الأصحاح ١٠

نزول الملاك القوي

السفر الصغير المفتوح:

مدخل:

قبل فتح الختم السابع ونفخ البوق السابع، وسكب الجامة السابعة، يحدث توقف في مسار الدينونة في كل حالة تُشاهد. أقصر توقف هو الجام الأولى (١٦: ١٥) فاصل البوق هو أطولها (١٠- ١١: ١٣).

الختم الخامس، الذي ليس من عمل منفصل أو دينونة تُشاهد فيه، أدخل أو استهل سلسلة البوق للتأديبات الإلهية. على نحو مشابه الويل الثالثة، أو البوق السابع، يعد الطريق لصب غضب الله النهائي على العالم المرتد. هذه السباعية الأخيرة من الدينونات، أي الجامات، هي ذات طابع واضح جلي ظاهر. يراها الجميع بوضوح وهي تصدر من السماء. يُعترف بأن الله هو مصدر هذه المخاوف، إذ لم تكن لديهم توبة حقيقية، بل كانوا في تجديف علني وعام على الله وعلى اسمه. في الحلقة الفاصلة بين البوقين السادس والسابع نقرأ: "في أَيَّام صَوْت الْمَلاَك السَّابع مَتَى أَزْمَعَ أَنْ يُبَوّقَ يَتمُّ أَيْضاً سرُّ الله، كَمَا بَشَّرَ عَبيدَهُ الأَنْبيَاءَ" (١٠: ٧). نفخ البوق السابع يختم صبر الله. القوة المرتدة على الأرض يجب معالجتها بشكل صريح، ليس عنائياً، كما تحت السلسلتين السابقتين من الدينونات. السماء والأرض، الملائكة والبشر، يشهدون بأن هذه الضربات الأخيرة تحت الجامات قد كانت بيد الله. ومن هنا فإن نفخ البوق السابع يُنذر بصب غضب الله المركز على العالم الآثم والمرتد. الضربات قصيرة حادة وقاسية (الأصحاح ١٠).

كان هناك اعتقاد أنه طالما أن النتيجة المباشرة لملاك الحضور السابع مبوقاً ببوقه فإن الرب ينتحل لنفسه قدرته العظيمة؛ وفي الحال يبدأ حكمه الألفي. ولكننا نعتقد أن هذا خطأ. العداوة الفعالة للوحش ضد القديسين تتوقف مع انتهاء فترة الـ ١٢٦٠ يوماً، الفترة الدقيقة بالضبط من المعاناة المقاسة بالأيام والأشهر (١١: ٣؛ ١٣: ٥- ٨). هذا يترك مجالاً لـ ١٧ يوماً ونصف لتُشكل السنوات الثلاثة والنصف المطلوبة لإكمال الأسبوع السبعين من دانيال، ذلك الأسبوع الحافل المكون من سبعة سنين حرفية (دانيال ٩: ٢٧). تُسكب الجامات خلال هذه الأيام الـ ١٧ ونصف ١. قوة الوحش في إزعاج المزيد من قديسي الله تأتي إلى زوال عندما يبدأ الملاك بصب الجامات. فكيف يمكن للوحش أن يضطهد بينما هو نفسه الموضوع المباشر لهذه الدينونات الأخيرة؟ نستنتج أن الأصحاح ١١: ١٥- ١٨ لا يُصور أحداثاً تأتي مباشرة تحت البوق السابع، بل بالأحرى يجمع مشاهد ألفية وأبدية، واحتفالات في فترة الحكم العالمي القريب المتوقع وانتصار الله. الملكوت يتوقع، ولكنه لم يأتِ بعد. بعد تبويق الملاك السابع تُصب الجامات على نحو متتابع. وهكذا فإن الأبواق تلي الأختام، والجامات تلي الأبواق.

ولكن قبل أن تأتي روما لتصبح الموضوع المباشر للتعامل الجزائي الشديد المكثف (الأصحاح ١٦) تدخل الله العلني يُشاهد بالرمز والكلمة (الأصحاح ١٠)، وظهر شهادة أخرى، شهادة لم تُكشف حتى الآن في أي رؤيا سابقة (الأصحاح ١١). هذه الشهادة لها طابع مميز بحد ذاتها (الآية ٤)، وهي محصورة أكثر بكثير من أي من تلك التي في ٦: ٩ أو الأشد كثافة التي تظهر في الأصحاح ٧. مدينة أورشليم، التي ستكون آنذاك مداسة تحت الأعقاب الحديدية للمضطهد الأممي، تصبح مجال العمليات للشهادة الخاصة نفسها الواردة في الأصحاح ١١.

