإن الدينونة تخرج عن حضور الله نفسه، أي من الهيكل- وطبيعة الله كنور يتم تحريضها على الفعل. 

١٥- يصرخ الملاك من الهيكل "بصَوْتٍ عَظيمٍ". إنه دعوة إلى الفعل الفوري من قِبل الحاصد الإلهي. "أَرْسلْ منْجَلَكَ وَاحْصُدْ، لأَنَّهُ قَدْ جَاءَت السَّاعَةُ للْحَصَاد، إذْ قَدْ يَبسَ حَصيدُ الأَرْض". هناك سببان وراء بدء ابن الإنسان مباشرة بالجمع في الحصاد. أولاً، الساعة المعينة للتعامل الأخير قد أتت؛ وثانياً، الحصاد نضج تماماً، نعم، لقد "نشف" (انظر ١٦: ١٢). ساعة الدينونة (الآية ٧) وساعة الحصاد (الآية ١٥) يُقال أن كلتاهما تكونان قد جاءتا، وكلاهما تشير جوهرياً إلى نفس طبيعة الفعل.

١٥- "أَرْسلْ منْجَلَكَ وَاحْصُدْ". ابن الإنسان لا يحصد بنفسه شخصياً. إنه يشرف على الأمور. إنه يحصد بالوساطة. الحاصدون الحقيقيون هم الملائكة (متى ١٣: ٣٩).

١٥- "حَصيدُ الأَرْض". له طابع سياسي (يوئيل ٣: ٩- ١٤) وديني (متى ١٣: ٢٤- ٣٠). الآنف مرتبط مباشرة بإسرائيل، ومجال تأثيره هو في وادي يهوشافاط (يوئيل ٣: ١٢)؛ والأخير أوسع امتداداً، فيشمل في مجاله كل العالم المسيحي (متى ١٣: ٣٨).

١٦- "فَأَلْقَى الْجَالسُ عَلَى السَّحَابَة منْجَلَهُ عَلَى الأَرْض، فَحُصدَت الأَرْضُ". النتيجة هي فورية، ولكن هذا في الرؤيا فقط. يجب أن لا ننظر إلى هذه الأفعال على أنها ترمز إلى أعمال قوة إلهية خاطفة. الأحداث لاحظناها في الرؤى السابقة- وهي قد تمتد لفترة زمان طويل وقد تشمل عدة وكلاء- وتظهر كأنها تكتمل بفعل واحد. في الرؤى، النتائج المكتملة مُوجزة بشكل ملخص ومختصر. ولكن في أجزاء أخرى من الكتاب المقدس تكون التفاصيل على نفس الدرجة من الأهمية وتُكشف على هذا الأساس. ولكن كم هو كرم من الله أن يعرض لنا بدقة أهدافه التي ستتحقق؛ وهذه الرؤى الرؤيوية تؤكد ذلك.

لقد لاحظنا للتو أن الحصاد يميز ويفصل بين الحنطة والزؤان. "اجْمَعُوا أوَّلاً الزَّوَانَ وَاحْزِمُوهُ حُزَماً لِيُحْرَقَ وَأَمَّا الْحِنْطَةَ فَاجْمَعُوهَا إِلَى مَخْزَنِي" (متى ١٣: ٣٠). هذا إذاً هو عمل الحصاد. إنه نفس طابع عمل الفصل الذي تُجمع به الأسماك الذهبية في أواني وتُرمى السيئة بعيداً (الآية ٤٨). هذه العملية الصعبة ستكون في نهاية الزمان. ليس من تنفيذ فعلي للدينونة في الحصاد. فهذا يكتمل ويتم في قطف عنب الكرمة؛ وليس في الحصاد إكمال لبواكير جماعة العذارى في الآية ٤. ذلك الحصاد يتميز بالبركة، ويُحصد عندما يؤسس الملك الألفي. الحصاد هنا هو دينونة تمييزية تسبق تأسيس الملكوت. الحصاد هو الدينونة بنظرة مسبقة.

