الفصل الثالث

إِعجاز القرآن في فصاحة لغته

﴿هو أفصح مني لساناً (القصص ٣٤)

﴿وهذا لسان عربي مبين (النحل ١٠٣)

﴿بلسان عربي مبين (الشعراء ١٩٥)

﴿وهذا كتاب مصدق، لساناً عربياً (الأحقاف ١٢)

توطئة

هل القرآن معجزة لغوية؟

إِعجاز القرآن في النظم والبيان، قضية لا يكابر فيها انسان تحلى بالنزاهة والعرفان. ونشهد أن إِعجاز القرآن، في النظم والبيان، هو معجزة اللغة العربية على كل لسان.

لكن هل يصح اعتبار هذا الإِعجاز اللغوي معجزة إلهية، حتى يصح وصف القرآن بأنه ﴿معجزة لغوية؟ سنرى عشر مجموعات من الشبهات على ذلك الاعتبار؛ وأن هذا الاعتبار لا أصل له في القرآن.

يقولون: ان إِعجاز القرآن في لفظه ونظمه. وفاتهم أن الألفاظ أجساد، والمعاني أرواح لها: أتكون معجزة القرآن بحرفه أكثر من روحه؟ أيتحدى الله الإنسان بحرف القرآن، أم بهدي القرآن؟

جاء في القرآن، على لسان محمد: ﴿قل: ما كنت بدْعاً من الرسل (الأحقاف ٩). واعتبار القرآن ﴿معجزة لغوية هو البدعة عينها في تاريخ الرسالات السماوية، التي قامت على المعجزة الحسية، فكانت ﴿سُنّة الأولين (فاطر ٤٣) و﴿السلطان المبين لهم بين الناس (هود ٩٦). فقولهم ﴿بالمعجزة اللغوية دليلاً على النبوّة، يجعل محمداً ﴿بدْعاً من الرسل.

وبعد، فهل القرآن ﴿معجزة لغوية الهية؟

بحث أوّل

التحدّي بالإِعجاز في اللغة والبيان لا أصل له في القرآن

﴿إن أكثر الذين أقاموا الحجة على إِعجاز القرآن، إنما نظروا إلى رأي الجاحظ واعتمدوا عليه وداروا حوله. قال: ﴿وفي كتابنا المنزل الذي يدلنا على أنه صدق: نظمه البديع الذي لا يقدر على مثله العباد ١ .

وقد أجمعوا، في خلاف طويل على وجه الإِعجاز، ان إِعجاز القرآن في النظم والبيان.

وطلع بهذه المقالة أهل الإِعجاز من غير العرب، وقد بهرهم بيان القرآن، لأن العربية عندهم اكتساب لا سليقة وفطرة. أما العرب الذين سمعوه حين تنزيله فقالوا فيه: ﴿إن هذا إلا سحر يؤثر (المدثر ٢٤)، ﴿ويقولوا: سحر مستمر (القمر ٢). ولمّا تحداهم: ﴿قل: فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما (الكتاب والقرآن) أتّبعه، إن كنتم صادقين؟ ﴿قالوا: سِحْران تظاهرا، وقالوا: إنا بكل كافرون (القصص ٤٩ و ٤٨). فهم يرون في بيان القرآن كما في بيان الكتاب، سحراً، لا إِعجازاً.

وتلقف أهل الكلام مقالة الإِعجاز البياني في القرآن ـ وقد أعجزتهم معجزة حسية، في السيرة والدعوة، كلأنبياء الأولين ـ فنادوا بالإِعجاز معجزة يردون بها على أهل الأديان الأخرى التي تجعل المعجزة دليل النبوّة. لكن التحدّي بالنظم والبيان لا أصل له في القرآن.

أولاً: آيات التحدّي بحسب تاريخ النزول

السورة الخمسون: ﴿قلْ: لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن، لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً (الإسراء ٨٨).

السورة الحادية والخمسون: ﴿أم يقولون: افتراه! ـ قل: فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين! بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه، ولما يأتهم تأويله (يونس ٣٨ ـ ٣٩).

السورة الثانية والخمسون: ﴿أم يقولون: افتراه! ـ قلْ: فأتوا بعشر سور مثله مفتريات، وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين (هود ١٣).

السادسة والسبعون: ﴿أم يقولون: تقوّله! ـ بل لا يؤمنون، فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين (الطور ٣٣ ـ ٣٤).

الأولى في المدينة: ﴿وإن كنتم في ريب، مما نزلنا على عبدنا، فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءَكم من دون الله إن كنتم صادقين (البقرة ٢٣).

فهل يرشح من تلك التحديات تحدٍّ بحرف القرآن ونظمه وبيانه؟

ألا تدلّ القرائن اللفظية والمعنوية، بالأولى على تحدٍّ بتعليمه وهداه؟ فهو يرد على المشركين تهمة ﴿الإفتراء؛ ويجيب على ﴿ريبهم؛ ويصرح بأنه ﴿لما يأتهم تأويله ـ وهذا يعني معناه الحق. إنه يتحدى بمعنى القرآن وتعليمه. لا بل يستهل تلك التحديات بالتحدّي الصريح بالهدى، في سورة (القصص)، وهي التاسعة والأربعون نزولاً: فتكون كفاتحة التحدّي بالقرآن، وتكشف معناه: ﴿قلْ: فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتّبْعه إن كنتم صادقين (٤٩). هذه الفاتحة المباشرة للتحدي بالقرآن تقطع بأنه قائم على هداه، لا على حرفه ونظمه. فالتحدّي بمثل القرآن كان دائماً التحدّي بمثل هداه. والقرآن والكتاب هما في الهدى سواء: ﴿أهدى منهما.

ثانياً: استفتاح التحدّي بالقرآن كان بهداه

يدل على ذلك أيضاً جوابهم له، في السورة عينها التي تستفتح التحدّي بالقرآن، سورة (القصص) ﴿وقالوا: إنْ نتّبع الهدى معك نُتخطّف من أرضنا (٥٧). فالتحدّي قائم، في حوارهم، على هدى القرآن.

ثالثاً: ختام التحدّي بالقرآن كان بهداه

وبعد آخر تحدِّ بالقرآن (البقرة ٢٣)، يعطينا تعريفاً بالقرآن، في خبر تنزيله: ﴿شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس، وبيّناتٍ من الهدى والفرقان (البقرة ١٨٥). تصريح مزدوج: فالقرآن أنزل هدى للناس، لا إِعجاز بيانٍ؛ وهو أيضاً ﴿بيّنات من الهدى والفرقان؛ أي، بحسب اصطلاحه، من الكتـاب وفرقانه الـذي يفصّله في السنة. فالقـرآن ﴿بيّنات من الهدى، لا بيّنات من البيان ـ وهذا آخر ما يخطر له ببال.

رابعاً: صفة ﴿الآيات البيّنات يطلقها على التوراة والإنجيل والقرآن

وهذا التعبير، ﴿البيّنات، يستخدمه القرآن لنفسه: ﴿أنزلنا إليك آيات بيّنات (٢: ٩٩)، ﴿أنزلناه آيات بيّنات (٢٢: ١٦)، ﴿ينزل على عبده آيات بيّنات (٥٧: ٩)، وبحق عيسى: ﴿وآتينا عيسى ابن مريم البيّنات (٢: ٨٧ و ٢٥٣)، ﴿ولمّا جاءَ عيسى بالبيّنات (٤٣: ٦٣)؛ وبحق موسى: ﴿جاءكم موسى بالبيّنات (٢: ٩٢)، ﴿جاءَهم موسى بالبيّنات (٢٩: ٣٩)؛ وبحق الرسل أجمعين: ﴿تأتيهم رسلهم بالبيّنات (٤٠: ٢٢؛ ٦٤: ٦)، ﴿تأتيكم رسلكم بالبيّنات (٤٠: ٥٠)، ﴿أرسلنا رسلنا بالبيّنات (٥٧: ٢٥). فالإِعجاز بالبيان والبيّنات، ميزة التنزيل كله على جميع الرسل! وليس ميزة القرآن وحده، ليصح أن يتّخذه معجزة له.

خامساً: جوابهم على التحدّي: إنه أساطير الأولين

وجوابهم المتواتر على تحدي القرآن لهم برهان آخر على أنه كان بالهدى، لا بالبيان. يردُّون عليه: ﴿إنْ هـذا إلا أساطير الأولين (٦: ٢٥؛ ٨: ٣١؛ ٢٣: ٨٣؛ ٢٧: ٦٨)؛ ﴿واذا قيل لهم: ماذا أنزل ربكم؟ قالوا: أساطير الأولين (النحل ٢٤)؛ ﴿وقالوا: أساطير الأولين اكتتبها، فهي تُملى عليه بكرة وأصيلاً (الفرقان ٥). فليس، في الحوار، شيء ينبئ أن التحدّي كان بالإِعجـاز البياني؛ وكله يشير إلى أنه كان بالإِعجـاز الديني: تعليمه في القرآن ﴿أساطير الأولين اكتتبها، أو نزلت عليه.

سادساً: صفة القرآن بين الحق والسحر

وصفتهم المتواترة للقرآن برهان آخر على أنه بالهدى، لا بالبيان، ولو أن من البيان لسحراً. يردون عليه: ﴿ما هذا إلا سحر مفترى (القصص ٣٦) ـ وذلك في السورة عينها الذي بدأ فيها يتحداهم بالهدى (القصص ٤٩) ـ ﴿قالوا: سِحْران تظاهرا، وقالوا: إنّا بكل كافرون! ـ قلْ: فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين (القصص ٤٨ ـ ٤٩). يردّون على هدى القرآن بأنه سحر، كما أن هدى الكتاب سحر. فهما في سحر الهدى سيّان؛ ﴿سحران تظـاهرا. ويستمر الـرد: ﴿إن هـذا إلا سحر يؤثر (المدثر ٢٤)، ﴿ويقولوا: سحر مستمر (القمر ٢). يردون عليه كما ردّ قوم فرعون على موسى: ﴿فلما جاءَكم الحق من عندنا، قالوا: إنّ هذا لسحر مبين! قال موسى: أتقولون للحق لما جاءكم: أسحر هذا؟ ولا يُفلح الساحرون (يونس ٧٦ ـ ٧٧). فهم يصفون ﴿الحق المنزل بالسحر، لا سحر البيان.

سابعاً: الاستشهاد المتواصل بالكتاب

إن نسبتهم القرآن، ﴿لمّا جاءَهم الحق من عندنا، بالسحر كسحر الكتاب؛ وتسمية ﴿ما أنزل ربكم بأساطير الأولين؛ ورده عليهم ﴿فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما؛ مع الاستشهاد المتواصل بالكتاب وأهله، الذي يغمر التحدّي بالإِعجاز، ويسبقه ويخلفه، برهان آخر على ان التحدّي كان بالإِعجاز الديني، لا بالإِعجاز البياني.

ثامناً: ماذا يهم الله وسوله؟

وهل يهمّ الله ورسوله الإِعجاز الديني، أم الإِعجاز البياني؟ اللباب، أم الثياب؟ الجوهر، أم المظهر؟ فقولهم إن الإِعجاز البياني هو معجزة القرآن، يدل على وثنية في الدين، فالقرآن صريح بأنه يتحدى المشركين ـ لا الكتابيين ـ بإِعجازه الديني، لا بإِعجازه البياني؛ بهداه، لا ببيانه؛ بمعناه، لا بحرفه؛ بروحه، لا بجسمه؛ بحقه، لا بنظمه. فنقدر أن نقرر، بناءً على الواقع القرآني المتواتر، وبناءً على تقدير العقل السليم، ان التحدّي بالنظم والبيان، لا أصل له في القرآن.

تاسعاً: الإِعجاز اللغوي لم يقل به السلف الصالح

السلف الصالح، من الأمة والأئمة، لم يعرفوا قضية الإِعجاز، ولم يقولوا بها. ولو كانت من صلب الإسلام، ومن صميم القرآن، لقال بها الصحابة والتابعون، والأئمة الأولون. إن قصة الإِعجاز البياني طلع بها المعتزلة. ولما قالوا: ﴿بمجاز القرآن ـ وهو أساس الإِعجاز في البيان ـ تحرج منه أهل السنة والحديث. ﴿والرأي عندهم أنه لا يصح التجوز في كلام الله؛ والمجاز من الضرورات التي لا يلجأ إليها القرآن ـ إذا صح وجودها ـ أو اضطر إليها البشر من الشعراء والبلغاء في كلامهم. وما ذلك إلا لقِصَر باعهم، وضعف أداتهم، ولا يأتي به الله في كلامه، وهو أعرف بموضع الكلِم ومواقفه. وهؤلاء يرون في المبالغة (بنت المجاز) كذباً؛ ولا يصح أن تقع في كلام الله؛ وخير الكلام، وخير الشعر عندهم، المذهب الوسط الذي يأتي لفظه على قياس معناه. ومن آرائهم أيضاً عدم وجود الزيادة أو النقصان في القرآن ٢ . فالإِعجاز المبني على المجاز، يقود في عرْفهم إلى المبالغة الكاذبة، وإلى الزيادة والنقصان، في بيان القرآن. وهذا كله وارد في المجاز، الذي هو أساس الإِعجاز. لذلك استنكر أهل السنة والحديث، في البدء، القول ﴿بمجاز القرآن، واعتبروا مقالة الإِعجاز في البيان، بدعة لا تقوم في الدعوة.

عاشراً: قول التاريخ

وجاءَ تاريخ الإِعجاز يؤيد مقالتهم، بإفلاس أهل الإِعجاز، في بيان وجه الإِعجاز. وفي خاتمة المطـاف، بعد ألف سنة، يعتبرون إِعجـاز القرآن ﴿سراً محجوباً عن الأنظـار ٣ . ﴿فقامت جهود العلماء، في دراسات القرآن، على جلاء تلك المسائل، لحل اللغز الذي حير الناس ـ وهو الإِعجاز. وكانت محاولات شتّى للوصول إلى حلّ له، والاهتداء إلى تعليل. علّلوه أولاً بمسائل فلسفية كلامية؛ لكنه لم يستقم، وقامت حوله اعتراضات ومطاعن. واجتنبوا به ناحية بيانية، فتوصلوا إلى نتائج خدمت الأدب والنقد جميعاً ٤ . لكنها لم تحلّ اللغز، ولا كشفت عن سر الإِعجاز. وما هو سر محجوب عن البشر، لا يكون معجزاً لهم. ﴿وما لا يمكن الوقوف عليه، لا يُتصور التحدّي به ٥ فالقول بالإِعجاز في البيان معجزة القرآن، لا أصل له في القرآن.

بحث ثان

الإِعجاز في أسماء القرآن

يسمّي القرآن العربي نفسه: القرآن والفرقان والكتاب والذكر والحكمة.

فهل هي اسماء عربية، أم دخيلة؟

نرجع في ذلك الى فصل قيم عند السيوطي في (الإتقان ١: ٥١ ـ ٥٣).

أولاً: اسم ﴿القرآن وفيه خمسة أقوال

١) ﴿هو اسم علم، غير مشتق، خاص بكلام الله؛ وغير مهموز. به قرأ ابن كثير. وهو مروي عن الشافعي. أخرج البيهقي والخطيب وغيرهما عن أنه يهمز (قراءَة) ولا يهمز(قرآن). ويقول: القرآن اسم، وليس بمهموز، ولم يؤخذ من (قراءَة). ولكنه اسم لكتاب الله مثل التوراة والإنجيل.

ويُرد عليه، بشأن العَلَمِيَّة ان القرآن يسمى الكتاب والزبور أيضاً قرآناً.

٢) ﴿وقال قوم ـ منهم الأشعري ـ هو مشتق من (قرنت الشيء بالشيء) اذا ضممتَ أحدهما الى الآخر، وسُمِّيَ به لِقَران السور والآيات والحروف فيه.

ويردّ عليه بقوله: ﴿وإذا قرِئَ القرآن فاستمعوا له وانصتوا (الأعراف ٢٠٤)؛ ﴿واذا قرأتَ القرآن جعلنـا بينك وبين الـذين لا يؤمنون بالآخرة حجـاباً مستوراً (الإسراء ٤٥)! ﴿فاقرأوا ما تيسّر من القرآن (المزمل ٢٠).

٣) ﴿وقال الفرّاء: هو مشتق من القرائن، لأن الآيات منه يصدّق بعضها بعضاً ويشابه بعضها بعضاً، وهي قرائن. يضيف السيوطي: ﴿وعلى القولين (قول الأشعري، وقول الفراء) هو بلا همز أيضاً، ونونه أصلية.

يُرد عليه بأنه اشتقاق بعيد؛ وينفيه جمع القرآن إلى الفعل (قرأ) في آياته.

٤) ﴿وقال الزجاج: هذا القول (بلا همز) سهو؛ والصحيح أن ترك الهمزة فيه من باب التخفيف، ونقل حركة الهمز إلى الساكن قبلها... وهو وصف على فعلان مشتق من (القُرْء) بمعنى الجمع، ومنه (قرأت الماء في الحوض) أي جمعته. قال أبو عبيدة: ﴿وسُمّي بذلك لأنه جمع السور بعضها إلى بعض.

يُرد عليه بأن إثبات الهمز فيه هو الصحيح؛ لكن اشتقاقه من (القرء) بمعنى الجمع بعيد، ينفيه نص القرآن على جمع الفعل والوصف معاً: ﴿قرأت القرآن.

٥) واختلف القائلون بأنه مهموز (هل هو مصدر أم وصف). فقال قوم منهم اللحياني: ﴿هو مصدر (قرأتُ) كالرجحان والغفران؛ سُمِّي به الكتاب المقروء من باب تسمية المفعول بالمصدر.

يُرد عليه: بأن الاشتقاق من (قرأ) صحيح لغةً، ومنسجم مع قوله المتواتر: ﴿قرأت القرآن. ويضيف السيوطي: ﴿والمختار عندي في هذه المسألة ما نص عليه الشافعي.

ونقول: إن همّ المفسرين هو تفسير القرآن لغةً لا اصطلاحاً حيث الاصطلاح ظاهر. ويظهر لنا أن اسم القرآن عَلَمٌ اقتبسه القرآن العربي.