الوصف المجيد للملاك المقتدر النازل:

١- ٣- "ثُمَّ رَأَيْتُ مَلاَكاً آخَرَ قَويّاً نَازلاً منَ السَّمَاء، مُتَسَرْبلاً بسَحَابَةٍ، وَعَلَى رَأْسه قَوْسُ قُزَحَ، وَوَجْهُهُ كَالشَّمْس، وَرجْلاَهُ كَعَمُودَيْ نَارٍ، وَمَعَهُ في يَده سفْرٌ صَغيرٌ مَفْتُوحٌ. فَوَضَعَ رجْلَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْبَحْر وَالْيُسْرَى عَلَى الأَرْض، وَصَرَخَ بصَوْتٍ عَظيمٍ كَمَا يُزَمْجرُ الأَسَدُ. وَبَعْدَ مَا صَرَخَ تَكَلَّمَت الرُّعُودُ السَّبْعَةُ بأَصْوَاتهَا". الأمور آخذة إلى الختام. نصف أسبوع الألم والمعاناة (ثلاث سنوات ونصف) يكاد يكون قد انصرم، ولكن ساعاته الأخيرة تكشف حالة العالم في تمرد مجنون ومفتوح ضد الله، وقديسيه الذين يُنزل عليهم الوحش وضد المسيح غضبه الشديد. قبل ذلك، الثُفل الأخير من انتقام الرب يكون الأمميون واليهود المرتدون قد شربوه والسُذج المغفلون يرون هذه الرؤيا المعزية خلال سُحب الدينونة المظلمة. إنها تذكير صارم للعالم أنه، ورغم ثورة غضب الأشرار، فإن حكومة الأرض هي من حق الخالق وسيُمسك بزمامها بقوة. ولكن الرؤيا أيضاً ملائمة بشكل بارز في تقوية وتعزية المؤمنين، وخاصة القديسين المتألمين، لأن القوة نفسها التي ستحطّم الأعداء سترفع المتألمين إلى المجد.

يمكن قراءة الرؤيا بسهولة. إنها إحدى الرؤى الراسخة في السفر. ورغم بساطة ووضوح ملامحها الرئيسية. إن الغموض والأسرارية في رؤى البوق تختفي هنا.

١- "مَلاَكاً آخَرَ قَويّاً" يحملنا رجوعاً في الفكر إلى الأصحاح ٥: ٢، ولكن الأمر الوحيد المشترك في كلا المرجعين هو الصفة "قوي". في النص السابق كائن مخلوق يتمتع بالقوة والقدرة يُشار إليه، بينما في المقطع أمامنا كائن غير مخلوق ذو جلال إلهي وقدرة يُشهد له. إنه الرب نفسه. لقد رأينا للتو حديثاً عن رؤيا ظهر فيها الرب في شفاعة ملائكية كهنوتية (٨: ٣)؛ وهنا يؤكد في قوة ملائكية على ادعائه الذي لا يُجادل فيه بسيادته على الأرض.

١- "نَازلاً منَ السَّمَاء" "من" لا تعني ببساطة نقطة انطلاق، بل "من خارج" السماء لكونها وطنه الأصلي (١ كور ١٥: ٤٧؛ يوحنا ٣: ١٣)؛ "السماء" توكيد على مكان معين محدد. إدخال حرف الجر "من" وحذف أداة التعريف من النص قد يبدو أمراً ليس بذي أهمية، ولكن بالنسبة لأولئك القائلين بالوحي الحرفي للكتاب المقدس، كما نعتقد أن جميع قراءنا منهم، إن أي تحريف أو إقحام أو حذف لا مبرر له ولو لحرف موحى به أو مثقال ذرة (متى ٥: ١٨) يُعتبر فقداناً له أهميته. إن الله يُحذر ويُهدد بتعابير مهيبة عادة من هكذا تلاعب بالكلمة الموحى بها، سواء كان بالإضافة إليها (رؤيا ٢٢: ١٨) أو بالحذف منها (الآية ١٩).