كرمُ الأرض ودينونته:

١٧- ٢٠- "ثُمَّ خَرَجَ مَلاَكٌ آخَرُ منَ الْهَيْكَل الَّذي في السَّمَاء، مَعَهُ أَيْضاً منْجَلٌ حَادٌّ. وَخَرَجَ مَلاَكٌ آخَرُ منَ الْمَذْبَح لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى النَّار، وَصَرَخَ صُرَاخاً عَظيماً إلَى الَّذي مَعَهُ الْمنْجَلُ الْحَادُّ، قَائلاً: «أَرْسلْ منْجَلَكَ الْحَادَّ وَاقْطفْ عَنَاقيدَ كَرْم الأَرْض، لأَنَّ عنَبَهَا قَدْ نَضَجَ». فَأَلْقَى الْمَلاَكُ منْجَلَهُ إلَى الأَرْض وَقَطَفَ كَرْمَ الأَرْض، فَأَلْقَاهُ إلَى مَعْصَرَة غَضَب الله الْعَظيمَة. وَديسَت الْمَعْصَرَةُ خَارجَ الْمَدينَة، فَخَرَجَ دَمٌ منَ الْمَعْصَرَة حَتَّى إلَى لُجُم الْخَيْل، مَسَافَةَ أَلْفٍ وَستّمئَة غَلْوَةٍ".

١٧- "مَلاَكٌ آخَرُ". في هذه الرؤى هناك ذكر لستة ملائكة (الآيات ٦، ٨، ٩، ١٥، ١٧، ١٨). الأعداد الترتيبية، الثاني والثالث (الآيات ٨ و٩)، من الواضح أن المقصود بها أن تشكل مجموعة من ثلاثة ملائكة متمايزة عن أولئك الذين يأتون بعدهم ولا يُذكر عددهم. الملائكة الذين يتم عدهم يعلنون عن أحداث محددة لها صلة وثيقة مع بعضها. الرابع والخامس يخرجان من الهيكل (الآيات ١٥، ١٧)، والتي منه تُسكب كل الجامات (١٦: ١). الملاك السادس يخرج من المذبح (الآية ١٨).

١٧- "مَعَهُ أَيْضاً منْجَلٌ حَادٌّ". هناك اهتمام بالتفاصيل الدقيقة في الوصف السابق لا نجده في هذا المقطع. هناك يأتي القول "في يَده منْجَلٌ حَادٌّ" (الآية ١٤)؛ وهنا نجد ببساطة القول: "مَعَهُ أَيْضاً منْجَلٌ حَادٌّ". في المقطع الأول نجد "صَوْت عَظيم"؛ وبينما في الآخر نجد القول: "صُرَاخاً عَظيماً" ( الآية ١٨). لابد لنا من ملاحظة هذا الفارق وفوارق أخرى دقيقة إن ابتغينا الفائدة الكاملة. وبالطبع، هناك أشياء معينة مشتركة، مثل "الحصيد" و"الكرمة".

ثم يُرى "مَلاَكٌ آخَرُ" يخرج "منَ الْمَذْبَح لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى النَّار". هذا هو المذبح النحاسي، مذبح الدينونة. الصرخة المرتفعة والحاجة الملحة التي تصدر عن أرواح الشهداء تحت المذبح والمطالبة بانتقام عادل (٦: ٩- ١١) لم يتم الإجابة عليها إلا جزئياً. والآن المعيار الكامل للدينونة سيتم إنزاله على أعدائهم. المذبح النحاسي يرمز إلى القبول (لاويين ١)، ومع الدم على قرونه نجد مفهوم المغفرة (الأصحاح ٤). ولكنه مذبح مقدس، ومن هنا فإنه يتطلب دينونة الخطية؛ إنه أيضاً أساس المغفرة الإلهية. الفكرة هنا هي دينونة صافية غير ممتزجة- دينونة إلهية على كرم الأرض (قارن مع حز ٩: ٢). ملاك المذبح "صَرَخَ صُرَاخاً عَظيماً". إنها صرخة مرتفعة قاطعة وملحة، ولا تحتمل التأجيل على الإطلاق.