إن (دائرة المعارف الإسلامية) تميل إلى رأي المستشرقين شفالي (Schwally ) وولهاوزن (Wellhausen ) بأن اسم (القرآن) كلمة عبرية أو سريانية، لأن (قرأ) بمعنى (تلا) ليست كلمة عربية النسب، ولكنها دخيلة على اللغة. ﴿والواقع ان العرب قد عرفوا لفظ (قرأ) بمعنى غير معنى التلاوة. فهم يقولون: هذه الناقة لم تقرأ سلىً قط، يقصدون انها لم تضم، بمعنى لم تلد ولداً. أمّا قرأ بمعنى (تلا) فقد أخذها العرب من أصل آرامي وتداولوها. فمن المعروف كما يقول (برجشتراسر) ان اللغات الأرامية والحبشية والفارسية تركت في العربية آثاراً لا تُنكر لأنها كانت لغات الأقوام المتمدنة المجاورة للعرب في القرون السابقة للهجرة ٦ .

وعندنا ان القرآن العربي أخذها عن السريانية، كما كان يسمعها النبي من استاذه ورقة بن نوفل، قس مكّة النصراني، الذي كان يُصلي بالسريانية والعربية. والى اليوم تستفتح الكنيسة الشرقية تلاوة الكتاب أو الإنجيل بقولها: ﴿قريانا من الإنجيل بحسب متى، وباليونانية "το αναγνωσμα ". فالقرآن هو قرآن من الإنجيل، أو قرآن من الكتاب. وعلى هذا الاستعمال جـاءَ في مطلع القرآن العربي ـ بعد الأمر: ﴿اقرأ باسم ربك الـذي خلق ـ ﴿ورتل القرآن ترتيلاً (المزمل ٤). لم ينزل من القرآن العربي شيء بعد سوى خمس آيات (العلق): فما هو ﴿القرآن الذي يُدعى محمد في قيام الليل لترتيله؟ ولاحظ التعريف والإطلاق في قوله: ﴿القرآن. فهو كتاب معروف مشهور، قبل نزول سميِّه العربي. وفي السورة عينها يأتي هذا التخفيف: ﴿فاقرأوا ما تيسَّر من القرآن (المزمل ٢٠).

والقرآن اسم يطلقه القرآن العربي على الزبور: ﴿خفف على داود القرآن! وعلى الكتاب كله: ﴿ولقد آتيناك سبعاً من المثاني، والقرآن العظيم... كما أنزلنا على المقتسمين الذين جعلوا القرآن عِضْين (الحجر ٨٧ و ٩٠ ـ ٩١) أي ﴿اليهود والنصارى الذين جعلوا كتبهم المنزله عليهم (عضين) أجزاء، حيث آمنـوا ببعض وكفروا ببعض (الجلالان). فالكتاب هو ﴿القرآن العظيم الـذي نزل أيضاً على محمد. ولقد أوتي أيضاً ﴿سبعاً من المثاني أي من ﴿المِشْنَة، السُّنّة التي تفصل الكتاب، ولذلك تسمى أيضاً الفرقان.

لـذلك يستفتح كثيراً من السور بالقسم: ﴿قَ. والقرآن المجيد؛ ﴿ص. والقرآنِ ذي الذكر؛ ﴿يسن. والقرآن الحكيم. إنه يقسم بالكتاب المقدس، ويسميه القرآن، على أن ما يقوله القرآن العربي في السورة التالية حق. ولا يصح أن يكون المقسَم به، والمقسَم عليه، واحداً.

ونرى أنه يعني الكتاب المقدس بقوله: ﴿وإذا قرئ القرآن (٧: ٢٠٤)، ﴿فإذا قرأت القرآن (١٦: ٩٨)، ﴿وإذا قرأت القرآن (١٧ :٤٥)، ﴿واذا قرِئ عليهم القرآن (٨٤: ٢١). كما يظهر من مطالع بعض السور، بحرف الإشارة الى البعيد الماضي، لا إلى ما يأتي في السورة: ﴿تلك آيات القرآن (٢٧: ١)، ﴿تلك آيات الكتاب وقرآن مبين (١٥: ١).

وتظهر صحة ذلك من ذكر القرآن العربي بقرينة تميّزه وتدل عليه، كقوله: ﴿وأوحي الي هذا القرآن (٦: ١٩)، ﴿إليك هذا القرآن (١٢: ٣)، ﴿وقالوا: لولا نُزّل هذا القرآن (٤٣: ٣١)، ﴿وما كان هذا القرآن (١٠: ٣٧)، ﴿لا تسمعوا لهـذا القرآن (٤١: ٢٦)، ﴿إن هذا القرآن يهدي (١٧: ٩)، ﴿ولقد صرّفنا في هذا القرآن (١٧: ٤١)، ﴿بمثل هذا القرآن (١٧: ٨٨)، ﴿إن هذا القرآن يقص (٢٧: ٧٦)، ﴿اتخذوا هذا القرآن (٢٥: ٣٠)، ﴿لن نؤمن بهذا القرآن، ولا بالذي بين يديه (٣٤: ٣١). فهو يطلق اسم القرآن على نفسه وعلى الكتاب. ولاحظ التعبير المعرف المطلق حين يقصد الكتاب المقدس، والاشارة، القرينة المميّزة، حين يقصد القرآن العربي. إن اختلاف الأسلوب المطّرد، دليل على اختلاف المدلول عليه. فمنذ غـار حرّاء جـاءَ الأمر بأن ينضم إلى المسلمين من قبله ويتلو معهـم القرآن: ﴿وأمرتُ بأن أكون من المسلمين وأن أتلو القرآن (النمل ٩١ ـ ٩٢). فالقرآن العظيم موجود قبل محمد، وهو يؤمر بأن يتلوه مع ﴿المسلمين من قبله. وبمقارنة قوله في القرآن العربي انه ﴿تفصيل الكتاب (يونس ٣٧)، مع قوله: ﴿ولقد يسّرنا القرآن للذكر (٥٤: ١٧ و ٢٢ و ٣٢ و٤٠)، يظهر أنه يقصد الكتاب المقدس بتعبير ﴿القرآن على الإطلاق. والبرهان يقوم على الشواهد والقرائن مجتمعة.

فالقرآن اسم علم، غير مشتق ـ وقد يصح اشتقاقه من (قرأ) السريانية لا العربية ـ يُطلق على الكتاب والإنجيل، أو على تلاوة كريمة منهما. وبهذا الاستعمال دخل في القرآن العربي الذي هو ﴿تفصيل الكتاب (يونس ٣٧).

فليس من إِعجاز في اسم القرآن، كما يظن الجاحظ، ومَن ينقلون عنه، كما نقل السيوطي: ﴿قال الجاحظ: سمى الله كتابه اسماً مخالفاً لما سمى العرب كلامهم على الجملة والتفصيل؛ سمى جملته قرآناً كما سموا ديواناً؛ وبعضه سورة كقصيدة؛ وبعضها آيه كالبيت؛ وآخرها فاصلة كقافية.

نرد عليه بقول محمد صبيح ٧ : ﴿وعبَّر عن القرآن أيضاً بأنه: آيات الله. وكلمة (آية) في الرأي الراجح عبرية لأنها تشبه الكلمة العبرية (أَوْت) ot . ومن معانيها المعجزة. وكذلك كلمة (سورة) تشبه كلمة (سورا) Sura ، وهي بنفس المعنى.

فسائر اسمائه معربة دخيلة. فليس في استعمالها من إِعجاز انفرد به.

ثانياً: اسم ﴿الكتاب

يطلق القرآن على نفسه اسم ﴿الكتـاب أيضاً، لأنه ﴿تفصيل الكتـاب (يونس ٣٧)، ﴿وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلاً، والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزَّل من ربك بالحق (الأنعام ١١٤). لاحظ ترادف الإسم الواحد بين القرآن والكتـاب، مثل قوله أيضـاً: ﴿ومن قبله كتاب موسى إماماً ورحمة، وهذا كتاب مصدّق لساناً عربيّاً (الأحقاف ١٢)؛ وقوله: ﴿فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتّبعه (القصص ٤٩). فكلمة ﴿الكتاب ـ ﴿الكتاب، وألفاظ الكتابة من أصل آرامي ٨ - هي عَلَمٌ مختص أولاً بكتـاب الله الـذي عند ﴿أهل الكتاب، كما يسميهم بتواتر. فهم ﴿أهل الكتاب قبل العالمين.

وممـا تجدر الإشارة إليه أنه لا يطلق اسم ﴿كتاب الله إلا على كتـاب أهل الكتاب: ﴿يدعون إلى كتاب الله (٣: ٢٣)، ﴿بما استحفظوا من كتاب الله (٥: ٤٤)، ﴿في كتاب الله (٨: ٧٥؛ ٩: ٣٦؛ ٣٠: ٥٦؛ ٣٣: ٦)، ﴿نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم (البقرة ١٠١)، ﴿إن الذين يتلون كتاب الله، وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرّاً وعلانية يرجون تجارة لن تبور (فاطر ٢٩) ـ وهو إشارة إلى قوم من أهل الكتاب.

لا يرد تعبير ﴿كتـاب الله إلاّ مرة واحدة بحق القرآن، باستعمال المصدر بدل الفعل: ﴿... والمحصنات من النساء، إلاّ ما ملكت إيمانكم ـ كتابَ الله عليكم ـ وأُحلَّ لكم ما وراء ذلكم (النساء ٢٤). فسره الجلالان: ﴿نُصب على المصدر أي كَتَبَ ذلك.

وعليه فتسمية القرآن: ﴿الكتاب اقتباس عن ﴿أهل الكتاب. والإِعجاز في الاسم يكون أولاً لما يسميه وحده بتعبير الاضافة: ﴿كتاب الله.

ثالثاً: اسم ﴿الذكر

يسمي القرآن العربي نفسه أيضاً: الذكر، كما في قوله: ﴿الذي نُزّل عليه الذكر (١٥: ٦)؛ ﴿أَأُنزل عليه الـذكر من بيننا (٣٨: ٨)، ﴿أَأُلقي الـذكر عليه (٥٤: ٢٥)؛ ﴿وأنزلنا إليك الذكر (١٦: ٤٤)، ﴿إنما تنذر من اتبع الذكر (٣٦: ١١)، ﴿لمّا سمعوا الذكر (٦٨: ٥١).

لكن ﴿الذكر على الإطلاق هو الكتاب المقدس الذي عند ﴿أهل الذكر (١٦: ٤٣؛ ٢١: ٧) أي ﴿أهل الكتاب. لذلك عندما يرد ﴿الذكر مطلقاً، غير مبَيّن بقرينة، فهو يقصد الكتاب المقدس، كقوله: ﴿فاسألوا أهل الذكر (١٦: ٤٣؛ ٢١: ٧)؛ وكما في هذا القسم الذي يستفتح السورة: ﴿والقرآن ذي الذكر (٣٨: ١) ـ ان ترادف الاسمين دليل على أنهما اسمان للكتاب المقدس، إذ لا يصح أن يكون المقسَم به والمقسَم عليه واحداً. لذلك أيضـاً فإن قـوله: ﴿إنا نحن نزّلنا الذكر وإنا له لحافظون (الحجر ٩) يقصد الكتاب المقدس قبل القرآن العربي، بسبب اطلاق التعبير وقرينة ﴿أهل الذكر.

ومن الخطأ الشائع، كما يتردّد في الإذاعات، أن قوله: ﴿ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم (آل عمران ٥٨) يقصد القرآن العربي، وهو إنما يعني ﴿بالذكر الحكيم الإنجيل، لأن الآية تأتي في ختام ذكر آل عمران ومريم والمسيح (آل عمران ٣٣ ـ ٥٨).

فالقرآن العربي يستخدم اسم ﴿الذكر له، نقلاً عن ﴿أهل الذكر الذين يحيل سامعيه وسائليه إليهم: ﴿وانه لذكر لك ولقومك (٤٣: ٤٤)؛ ﴿لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم، أفلا تعقلون (الأنبياء ١٠)؛ ﴿بل آتيناهم بذكرهم، فهم عن ذكرهم معرضون (المؤمنون ٧١). فالذكر اسم مترادف بين الكتاب والقرآن: ﴿هذا ذكر مَن معي وذكر من قبلي (الأنبياء ٢٤).

وعليه فتسمية القرآن العربي ﴿بالذكر اقتباس عن ﴿أهل الذكر. والإِعجاز في الاسم يكون أولاً للكتاب الذي يصفه ﴿بالذكر الحكيم.

رابعاً: اسم ﴿الفرقان

إن القرآن العربي يأخذ تعبير الفرقان على نوعين. أولاً بحسب اللغة، كقوله: ﴿يوم الفرقان، يوم التقى الجمعان (الأنفال ٤١)، لأن يوم بدر كان فارقاً بين الشرك والتوحيد. ولذلك يقول: ﴿يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً (الأنفال ٢٩) أي ﴿فرقاناً بينكم وبين ما تخافون، فتنجوا (الجلالان).

وثانياً اصطلاحاً، كما في قوله: ﴿وإذ آتينـا موسى الكتـاب والفرقان (البقرة ٥٣)، ﴿آتينا موسى وهارون الفرقان (الأنبياء ٤٨). فالفرقان أوتي موسى، وهو غير الكتاب. وكان يقصد به أهل الكتاب تفصيل الكتاب بالسُنّة المبيّنة له، ويسمونها ﴿المِشْنَة، ونقلها الى العربية بتعبير ﴿المثاني كما في قوله: ﴿ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم (الحجر ٨٧). فالقرآن والفرقان اللذان أُوتيهما موسى، نزلا على محمد في القرآن العربي. وهذا دليل على أن ﴿لفظ القرآن في الأصل آرامي ٩ .

لذلك يصف القرآن العربي نفسه نصاً: ﴿شهر رمضان الذي أُنِزل فيه القرآن هدى للناس، وبيّنات من الهدى والفرقان (البقرة ١٨٥). والهدى اصطلاحاً كتاب موسى: ﴿ولقد آتينا موسى الهدى (٤٠: ٥٣)؛ والفرقان تفصيله. فالقرآن العربي هو بيّنات من الكتاب والفرقان.

فكما أنزل الله الكتاب على محمد، ﴿نزّل الفرقان على عبده (الفرقان ١). ويخطئ من يظن الفرقان مرادفاً للقرآن، لأن القرآن العربي ﴿بيّنات من الهدى والفرقان.

والحي القيوم الذي أنزل القرآن والتوراة والإنجيل ﴿هدى للناس؛ وأنزل الفرقان (آل عمران ١ ـ ٣)، أنزل مع القرآن والتوراة والإنجيل: الفرقان الذي يفصلها. وكما ان القرآن العربي ﴿تفصيل الكتاب، فهو أيضاً تفصيل الفرقان. فقد ﴿آتيناك سبعاً من المثاني أي سبع قصص من الفرقان الذي في ﴿المشنة. وهذه قرينة حاسمة على ان قصص القرآن التوراتي يأتيه عن طريق التلمود، الذي منه ﴿المشنة أي المثاني التي تثني الكتاب أي تفصله فهي فرقان له.

وعليه فاسم الفرقان مترادف بين تفصيل الكتاب وتفصيل القرآن.

والإِعجاز في الاسم يكون أولاً لما سُمّي ﴿الكتاب والفرقان (البقرة ٥٣).

خامساً: اسم ﴿الحكمة

يأخذ القرآن كلمة ﴿الحكمة بمعنى لغوي، وبمعنى اصطلاحي فات الكثيرين.

بالمعنى اللغوي يقول: ﴿وآتيناه (داود) الحكمة (٣٨: ٢٠)؛ كذلك ﴿وآتاه الله الملك والحكمة (٢: ٢٥١)؛ ﴿ولقد آتينا لقمان الحكمة (٣١: ١٢)، ﴿يُؤتي الحكمة مَن يشاء، ومَن يُؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً (٢: ٢٦٩).

ومرة واحدة، بهذا المعنى اللغوي، يسمي القرآن نفسه ﴿حكمة بالغة في قوله: ﴿ولقد جاءَهم من الأنباء ما فيه مزدَجر، حكمة بالغة فما تُغْنِ النذر، فتولَّ عنهم (القمر ٤ ـ ٦).

فتأتي الكلمة بالمعنى اللغوي خمس مرات؛ لكن بالمعنى الاصطلاحي سبع عشرة مرة.

يقول في السيد المسيح: ﴿وإذ علمتك الكتاب والحكمة ـ والتوراة والإنجيل (المائدة ١١٠)؛ ﴿ويعلمه الكتاب والحكمة ـ والتوراة والإنجيل (آل عمران ٤٨). يظهر ان ﴿التوراة والإنجيل عطف بيان على ﴿الكتاب والحكمة كما سيتّضح مما يلي.

إن اصطلاح ﴿الحكمة كناية عن الإنجيل يثبت من قوله: ﴿ولمّا جاءَ عيسى بالبيّنات قال: قد جئتكم بالحكمة (الزخرف ٦٣). ويتضح ان الحكمة كناية عن الإنجيل، بأخذها بحرفها العبراني والآرامي: ﴿الحُكْمَ، في استعارة التعبير المتواتر عن النصارى من بني إسرائيل في قوله: ﴿اولئك الذين آتيناهم الكتاب والحُكْم والنبوّة... اولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتدهْ (الأنعام ٨٩ ـ ٩٠)، يؤمَر بأن يقتدي بهدى النصارى من بني إسرائيل، لا بهدى اليهود. وقد آتاهم الله التوراة والحكمة والنبوّة، تمييزاً لهم من الذين أوتوا فقط ﴿النبوّة والكتاب (٢٩: ٢٧؛ ٥٧: ٢٦) أي اليهود. وتنجلي الكناية في قوله: ﴿ولقد آتينا بني إسرائيل (اليهود والنصارى) الكتاب والحكم والنبوّة، ورزقناهم من الطّيبات وفضلناهم على العالمين، وآتيناهم بيّنات من الأمر: فما اختلفوا (يهود) إلا من بعد ما جاءَهم العلم، بغياً بينهم (الجاثية ١٦ ـ ١٧) ـ والعلم أيضاً كناية عن العلم الإنجيلي الموجود مع ﴿الراسخين في العلم، ﴿أولي العلم قائماً بالقسط (آل عمران ٧ و١٧) ـ فهذه القرينة اللفظية والمعنوية دليل على ان أهل ﴿الكتاب والحكم والنبوّة هم النصارى من بني إسرائيل، وان ﴿الحكم، بحرفه الآرامي، كناية عن الإنجيل. والقول الفصل في الكناية بالحكمة او ﴿الحكم عن الإنجيل في قوله بحق المسيح: ﴿ما كان بشر أن يُؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوّة، ثم يقول للناس: كونوا عباداً لي من دون الله (آل عمران ٧٩). فيثبت من هذه المواطن الأربعة أن ﴿الحكمة كناية عن الإنجيل؛ وحرفها الآرامي ﴿الحكم خير شاهد. ويثبت كذلك ان الترادف في قوله بحق المسيح ﴿الكتاب والحكمة ـ والتوراة والإنجيل (آل عمران ٤٨؛ المائدة ١١٠) هو عطف بيان.