في نزول الملا القوي المقتدر إلى الأرض إشارة إلى انتهاء التعامل العنائي. مشهد النبوءة السابق شُوهد وكأن مصدره في السماء؛ أما هنا فمشهد العمليات يظهر بشكل واضح وصريح على أنه على الأرض. المشهد النبوي كله تحت السماء مشمول صراحة وعلانية. الرب بخروجه من مكانه ليؤسس ملكوته العالمي الأرجاء على الأرض يُغير وجهة النظر، التي هي الأرض في الرؤيا وليس السماء.

١- "مُتَسَرْبلاً بسَحَابَةٍ". في الإيحاءات القديمة كانت رموز السحاب تُمثل عموماً حضور الرب وجلاله. هناك اكتمال وجرأة في الرموز المستخدمة للإشارة إلى جلال الرب المجيد، ورموز، أيضاً، واضحة لا تحتاج إلى الكثير من التفسير والنقاش. عبارة "مُتَسَرْبلاً بسَحَابَةٍ" هي علامة علنية على جلاله.

١- "وَعَلَى رَأْسه قَوْسُ قُزَحَ". قوس قزح نفسه ٢ كما شهد الرائي سابقاً (٤: ٣). في الإشارة السابقة يُطوق قوس قزح العرش وذاك الشخص المهيب الجليل الذي يشغله، وهنا قوس قزح بألوانه المتنوعة والعديدة وأمجاده يستقر على رأس الملاك. استخدام أداة التعريف في نصنا يربط المشهد في الأصحاح ١٠ لبعض ملامحه الأساسية مع ذاك الذي في الأصحاح ٤. إنه نفس قوس القزح، هذه الصورة الزخرفية من الألوهية "التي تحيط بالعرش" (الأصحاح ٤) والرأس (الأصحاح ١٠). وسط المشاهد الرؤيوية للدينونة نلاحظ تذكر الله للرحمة مستمراً وثابتاً. قوس قزح في السحابة ٣، الذي كان إمارة قديمة على الصلاح الإلهي (تك ٩)، يعود للظهور من جديد هنا، وتماماً في الوقت والفصل الذي يُحتاج إليه للغاية.

١- "وَجْهُهُ كَالشَّمْس، وَرجْلاَهُ كَعَمُودَيْ نَارٍ". جوهرياً، الوصف هنا هو لمجد ابن الإنسان في الأصحاح ١: ١٥، ١٦. ولكن هناك، أقدام ذاك المجيد تُذكر أمام رزانته. كلا الوصفين ينطبقان على نفس الشخص المبارك وإن بسياق مختلف. في النص الأول (الأصحاح ١) التعبير عن شخصه ومجده كإنسان هو المقصود. وفي الأخير (الأصحاح ١٠) جلال قوته الملائكية ومجده هي التي تُشاهد. عظيم جلاله وحكمه ينعكس في وجهه، بينما "رجْلاَهُ كَعَمُودَيْ نَارٍ" يشيران إلى الرسوخ والثبات والقداسة الراسخة لسلوكه الإداني.

٢- "مَعَهُ في يَده سفْرٌ صَغيرٌ مَفْتُوحٌ" في الأصحاح ٥ يمسك الرب بيمينه سفراً أو درجاً مغلقاً ذي سبعة أختام؛ وهنا الملاك يمسك بيمناه سفراً مفتوحاً. لماذا هو مغلق في المشهد الأول ومفتوح في المشهد الآخر؟ في السابق وحتى الآن مشورات الله غير المكشوفة يُظهرها الحمل تباعاً، بينما في الأخير "السفر مفتوح كجزء من نبوءة معروفة جيداً، والآن تُكشف على أساس معروف". إضافة إلى ذلك، هذا سفر صغير، والتصغير مقصود في تضاد مع السفر الأكبر حجماً في الأصحاح ٥ الذي كان ممتلئاً جداً حتى أنه كُتب من الداخل ومن الخارج. سفرٌ أكبر حجماً ومحتوىً وأكثر امتلاءاً من ذاك الذي في يد الملاك.