١٨- "اقْطفْ عَنَاقيدَ كَرْم الأَرْض؛ لأَنَّ عنَبَهَا قَدْ نَضَجَ". إسرائيل القديم كان الكرم الذي أُخرج من مصر (مز ٨٠: ٨)- نظام الرب الذي يحمل ثمراً على الأرض. بعد قرون من الحراثة والتهذيب والعناية أنتج الكرم "عنباً برياً" فقط (أشعياء ٥: ٢- ٤). الكرم الجيد الذي غرسه الله رب الجنود، وفي أيام النبي المنتحب، "تَحَوَّلْتِ لِي سُرُوغَ جَفْنَةٍ غَرِيبَةٍ" (إرميا ٢: ٢١). ولذلك تمت تنحية إسرائيل جانباً ليتم استبداله معنوياً بالمسيح الكرمة الحقيقية، الذي وحده كان يستطيع أن يحمل ثمراً وقد أثمر فعلاً (يوحنا ١٥). علامة التلميذ الحقيقي ليست فقط أن يكون غصناً في الكرمة (ويهوذا لم يكن كذلك)، بل أن يكون غصناً يحمل ثمراً. العبارة "كَرْم الأَرْض" تشير إلى كل النظام الديني في الأزمة القادمة، وليس اليهودية فقط. عناقيد العنب ناضجة للدينونة. إنها تُجمع في عناقيد وتُلقى إلى معصرة غضب الله. التجديف الديني الكبير على الأرض يتم التعامل معه الآن بقسوة في دينونة. "ديسَت الْمَعْصَرَةُ خَارجَ الْمَدينَة". يُلقى الزؤان الآن إلى النار ٠متى ١٣: ٤٠- ٤٢)- "أَتُونِ النَّارِ". هو أيضاً تبديد للأغصان غير المثمرة (يوحنا ١٥: ٦). ما من رحمة، وما من دينونة، بل انتقام مطلق. معصرة العنب ترمز على ذلك. إنه يوم انتقام إلهنا. إنه الوقت الذي تكلم عنه أشعياء ٣٦: "مَا بَالُ لِبَاسِكَ مُحَمَّرٌ وَثِيَابُكَ كَدَائِسِ الْمِعْصَرَةِ؟" ويجيب المسيّا: "قَدْ دُسْتُ الْمِعْصَرَةَ وَحْدِي وَمِنَ الشُّعُوبِ لَمْ يَكُنْ مَعِي أَحَدٌ. فَدُسْتُهُمْ بِغَضَبِي وَوَطِئْتُهُمْ بِغَيْظِي. فَرُشَّ عَصِيرُهُمْ عَلَى ثِيَابِي فَلَطَخْتُ كُلَّ مَلاَبِسِي. لأَنَّ يَوْمَ النَّقْمَةِ فِي قَلْبِي وَسَنَةَ مَفْدِيِّيَّ قَدْ أَتَتْ" (الآيات ٢- ٤). كرم الأرض هو تعبير مناسب، يشمل اليهود المرتدين والأمميين والمرتدين (مز ٨٥: ٥؛ أشعياء ٣٤؛ إرميا ٢٥: ١٥، ١٦؛ يوئيل ٣).

٢٠- "ديسَت الْمَعْصَرَةُ خَارجَ الْمَدينَة". أورشليم هي المدينة المشار إليها هنا وادي يهوشافاط كان خارج أورشليم، وهناك كامل انتقام الله سينسكب، "امْتَلَأَتِ الْمِعْصَرَةُ" (يوئيل ٣: ١٣). في الواقع، الحصاد والكرم كلاهما يُطحنان مباشرة على حسب نبوءة يوئيل (الأصحاح ٣)، وبالطبع مع تطبيق أوسع. خارج المدينة، أو "خارج" ترمز على فلسطين ككل.