يؤيد ذلك تاريخ النبوّة والكتاب: ﴿فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة (النساء ٥٤) الى التوراة والإنجيل. كما أخذ الميثاق على الأنبياء وقومهم حتى محمد: ﴿وإذ أخذ الله ميثاق النبيّين: لَمَا آتيتكم من كتاب وحكمة، ثم جـاءَكم رسول مصدّق لما معكم، لتؤمنُنَّ به ولتَنصُرنّه (آل عمران ٨١). فما الذي نزل قبل محمد: أليس الكتاب والحكمة أي التوراة والإنجيل؟ فالنبي الأمّي ﴿يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل أي الكتاب والحكمة (الأعراف ١٥٦). إن تواتر القرائن اللفظية والمعنوية شهادة جامعة مانعة.

لذلك كله، عندما يصرّح: ﴿وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة، وعلمك ما لم تكن تعلم (النساء ١١٣)، ﴿واذكروا نعمة الله عليكم، وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة في القرآن (البقرة ٢٣١)، فهو يعني التوراة والإنجيل. كذلك عندما يصرح في دعاء إبراهيم واسماعيل: ﴿ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم، يتلو عليهم آياتك، ويعلمهم الكتاب والحكمة، ويزكيهم، إنك انت العزيز الحكيم (البقرة ١٢٩)، فهو يقصد التوراة والإنجيل.

وتتضح مهمة النبي والقرآن قوله المتواتر ثلاث مرات:

﴿كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم، يتلو عليكم آياتنا، ويزكيكم، ويُعلمكم الكتاب والحكمة، ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون (البقرة ١٥١)؛ ﴿لقد مَنَّ الله على المؤمنين، إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته، ويزكيهم، ويعلمهم الكتاب والحكمة، وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين (آل عمران ١٦٤)؛ ﴿هو الذي بعث في الأميّين رسولاً منهم، يتلو عليهم آياته، ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبلُ لفي ضلال مبين (الجمعة ٢).

ونقارن أنه ﴿يعلمهم الكتاب والحكمة، لأنهم غفلوا عن دراستهما: ﴿أن تقولوا: إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا، وإنْ كنا عن دراستهم لغافلين (الأنعام ١٥٦). فالكتاب الذي أنزل على طائفتين من قبلهم انما هو التوراة والإنجيل أي الكتاب والحكمة.

إن مهمة النبي الأمّي مزدوجة: يتلو عليهم آيات الله في الكتاب بصيغتيه التوراة والإنجيل؛ ثم ﴿يعلمهم الكتاب والحكمة أي التوراة والإنجيل، في القرآن العربي. ونلاحظ ان التزكية، في المواضع الثلاثة تأتى بعد تلاوة آيات الله في الكتاب، وقبل ان ﴿يعلمهم الكتاب والحكمة بالقرآن. وهكذا فإن القرائن كلها مجتمعة تعطي شهادة جامعة مانعة بأن ﴿الكتاب والحكمة كناية عن التوراة والإنجيل. ﴿فالحكمة في اصطلاح القرآن الخاص هي كناية عن الإنجيل ١٠ .

والنتيجة الحاسمة أنه عندما يقول؛ ﴿ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة (الإسراء ٣٩) ـ في تعليمه السابق (الإسراء ٢٣ ـ ٣٩) ـ انما يقصد الإنجيل.

وعندما يقول: ﴿ادعُ الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة (النحل ١٢٥)، فهو قد يقصد المعنى اللغوي، ولكن قد يعني بالحري المعنى الاصطلاحي: فدعوة القرآن وجداله بالتي هي أحسن، انما هما للإنجيل. يؤيد ذلك قوله مرتين: ﴿ومن الناس مَن يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير (لقمان ٢٠؛ الحج ٨). فقوله: ﴿أنزلناه حكما (حكمة) عربيّاً (١٣: ٣٧) يعني أنزلناه إنجيلاً عربياً: فدعوته ﴿نصرانية.

وعندما يقول لنساء النبي: ﴿واذكرن ما يُتلى في بيوتكنَّ من آيات الله، والحكمة (الأحزاب ٣٤)، فان اقتران ﴿الحكمة بآيات الله يدل على المعنى الاصطلاحي. لذلك فقد يكون ما يقصد القرآن؛ ولكن بالحري قد يعني آيات التوراة والإنجيل، لأن التلاوة للآيات متميزة عن تعليم ﴿الكتاب والحكمة كما مر بنا (البقرة ١٥١؛ آل عمران ١٦٤؛ الجمعة ٢). ففي بيـوت نساء النبي كانت تُتلى آيات الله في التوراة والإنجيل، ثم يتعلمن ﴿الكتاب والحكمة بالقرآن.

وهكذا فدعوة محمد كانت تعليم ﴿الكتاب والحكمة أي التوراة والإنجيل معاً؛ كما يعلن: ﴿قل: يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم (المائدة ٦٨)؛ فإنه هكذا قد أُمر: ﴿أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم (الحكمة) والنبوّة... اولئك الذين هدى الله، فبهداهم اقتده (الأنعام ٨٩ ـ ٩٠).

فتعبير ﴿الحكمة اصطلاح ثابت، كناية عن الإنجيل، لا كما يقولون: ﴿ومعنى الحكمة في القرآن، في أكثر الاحيان، سنة النبي. ولا خلاف في تقرير هذا المعنى ١١ . فالقرائن القرآنية كلها تنقض هذا المعنى المتواتر عندهم.

وعليه فاسم ﴿الحكمة مترادف بين الإنجيل والقرآن؛ دخيل على القرآن بحرفه الآرامي نفسه: ﴿الحكم. والإِعجاز في الاسم يكون للأسبق.

خاتمة

أسماء القرآن مقتبسة، فلا إِعجاز فيها

فأسماء القرآن العربي: الحكمة والفرقان والذكر والكتاب والقرآن، كلها دخيلة لفظاً ومعنى، اقتبسها عن ﴿الراسخين في العلم الذين يستشهد بهم بتواتر. ﴿ولا بدَّ لنا من أن ننبّه الى أنه ليس مستحيلاً، ولا غريباً أن تدخل في القرآن ألفاظ من لغات أخرى... فسنعرض لما في القرآن من ألفاظ أعجمية جاءَته من اللسانين العبري والسرياني، ومن اللسان الحبشي وغيره ١٢ .

وبعد هذا كله، هل من إِعجاز في اسماء القرآن؟

بحث ثالث

الإِعجاز ما بين واقع القرآن والتاريخ

يقوم الإِعجاز في لغة القرآن على فصاحة مفرداتها، وعلى بلاغة تراكيبها، وعلى براعة نظمها في أسلوبها. وهذا قائم لا مراء فيه، ولا جدال. وهذا هو واقع الإِعجاز في نظم القرآن.

لكن تحول دون اعتبار هذا الإِعجاز القائم معجزةً اعتبارات أخرى في واقعه.

أولاً: المشكل القرآني

الواقع الأول في تنزيل القرآن وفي جمعه وتدوينه. يصرح القرآن أولاً: ﴿أنزلناه قرآناً عربياً (١٢: ٢؛ ٢٠: ١١٣)؛ ﴿أنزلناه حكماً (حكمة) عربيّاً (١٣: ٣٧)؛ ﴿قرآناً عربيّاً غير ذي عوج (٣٩: ٢٨)؛ ﴿قرآناً عربياً لقوم يعلمون (٤١: ٣)؛ فقد ﴿أوحينا إليك قرآناً عربياً (٤٢: ٧). تلك تصاريح خمسة في عروبة القرآن.

ويصرح ثانياً أنه نزل ﴿بلسان عربي مبين (الشعراء ١٩٥)؛ ﴿وهذا كتاب مصدّق لساناً عربياً (الأحقاف ١٢)؛ فلا مجال لتهمة اعانة الآخرين: ﴿لسان الذي يلحدون اليه أعجمي، وهـذا لسان عربي مبين (النحل ١٠٣). وهذا الواقع يقوم على هذا المبدأ العـام: ﴿وما أرسلنا من رسول إلاّ بلسان قومه ليبين لهم (إبراهيم ٤). تلك تصاريح أربعة ان القرآن بلسان عربي مبين، وهي تشهد بإِعجاز بيانه في لسانه.

الواقع الثاني أن القرآن نزل على سبعة أحرف ﴿باختلاف الألفاظ واتفاق المعاني كما يقول الطبري وأكثر العلماء معه ـ والعدد ليس للإحصاء بل للرمز ـ وقُرِئ بحضرة النبي، وعلى أيام الخلفاء الراشدين، أئمة الصحابة، بتلك الأحرف السبعة. وفسّروها بأنها سبع لغات مختلفة: ﴿لغة قريش، ولغة اليمن، ولغة جرهم، ولغة هوازن، ولغة قضاعة، ولغة تميم، ولغة طي ١٣ كما ذهب اليه كثير من العلماء مثل أبي عبيد وثعلب والزهري. ومن اعترض عليهم بان لغات العرب أكثر من سبع، أجابوا بان المراد هو أفصحها.

فكيف ينسجم هذا الواقع القرآني الثاني مع الواقع القرآني الأول؟

الواقع الثالث أن القرآن نزل بلغة قريش؛ وأنه جُمـع ودون بلغة قريش، بأمر عثمان: ﴿وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت (الانصاري) في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنه نزل بلسانهم. ففعلوا ١٤ .

﴿قال بن التين وغيره: وجمع عثمان كان لمّا كثر الاختلاف في وجوه القراءَة، حتى قرأوه بلغاتهم، على اتساع اللغات... واقتصر من سائر اللغات على لغة قريش، محتجّاً بأنه نزل بلغتهم، وان كان قد وُسّع في قراءَته بلغة غيرهم، رفعاً للحرج والمشقة في ابتداء الأمر. فرأى أن الحاجة إلى ذلك قد انتهت فاقتصر على لغة واحدة ١٥ .

فكيف ينسجم هذا الواقع الثالث ﴿فاكتبوه بلسان قريش، فإنه إنما نزل بلسانهم ـ مع الواقع الثاني أنه نزل وقُرئ على سبعة أحرف، أي سبع لغات، ﴿باختلاف الألفاظ واتفاق المعاني؟

ثانياً: المشكل التاريخي

وهذا الواقع القرآني الثلاثي المتعارض يقوم على المشكل التاريخي في وحدة اللغة العربية أو اختلافها الى لغات، في زمن النبي العربي.

يقول البعض، مثل العقاد، بوحدة اللغة العربية في الحجاز، واليمن، والشمال، كما يظهر من الشعر الجاهلي: ﴿وليس أكثر من العسف الذي يلجأ اليه منكرو الوحدة في لغة الجزيرة قبل البعثة المحمدية بجيلين أو ثلاثة أجيال. وان اعتساف التاريخ هنا لأهون في رأينا من اعتساف الفروض الأدبية التي لا تقبل التصديق. فما من قارئ للأدب يسيغ القول بوجود طائفة من الرواه يلفقون أشعار الجاهلية كما وصلت الينا، ويفلحون في هذا التلفيق... فهذه النقائض التي تحاول أن تشكّكنا في وحدة اللغة العربية قبل الإسلام يرفضها العقل لأن قبولها يكلفه شططاً ولا يوجبه بحث جدير بالاقناع. فمما يتكلّفه العقل، اذا تقبلها، ان يجزم ـ كما تقدم ـ بانقطاع عرب اليمن عن داخل الجزيرة كل الانقطاع، وأن يجزم ببقاء لغة قحطانية تناظر اللغة القرشية في الجيلين السابقين للبعثة المحمدية، غير معتمد على أثر في ذاكرة لأحياء، ولا في ورق محفوظ. وأن يلغي كل ما توارثه العرب عن أنسابهم وأسلافهم، وهم أمه تقوم مفاخرها وعلاقاتها على الأنساب وبقايا الأسلاف. وان يفترض وجود الرواة المتآمرين على الانتحال بتلك الملكة التي تنظم أبلغ الشعر وتنوعه على حسب الأمزجة والدواعي النفسية والأعمار. وأن يفهم أن القول المنتحل مقصور على الأسانيد العربية مبطل لمراجعها، دون غيرها من مراجع الأمم التي صح عندها الكثير ممّا يخالطه الانتحال والكذب الصريح... أما المستحيل، أو شبه المستحيل، فهو تزوير أدب كامل يُنسب الى الجاهلية ١٦ .

أجل لا تختص الأمة العربية بالانتحال والكذب في أدبها وأسانيده، هذا واقع في أدب جاهلية سائر الأمم. لكن الانتحال في الشعر الجاهلي يُقارن بالانتحال في الحديث الشريف؛ وانتحال الشعر أخف وطأة من انتحال الحديث الشريف.

وبناء وحدة اللغة القحطانية واللغة القرشية، على الرحلات والهجرات بين بني قحطان وبني عدنان، بين العرب العاربة والعرب المستعربة، ينقضه تاريخ العرب قبل الإسلام، وواقع الحياة والمواصلات بين الأمم في أيامنا. ينزح قوم بلغتهم الى أرض غيرهم فيحافظون على لغتهم ويتعلمون لغة الوطن الجديد. والتجار الدوليون، قديماً وحديثاً يتعلمون لغات القوم الذين معهم يتاجرون؛ فلا غرو اذا عرف عرب الجنوب وعرب الحجاز وعرب نجد والشمال بعضهم لغات بعض، مع تمايزها واختلافها بالألفاظ والاعراب، للقيام خير قيام برحلات الشتاء والصيف ما بين الجنوب والشمال؛ وكانت قريش سادة القوم في ذلك، وكان محمد في تجارة خديجة سيد الاسياد في معرفة اللغات غير لغته القومية، كما سنرى عن قريب.

فإن القائلين بتعدد اللغات في الجزيرة العربية، حتى قبل البعثة المحمدية بجيلين أو ثلاثة أجيال، إنما يعتمدون على قيام دولة التبابعة في اليمن يتصارع عليها وعلى أرضها الاستعمار الحبشي والفارسي؛ وعلى النصوص الحميرية التي اكتشفها الأستاذ جويدي، والتي نرى فيها أنها تختلف اختلافات كثيرة جداً عن اللغة الحجازية القرشية التي نعرفها من القرآن.

ونحن نؤيد ما نقله الأستاذ محمد صبيح، ﴿عن القرآن من الدكتور طه حسين، والطبري، والسيوطي، في تعدّد اللغات العربية في الجزيرة، وتعدّد النص القرآني إلى سبعة أحرف أو لغات. يقول ١٧ : ﴿وأحدث هذه الدراسات وأقومها إلى الآن ما ذكره الدكتور طه حسين في كتابه (الأدب الجاهلي). فقد أحاط في موضوعه بآراء المحدثين والقدماء من المسلمين، كما أحاط بآراء المستشرقين. ﴿قال ١٨ : أثبت البحث الحديث خلافاً جوهرياً بين اللغة التي كان يصطنعها الناس في جنوب البلاد العربية، واللغة التي كانوا يصطنعونها في شمال هذه البلاد. ولدينا الآن نقوش ونصوص تمكننا من إثبات هذا الخلاف في اللفظ وفي قواعد النحو، والتصريف أيضاً ـ ويعود ذلك إلى تسمية أقوام مختلفة باسم جامع: العرب؛ الجزيرة العربية، وكلاهما يقصر ويمتد كما يشاؤون؛ حتى جمعوا الأنباط ولغتهم وحضارتهم إلى العرب؛ والبابليين في عصرهم الأول فكانت حضارة البابليين وتشريعهم من عهد حمورابي حضارة عربية وتشريعاً عربياً. وشتان ما بين الأصل الجامع والفرع الطالع، ما بين المطالع والمجامع.

يقول محمد صبيح ١٩ : ﴿ومهما اختلف الباحثون، فقد أصبح واضحاً جلياً أن اللغة العربية في الجاهلية لم تكن واحدة، يتفق نطقها وصرفها ونحوها، فبعد أن كشف الأستاذ جويدي عن نصوص اللغه الحميرية، وأثبت خلافها التام عن اللغة القرشية التي نعرفها اليوم، في بنية ألفاظها وفي تركيب جملها، لم يعد هناك شك في أن جزيرة العرب كانت مستقر شعوب لا شعب واحد. وكانت هذه الشعوب تنطق بلغات كثيرة قد تتفق بينها بعض الألفاظ، كما تتفق اليوم بعض ألفاظ اللغة الفرنسية والانجليزية؛ ولكن كل لغة منها قائمة بذاتها مستقلة استقلالاً، لا شك فيه... وقد عبّر أبو عمرو بن العلاء عن هذا المعنى في وضوح تام. ثم يقول: ﴿وكما كانت في الجنوب ـ حيث وُجدت دول ثابتة، وقامت حضارات بقيت آثارها إلى اليوم ـ لغات مختلفة منها الحميرية والسبئية والمعينية، فكم بالأحرى في الحجاز والشمال بين فوضى القبائل. إن ما يصدق على اليمن، يصدق أيضاً على البحرين، وما يصدق على هذه يصدق على الحجاز؛ وما يصدق عليها جميعاً يصدق على شمال الجزيرة حيث كان يقيم المناذرة الغساسنة يتصلون بحضارة فارس ومجوسيتها، وبحضارة بيزنطية ومسيحيتها.