٢- "وَضَعَ رجْلَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْبَحْر وَالْيُسْرَى عَلَى الأَرْض". لثلاث مرات في سياق هذه الرؤيا يُرى الملاك واقفاً على البحر والأرض، وفي كل حالة يُذكر البحر قبل الأرض (الآيات ٢، ٥، ٨)، بينما في الأجزاء الأخرى من الرؤيا الترتيب يكون معكوساً (٧: ١- ٣؛ ١٤: ٧؛ ٥: ١٣؛ ١٢: ١٢، الخ). هذا الأخير هو الترتيب الطبيعي بالتأكيد، أي الأرض والبحر. لقد لاحظنا للتو قوة هذين الرمزين؛ الأرض تشير إلى القسم المتمدن من الكرة الأرضية، والبحر يشير إلى جموع البشر في حالة غير متحضرة وغير متعلّمة. ولكن في المقطع الذي لدينا، البحر، أي الوثنيين الهائجين، يأتي ذكره أولاً. هل هي عشوائية أم دقة إلهية أن الرجل اليمنى تطأ الأمم والشعوب المتمردة، وأن القدم اليسرى على العالم المعترف ذي النور والحكم؟ كم هي قوية خطوة الملاك؟ يا له من عمل مكتمل! كم هو قوي إخضاع الجميع له! لقد وضع تلك الدعامات أو الأعمدة من النار على كل من هو تحت الشمس. الاقتدار والعدل، كلاهما في الممارسة، هما من مواصفات العمل ذي المغزى الذي يقوم به الملاك إذ يتملك على كل العالم تحت السماء.

٣- "صَرَخَ بصَوْتٍ عَظيمٍ كَمَا يُزَمْجرُ الأَسَدُ". إضافة إلى ذلك العمل الذي قام به الملاك لدينا صوت جلاله وقدرته محدثاً رعباً شديداً في كل أرجاء الأرض (هوشع ١١: ١٠؛ يوئيل ٣: ١٦). إنه صوت المسيح. "هوذا يُعطي صوته صوت قوة" (مزمور ٦٨: ٣٣). لدينا هنا زئير أسد سبط يهوذا. لقد سُمي هكذا في ارتباط مع الحمل في ذاك المشهد السماوي العظيم الذي يُكشف عنه في الأصحاح ٥. ولكن هناك نشهد عمل الحمل، بينما هنا نرى عمل الأسد.

٣- "وَبَعْدَ مَا صَرَخَ تَكَلَّمَت الرُّعُودُ السَّبْعَةُ بأَصْوَاتهَا" ٤. صرخة الملاك كانت صرخة الرب التي سرعان ما تُستجاب. الجواب يتميز بالقوة والدينونة. الرعد هو صوت الله في الدينونة، التعبير عن سلطانه هناك (١ صموئيل ٧: ١٠؛ مز ١٨: ١٣؛ أيوب ٢٦: ١٤). "الرُّعُودُ السَّبْعَةُ" تشير إلى تجاوب كامل ومكتمل على صرخة الملاك. "السَّبْعَةُ" تعطي دقة وتحديداً للأصوات المتجاوبة للرعد. لم تكن صوت قرقعة كما هو الرعد الطبيعي، بل هذه الرعود عبرت ببراعة عن فكر الله في الدينونة، فقد "تَكَلَّمَت بأَصْوَاتهَا".

الرائي الممنوع من الكتابة:

٤- "وَبَعْدَ مَا تَكَلَّمَت الرُّعُودُ السَّبْعَةُ بأَصْوَاتهَا كُنْتُ مُزْمعاً أَنْ أَكْتُبَ ٥، فَسَمعْتُ صَوْتاً منَ السَّمَاء قَائلاً ليَ: «اخْتمْ عَلَى مَا تَكَلَّمَتْ به الرُّعُودُ السَّبْعَةُ وَلاَ تَكْتُبْهُ»". كان النبي على وشك أن يدون كلمات الرعود. لقد سمع وفهم. هذه الرؤية مليئة بالأصوات. ففيها صوت ملاك الرعود، وآخر "من السماء". وكان هذا صوت سلطة، "«اخْتمْ عَلَى مَا تَكَلَّمَتْ به الرُّعُودُ السَّبْعَةُ وَلاَ تَكْتُبْهُ»". تلك التواصلات غير المكشوفة لنا كان يجب أن تُختم. ما كان قد آن أوان إعلانها بعد. المعنى أو الفحوى الدقيق لهذه الإعلانات لم يُكشف؛ وعلى الأرجح أنها متجسدة في التواصلات التالية المتعلقة بالنهاية بشكل مباشر. هناك أمران يوجهان إلى الرائي: الأول، أن يختم أقوال الرعد؛ والثاني، أن لا يكتبها (قارن مع دانيال ٨: ٢٦؛ ١٢: ٩). ربما يكون الأمر، كما الحال مع النبي العبري، أن هذا الجزء من الرؤى الرؤيوية، المحتوي على كلمات غير مكتوبة للملاك والرعود السبعة، "يُغلق ويُختم إلى زمن النهاية". ختم هذه الإعلانات النبوية يفترض أن النهاية بعيدة. لو كانت النهاية قريبة، لما كانت ستُختم النبوات. في هذه الحالة تُختم الكلمات، لأن النهاية بعيدة (دانيال ١٢: ٩)؛ وفي حالة أخرى لا تُختم الأقوال، لأن النهاية وشيكة قريبة (رؤيا ٢٢: ١٠).