٢٠- "فَخَرَجَ دَمٌ منَ الْمَعْصَرَة حَتَّى إلَى لُجُم الْخَيْل، مَسَافَةَ أَلْفٍ وَستّمئَة غَلْوَةٍ.". الدم، وليس الخمر أو عصير العنب، هو الذي انسكب، من المعاصر إلى عمق لُجُم الْخَيْل؛ طول جدول الدم يبلغ حوالي مئتي ميل. المغزى من ذلك دمار واسع للحياة البشرية في منطقة محددة. وبالتأكيد ما يُقال عن ربح واسع يفوق كل ما سبق وعُرف. نستنتج أن عالم الكرمة في أسوأ أشكاله هو الذي يشير إليه يوئيل في ٣: ٩- ١٤، كما وأنه المكان الذي سيُشن عليه معركة هرمجدون (رؤيا ١٦: ١٤- ١٦): العالم، أيضاً، الذي في رؤيا ١٩: ١٩. كل هذه تتركز في فلسطين. فهناك سيتمركز الشر في الأرض. الوحش وضد المسيح كلاهما يسقطان هناك وكذلك أتباعهما. جوج أيضاً وتابعه، ملك الشمال المعادي للشعب العبري يلقون مصيرهم في تلك الأرض (انظر حز ٣٨؛ ٣٩، من أجل جوج وحلفاءه؛ وانظر أشعياء ١٤: ٢٥؛ دا ١١: ٤٥ من أجل الأشوريين أو ملك الشمال). تعاملات الله النهائية في نهاية الأزمة كما يتم التعبير عنها في الحصاد والكرم ستكون متمركزة في الأرض، وستنزل أثارها على شعب إسرائيل الذي سيكون آنذاك أكثر الشعوب إثماً، وسيمتد إلى أقصى حدود العالم المسيحي. بالتأكيد لا نعتقد أن المقصود بذلك هو وادي يهوشافاط وهرمجدون فعلياً حرفياً، إذ أن كليهما ترمزان إلى مكان تجمع للأمم الذين سيتجمعون على مقربة من أورشليم وهكذا تصبح يهوذا ساحة معركة بين الأمم. فليحفظ الله المؤمنين المحبوبين من فظائع تلك الأيام.


١. "إعلان يسوع المسيح"، بقلم و. ر. هـ.، صفحة ٥٤.

٢. هؤلاء هم الذين لم يتدنسوا بالنساء، لأنهم كانوا متبتلين، إن نسبنا هذا إلى العذرية بشكل حرفي، كما يفعل البعض، إنما هو أمر يبعث على الأسى ويدل على انعدام التمييز الروحي؛ إضافة إلى ذلك، فإن الغموض في هكذا تفسير سيحصر الجماعة التي على جبل صهيون بالرجال فقط. 

٣. في الفترة المشار إليها، وخاصة في بدئها، سيكون للملائكة دور كبير في تنفيذ الدينونة الصادرة (متى ١٣: ٤٩: ٥٠؛ رؤيا ٢٠: ١- ٣). ثم نقرأ عن ذلك التعبير الرهيب عن "غضب الخروف". كلا الحمل والملائكة يكون لهما دور في تنفيذ انتقام الله القدير على الوحش وأتباعه.

٤. العذاب المحدد المشار إليه هنا والذي يتلقاه أولئك الذين يضعون سمة الوحش هو عبارة عن نار وكبري، "في حضرة الخروف"، وهذا التعبير الأخير يبدو أنه يحوي قمة اللعنة، على نفس الطريقة التي يُعبر عنها في (٦: ١٦)، والذي يعبر عن الرعب الذي سيشعر به الأشرار لدى رؤيتهم "وجه ذاك الذي يجلس على العرش"- "ملاحظات على الرؤيا"، بقلم برودي، ص. ١٣٣.

٥. الأمر بالكتابة يتكرر ١٢ مرة في سفر الرؤيا ما يدل على أن الأشياء المعنية ذات أهمية قصوى.