والشاهد على اختلاف لغات قبائل الحجاز حديث الأحرف السبعة التي قُرِئَ بها القرآن: ﴿إن القرآن الذي تُلي بلغة واحدة، ولهجة واحدة، هي لغة قريش ولهجتها، لم يكد يتناوله القراء من القبائل المختلفة حتى كثرت قراءاته وتعدّدت اللهجات فيه، وتباينت تبايناً كثيراً... وليست هذه القراءات بالأحرف السبعة التي أُنزل عليها القرآن. وإنما هي شيء وهذه الأحرف شيء آخر. فالأحرف جمع حرف. والحرف: اللغة. فمعنى ﴿أنزل القرآن على سبعة أحرف أنه أُنزل على سبع لغات مختلفة في لفظها ومادتها... وقد اتفق المسلمون على أن القرآن ﴿أنزل على سبعة أحرف أي على سبع لغات مختلفة في الفاظها ومادتها. واتفق المسلمون على أن أصحاب النبي تماروا في هذه الأحرف والنبي بين أظهرهم. فنهاهم عن ذلك وألح في النهي فلمـا توفّي النبي استمر اصحابه يقرأون القرآن على هـذه الأحرف السبعة. يؤيد ذلك تفسير الطبري.

ثالثاً: المشكل القائم المستعصي على الحل

نزل القرآن بلغة قريش ولهجتها ـ ولا يُعقل سوى ذلك. فكيف أصبح سبعَ لغات مختلفة في الفاظها ومادتها؟ يقولون بأنه نزل على سبعه أحرف أي سبع لغات. وهذا خارق مخروق، لا يستسيغه عقل، ولا نقل. والحل السوي ان النص الواحد المنزل أصبح سبع نصوص، بسبب لغات القبائل المختلفة. وهذا رأي أبي شامة ينقله السيوطي: ﴿إن القرآن نزل بلغة قريش ثم أُبيح للعرب أن يقرأوه بلغاتهم التي جرت عادتهم باستعمالها، على اختلافهم في الألفاظ والاعراب. ولم يكلف احد منهم الانتقال عن لغة الى لغة اخرى للمشقة، ولما كان فيهم من الحمية، ولطلب تسهيل فهم المراد. وقيّد البعض هذا النقل بما سمع عن النبي عليه الصلاة والسلام ٢٠ . أي أيّد النبي هذا النقل من لغة قريش الى اللغات الاخرى.

ينتج من ذلك: أولاً وجود لغات مختلفة بين قبائل الحجاز، وثانياً تعدد نص القرآن الى سبعة نصوص مختلفة.

قد يقولون: إن عثمان أتلف كل النصوص إلاّ النص القرشي الذي نزل به وظل قائماً بين الصحابة من المهاجرين والانصار. والردّ على ذلك أن عثمان أتلف مصاحف الصحابة أنفسهم، حتى الصحف التي جمعها زيد بن ثابت أول مرة على عهد أبي بكرٍ، وثاني مرة على عهد عمر، وكانت أمانة عند السيدة حفصة زوج النبي وبنت عمر. فقد أتلفها عثمان بعد ان استأذن حفصة. فهل جمع وتدوين عثمان أصح وأقرب الى زمن النبي من جمع وتدوين عمر وأبي بكرٍ؟ ولو أسندوا الجمع في أطواره الى رئاسة زيد بن ثابت الانصاري.

وبسبب تعدد اللغات، هل يُبنى إِعجاز منزل، على لغة المصحف العثماني ٢١ ؟

بحث رابع

هل عرف ﴿النبي الأمّي وأهل مكّة لغات أجنبية؟

قضية ثانية في لغة القرآن: لغة مكّة ومعرفة محمد اللغات الأجنبية.

أولاً: شهادة القرآن

إن القرآن يشهد مباشرة بقيام لغات أعجمية في مكّة، ومداورة بأن النبي كان يعرف تلك اللغات الأعجمية.

الشهادة الأولى: ﴿ولقد نعلم أنهم يقولون: إنما يعلّمه بشر! ـ لسان الذي يلحدون اليه أعجمي، وهذا لسان عربي مبين (النحل ١٠٣).

الشهادة الثانية: ﴿ولو جعلنـاه قرآناً أعجمياً، لقالوا: لولا فُصلت آياته! أأعجمي وعربي؟ (فصلت ٤٤).

نلاحظ عابراً أن التفصيل، في لغة القرآن، يعني التعريب. فقوله: ان القرآن ﴿تفصيل الكتاب (يونس ٣٧) يعني تعريب الكتاب، بحسب اصطلاح القرآن.

يقول محمد صبيح ٢٢ : ﴿ومن هنا (الرحلات من وإلى مكّة والاستيطان فيها) يمكن أن نقرر: ان أهل مكّة عرفوا لغات أجنبية الى جانب لغتهم الأصلية. وان اللغة الأصلية نفسها تأثرت بهذه اللغات التي تنتقل الى مكّة من الأجانب المقيمين بها أو تنتقل اليها مكّة في متاجرها. وقد كوّنت هذه الرحلات وهذه الاتصالات، الى جانب التأثير اللغوي، ثقافة غير هينة؛ كما وُجدت حركة تدوين وقراءَة. هذا هو شأن مكّة، ولغة أهلها.

ثانياً: شهادة الحديث

ويأتي الحديث فيثبت لنا معرفة محمد باللغات الأجنبية الموجودة بمكّة، والتي كان يتصل بها في الجنوب والشمال، بحكم رحلاته التجارية، على رأس أضخم تجارة مكية.

يقول محمد صبيح ٢٣ : ﴿ولم يقل أحد إن رسول الله لم يكن يعلم شيئاً من أمر هذه اللغات التي تأثرت بها مكّة، وأمر هذه الثقافات التي ذابت فيها. بل أكثر من هذا، فإن لدينا من الحوادث ما يؤكد اتصال رسول الله، وهو في مكّة، بهؤلاء الأجانب، الذين كانوا يقيمون فيها، وكان يزورهم ويطيل صحبتهم. فقد روى عن عبيد الله بن مسلم قال ٢٤ : كان لنا غلامان روميان يقرأان كتاباً لهما بلسانهما، فكان النبي ﷺ يمر بهما فيقوم فيسمع منهما ـ (اذن كان محمد يعرف اليونانية) ـ ورُوى عن ابن اسحاق أن رسول الله كثيراً ما كان يجلس عند المروة الى سبيعة، غلام نصراني يقال له جبرْ، غلام لبعض بني الحضرمي، وعن ابن عباس ان النبي كان يزور، وهو في مكّة، أعجمياً اسمه بلعام، وكان المشركون يرونه يدخل عليه ويخرج من عنده ـ (وقد يكون حديثهما بالعربية، وقد يكون بالفارسية) ـ وفي رواية اخرى ان غلاماً كان لحويطب بن عبد العزّى، قد أسلم وحسن اسلامه، اسمه عائش أو يعيش، وكان صاحب كتيّب؛ وقيل هما اثنان جبر ويسار، كانا يصنعان السيوف بمكّة ويقرأان التوراة والإنجيل (بالعبرية واليونانية، أو بالسريانية)؛ فكان رسول الله اذا مرّ عليهما وقف يسمع ما يقرأان. واذن فقد كان رسول الله يسمع ما يُقرأ في الكتب، بلغة غير لغة مكّة، وكان يفهم ما يُتلى عليه.

هذه الروايات المتواترة تشهد بأن محمداً، بسبب اتصالاته في مكّة مع الاعاجم والسماع الى كتبهم ولغاتهم، وبسبب رحلاته التجارية مدة خمس عشرة سنة الى الجنوب حيث لغات اليمن، والى الشمال حيث الفارسية والسريانية واليونانية، كان يعرف عدة لغات أجنبية.

وهناك سبب أكبر يدل على معرفة محمد لغات أجنبية، وهو صحبته مدة خمس عشرة سنة لورقة بن نوفل، قس مكّة، الذي بزواج محمد من ابنة عمه، كان يعدّه لدينه ولخلافته على جماعته. وكل المصادر تشهد بأن ورقة كان علامة مكّة، يترجم التوراة والإنجيل الى العربية، من العبرية والسريانية واليونانية. وكان محمد يتتلمذ له، بدليل قصة فتور الوحي ومحاولة محمد الإنتحار، لدى وفاة ورقة. ألا تكفي محمداً نابغة العرب مدة خمس عشرة سنة، بجوار علامة كبير، ليأخذ عنه العبرية والسريانية واليونانية، لغات الكتاب الذي يترجمون؟

فالتاريخ والحديث يؤيدان ما جاءَ في القرآن من اتصال محمد بأهل الكتاب وسماع كتبهم في لغاتهم، زيادة على اتصالاته التجارية ومخاطبة الناس في أوطانهم بلغاتهم.

لكن هذه الثقافة الواسعة شبهة قائمة على إِعجاز القرآن كمعجزة منزلة.

ثالثاً: اللغات المختلفة في المصحف العثماني نفسه

إن الواقع القرآني يشهد بوجود كثرة الألفاظ الأعجمية في القرآن، وكثرة الألفاظ العربية المستعارة من قبائل غير قبيلة قريش، وذلك بعد التصفية العثمانية. وهـذا ما يسمونه ﴿غريب القرآن. وقد كتب فيه الأقدمون الكتب. ونسبوا الى النبي هذا الحديث مرفوعاً أو موقوفاً: ﴿أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه. ونقدر أن نقسم غريب القرآن وغرائبه إلى خمسة أقسام.

بحث خامس

غريب القرآن

(الإتقان ١: ١١٥ ـ ١٣٤)

يقول محمد صبيح ٢٥ : ﴿وقد نزل القرآن باللغة العربية القرشية، التي ذكرنا أن كثيراً من ألفاظ اللغات الأخرى، ولغات القبائل المجاورة ذابت فيها. وقد فهم الصحابة القرآن اجمالاً؛ ولكن ألفاظاً غير قليلة استغلقت عليهم، بل ان بعضها لا يزال مستغلقاً علينا الى اليوم، على الرغم من ان وسيلة العلم ببعض اللغات القديمة قد توفرت لدينا... ووردت روايات عن الفاظ في القرآن لم يكن بعض الصحابة يفهمونها لأنها مستعملة عند بعض القبائل، وليست مستعملة عند قريش... وقد شغف علماء المسلمين بتتبع الفاظ القرآن وغريبه. وذكر السيوطي أسماء كثيرين ألفوا فيه. فغرائب الفاظ القرآن أنها ﴿مستغربة في التأويل. وجملة ما عدده من ذلك في القرآن كله سبعمائة لفظة أو تزيد قليلاً.

نقل السيوطي مع غيره عن ابن عباس عشرات الألفاظ الغريبة. هذا بعض منها:

يؤمنون (أي) يصدقون ـ يعمهون: يتمادون ـ مطهرة: من القذر والأذى ـ الخاشعين: المصدقين بما أنزل الله ـ وفي ذلكم بلاء: نعمة ـ وفومها: الحنطة ـ إلاّ أماني: أحاديث ـ قلوبنا غلف: في غطاء ـ ما ننسخ: نبدل ـ أو ننسها: نتركها فلا نبدلها ـ يثوبون إليه: يرجعون ـ حنيفاً: حاجّاً ـ شطره: نحوه ـ فلا جناح: فلا حرج ـ خطوات الشيطان: عمله ـ أُهلّ به لغير الله: ذبح للطواغيت ـ ابن السبيل: الضيف ـ إن ترك خيراً: مالاً ـ جنفاً: إثماً ـ حدود الله: طاعة الله ـ لا تكون فتنة: شرك ـ فرض: حرّم ـ لاعنتكم: لأخرجكم ـ ما لم تمسوهن: المس الجماع ـ أو تفرضوا: والفريضة الصداق ـ فيه سكينة: رحمة ـ سِنَة: نعاس ـ ولا يؤوده: يثقل عليه ـ صفوان: حجر صلد ـ متوفيك: مميتك ـ حوباً كبيراً: إثما عظيماً ـ نحلة: مهراً ـ وابتلوا: اختبروا ـ آنستم: عرفتم ـ رشداً: صلاحاً ـ كلالة: من لم يترك والداً ولا ولداً ـ ولا تعضلوهن: تقهروهن ـ والمحصنات: كل ذات زوج ـ طولا: سعة ـ محصنات: غير مسافحات ـ عفائف: غير زوانٍ ـ ولا متخذات اخدان: أخلاء ـ فإذا احصن: تزوجن ـ العنت: الزنى ـ موالي: عصبة ـ قوّامون: أمراء ـ قانتات: مطيعات ـ الجبت: الشرك ـ مقيتاً: حفيظاً ـ اركسهم: أوقعهم ـ حصرت: ضاقت ـ أولى الضرر: العذر ـ نشوزاً: بغضاً ـ كالمعلّقة: لا هي أيمّ ولا هي ذات زوج ـ يجرمنّكم: يحملنّكم ـ شنآن: عداوة ـ البِرّ: ما أمرت به ـ التقوى: ما نهيت عنه ـ الأزلام: القداح ـ طعام الذين أوتوا الكتاب: ذبائحهم ـ اِفْرقْ بيننا: افصل ـ ومن يُرد اله فتنته: ضلالته ـ مهيمناً: أميناً ـ شرعة ومنهاجاً: سبيلاً وسنة ـ أذلّة على المؤمنين: رحماء ـ مدراراً: بعضها يتبع بعضاً ـ وينأون عنه: يتباعدون ـ مبلسون: آيسون ـ يصدفون: يعدلون ـ يدعون: يعبدون ـ جرحتم: كسبتم من الإثم ـ يفرطون: يضيعون ـ شيعاً: أهواء مختلفة ـ لكل نبأ مستقر: حقيقة ـ تبسل: تفضح ـ باسطوا ايديهم: البسط الضرب ـ إملاق: الفقر ـ دراستهم: تلاوتهم ـ مذؤوماً: ملوماً ـ ريشاً: مالاً ـ رجس: سخط ـ الصراط: الطريق ـ افتح بيننا: اقض ـ آسى: أحزن ـ متبر: خسران ـ آسفاً: الحزين ـ إن هي إلا فتنتك: عذابك ـ عزروه: حموه ووقروه ـ فانبجست: انفجرت ـ نتقنا الجبل: رفعناه ـ حفي عنها: لطيف بها ـ لولا اجتبيتها: أحدثتها ـ جاءَكم الفتح: المدد ـ جعلنا لكم فرقانا مخرجاً ـ يضاهئون: يشبهون ـ هو أذنٌ: يسمع من كل أحد ـ اغْلظ عليهم: اذهب الرفق عنهم ـ سَكَنَ لهم: رحمة ـ الأوّاه: المؤمن التواب ـ يثنون: يكنون ـ يستغشون ثيابهم: يغطون رؤوسهم ـ أخبتوا: خافوا ـ فار التنور: نبع ـ اقلعى: اسكني ـ حنيذ: نضيج ـ عصيب: شديد ـ زفير: صوت شديد ـ شهيق: صوت خفيف ـ شغفها: غلبها ـ حصحص: تبين ـ زعيم: كفيل ـ طوبى: الفرح وقرة العين ـ ييأس: يعلم ـ مهطعين: ناظرين ـ في الأصغاد: في وثاق ـ قطران: النحاس المذاب ـ حمأ مسنون: طين رطب ـ مسلمين: موحدين ـ تسيمون: ترعون ـ مواخر: جوارى ـ حفدة: الأصهار ـ الفحشاء: الزنا ـ فجاسوا: فمشوا ـ ولا تقْفُ: لا تقل ـ رفاتا: غباراً ـ فسينفضون: يهزّون ـ مثبوراً: ملعوناً ـ وقرآنا فرقناه: فصلناه ـ الرقيم: الكتاب ـ تزاور: تميل ـ كالمهل: عكر الزيت ـ عين حَمِئة: حارة ـ زبر الحديد: قطع الحديد ـ الصدفين: الجبلين ـ سويّاً: من غير خرس ـ حنانا من لدنّا: رحمة من عندنا ـ غيّاً: خسرانا ـ لَغْوَاً: باطلاً ـ ضدّاً: اعواناً ـ تؤزّهم أزّاً: تغويهم اغواءً ـ إداً: عظيماً ـ هداً: هدماً ـ ركْزاً: صوتاً ـ سيرتها: حالتها ـ وفتنّاك فتونا: اختبرناك اختباراً ـ ولا تَنِيَا: تُبطئاً ـ فيُسحتكم: يُهلككم ـ لننسفنّه في اليم: لَنُذرينه في البحر ـ قاعاً: مستوياً ـ صفصفا: لا نبات فيه ـ عِوَجاً: وادياً ـ خشعت الاصوات: سكنت ـ وعنت الوجوه: ذلّت ـ ينسلون: يقبلون ـ حصب: شجر ـ كطىّ السجل للكتاب: كطى الصحيفة على الكتاب ـ مَنِسكاً: عيداً ـ المُعْتر: السائل ـ اذا تمنى: حدّث ـ في أمنيته: حديثه ـ هيهات هيهات: بعيد بعيد ـ تتْرى: يتبع بعضها بعضاً ـ يجأرون: يستغيثون ـ تستأنسوا: تستأذنوا ـ غير أولى الاربه: المغفّل الذي لا يشتهي النساء ـ مشكاة: موضع الفتيلة ـ بقِيعة: أرض مستوية ـ هباءً منثوراً: الماء المهراق ـ قبضاً يسيراً: سريعاً ـ كالطود: الجبل ـ فكبكبوا: جُمعوا ـ الأيك: الغيضة ـ الجبلة: الخلق ـ أوزعني: اجعلني ـ طائركم: معائبكم ـ يُوزعون: يُدفعون ـ داخرين: صاغرين ـ جامدة: قائمة ـ إفكاً: كذباً ـ يصدعون: يتفرقون ـ العزور: الشيطان ـ منْسأته: عصاه ـ فاكهون: فرحون ـ سواء الجحيم: وسط ـ تلَّه: صرعه ـ فنبذناه بالعراء: القيناه بالساحل ـ أتراب: مستويات ـ غسّاق: الزمهرير ـ رواكد: وقوفاً ـ يوبِقُهُنَّ: يهلكهنَّ ـ وزخرفاً: الذهب ـ آسن: متغير ـ ذنوباً: دلواً ـ المسجور: المحبوس ـ ذو مرّة فاستوى: منظر حسن ـ أغنى وأقنى: أعطى وأرضى ـ العَصْف: التبن ـ الريحان: خضرة الزرع ـ آلاء ربكما: نعم الله ـ مارج: خالص النار ـ مَرَج: أرسل ـ برزخ: حاجز ـ شواظ: لهيب النار ـ ونحاس: دخان النار ـ لم يطمثهنَّ: يدنُ منهن ـ نضاختان: فائضتان ـ رفرف خضر: محابس ـ للمقوين: المسافرين ـ قاتلهم الله: لعنهم ـ (وكل شيء في القرآن قتل فهو لعن) ـ زنيم: ظلوم ـ غسلين: صديد أهل النار ـ أمشاج: مختلفة الألوان (أخلاط) ـ مستطيراً: فاشياً ـ قمطريراً: طويلاً ـ سفرة: كتبة ـ عِلّيين: الجنة ـ يحور: يُبعث ـ الصَمَد: السيد كمل في سؤدده ـ إيلافهم: لزومهم.