القَسَم المهيب للملاك:

٥- ٧ - : "وَالْمَلاَكُ الَّذي رَأَيْتُهُ وَاقفاً عَلَى الْبَحْر وَعَلَى الأَرْض، رَفَعَ يَدَهُ إلَى السَّمَاء، وَأَقْسَمَ بالْحَيّ إلَى أَبَد الآبدينَ، الَّذي خَلَقَ السَّمَاءَ وَمَا فيهَا وَالأَرْضَ وَمَا فيهَا وَالْبَحْرَ وَمَا فيه، أَنْ لاَ يَكُونُ زَمَانٌ بَعْدُ، بَلْ في أَيَّام صَوْت الْمَلاَك السَّابع مَتَى أَزْمَعَ أَنْ يُبَوّقَ يَتمُّ أَيْضاً سرُّ الله، كَمَا بَشَّرَ عَبيدَهُ الأَنْبيَاءَ". أحد أكثر الأعمال الرؤيوية عظمة ومهابة تُدون هنا. ويا له من أمر مقوٍّ ومعزٍ! نتحول من النزاع المضج والغاضب بين الأمم إلى الغاية الأبدية لله في ما يتعلق بهذه الأرض. إنها تخص المسيح بفضل الحق الطبيعي وأيضاً الشراء. يا لها من رؤيا! البحر والأرض تحت أقدامه، وسفر النبوءة الختامية في يده اليسرى؛ بينما رفع يمينه نحو السماء ٦ وأقسم بالله الحي أبداً والخالق ٧ بأنه لن يكون هناك "زَمَانٌ بَعْدُ"، أو في ترجمة أفضل "تأجيلٌ بعد". يبدو أنه تم استبدال خاطئ لكلمة "تأجيل" بكلمة "زمان" الموجودة في الحاشية أو الهامش. أحد الصيغتين هي الأصح وليس كليهما. بعد تحقيق قَسَم الملاك لابد أن تمر ألف سنة على الأقل قبل أن يتوقف الزمن وتبدأ الأبدية؛ ومن هنا فلا يمكن قبول فكرة أنه لن يكون هناك "زمان بعد". يعتبر كثيرون ومنهم تريغيليس، وستوارت، وداربي، وكيلي، وعدد كبير من الأكفاء المؤهلين للحكم أن القراءة الصحيحة هي "لاَ يَكُونُ تأجيلٌ بَعْدُ". والمعنى هو أن "يوم الإنسان" الذي يبدأ بصعود الرب ويُختتم بمجيئه الثاني بالقوة، يقترب من النهاية. لألفي سنة لم يتدخل الله علانية في حكم العالم. الكنيسة هي في حالة خراب، والعالم حطام. إنه زمن تكون فيه إرادة الإنسان ثائرة جامحة في كل مكان. إنه أيضاً زمن صبر الله على الشر، فترة طول أناة الله على البشر. سوف لن يكون هناك تأجيل في تأسيس الملكوت والإمساك بزمام سلطة كل الخليقة. يوم الإنسان سيُختتم بدينونة قاسية حادة، وتتأسس فترة حكم وملكوت الرب. قَسَم الملاك لا يؤكد ذلك لنا فحسب، بل يضمن تنفيذها الفوري والمباشر. سوف لن يكون هناك تأجيل من بعد في الوصول بالعصر الحاضر بكل شروره إلى النهاية.

٧- "في أَيَّام صَوْت الْمَلاَك السَّابع مَتَى أَزْمَعَ أَنْ يُبَوّقَ يَتمُّ أَيْضاً سرُّ الله". علامَ يدل سر الله ٨؟ ألا يبدو غريباً أن الشيطان قد سُمح له لـ ٦٠٠٠ سنة أن يلف ويلوي حباله حول العالم، وأن يعمل الشر ويفسد ويُخرّب عمل الله؟ يا للخراب الذي صنعه! إنه رئيس هذا العالم وأمير قوى الجو. قديسو الله كانوا دائماً موضوع حقده الشديد. أليس في الأمر سراً أن الله، إله البر والقداسة، يسمح للشر بأن يمضي بدون معاقبة وأن يتعرض شعبه للتحطيم والتكسير على كل يد؟ بالحقيقة هذا هو سر الله. هل هذا يعني أنه غير مبالٍ بالخطأ، وغير مكترث بآلام شعبه؟ أبداً، فهذا مستحيل. إن الله يصبر على الشر إلى أن تأتي ساعة الدينونة، عندها سينتقم لصرخة مختاريه، ويخرج من مكانه ليعاقب الأشرار. العراقيل والقيود على الشر لا يُرى مصدرها، وهي تطبيق جزئي فقط. كل ما في العالم وكل ما في الكنيسة هو خارج عن التنظيم ما خلا ما ينتجه الله بروح قدسه.

وها إن سر الله على وشك أن يكتمل الآن، والله بابنه، وارث كل الأشياء، سيحرر حكم العالم من قبضة الشيطان الحديدية، ويُقيده في الهاوية لألف سنة، ويلقي به أخيراً إلى بحيرة النار للعذاب الأبدي، ثم يحكم ويملك زمام السلطة والقوة على نحو جلي. الشر متساهل معه الآن ومسموح، رغم العراقيل العديدة التي تمنع وصوله إلى الذروة، ولكن عندئذ سيُعاقب بشدة. السر قد اقترب من النهاية. والمسيح على وشك أن يسود.

هذا بالحقيقة نبأ سار أعلنه الله لأنبيائه في العهد القديم، ولكن لم يعلنوه (رغم أنهم فعلوا ذلك كما نستدل من أسفارهم)، ولكن بالنسبة لهم، "إن السيد الرب لا يصنع أمراً إلا وهو يعلن سره لعبيده الأنبياء" (عاموس ٣: ٧). تدخل الله العلني لأجل قديسيه المبتلين لكي يحطم قوة الشر، ويطرد الشيطان المغتصب من الأرض حيث كان قد سُمح له حتى الآن بأن يُهلك معنوياً مادياً، وأن يقيم العالم بأكثر من جماله الأصلي وترتيبه الأصلي: هذا هو أمر الله. كان ذلك النبأ السار الذي حرض الطاقات، وحرك الإيمان، وأنار الرجاء، وأسعد قلوب أنبياء الله في كل العصور. هذا الرجاء المبارك نفسه مع أمجاد إضافية هو قوتنا اليوم.

سر الله سيكتمل ليس عندما يُبوق الملاك السابع، بل في أيام صوت الملاك.

السفر الصغير للمشورة الإلهية واستئناف خدمة يوحنا النبوية:

٨- ١١- "وَالصَّوْتُ الَّذي كُنْتُ قَدْ سَمعْتُهُ منَ السَّمَاء كَلَّمَني أَيْضاً وَقَالَ: «اذْهَبْ خُذ السّفْرَ الصَّغيرَ الْمَفْتُوحَ في يَد الْمَلاَك الْوَاقف عَلَى الْبَحْر وَعَلَى الأَرْض». فَذَهَبْتُ إلَى الْمَلاَك قَائلاً لَهُ: «أَعْطني السّفْرَ الصَّغيرَ». فَقَالَ لي: «خُذْهُ وَكُلْهُ، فَسَيَجْعَلُ جَوْفَكَ مُرّاً، وَلَكنَّهُ في فَمكَ يَكُونُ حُلْواً كَالْعَسَل». فَأَخَذْتُ السّفْرَ الصَّغيرَ منْ يَد الْمَلاَك وَأَكَلْتُهُ، فَكَانَ في فَمي حُلْواً كَالْعَسَل. وَبَعْدَ مَا أَكَلْتُهُ صَارَ جَوْفي مُرّاً. فَقَالَ لي: «يَجبُ أَنَّكَ تَتَنَبَّأُ أَيْضاً عَلَى شُعُوبٍ وَأُمَمٍ وَأَلْسنَةٍ وَمُلُوكٍ كَثيرينَ»". السجين في بطمس يسمع من جديد الصوت من "السماء"، مسكن الله. لعل يوحنا كان مقيد الأطراف، وأن أمواج البحر المتلاطمة كانت ترتطم بسجنه الصخري، ولكن الجزيرة كانت مكاناً منعزلاً جداً لرجل كانت روحه مأخوذة في رؤى الله، وأذناه تسمع تسابيح المفديين، والعبادة الناطقة للملائكة، والذي كانت السماء تخاطبه مراراً وتكراراً. لقد أُمر أن يذهب إلى الملاك وأن يأخذ من يده السفر الصغير المفتوح. وفي الحال أطاع الأمر. لم يكن المتكلم سوى الله نفسه، ومن هنا كانت الطاعة فورية ولا يمكن وصفها. جلال الملاك لم يكن يخيف يوحنا. ودون أن تلهيه العظمة والجلالة الإلهيان لذاك الممجد فوق الجميع الذي كان يمسك بالسفر في يده، يدخل الرائي بسلطة الخالق ويطلب السفر. هذه الروح الطائعة، والتي تستجيب دونما جدال إلى إرادة الله المعلنة، تبدو بارزة في ذلك الوقت. إنه يسير ويتصرف بقوة الخالق، صانع السماء والأرض. وهو لا يعرف الخوف. الله، غير المنظور، والذي يمكن معاينته بالإيمان، يجعله لا يُغلب في طريق الطاعة، "خالداً إلى أن ينهي عمله".

يعطيه الملاك أمراً آخر. الأمر الأول كان من السماء بأن يأخذ السفر، والأمر الثاني كان من الأرض بأن يأكله. لماذا المرارة في الجوف، والحلاوة في الفم؟ النبوة مرة وحلة بآن معاً. إننا نتعامل بالرموز هنا. يجب أن لا تكون هناك أية صعوبة في فهم أكل النبي للسفر كما أن إرميا أكل كلمات الرب (إرميا ١٥: ١٦). أن تأكل شيئاً يعني أن يصبح الشيء لك، أن يندمج في كيانك (يوحنا ٦: ٤٩- ٥٨). النبي المسيحي يأكل السفر، فيجده حلواً ومراً بآن معاً، ما يُذكرنا بتصرف رمزي مماثل قام به النبي اليهودي (حزقيال ٢: ٨؛ ٣: ١- ٣). التأثير الأول للتواصل النبوي، وإذ يصير السفر في الفم، كان الحلاوة، حلاوة العسل؛ ولكن الإعلانات تزداد ثقلاً، والدينونات التي تعلنها يتم التفكير فيها، وبالتالي فالتأثير التالي هو أنها ستسبب مرارة وألماً. النبوة تسعد وتحزن بآن معاً، لأنها تشتمل على إعلانات فيها الفرح وفيها الأسى.

وأخيراً، توجب على الرائي أن يستأنف خدمته النبوية، ليس إلى "شُعُوبٍ وَأُمَمٍ وَأَلْسنَةٍ وَمُلُوكٍ كَثيرينَ"، بل بما يتعلق بهم. كان عليه أن يتنبأ لهم وهذا ما نجده يفعله في الأصحاح التالي، ومن هنا فإن الآية الأخيرة من الأصحاح ١٠ تؤدي بشكل طبيعي إلى مشاهد وظروف جديدة، يعالجها الرائي نبوياً. والآن سنتمعن في طابع هذه الخدمة النبوية.


١. انظر المقالة "النبوءة المشهورة عن الأسابيع السبعين".

٢. في الأصحاح ٤ ظهور قوس قزح هو "كظهور الزمرد"، الأخضر الذي لا يشحب أبداً، المريح جداً للعين.