ويختم السيوطي بقوله: ﴿هذا لفظ ابن عباس، أخرجه ابن جرير (الطبري) وابن أبي حاتم في تفسيرهما مفرقاً فجمعته. وهو وإن لم يستوعب غريب القرآن، فقد أتى على جملة صالحة. واستدرك عليه بجملة أخرى. ونقل أيضاً عن ابن عباس مسائل نافع بن الأزرق له، وفيها جملة أخرى من غريب القرآن.

كانوا يعتبرون تلك التعابير من غرائب القرآن. وباستعمال القرآن لها دخلت الفصحى، وكثيراً منها لم يعد يبدو غريباً. ولم يكن من البدءِ كذلك. وأساس الإِعجاز البياني فصاحة مفرداته. وليس من الفصاحة ما عدَّه العلماء ﴿غريب القرآن. فهل ﴿غريب القرآن من الإِعجاز في فصاحة لغته؟

بحث سادس

الوجوه والنظائر ٢٦

(الإتقان ١: ١٤٢ ـ ١٤٤)

هذا الاصطلاح له معنيان: خاص، وعام.

المعنى الخاص من كناية ﴿الوجوه والنظائر: ﴿فالوجوه: اللفظ المشترك الذي يستعمل في عدة معان، كلفظ ﴿الأمة. والنظائر كالألفاظ المتواطئة.

﴿وقيل: النظائر في اللفظ؛ والوجوه في المعاني.

﴿وهم يذكرون اللفظ الذي معناه واحد في مواضع كثيرة. فيجعلون (الوجوه) نوعاً لأقسام، و(النظائر) نوعاً آخر حيث كانت الكلمة الواحدة تنصرف الى عشرين وجهاً وأكثر وأقل.

وهكذا فهم يختلفون بما يقصدون؛ وقد يفهم بعضهم بالنظائر ما هو وجوه؛ وبالوجوه ما هو نظائر. ونحن نرى النظائر في اللفظ المشترك الذي يُستعمل في عدة معان. والوجوه في المعاني المتعدده تحت اللفظ الواحد.

أولاً: وجوه القرآن

وجوه الكلمة الواحدة أن تتصرّف الى عدة معان، الى عشرين وجهاً، وأكثر وأقل. يبنون ذلك على حديث مرفـوع الى النبي: ﴿لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يرى للقـرآن وجوهاً. وقد فسره بعضهم: المراد ان يرى اللفظ الواحد يتحمل معاني متعدّدة فيحمله عليها اذا كانت غير متضادة، ولا يقتصر به على معنى واحد.

ورووا ان علياً بن أبي طالبٍ أرسل ابن عباس الى الخوارج فقال: ﴿اذهب اليهم فخاصمهم، ولا تحاجّهم بالقرآن فإنه ذو وجوه، ولكن خاصمهم بالسنة... قال: يا أمير المؤمنين فأنا أعلم بكتاب الله منهم، في بيوتنا نزل! قال: صدقت، ولكن القرآن حمال ذو وجوه، تقول ويقولون؛ ولكن خاصمهم بالسنن فإنهم لن يجدوا منها محيصاً.

وفي موضع آخر ٢٧ ينقل السيوطي: ﴿الكراهة تحمل على من صرف الآية عن ظاهرها الى معان خارجة محتملة يدل عليها القليل من كلام العرب ـ ولا يكون غالباً الا في الشعر ونحوه ـ ويكون المتبادر خلافها. وينقل أيضاً ٢٨ : ﴿وقال النسفي في (عقائده): النصوص على ظاهرها، والعدول عنها الى معان يدَّعيها أهل الباطن الحاد. وقال التفتزاني في (شرحه): سُميت الملاحدة باطنيّة لادعائهم ان النصوص ليست على ظاهرها بل لها معان باطنية.

وهذا ما يجعل القرآن متشابهاً ﴿لا يعلم تأويله إلا الله. مع أنه على حد قوله ﴿بلسان عربي مبين. واللسان العربي المبين هو السهل الممتنع الذي تسابق معانيه ألفاظه الى الفهم والادراك. فإذا تعدّدت معاني التعبير الواحد حتى العشرين ضاع بيان الله علينا، وزال إِعجازه لنا، لأننا لا نتثبت من صحة المعنى المقصود. يقول السيوطي: ﴿وقد جعل بعضهم ذلك من أنواع معجزات القرآن حيث كانت الكلمة الواحدة تنصرف الى عشرين وجهاً، وأكثر وأقل؛ ولا يوجد ذلك في كلام البشر. فهل من الإِعجاز في فصاحة الألفاظ وبيانها ان يتعدّد معناها، ونرى لها وجوهاً لا نقدر أن نقف على حقيقتها؟ ان استنباط المعاني المتعددة من تعبير واحد لا يدل على الإِعجاز فيه.

ثانياً: النظائر في القرآن

إن النظائر هو اللفظ المشترك الذي يستعمل في عدة معان. يقول السيوطي: ﴿وهذه عيون من أمثلة هذا النوع.

١) ﴿ومن ذلك الهدى يأتي على سبعة عشر وجهاً، بمعنى: الثبات: ﴿اهدنا الصراط المستقيم ـ والبيان: ﴿أولئك على هدى من ربهم ـ والدين: ﴿إن الهدى هدى الله ـ والإيمان: ﴿ويزيد الله الذين اهتدوا هدى ـ والدعاء: ﴿وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا.

وبمعنى الرسل والكتب: ﴿ولكل قوم هـاد، فإما يأتينّـكم مني هدى ـ والمعرفة: ﴿وبالنجم هم يهتدون.

وبمعنى النبي ﷺ: ﴿إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى الدالة على محمد.

وبمعنى القرآن: ﴿ولقد جاءَهم من ربهم الهدى ـ والتوراة: ﴿ولقد آتينـا موسى الهدى ـ والاسترجاع: ﴿وأولئك هم المهتدون ـ والحجة: ﴿لا يهدي القوم الظالمين بعد قوله تعالى: ﴿ألم تر الى الـذي حاج إبراهيم في ربه ـ أي لا يهديهـم حجة. ـ والتوحيد: ﴿إن نتّبع الهدى معك نُتخطّف من أرضنا ـ والسنة: ﴿فبهداهم اقتدهْ، ﴿وإنا على آثارهم مهتدون ـ والإصلاح: ﴿ان الله لا يهدي كيد الخائنين ـ والالهام: ﴿أعطى كل شيء خلقه ثم هدى أي ألهم المعاش. ـ والتوبة: ﴿إنا هدْنا إليك ـ وهنـا تورية فاتت الأستاذ الإمام: ﴿هدْنا من يهود، فهم يشتقون الهدى من اسمهم، كقولهم: هاد أي اهتدى ـ والارشاد: ﴿ان يهديني سواء السبيل. فتلك سبعة عشر وجهاً لتعبير واحد.

٢) ﴿ومن ذلك الصلاة تأتي على أوجه: ـ الصلوات الخمس: ﴿يقيمون الصلاة ـ وصلاة العصر: ﴿يحبسونهما من بعد الصلاة ـ وصلاة الجمعة: ﴿إذا نودي للصلاة ـ والجنازة: ﴿ولا تصلِّ على أحد منهم ـ والدعاء: ﴿وصلّ عليهم ـ والدين: ﴿أصلواتك تأمرك ـ والقراءَة: ﴿ولا تجهر بصلاتك ـ والرحمة والاستغفار: ﴿إن الله وملائكته يصلون على النبي ـ ومواضع الصلاة: ﴿بيع وصلوات ـ ومساجد: ﴿لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى. ـ فتلك عشرة وجوه لتعبير واحد.

٣) ومن ذلك الرحمة وردت على أوجه: ـ الإسلام: ﴿يختص برحمته مَن يشاء ـ والإيمان: ﴿وآتاني رحمة من عنده ـ والجنة: ﴿ففي رحمة الله هم فيها خالدون ـ والمطر ﴿نشراً بين يدى رحمته ـ والنعمة: ﴿ولولا فضل الله عليكم ورحمته ـ والنبوّة: ﴿أم عندهم خزائن رحمة ربك، ﴿أهم يقسمون رحمة ربك ـ والقرآن: ﴿قلْ: بفضل الله وبرحمته ـ والرزق: ﴿خزائن رحمة ربي ـ والنصر والفتح: ﴿إن أراد بكم سوءاً، أو أراد بكم رحمة ـ والمودة: ﴿رأفة ورحمة، ﴿رحماء بينهم ـ والسعة: ﴿تخفيف من ربكم ورحمة ـ والمغفرة: ﴿كتب على نفسه الرحمة ـ والعصمة: ﴿لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم. ـ فتلك ثلاثة عشر وجهاً، في لفظ واحد.

ومن ذلك الروح ورد على أوجه: ـ الأمر: ﴿وروح منه ـ الوحي: ﴿ينزّل الملائكة بالروح ـ هنا الروح سيد الملائكة يُنزّلها بوحيه. ـ والقرآن: ﴿أوحينا إليك روحاً من أمرنا ـ هنا روح من عالم الأمر أي ملاك مخلوق. ـ والرحمة: ﴿وايدهم بروح منه (هنا كناية عن الملائكة الحفظة). ـ والحياة: ﴿فروح وريحان. ـ وجبريل: ﴿فأرسلنا اليها روحنا، ﴿نزل به الـروح الأمين. ـ وملاك عظيم: ﴿يوم يقـوم الروح ـ وجيش من المـلائكة: ﴿تنزَّل المـلائكة والروح فيهـا (هنا كنـاية عن الـروح سيد الملائكة). ـ وروح البـدن: ﴿ويسألونك عن الروح. هنا سها الإمام، ليس روح البدن. ـ فتلك تسعة أوجه في لفظ واحد.

ويذكر على هذا النمط ٦) السوء ٧) القضاء ٨) الذكر ٩) الدعاء ١٠) الاحصان.

ونحن نتساءَل، إن استخدام تعبير واحد لمعان مختلفة، هل يدل على إِعجاز، ولسان مبين، في فصاحة اللغة؟ إن فصل الوجوه والنظائر في لغة القرآن يفتح للتأويل أبواباً يتيه فيها البيان والتبيين. فهل في ﴿الوجوه والنظائر من إِعجاز في اللغة؟

بحث سابع

الأفراد في ألفاظ القرآن

(الإتقان ١: ١٤٤)

هذا الباب على نوعين: النوع الأول يستعمل فيه القرآن لفظاً بمعنى واحد في كل المواضع إلاّ في موضع واحد. والنوع الثاني يستعمل فيه القرآن تعبيراً على غير مألوف اللغة، فكأنه من باب الكناية أو الاستعارة.

أولاً: نقل السيوطي من النوع الأول ٢٩ :

﴿كل ما في القرآن من معنى الأسف فهو الحزن إلا ﴿فلمّا آسفونا فمعناه أغضبونا.

﴿وكل ما في القرآن من ذكر البروج فهي الكواكب إلاّ ﴿ولو كنتم في بروج مشيّدة فهي القصور الطوال المحصنة.

﴿وكل مـا فيه من ذكر البر والبحر فالمراد بالبحر المـاء، وبالبر التراب اليابس إلاّ ﴿ظهر الفساد في البر والبحر فالمراد به البرية والعمران.

﴿وكل ما فيه من بخس فهو النقص إلاّ ﴿بثمن بخس أي حرام.

﴿وكل ما فيه من البعل فهو الزوج إلاّ ﴿أتدعون بعلاً فهو الصنم.

﴿وكل ما فيه من البكم فالخرس عن الكلام بالأيمان إلا ﴿عمياً وبكماً وصماً في (الإسراء) وأحدهما ﴿أبكم في (النحل) فالمراد به عدم القدرة عن النطق مطلقاً.

﴿وكل ما فيه جثيّاً فمعناه جميعاً إلاّ ﴿وترى كل أمة جاثية فمعناه تجثو على ركبها.

﴿وكل ما فيه حسبان فهو العدد إلا ﴿حسباناً من السماء في (الكهف) فهو العذاب.

﴿وكل ما فيه حسرة فالندامة إلاّ ﴿ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم فمعناه الحزن.

﴿وكل ما فيه من الدحض فالباطل إلاّ ﴿فكان من المدحضين فمعناه من المقروعين.

﴿وكل ما فيه من رجز فالعذاب إلا ﴿والرجز فاهجر فالمراد به الصنم.

﴿وكل ما فيه ريب فالشك إلا ﴿ريب المنون يعني حوادث الدهر.

﴿وكل ما فيه من الرجم فهـو القتل إلا ﴿لأرجمنّك فمعناه لأشتمنّك؛ و﴿رجماً بالغيب أي ظناً.

﴿وكل ما فيه من الزور فالكذب مع الشرك إلاّ ﴿منكراً من القول وزوراً فإنه كذب غير الشرك.

﴿وكل ما فيه من زكاة فهو المال إلا ﴿وحنانا من لدنا وزكاةً أي طهرة.

﴿وكل ما فيه من الزيغ فهو الميل إلاّ ﴿واذ زاغت الأبصار أي شخصت.

﴿وكل ما فيه من سخر فالاستهزاء إلا ﴿سخريّاً في (الزخرف) فهو من التسخير والاستخدام.

﴿وكل سكينة فيه طمأنينة إلا التي في قصة طالوت فهـو شيء كرأس الهرة له جناحان ٣٠ .

﴿وكل سعير فيه فهو النار والوقود إلا ﴿في ضلال وسَعَر فهو العناء.

﴿وكل شيطان فيه فإبليس وجنوده إلا ﴿واذا خلوا الى شياطينهم.

﴿وكل شهيد فيه، غير القتلى، فمن يشهد في أمور الناس إلا ﴿وادعوا شهداءَكم فهو شركاؤكم.

﴿وكل ما فيه من أصحاب النار فأهلها إلاّ ﴿وما جعلنا أصحاب النار إلاّ ملائكة فالمراد خزنتها.

﴿وكل صلاة فيه عبادة ورحمة إلا ﴿وصلوات ومساجد فهي الأماكن.

﴿وكل صمم فيه ففي سماع الإيمان والقرآن خاصة إلا الذي في (الإسراء).

﴿وكل عذاب فيه فللتعذيب إلاّ ﴿وليشهد عذابهما فهو الضرب.

﴿وكل قنوت فيه طاعة إلاّ ﴿كلٌ له قانتون فمعناه مقرون.

﴿وكل كنز فيه مال إلاّ الذي في (الكهف) فهو صحيفة علم.

﴿وكل مصباح فيه كوكب إلاّ الذي في (النور) فالسراج.

﴿وكل نكاح فيه تزّوج إلاّ ﴿حتى إذا بلغوا النكاح فهو الحلم.

﴿وكل نبأ فيه خبر إلاّ ﴿فعميت عليهم الأنباء فهي الحجج.

﴿وكل (ما ورد) فيه دخول إلاّ ﴿ولمّا ورد ماء مدين يعني هجم عليه ولم يدخله.

﴿وكل ما فيه من ﴿لا يكلّف الله نفساً إلاّ وسعها فالمراد منه العمل، الاّ التي في (الطلاق) فالمراد منه النفقة.

﴿وكل يأس فيه قنوط إلاّ التي في (الرعد) فمن العلم.

﴿وكل صبر فيه محمود إلاّ ﴿لولا أن صبرنا عليها و﴿اصبروا على آلهتكم ـ هذا آخر ما ذكره ابن فارس.

واستدرك عليه غيرهم:

﴿كل صوم فيه فمن العبادة إلا ﴿نذرت للرحمان صوماً أي صمتاً.

﴿وكل ما فيه من ﴿الظلمات والنور فالمراد الكفر والإيمان، الاّ التي في أول (الأنعام) فالمراد ظلمة الليل ونور النهار.

﴿وكل انفاق فيه فهو الصدقة الاّ ﴿فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا فالمراد به المهر.

﴿ليس في القرآن (بعد) بمعنى قبل الاّ حرف واحد: ﴿ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ٣١ . ومنه ﴿والأرض بعد ذلك دحاها. قال أبو موسى: معناه هنا (قبل) لأنه تعالى ﴿خلـق الأرض في يومين ثم استوى الى السـماء ﴿فعلى هذا خلـْق الأرض قبل خلق السماء ٣٢ .

﴿كل آية في القرآن يذكر فيها حفظ الفرج فهو من الزنا، إلاّ قوله تعالى ﴿قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم فالمراد ان لا يراها أحد.

﴿في القرآن كله وراء: أمام، غير حرفين ﴿فمن ابتغى وراء ذلك يعني سوى ذلك! ﴿وأحلَّ لكم ما وراء ذلكم يعني سوى ذلكم.

﴿كل شيء في القرآن فاسق فهو كاذب، إلاّ قليلاً.

﴿ما كان في القرآن ﴿حنيفاً مسلماً؛ وما كان في القرآن ﴿حنفاء مسلمين: حجَّاجاً.

وعليه نتساءل: هل هذا الأسلوب اللغوي في تواتر المعنى باللفظ الواحد، إلاّ في موضع، من الإِعجاز في فصاحة اللغة؟ أليس من التأويل الصحيح أن يُحمل معنى اللفظ في موضع فرد على معناه المتواتر في كل المواضع؟ وهل الشذوذ عنها في موضع واحد من الإِعجاز في فصاحة اللغة؟ هل الأفراد في الفاظ القرآن المضطردة المتواترة بمعنى واحد من الإِعجاز في فصاحته؟

ثانياً: ونقل السيوطي من النوع الثاني، أي استعمال لفظ على غير وضعه اللغوي:

﴿كل حرف في القرآن يذكر فيه القنوت فهو الطاعة.

﴿كل شيء في القرآن أليم فهو الموجع.

﴿كل شيء في القرآن قتل فهو لعن.

﴿كل شيء في كتاب الله من الرجز يعني به العذاب.

﴿كل تسبيح في القرآن صلاة؛ وكل سلطان في القرآن حجة.

﴿كل شيء في القرآن؛ الدين فهو الحساب ٣٣ .

﴿كل شيء في القرآن من الرياح فهي رحمة؛ وكل شيء فيه من الريح فهو عذاب.

﴿كل كأس ذكره الله في القرآن انما عنى به الخمر.

﴿كل شيء في القرآن ﴿فاطر فهو خالق.

﴿كل شيء في القرآن إفك فهو كذب.

﴿كل آية في القرآن في ﴿الأمر بالمعروف فهو الإسلام؛ والنهي ﴿عن المنكر فهو عبادة الأوثان.

﴿كل شيء في القرآن ﴿ان الانسان كفور انما يعني به الكفّار(؟).

﴿كل شيء في القرآن خلود فإنه لا توبة له.

﴿كل شيء في القرآن يقدر فمعناه يقل.

﴿التزكي في القرآن كله الإسلام.

﴿ما كان كسفاً فهو عذاب؛ وما كان كِسفاً فهو قطع السحاب.

﴿كل شيء في القرآن ﴿جعل فهو خلق.

﴿المباشرة في كتاب الله الجُماع...

وعليه نقول: هل في حمل اللفظ على غير معناه الوضعي في اللغة إِعجاز؟ قد يكون في ذلك إِعجاز من باب الكناية كما يكنى عن الجُماع بالمباشرة. واللفظ الفصيح هو الذي يسبق معناه لفظه الى الفهم والادراك. والألفاظ التي تتشابه معانيها ما بين اللغة والاصطلاح هل هي من الإِعجاز في الفصاحة والبيان والتبيين؟

ثالثاً: وهناك نوع ثالث يذكره السيوطي، في الخروج عن الوضع اللغوي:

﴿أخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير قال: العفو في القرآن على ثلاثة أنحاء: نحو، تجاوز عن الذنب؛ ونحو في القصد في النفقة (ويسألونك ماذا ينفقون؟ قل العفو)؛ ونحو، في الاحسان فيما بين الناس (إلاّ أن يعفو، أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح).

﴿وفي الصحيح البخاري، قال سفيان بن عيينة: ما سمى الله المطر في القرآن إلا عذاباً؛ وتسمية العرب غيثاً. (قلت) استثنى من ذلك (إن كان بكم أذى من مطر) فإن المراد به الغيث قطعاً.

﴿وقال أبو عبيدة: اذا كان في العذاب فهو أمطرت، واذا كان في الرحمة فهو مطرت.

﴿عن مسروق قال: ما كان في القرآن ﴿على صلاتهم يحافظون، ﴿حافظوا على الصلوات فهو على مواقيتها.

وقال الراغب في (مفرداته) قيل: كل شيء ذكره الله بقوله (وما أدراك) فسّره؛ وكل شيء ذكره بقوله (وما يدريك) تركه، وقد ذكر: ﴿وما أدراك ما سجّين، ﴿وما أدراك ما عليون وما فسّر الكتاب لا السجين والعليون؛ وفي ذلك نكتة لطيفة ـ ولم يذكرها.

نقول: هل في استخدام لفظ على معان مختلفة لم يوضع لها من الإِعجاز في اللغة؟ وانفراد القرآن بتصريف الفعل على معان مختلفة مثل ﴿أمطرت و﴿مطرت، ومثل ﴿ما أدراك، ﴿وما يدريك، ولا شيء من ذلك في وضع الله هو من الإِعجاز فيها؟

والمثل الصارخ في خروج القرآن على أوضـاع اللغة الفصيحة هـو استعمـال لفظ ﴿المطر بمعنى العذاب، ﴿وتسميه العرب غيثاً لأنه يغيث الأرض والحيوان والانسان. فهل في الخروج على الوضع اللغوي الشائع المتواتر إِعجازاً؟

تلك ثلاثة أنواع من ﴿الأفراد في القرآن، لا عهد للفصحى وبيانها فيها. فهل انفراد القرآن بها كان من معجز القرآن أم من المتشابه فيه حتى سموها ﴿غريب القرآن أو ﴿مشكل القرآن؟

وما كان غريباً أو مشكلاً في اللغة هل يكون من الإِعجاز في اللغة؟

بحث ثامن

في فواصل الآي

 (الإتقان ٢: ٩٦ ـ ١٠٥)

(الفاصلة كلمة آخر الآية، كقافية الشعر، وقرينة السجع. وقال ﴿الداني: كلمة آخر الجملة، وهو خلاف المصطلح... وأُخذ من قوله تعالى: ﴿كتاب فُصلت آياته: فهي صفة لكتاب الله تعالى فلا تتعدّاه الى الشعر أو السجع.

﴿وما يذكر من عيوب القافية، من اختلاف الحركة والاشباع والتوجيه فليس بعيب في الفاصلة. وجاز الانتقال في الفاصلة والقرينة وقافية الارجوزة، من نوع الى آخر، بخلاف قافية القصيدة.

هذا، وقد خضع القرآن الى ما يغاير الحقيقة أو اللغة مراعاة للفاصلة.

والاتفاق العام على ان موسى أفضل من هارون فقدمه في قوله: ﴿موسى وهارون؛ لكن مراعاة للفاصلة قال في موضع آخر: ﴿هارون وموسى لمكان السجع.

وبسبب مناسبة الفواصل نجد في لغته ونظمه أموراً من مخالفة الأصول. ونقل السيوطي عن شمس الدين بن الصائغ في كتابه (إحكام الرأي في أحكام الآي) قال: ﴿وقد تتبعت الأحكام التي وقعت في آخر الآي مراعاة للمناسبة فعثرت منها على نيّف عن الأربعين حكماً:

﴿احدها: تقديم المعمول، إما على العامل نحو: ﴿أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون. قيل: ومنه ﴿إياك نستعين. أو على معمول آخر أصله التقديم نحو ﴿لنريك من آياتنا الكبرى مفعول نري، أو على الفاعل نحو ﴿ولقد جاء آل فرعون للنذر. ومنه تقديم خبر كان على اسمها نحو ﴿ولم يكن له كفوءاً أحد ـ وذلك مراعاة لمناسبة الفاصلة.

﴿الثاني: تقديم ما هو متأخر في الزمان نحو ﴿فلله الآخرة والأولى. ولولا مراعاة الفواصل لقدمت الأولى كقوله: ﴿له الحمد في الأولى والآخرة.

﴿الثالث: تقديم الفاضل على الأفضل نحو ﴿برب هارون وموسى.

﴿الرابع: تقديم الضمير على ما يفسّره، نحو ﴿فأوجس في نفسه خيفة موسى.

﴿الخامس: تقديم الصفة الجملة على الصفة المفردة نحو ﴿ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً.

﴿السادس: حذف ياء المنقوص المعرّف نحو ﴿المتعالِ، ﴿يوم التنادِ.

﴿السابع: حذف ياء الفعل غير المجزوم نحو ﴿والليل اذا يَسر.

﴿الثامن: حذف ياء الاضافة نحو ﴿كيف كان عذابي ونذرِ، ﴿فكيف كان عقابِ.

﴿التاسع: زيادة حرف المدّ نحو ﴿الظنونا و﴿الرسولا و﴿السبيلا. ومنه ابقاؤه مع الجازم نحو ﴿لا تخاف دركاً ولا تخشى، ﴿سنقِرئك فلا تنسى ـ على القول بأنه نهي.

﴿العاشر: صرف ما لا ينصرف نحو ﴿قواريراً قواريراً.

﴿الحادي عشر: ايثار تذكير اسم الجنس كقوله: ﴿إِعجاز نخل منقعر.

﴿الثاني عشر: ايثار تأنيثه نحو ﴿إِعجاز نخل خاوية.

ونظير هذين قوله في (القمر): ﴿وكل صغير وكبير مستطر؛ وفي (الكهف): لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.

﴿الثالث عشر: الاقتصار على أحد الوجهين الجائزين اللذين قرئ بهما في ﴿السبع، في غير ذلك. كقوله تعالى: ﴿فأولئك تحرّوا رشداً، ولم يجئ ﴿رَشَداً في السـبع. وكـذا: ﴿وهيء لنا من أمرنا رشداً. لأن الفواصل في السورتين بحركة الوسط. وقد جاءَ في ﴿وان يروا سبيل الرشد. وبذلك يبطل ترجيح الفارسي قراءَة التحريك بالاجماع عليه فيما تقدم. ونظير ذلك قراءَة ﴿تبّت يدا أبي لهبٍ بفتح الهـاء وسكونها. ولم يُقرأ ﴿سيصلى ناراً ذات لهب إلاّ بالفتح لمراعاة الفاصلة.

﴿الرابع عشر: ايراد الجملة التي ردَّ بها ما قبلها على غير وجه المطابقة في الاسمية والفعلية كقوله تعالى: ﴿ومن الناس من يقول: آمنا بالله واليوم الآخر، وما هم بمؤمنين ـ لم يطابق بين قولهم ﴿آمنا وبين ما ردّ به فيقول: (ولم يؤمنوا)، أو (وما آمنوا) لذلك.

﴿الخامس عشر: ايراد أحد القسمين غير مطابق للآخر، كذلك نحو ﴿وليعلمنّ الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ـ ولم يقل (الذين كذبوا).

﴿السادس عشر: ايراد أحد جزأي الجملتين على غير الوجه الذي أورد نظيرها من الجملة الأخرى، نحو ﴿أولئك الذين صدقوا، وأولئك هم المتقون.

﴿السابع عشر: ايثار أغرب اللفظين، نحو ﴿قسمة ضيزى ولم يقل (جائره)؛ ونحـو ﴿لينبذنّ في الحطمة ولم يقل (جهنم) أو (النار). وقال في (المدَّثر): ﴿سأصليه سَقَر، وفي (سأل) ﴿إنها لظى، وفي (القارعة) ﴿فأمه هاوية ـ لمراعاة فواصل كل سورة.

﴿الثامن عشر: اختصاص كل المشتركين بموضع نحو ﴿وليذكر أولو الألباب؛ وفي سورة طه ﴿إن في ذلك لآيات لأولي النهى.

﴿التاسع عشر: حذف المفعول نحو ﴿فأمـا من اعطى واتقى ـ ما ودّعك ربك وما قلى. ومنه حذف متعلق أفعل التفضيل نحو ﴿يعلم السر وأخفى، ﴿خير وأبقى.

﴿العشرون: الاستغناء بالإفراد عن التثنية نحو ﴿فلا يخرجنّكما من الجنة فتشقى.

﴿الحادي والعشرون: الاستغناء به عن الجمع نحو ﴿واجعلنا للمتقين إماماً ـ ولم يقل ﴿أئمة كما قال: ﴿وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا، ﴿إن المتقين في جنّات ونهر أي أنهار.

﴿الثاني والعشرون: الاستغناء بالتثنية عن الافراد نحو ﴿ولمن خـاف مقام ربه جنتان. قال الفراء: أراد جنة كقوله: ﴿فإن الجنة هي المأوى ـ فثنّى لأجل الفاصلة. وقال أيضاً الفراء: والقوافي (هنا الفواصل) تحتمل من الزيادة والنقصان ما لا يحتمله سائر الكلام. ونظير ذلك قول الفراء أيضـاً في قوله تعالى ﴿إذا نبعث أشـقاها فإنهما رجلان؛ ولم يقـل ﴿أشقياها للفاصلة.

﴿الثالث والعشرون: اطلاق الاثنين على الجمع لأجل الفاصلة. ثم قال: وهذا غير بعيد. قال: وانما عاد الضمير بعد ذلك بصيغة التثنية: ﴿ذواتا أفنان مراعاة للفظ.

﴿الرابع والعشرون: الاستغناء بالجمع عن الأفراد نحو ﴿لا بيع فيه ولا خلال أي (ولا خلة) كما في الآية الأخرى ـ وجمع مراعاة للفاصلة.

﴿الخامس والعشرون: اجراء غير العـاقل مجرى العاقل نحو ﴿رأيتهم لي ساجدين، ﴿كلُ في فلك يسجون ـ مراعاة للفاصلة.

﴿السادس والعشرون: إمالة ما لا يمال، كآي طه والنجم.

﴿السابع والعشرون: الاتيـان بصيغة المبالغة، كقدير وعليم، مع ترك ذلك في نحـو ﴿هو القادر و﴿عالم الغيب. ومنه ﴿ما كان ربك نسِيّا.

﴿الثامن والعشرون: إيثار بعض أوصاف المبالغة على بعض، نحو ﴿إن هذا لشيء عُجاب أوثر على (عجيب) لذلك ـ مراعاة للفاصلة.

﴿التاسع والعشرون: الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه نحو ﴿ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاماً، وأجل مسمى ـ مراعاة للفاصلة.

﴿الثلاثون: ايقاع الظاهر موقع المضمر نحو ﴿والذين يمسكون بالكتاب، وأقاموا الصلاة، إنا لا نضيع أجر المصلحين. وكذا آية (الكهف).

﴿الحادي والثلاثون: وقوع مفعول موقع فاعل، كقوله: ﴿حجاباً مستوراً، ﴿كان وعده مأتيّاً أي (سائراً) و(آتياً).

﴿الثاني والثلاثون: وقوع فاعل موقع مفعول نحو ﴿عيشة راضية، ﴿ماء دافق.

﴿الثالث والثلاثون: الفصل بين الموصوف والصفة نحو ﴿أخرج المرعى، فجعله غثاء، أحوى. إن اعراب (أحوى) صفة لمرعى أي حالاً. (والأصل: أخرج المرعى أحوى فجعله غثاء).

﴿الرابع والثلاثون: ايقاع حرف مكان غيره نحو ﴿بأن ربك أوحى لها، والأصل (إليها).

﴿الخامس والثلاثون: تأخير الوصف غير الأبلغ عن الأبلغ. ومنه ﴿الرحمان الرحيم، ﴿رؤوف رحيم لأن الرأفة أبلغ من الرحمة. (وزيادة البنـاء في ﴿الرحمان تجعله ابلغ من ﴿الرحيم).

﴿السادس والثلاثون: حذف الفاعل ونيابة المفعول نحو ﴿وما لأحد عنده من نعمة تُجزى.

﴿السابع والثلاثون: إثبات هاء السكت نحو ﴿ماليه، ﴿سلطانيه، ﴿ماهيه.

﴿الثامن والثلاثون: الجمع بين المجرورات نحو ﴿ثم لا تجد لك به علينا تبيعاً. فإن الأحسن الفصل بينها، إلا أن مراعاة الفاصلة اقتضت عدمه وتأخير ﴿تبيعاً.

﴿التاسع والثلاثون: العدول عن صيغة الماضي الى صيغة الاستقبال نحو ﴿فريقاً كذبتم، وفريقاً تقتلون ـ والأصل (قتلتم).

﴿الأربعون: تغيير بنية الكلمة نحو ﴿طور سينين والأصل سيناء؛ ونحو ﴿سلام على الياسين والأصل (الياس).

﴿تنبيه: قال ابن الصائغ: لا يمتنع في توجيه الخروج عن الأصل، في الآيات المذكورة أمور أخرى، مع وجه المنـاسبة، فإن القرآن العظيم ـ كما جاء في الأثر ـ لا تنقضي عجائبه.

فيحق لنا أن نقول إن خروج القرآن على الأصل اللغوي، في قواعد اللغة كلها، مراعاة للفاصلة، هل هو من الإِعجاز في اللغة؟ يقولون: ﴿ان عجائبه لا تنقضي. فهل غرائب القرآن وعجائبه التي بها يخرج عن أصول اللغة، هي من الإِعجاز في اللغة؟ وتسخير اللغة في بنيتها، وقواعد صرفها ونحوها، ليس من الإِعجاز في فصاحة اللغة، وبلاغة بيانها. ويقولون: ان الفاصلة تحتمل ما لا يحتمله سائر الكلام. فأجازوا للقرآن ما يجوز في الشعر، وما هو بشعر. والفاصلة فيه قد تأتي متقاربة أو متماثلة، وقليلاً ما مطابقة كما في السجع. فهل يكون في فواصله أدنى من السجع؟ إن مخالفة الأصول في لغته ونظمه مراعاةً للفاصلة، هل هي من الإِعجاز في فصاحة اللغة؟

بحث تاسع

﴿فيما وقع فيه بغير لغة الحجاز

(الإتقان ١: ١٣٤)

ذكر السيوطي (الإتقان ١: ٤٨)، على حديث الأحرف السبعة، قولهم فيه: ﴿إن المراد سبع لغات. والى هذا ذهب أبو عبيد، وثعلب، والزهري، وآخرون. واختاره ابن عطية. وصححه البيهقي في (الشعب) وتعقّب: بأن لغات العرب أكثر من سبعة؛ وأجيب بأن المراد أفصحها.

أولاً: الاختلاف في تعيين اللغات العربية التي نزل بها القرآن

﴿فجاء عن ابن عباس قال: نزل القرآن على سبع لغات: منها خمس بلغة العجز من هوازن ويقال لهم ﴿عليا هوازن. ولهذا قال أبو عمرو بن العلاء: أفصح العرب عليا هوازن، وسفلى تميم يعني بني دارم.

﴿وأخرج أبو عبيد من وجه آخر عن ابن عباس قال: نزل القرآن بلغة الكعبين كعب قريش وكعب خزاعة. قيل: وكيف ذلك؟ قال: لأن الدار واحدة، يعني ان خزاعة كانوا جيران قريش فسهلت عليهم لغتهم.

﴿وقال ابو حاتم السجستاني: نزل بلغة قريش وهذيل وتميم والأزد وربيعة وهوازن وسعد بن بكر. واستنكر ذلـك ابن قتيبة وقال: لم ينزل القرآن إلا بلغة قريش، ورده بقـوله ﴿وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ٣٤ ، فعلى هذا تكون اللغات السبع في بطون قريش. وبذلك جزم أبو علي الأهوازي.