٣. "قوس قزح ما كان يمكن اعتباره على الدوام، في الميثولوجيا الوثنية، كرمز دائم أو شعار لأي إله دائم. لقد كانت لديهم هكذا أفكار عنهم، وحتى أنهم اعتقدوا أنه لم يكن قوس تماماً، بل إله. افترض الإغريق أنه إيريس ابنة ثاوماس وإليكترا. واعتبره الرومان على أنه جونو. وبين البيروفيين كانت أسمى آيات العبادة تُقدم لقوس قزح؛ وذلك في معبد بالشمس في كاسكو، حيث كان قسم منه مخصص كلياً لعبادة قوس قزح، وكانت طغمة من الكهنة مكرسة لإنجاز الخدمات الاعتيادية"- محاضرات على نبوءات يوحنا"، بقلم روبيرت كيلبيرستون، المجلد ١، ص. ٣٨٧. قوس رامي السهام حول رأس بعض الآلهة الوثنية أمر مختلف عن قوس قزح. ما كان الوثنيون يستطيعون فتح السحب أو كبحها، وهكذا يضيف الكاتب السابق قائلاً: "لهذا السبب ما كان لهم الحق بارتداء شارة التمايز هذه". قوس قزح هو رمز بارز للغاية استُخدم حصرياً للدلالة على الكيان الإلهي أو على عرش الله (انظر أيضاً حزقيال ١: ٢٨).

٤. الرعود السبعة يبدو أنها استجابة للأزمنة السبعة التي فيها يُسمع صوت الرب (مزمور ٢٩: ٣، ٩). الرعود السبعة تشير إلى "كمال تدخل الله بالدينونة".

٥. "يوحي النص هنا بشكل واضح على أن يوحنا كان منهمكاً في الكتابة خلال الفواصل بين الرؤى التي يراها"- "ستوارت حول الرؤيا"، ص ٥٨٥. ونشك في صحة هذا القول.

٦. في دانيال ١٢: ٧ الرجل المرتدي كتاناً يُقسم وهو رافع كلتا يديه.

٧. "لقد كان هذا الوصف للملاك موضع إعجاب كل عالم كلاسيكي. بتجريده من معناه الروحي، والنظر إليه كنتاج أدبي فقط، نجد أنه منقطع النظير لا مثيل له لا في الأدب الإغريقي ولا الروماني". وفي ما يلي ثناء بليغ آخر. "يسرنا أن نلاحظ مظهر هذا الشخص المهيب. كل سطوع الشمس يشرق في سيمائه؛ وكل غضب النار يحترق عند قدميه.- انظر كيساءه. السحب تُشكل رداءه، وسحب السماء تطفو فوق كتفيه؛ قوس قزح يُشكل تاجه، وذاك الذي يحيط السماء بدائرة مجيدة هو حلية رأسه- وانظروا وقفته. قدمٌ يطأ بها المحيط، والأخرى على الأرض. الأرض الواسعة الامتداد وعالم المياه يُشكل أساساً لهذه الأعمدة الضخمة.- وتأملوا في تصرفه. يده ترتفع إلى عالي النجوم، ويتكلم، وتردد مناطق الجلَد صدى نبرات صوته المقتدر، كما يدوي في منتصف ليل الصحراء زئير الأسد. السموات تُطلق عنانها عند الإشارة؛ دوي سبعة رعود ينشر الرعب، ويعد الكون لاقتبال أوامره.- لإنهاء المشهد، وإعطاء أكبر فخامة وجلال إلى الصورة، فإنه يُقسم بذاك الحي إلى الأبد".- "تأملات هيرفي".

٨. سر إرادته (أفسس ١: ٩). سر الإثم (٢ تسا ٢: ٧). سر التقوى (١ تيم ٣: ١٦). سر المسيح والكنيسة (أف ٥: ٣٢). سر الله (كول ٢: ٢). سر الكواكب السبعة (رؤيا ١: ٢٠). سر المرأة والوحش (رؤيا ١٧: ٧). سر إسرائيل (رومية ١١: ٢٥). هذه الأسرار وغيرها متمايزة عن سر الله الذي في هذا المقطع أمامنا. السر يدل على شيء كان غير معروف سابقاً ولكنه الآن كُشِف: عندما يُعلن لا يبقى سر بالطبع؛ فهو عندئذ يكون "سراً مفتوحاً". كل الأسرار تُعلن في العهد الجديد. كلمة "سر" لا تأتي في المشورات الأسبق.