﴿وقال أبو عبيد: ليس المراد ان كل كلمة تقرأ على سبع لغات، بل اللغات السبع مفرقة فيه: فبعضه بلغة قريش، وبعضه بلغة هذيل، وبعضه بلغة هوازن، وبعضه بلغة اليمن وغيرهم. قال: وبعض اللغات أسعد به من بعض، وأكثر نصيباً.

﴿وقيل: نزل بلغة مضر خاصة، لقول عمر: نزل القرآن بلغة مضر. وعيّن بعضهم ـ فيما حكاه ابن عبد البِر ـ السبع من مضر: أنهم هذيل وكناية وقيس وضبة وتيم الرياب وأسد بن خزيمة وقريش. فهذه قبائل مضر تستوعب سبع لغات.

﴿ونقل ابو شامة عن بعض الشيوخ أنه قال: أُنزل القرآن أولاً بلسان قريش ومن جاورهم من العرب الفصحاء. ثم أبيح للعرب أن يقرأوه بلغاتهم التي جرت عادتهم باستعمالها، على اختلافهم في الألفاظ والأعراب؛ ولم يكلَّف أحد منهم الانتقال عن لغته الى لغة أخرى للمشقة، ولما كان فيهم من الحمية، ولطلب تسهيل فهم المراد.

والنتيجة الحاسمة بواقع اختلاف اللغات في القرآن:

أوّلاً: ان قبائل العرب كانت تتكلم لغات ﴿مختلفة في الألفاظ والاعراب.

ثانياً: ﴿ان القرآن نزل بلغة قريش ومن جاورهم من العرب الفصحاء ـ وهذه هي لغة الشعر الجاهلي التي وحّدتها زعامة قريش والحج الى كعبة مكّة وأسواق العرب، فيها ـ ثم أبيح للعرب أن يقرأوه بلغاتهم التي جرت عادتهم باستعمالها، على اختلافهم في الألفاظ والاعراب وهكذا يكون حديث نزول القرآن على سبعة أحرف انما هو تسجيل واقع القرآن بعد نزوله بلغة قريش، لا تنزيل على سبع لغات مختلفات.

ثالثاً: هذا الواقع في توزّع القرآن على لغات العرب جعل ﴿اللغات السبع مفرقة فيه: فبعضه بلغة قريش، وبعضه بلغة هذيل، وبعضه بلغة هوازن، وبعضه بلغة اليمن وغيرهم.

رابعاً: إن تفرق القرآن على لغات العرب على صحة حرفه المنزل؛ وشبهة على إِعجاز حرفه المنقول في الحرف العثماني.

ويأتي ﴿فيما وقع فيه بغير لغة الحجاز تأييداً لذلك.

ثانياً: ﴿فيما وقع فيه بغير لغة الحجاز

بعد تصفية القرآن، وكتابته بلغة قريش، كما أمر عثمان عند جمعه وتدوينه، نجد في الحرف العثماني كلمات وتعابير غير حجازية. ونحن ننقلها عن تحقيق السيوطي لها في (الإتقان ١: ١٣٤):

١) بلغة اليمن

وأنتم سامدون: الغناء ـ الأرائك جمع أريكة: السرير ـ ولو ألقى معاذيره: ستوره ـ لا وزر: لا حيل ـ وزوجناهم بحور: حوراً ـ لو أردنا أن نتّخذ لهواً: امرأة ـ أتدعون بعلاً: رباً ـ المرجان: صغار اللؤلؤ ـ فنقبوا: هربوا ـ سيل العرم: المسناة.

٢) بلغة كنانة

السفهاء: الجهال ـ خاسئين: صاغرين ـ شطره: تلقاءَه ـ لا خلاق: لا نصيب ـ وجعلكم ملوكاً: أحراراً ـ قبيلاً: عياناً ـ معجزين: سابقين ـ يعزب: يغيب ـ تركنوا: تميلوا ـ فجوة: ناحية ـ موئلاً: ملجأً ـ مُبلسون: آيسون ـ دحوراً: طرْداً ـ الخرّاصون: الكذابون ـ أسفاراً: كتباً ـ أُقّتتْ: جُمعت ـ كنود: كفور للنعم.

٣) بلغة هذيل

الوزر: ولد الولد ـ الرجز: العذاب ـ شروا: باعوا ـ عزموا الطلاق: حقّقوا ـ صلداً: نقيّاً ـ آناء الليل: ساعاته ـ فورهم: وجههم ـ مدراراً: متتابعاً ـ يجعل لكم فرقاناً: مخرجاً ـ حَرَض: حض ـ عيلة: فاقة ـ وليجة: بطانة ـ انفروا: اغزوا ـ السائحون: الصائمون ـ العنت: الإثم ـ فاليوم ننجيك ببدنك: بدرعك ـ غمة: شبهة ـ دلوك الشمس: زوالها ـ شاكلته: ناحيته ـ رجماً بالغيب: ظنا ـ لن أجد (تجد) من دونه ملتحدا: ملتجئاً ـ يخاف هضماً: نقصاً ـ هامده: مغبرة ـ واقصد في مشيك: أسرع ـ الاجداث: القبور ـ ثاقب: مضيء ـ بالهم: حالهم ـ يهجعون: ينامون ـ ذنوبا: عذابا ـ مرغماً: منفسخاً ـ على ذات ألواح ودسر: المسامير ـ في خلق الرحمان من تفاوت: عيب ـ أرجائها: نواحيها ـ أطواراً: ألوانا ـ برداً: نوماً ـ واجفة: خائفة ـ مَسْغَبة: مجاعة ـ المبذَر: المسرف.

٤) بلغة حمير

في الكتاب مسطوراً: مكتوباً (وهم يسمّون الكتاب: اسطوراً) ـ تَفْشلا: تجبُنا ـ عثر: اطلع ـ سفاهةً: جنوناً ـ زيّلنا: ميزنا ـ مرجواً: حقيراً ـ السقاية: الإناء ـ مسنون: منتن ـ إمام مبين: كتاب ـ ينفضون: يحركون ـ حسبانا: برداً ـ من الكبر عتيّاً: تحولاً ـ مأرب: حاجات ـ خرْجاً: جعلاً ـ غراماً: بلاءً ـ الصرح: البيت ـ أنكر الأصوات: أقبحها ـ يَتِرَكُم: ينقصكم ـ مدينين: محاسبين (فالدين بلغته معناه الحساب) ـ فأخذهم أخذة رابية: شديدة ـ وبيلاً: شديداً.

٥) بلغة جرهم

بحبّار: بمسلّط ـ مرض: رنا ـ القطر: النحاس ـ محشورة: مجموعة ـ معكوفاً: محبوساً ـ فباؤوا: استوجبوا ـ شقاق: ضلال ـ خيراً: مالاً ـ كدأب: كأشباه ـ أدنى ألاّ تعولوا: تميلوا ـ يغنوا: يتمتعوا ـ شرد: نكل ـ أراذلنا: سفلتنا ـ عصيب: شديد ـ لفيفاً: جميعاً ـ محسوراً: منقطعاً ـ حدب: جانب ـ الخلال: السحاب ـ الودق: المطر ـ شرذمة: عصابة ـ ريع: طريق ـ ينسلون: يخرجون ـ شوبا: مزجاً ـ الحبك: الطرائق ـ سور: الحائط.

٦) بلغة أزد شنؤة

لا شية: لا وضح ـ العَضْل: الحبس ﴿(فلا تعضلوهن: فلا تحبسوهنّ ـ أمة: سنين ـ الرس: البئر ـ كاظمين: مكروبين ـ غسلين: الحار الذي تناهي حره ـ لوّاحة: حراقة.

٧) بلغة مذحج

رفث: الجماع ـ مقيتاً: مقتدراً ـ بظاهر من القول: بكذب ـ الوصيد: الفناء ـ حقباً: دهراً ـ الخرطوم: الأنف.

٨) بلغة خثعم

تسيمون: ترعون ـ مريج: منتشر ـ صفت: مالت ـ هلوعاً: ضجوراً ـ شططا: كذباً.

٩) بلغة قيس عيلا

نحلة: فريضة ـ حرج: ضيق ـ لخاسرون: مضِيعون ـ تفندون: تستهزئون ـ صياصيهم: حصونهم ـ تجرون: تنعمون ـ رجيم: ملعون ـ يَلِتـْكُم: ينقصكم.

١٠) بلغة سعد العشيرة

بنين وحفدة: أختان ـ كُلٌ على مولاه: عيال.

١١) بلغة كنده

فجاجاً: طرقاً ـ وبُسّت الجبال بَسّاً: فتّتت ـ تبتئس: تحزن.

١٢) بلغة حضرموت

ربيّون: رجال ـ دمّرنا: اهلكنا ـ لُغوب: إعياء ـ منسأته: عصاه.

١٣) بلغة غسان

طفقاً: عمداً ـ بئيس: شديد ـ سيء بهم: كرههم.

١٤) بلغة مزينه

لا تغلوا: لا تزيدوا

١٥) بلغة لخم

إملاق: جوع ـ ولتعلُنّ: تقهرنَّ.

١٦) بلغة جزام

فجاسوا خلال الديار: تخلّلوا الأزقة

١٧) بلغة نبي حنيفة

العقود: العهود ـ الجناح: اليد ـ الرهب: الفزع.

١٨) بلغة اليمامة

حصرت: ضاقت.

١٩) بلغة سبأ

تميلون ميلاً عظيماً: تخطئون خطأً بيّناً ـ تبرنا: أهلكنا

٢٠) بلغة سليم

نكص على عقبيه: رجع.

٢١) بلغة عمارة

الصاعقة: الموت

٢٢) بلغة طيء

ينعق: يصيح ـ رغداً: خصباً ـ سفه نفسه: خسرها ـ يسن: يا إنسان

٢٣) بلغة خزاعة

أفيضوا: انفروا ـ الافضاء: الجماع

٢٤) بلغة عمان

بوراً: هلكي ـ خبالاً: غيّاً ـ نفقاً: سرباً ـ حيث أصاب: أراد ـ اعصر خمراً: (وهم يسمون العنب خمراً).

٢٥) بلغة تميم

أمد: نسيان ـ بغياً من عند أنفسهم: حسداً

٢٦) بلغة أنمار

طائره: عمله ـ أغطش: أظلم

٢٧) بلغة أشعر

لأحتنكنّ: لأستأصلنَّ ـ تارة: مرةً ـ اشمأزت: مالت ونفرت

٢٨) بلغة الأوس

لينة: النخل

٢٩) بلغة الخزرج

ينفضوا: يذهبوا

٣٠) بلغة مدين

فافرقْ بيننا: اقضِ

٣١) بلغة بلى

الرجز: العذاب

٣٢) بلغة ثقيف

طائف من الشيطان: نخسة ـ العول: الميل ـ الأحقاف: الرمال.

٣٣) بلغة همدان

الريحان: الرزق ـ العيناء: البيضاء ـ العبقري: الطنافس.

٣٤) بلغة نصر بن معاوية

الختّار: الغدار

٣٥) بلغة عامر بن صعصعة

بنين وحفدة: الخدم

٣٦) بلغة عك

الصور: القرن.

٣٧) بلغة هوازن

أفلم ييأس الذين آمنوا: أفلم يعلموا

٣٨) بلغة بني عيسى

لا يلتكم: لا ينقصكم

٣٩) بلغة عذرة

اخسئوا: اخزوا.

ثالثاً: نتائج هذا الواقع القرآني

الأولى ما قاله أبو بكر الواسطي في كتابه (الارشاد): ﴿في القرآن من اللغات العربية خمسون لغة: لغة قريش وهذيل وكنانة وخثعم والخزرج وأشعر ونمير وقيس عيلان وجرهم واليمن وأزدشنوءة وكندة وتميم وحمير ومدين ونجم وسعد العشيرة وحضرموت وسدوس والعمالقة وأنمار وغسان ومذحج وخزاعة وغطفان وسبأ وعمان وبنو حنيفة وثعلب وطي وعامر بن صعصعة وأوس ومزينة وثقيف وجذام وبلى وعذرة وهوازن والنمر واليمامة.

﴿ومن غير العربية: الفرس والروم والنبط والحبشة والبربر والسريانية والعبرانية والقبط.

نقول: قد تكون بعض تلك الألفاظ قد دخلت فصحى قريش بتفاعل اختلاط القبائل. ولكن بقاء هذه اللغات العربية غير القرشية في الحرف العثماني، بعد تصفية القرآن وتدوينه بلغة قريش، دليل على أن النص المنزل قد تعدل بتلاوة القرآن بجميع لغات العرب قبل تدوينه.

ونعرف من الواسطي ان ﴿كلام قريش سهل ليـن واضح؛ وكلام العرب وحشي غريب. ومن الأمثلة التي ينقلونها عن اللغات العربية التي دخلت القرآن نعرف انه دخله كلام وحشي غريب، ليس من فصاحة اللغة القرشية بشيء.

ولقد روي عن ابن عباس، ترجمان القرآن أنه قال: كل القرآن أفهمه إلا أربعاً: غسلين، وحنانا، وأواه، والرقيم. وكان أبو بكر يقول: أي سماء تظلّني، وأي أرض تقلني، إن أنا قلت في كتاب الله ما لا أعلم. ونُقل عن أنس أن عمر بن الخطاب قرأ على المنبر ﴿وفاكهة وأبـَّا فقال: هذا الفاكهة عرفناه، فما الأب؟ ثم رجع الى نفسه فقال: ان هذا لهو الكلف، يا عمر. ومنه أيضاً ما قيل: ان عمر سأل عن معنى ﴿التخوف في قوله ﴿أو يأخذهم على تخوّف! فيقوم له رجل من هذيل يفسر له الكلمة ويقول: التخوّف عندنا: التنقّص ٣٥ .

ان الصحابة ـ وهم أهل الحجاز وأصحاب اللغة التي نزل بها القرآن؛ وكانوا اعلم الناس بما جاء فيه لملازمتهم للنبي واخذهم عنه، ولأن لهجتهم هي لهجته ـ لم يفهموا بعض الغريب في آيات الكتاب ٣٦ . وهذا برهان قاطع أنه دخل على النص المنزل القرشي من كلام العرب الوحشي الغريب، عند قراءته بلغاتهم قبل تدوينه. ولم تأت التصفية العثمانية عليه كله. فبقي بعضه شبهة على فصاحته.

الثانية ما قاله ابن عبد البر في (التمهيد): قول مَن قال نزل بلغة قريش معناه عندي الأغلب، لأن غير لغة قريش موجودة في جميع القراءات، من تحقيق الهمزة ونحوها، وقريش لا تهمز.

﴿وقال الشيخ جمال الدين بن مالك: أنزل الله القرآن بلغة الحجازيين إلاّ قليلاً، فانه نزل بلغة التميميّين كالادغام في ﴿من يشاقّ الله وفي ﴿من يرتد منكم عن دينه فإن ادغام المجزوم لغة تميم، ولهذا قلَّ، والفك لغة الحجاز ولهذا كثر.

﴿وقد أجمع القراء على نصب ﴿إلاّ اتّباع الظن لأن لغة الحجازيين التزام النصب في المنقطع، كما أجمعوا على نصب ﴿ما هذا بشراً لأن لغتهم اعمال (ما). وزعم الزمخشري في قوله تعالى: ﴿قل لا يعلم مَن في السموات والأرض الغيب الا اللهُ أنه استثناء منقطع جاء على لغة بني تميم ٣٧ .

تلك براهين ثلاثة على ان غير لغة قريش الفصحى دخلت القرآن وبقيت فيه بعد التصفية العثمانية.

والنتيجة الحاسمة ان القرآن وقع فيه ما ليس بلغة الحجاز. وهذا شبهة كبرى على صحته وعلى فصاحة لغته القرشية.

بحث عاشر

﴿فيما وقع فيه بغير لغة العرب

(الإتقان ١: ١٣٦)

بدأ السيوطي بحثه بالخلاف في وقوع الألفاظ الأعجمية في القرآن، فقال: ﴿اختلفت الأئمة في وقوع المعرَّب في القرآن. فالأكثرون، ومنهم الشافعي وابن جرير (الطبري) وأبو عبيدة والقاضي أبو بكر (الباقلاني) وابن فارس، على عدم وقوعه فيه، لقوله تعالى ﴿قرآناً عربيّاً... وذهب آخرون الى وقوعه فيه، وأجابوا عن قوله تعالى قرآناً عربياً بأن الكلمات اليسيرة بغير العربية لا تخرجه عن كونه عربيّاً.. وأقوى ما رأيته للوقوع ـ وهو اختياري ـ ما أخرجه ابن جرير قال: في القرآن من كل لسان...

﴿وقال ابن سلام ـ بعد أن حكى القول بالوقوع عن الفقهاء، والمنع عن أهل العربية ـ والصواب عندي مذهب فيه تصديق القولين جميعاً. وذلك ان هذه الأحرف أصولها أعجمية كما قال الفقهاء؛ لكنها وقعت للعرب فعرّبتها بألسنتها، وحوّلتها عن ألفاظ العجم الى ألفاظها، فصارت عربية، ثم نزل بها القرآن وقد اختلطت هذه الحروف بكلام العرب: فمن قال أنها عربية فهو صادق؛ ومن قال أعجمية فصادق.

أوّلاً: جدول الكلمات الأعجمية في القرآن

﴿وهذا سرد الألفاظ الواردة في القرآن من ذلك، مرتبة على حروف المعجم:

أباريق: فارسية. الابريق معناه طريق الماء، أو صب الماء على هينة ـ أبّ: هو الحشيش بلغة أهل الغرب ـ ابلعي ماءَك: بالحبشية أي ازدرديه؛ اشربي بلغة الهند ـ اخلد: أخلد الى الأرض: ركن بالعبرية ـ الأرائك: السرر بالحبشية ـ إذ قال إبراهيم لأبيه آزر: قد يكون علماً. وقد يكون غير علم، وهي بلغتهم: آزرُ، يا مخطئ ـ أسباط: بالعبرية كالقبائل بلغة العرب ـ استبرق: الديباج الغليظ بلغة العجم ـ أسفار: الكتب، بالسريانية. أو بالنبطية ـ إصْرِى: عهدي، بالنبطية ـ أكواب: أكواز، بالنبطية؛ وانها جرار ليست لها عرى ـ إل: اسم الله تعالى بالنبطية ـ أليم: موجع، بالزنجية، أو بالعبرانية ـ إناه: نضجه، بلسان أهل المغرب؛ بلغة البربر ـ حميم آن: هو الذي انتهي حرّه بها، بلغة البربر ـ من عين آنية: أي حارة بها، بلغة البربر ـ أوّاه: الموقن، بلسان الحبشة؛ أو الرحيم؛ الدعاء، بالعبرية ـ أوّاب: المسبح، بلسان الحبشة ـ أوّبي معه: سبحى، بلسان الحبشة ـ الجاهلية الأولى؛ في المكّة الآخرة: بالقبطية، والقبط يسمون الآخرة: الأولى؛ والأولى: الآخرة ـ بطائنها: ظواهرها بالقبطية. وقوله ﴿بطائنها من استبرق جمع لغتين أجنبيتين ـ كيل بعير: أي كيل حمار بالعبرية؛ والبعير كل ما يُحمل عليه ـ بيع: البيعة والكنيسة جعلها بعض العلماء فارسيتين ٣٨ ـ تنّور: فارسي معرّب ـ وليتبروا تتبيرا: تبره، بالنبطية ـ فناداها من تحتها: أي بطنها، بالنبطية ـ الجبْت: الشيطان، بالحبشية ـ جهنم: قيل عجمية؛ وقيل فارسية؛ وقيل عبرانية. أصلها كهنام ـ حرم: وجب بالحبشية ـ حصب جهنم: حطب جهنم بالزنجية ـ وقولوا: حِطّة: معناه قولوا: صواباً، بلغتهم العبرية ـ وحواريون: غسّالون بالنبطية. وأصله: هوارى ـ حوب: إثم بلغة الحبشة ـ دارست (درست): معناه قارأت (قرأت) بلغة اليهود ـ درّي: المضيء بالحبشية ـ دينار: بالفارسية ـ راعنا: سب بلغة اليهود (الأصل السرياني: رَعْنا أي أرعن) ـ ربّانيون: عبرانية أو سريانية (ومعناها العلماء) ـ ربّيون: سريانية ـ الرحمان: عبراني، وأصله بالخاء المعجمة ـ الرّس: عجمي، ومعناه البئر ـ الرقيم: اللوح بالرومية؛ وقيل الكتاب بها؛ أو الدواة بها ـ رمزاً: من المعرّب، وهو تحريك الشفتين بالعبرية ـ واترك البحر رهواً: سهلاً بلغة النبط؛ ساكناً بالسريانية ـ الروم: هو أعجمي، اسم لهذا الجيل من الناس ـ زنجبيل: فارسي ـ السجلّ: بلغة الحبشة الرجل؛ السجل: الكتاب، فارسي معرب ـ بحجارة من سجّيل: بالفارسية، أولها حجارة وآخرها طين ـ سجين: غير عربي ـ سرادق: فارسي معرب، وأصله ﴿سرادر وهو الدهليز. والصواب انه بالفارسية ﴿سرابرده أي ستر الدار ـ سَرِيّاً: نهراً بالسريانية؛ بالنبطية؛ باليونانية ـ سَفَرة: قرّاء بالنبطية ـ سقر: أعجمية ـ وادخلوا الباب سجّداً: أي مقنّعي الرؤوس بالسريانية ـ سَكَراً: الخلّ، بلسان الحبشة. (أصله: شكَر بالعبرية أي المسكر) ـ سلسبيل: عجمى ـ سندس: رقيق الديباج بالفارسية؛ وهو معرب؛ وقيل بالهندية ـ والفيا سيدها لدى الباب: أي زوجها، بلسان القبط؛ ﴿ولا أعرفها بلغة العرب ـ طور سينين: الحسن، بلسان الحبشة. (انه قلب لاسم سيناء، جبل موسى) ـ سيناء: الحسن بالنبطية (علم لجبل موسى) شطر المسجد: تلقاءَه بلسان الحبش ـ شهر: انه بالسريانية ـ الصراط: الطريق بلغة الروم ـ فصرهنّ: فشققهن بالنبطية؛ قطعهن بالرومية ـ صلوات: بالعبرانية كنائس اليهود؛ وأصلها ﴿صْلوتا بالسريانية ـ طه: يا رجل، بالنبطية، أو بالحبشية ـ الطاغوت: هو الكاهن بالحبشية ـ طفقا: قصداً بالرومية ـ طوبى: اسم الجنة بالحبشية؛ وقيل بالهندية ـ الطور: الجبل بالسريانية، وقيل بالنبطية ـ طوى: معرب معناه ليلاً؛ وقيل هو رجل بالعبرانية ـ عبّدت بني إسرائيل: معناه قتلت بلغة النبط ـ جنات عدن: جنات الكروم، وأعناب بالسريانية؛ وقيل بالرومية ـ العَرِم: بالحبشية هي المسنات التي تجمع فيها الماء، ثم ينبثق ـ غسّاق: البارد المنتن بلسان الترك؛ المنتن بالطحارية ـ غيض: نقص بلغة الحبشة ـ فردوس: بستان بالرومية؛ وقيل الكرم بالنبطية وأصله فرداساً ٣٩ ـ فوم: الحنطة بالعبرية ـ قراطيس: القرطاس أصله غير عربي ـ القسط: العدل بالرومية ـ قسطاس: العدل بالرومية؛ الميزان بلغة الروم ـ قسورة: الأسد بالحبشية ـ قِطّنا: كتابنا بالنبطية ـ قفل: فارسي معرب ـ القملّ: الدبا، بلسان العبرية والسريانية، ﴿لا أعرفة في لغة أحد من العرب ـ قنطار: انه بالرومية اثنتاعشر ألف أوقية؛ بالسريانية ملء جلد ثور ذهباً أو فضة؛ بلغة البربر ألف مثقال؛ ثمانية آلاف مثقال بلسان أهل افريقية ـ القيوم: لا ينام بالسريانية ـ كافور: فارسي معرب ـ كفّر عنّا: امحُ عنا، بالنبطية أو بالعبرانية ـ كفلين: ضعفين بالحبشية ـ كنز: فارسي معرب ـ كوّرت: غوّرت بالفارسية ـ لِـيْنة: نخلة. ﴿قال الكلبى: لا أعلمها إلاّ بلسان يهود يثرب ـ متكأ: بلسان الحبش الترنّج. وقيل هو أعجمي ـ مرجان: أعجمي ـ مسك: فارسي ـ مشكاة: الكوّة بلغة الحبشة ـ مقاليد: مفاتيح بالفارسية. والاقليد والمقليد فارسي معرب ـ كتاب مرقوم: مكتوب بالعبرية ـ مزجاة: قليلة، بلسان العجم؛ وقيل بلسان القبط ـ ملكوت: الملك بلسان النبط. (وأصله بالسريانية ملكوتاً) ـ مناص: فرار بالنبطية ـ منسأة: العصا بلسان الحبشة ـ السماء مُنفطر به: ممتلئة به بلسان الحبشة ـ المُهْل: عكر الزيت بلسان أهل المغرب؛ وقيل بلغة البربر ـ ناشئة الليل: قيام الليل بالحبشة ـ نَ: فارسي أصله ﴿أنون ومعناه: اصنع ما شئت ـ هدْنا: تبْنا بالعبرانية ٤٠ ـ هود: اليهود، أعجمي ـ يمشون على الأرض هونا: حكماء بالسريانية، وقيل بالعبرانية ـ هيْتَ لك: هلمّ لك، بالقبطية؛ وقيل بالسريانية؛ وقيل بالحورانية؛ وقيل بالعبرانية وأصله: ﴿هيتلج أي تعالَ ـ وراء: أمام بالنبطية، وهي غير عربية ـ وردة: غير عربية ـ وزر: الحبل والملجأ بالنبطية ـ الياقوت: فارسي ـ لن يحور: لن يرجع، بلغة الحبشة ـ يسن: يا إنسان بالحبشية؛ وقيل: يا رجل بالحبشية ـ يصدّون. يضجّون بالحبشية ـ يصهر: ينضج بلسان أهل المغرب ـ اليمّ: البحر بالسريانية، وقيل بالقبطية ـ اليهود: أعجمي معرّب، منسوبون الى يهوذا بن يعقوب، بإهمال الدال.

وأنهى السيوطي بقوله: ﴿فهذا ما وقفت عليه من الألفاظ المعربة في القرآن، بعد الفحص الشديد سنين. ولم تجتمع قبلُ في كتاب قبل هذا.

ثانياً: تقييم هذا الواقع القرآني

فتلك نيّف ومائة كلمة أعجمية دخلت القرآن.

منها ما هو معّرب لأنه لا بديل به في العربية مثل دينار، ديباج، استبرق، سجيل، الخ. عربوه فاستعرب ودخل الفصحى.

ولكن منها ما هو دخيل، تستغني عنه العربية بأفصح منه، كقوله: ﴿ابلعي ماءَك: اشربي؛ ﴿أسفار: كتب؛ ﴿إصْري عهدي؛ ﴿إنـاه: نضجه؛ ﴿من عين آنية: حـارة؛ ﴿أوّبي معه: سبحي؛ ﴿الجبْت: الشيطان؛ ﴿حصب: حطب؛ ﴿حوب: اثم؛ ﴿درّي: مضيء؛ ﴿الرس: البئر؛ ﴿الرقيم: الكتاب؛ ﴿مرقوم: مكتوب؛ ﴿طه: يا رجل؛ ﴿يسن: يا إنسان؛ ﴿غسّاق: المنتن؛ ﴿فوم: حنطة؛ ﴿قسورة: الأسد ـ وكم له من مرادفات في العربية! ـ ﴿لينة: نخلة؛ ﴿مشكاة: كوّة؛ ﴿منسأة: عصا؛ ﴿ناشئة الليل: قيام الليل؛ ﴿لن يحور: لن يرجع؛ ﴿يصدّون: يضجّون؛ ﴿يصهر: ينضج؛ الخ...

ومنهـا ما يشوّش المعنى بحرفه العربي، كقـوله: ﴿الجاهلية الأولى الى الآخـرة؛ ﴿عبَّدت بني إسرائيل: قتلت؟! ﴿دخلوا البـاب سجّداً أي مقنّعي الرؤوس؛ ﴿فناداها من تحتها: أي من بطنها! ﴿وقولوا: حِطّة أي صواباً؛ ﴿سكراً ورزقاً حسناً أي مسكراً ورزقاً حسناً؛ ﴿فوم: الحنطة؛ ﴿قطّناً: كتابنا! ﴿كفّر عنا أو ﴿كفّر عنهم: محا ـ فالله تعالى يمحو الإثم ولا يكفّر عنه! ﴿كيل بعير أي حمار! الخ...

ومنها ما يزال مستغلقاً لا يُعلم تأويله، مثل سجّين، حَنان، أبّ...

ثالثاً: النتائج القائمة على هذا الواقع

والنتائج من هذا الواقع القرآني أنه أدخل تعابير أعجمية كان بغنى عنها في العربية. وهذا الكلِم الدخيل ليس من الفصاحة العربية في شيء.

والسؤال المتبادر الى الذهن: ما دخل العربية قبل القرآن فاستعرب؛ أو ما أدخله القرآن فاستعرب؛ وكان كلاهما فصيحاً في العربية، فلا بأس به. أما الكِلم الدخيل، فمن أين مصدره؟ له مصدران لا ثالث لهما: إمَّا دخل الدخيل القرآن قبل تدوينه، لمّا امتد الفتح الإسلامي الى الأقطار ـ وهذا شبهة على سلامة النص القرآني وإِعجازه اللغوي. وإمّا استورده النبي الأمّي من أسفاره وأقحمه، على حرفه الأعجمي ـ ليبهر الناس بعلمه الواسع في لغات الأعاجم.

والنتيجة الحاسمة أن ما هو دخيل من اللغات بغير لغة الحجاز، وما هو دخيل من غير لغة العرب، هو برهان على علم ﴿النبي الأمّي بلغات العرب، ولغات الأعاجم؛ فليس هو أمّيا على الإطلاق واقحام هذا الدخيل شبهة قائمة على فصاحة لغة القرآن.

وقد حفظ لنا التاريخ مقالة ابن سنان الخفاجي ٤١ ـ وهو أمير وأديب وشاعر اندلسي ـ يردّ بها على (إِعجاز القرآن) للرماني الذي يرى ان إِعجاز القرآن راجع إلى فصاحته وبلاغته وتلاؤم نظمه. فأجابه: ﴿ولا فرق بين القرآن وبين فصيح الكلام المختار في هذه القضية... ومن رجع الانسان الى نفسه، وكان معه أدنى معرفة بالتأليف المختار، وجد أنّ في كلام العرب ما يضاهي القرآن في تأليفه... ولعلَّ أبا الحسن (الرماني) يتخيّل أن الإِعجاز لا يتم إلا بهذه الدعوى الفاسدة. والأمر، بحمد الله، اظهر من ان يعضده بمثل هذا القول الذي ينفر عنه كل من علق من الأدب بشيء، أو عرف من نقد الكلام طرفاً.

لذلك فابن سنان الخفاجي يقول بالصرفة: ﴿واذا عدنا الى التحقيق، وجدنا وجه إِعجاز القرآن صرف العرب عن معارضته، بأن سلبوا العلوم التي بها كانوا يتمكنون من المعارضة في وقت مرامهم ذلك.

ان قول ابن سنان من مغالاة القائلين بالصرفة. لكن، وان كان القرآن أفصح كلام العربية على الإطلاق، فواقعه لا يشهد بأن إِعجازه اللغوي معجزة إلهية.

خاتمة

القول بمعجزة لغوية في القرآن إنّما هو مغالاة

فتلك الابحاث العشرة، في فصاحة لغة القرآن فيما وقع فية بغير لغة العرب، وفيما وقع فيه بغير لغة الحجاز، وما هو خروج على وضع اللغة في فواصله، وما هـو خروج في ﴿أفراده على المعنى المتواتر فيه، وما فيه من وجوه ونظائر تتعدد فيها الألفاظ الى معان مختلفة، وتتعدد الوجوه الى معان كثيرة متشابهة، ومعرفة محمد بلغات العرب ولغات العجم، وما في واقع القرآن من تعارض بين نزوله بلغة قريش، وقراءَته على سبعة أخرى، وما في أسماء القرآن نفسه من اقتباس، كلها تؤيد الواقع القرآني بان التحدّي بالإِعجاز اللغوي كمعجزة له لا أصل له في القرآن، وكلها شبهات قائمة على إِعجاز القرآن في فصاحة لغته. أجل إن غرائبه في غريب القرآن لا تنتهي: وهل الغريب في اللغة هو من الفصيح فيها؟


١. كتاب الحيوان ٤: ٩٠.

٢. محمد زغلول سلام: أثر القرآن في تطور النقد، ص ١٠٣.

٣. عبد الكريم الخطيب: إِعجاز القرآن ١ : ٣٦ و ١٢٥.

٤. محمد زغلول سلام: أثر القرآن، ص ٣٥٧.

٥. السيوطي: الإتقان ٢ : ١١٧.

٦. صبحي الصالح: مباحث في علوم القرآن ص ١١.

٧. عن القرآن ، ص ١٠٠.

٨. صبحي الصالح: مباحث في علوم القرآن، ص ١٣.

٩. صبحي الصالح: مباحث في علوم القرآن، ص ١٢.

١٠. كلمة ﴿مصحف هي أيضاً دخيلة من المسيحية الحبشية: ﴿أخرج ابن اشته... ثم ائتمروا ما يسمونه. فقال بعضهم: سموه السفر. قال: ذلك تسمية اليهود؛ فكرهوه. فقال: رأيت مثله بالحبشة يُسمى المصحف، فاجتمع رأيهم على أن يسموه المصحف (الإتقان ١ : ٥٩). ففي اسماء القرآن يقتبس النبي وتقتبس صحابته عن النصارى.

١١. محمد صبيح: عن القرآن، ص ١٠٠.

١٢. محمد صبيح: عن القرآن، ص ٩٦.

١٣. الإتقان ١ : ٥٠ قابل دروزة: القرآن المجيد، ص ٢٦٩! ومحمد صبيح: عن القرآن ، ص ١٠٩.

١٤. الإتقان ١ : ٦١.

١٥. الإتقان ١ : ٦١.

١٦. العقاد: مطلع النور، ص ٣٩ ـ ٤٤ ـ في مجموعة: العبقريات الإسلامية.

١٧. عن القرآن، ص ١٠١ .. الخ.

١٨. الأدب الجاهلي ، ص ٢٩ .. الخ.

١٩. عن القرآن، ص ١١٣.

٢٠. محمد صبيح: عن القرآن، ص ١١٠.

٢١. في كتابنا الأول (إِعجاز القرآن) أفردنا فصلاً للشبهة القرآنية التاريخية القائمة على تنزيل القرآن وتدوينه بلغة قريش، وعلى قراءَته في المصحف العثماني بلغة نجد والشعر الجاهلي. فنقل حرف القرآن من لغة قريش الى لغة نجد والشعر الجاهلي شبهة ضخمة قائمة على صحة الحرف العثماني وبالتالي على صحة إِعجازه اللغوي (ف ٤ : ١٦ ـ ٢١).

٢٢. عن القرآن، ص ١١٦.

٢٣. عن القرآن، ص ١١٦ ـ ١١٧.

٢٤. عن القرآن، ص ١١٧.

٢٥. راجع فصلاً فيه في كتابنا (إِعجاز القرآن)، ص ١٣٤ ـ ١٣٧.

٢٦. راجع كتابنا (إِعجاز القرآن)، ص ١٤٩ ـ ١٥١.

٢٧. الإتقان ٢ : ١٧٩.

٢٨. الإتقان ٢ : ١٨٤.

٢٩. قد نقلنا هذا الفصل في كتابنا الأول (إِعجاز القرآن)، ص ١٤٧. وننقله هنا لتمام الفائدة.

٣٠. هنا وهم القائل في تفسيرة، ففي قصة طالوت أي شاول وتابوت العهد، إن ﴿السكينة نقل حرفي للتعبير اللغوي العبري ﴿شخينة المراد بها سكنى الله في التابوت كما تدل القرينة ﴿فيه سكينة من ربكم.

٣٠. لقد وهم القائل فإن الذكر أي كتاب موسى نزل قبل الزبور.

٣٢. نترك هذا لعلم طلاب الفلك. وخلافهم على معنى (بعد) يأتي من تعارض الآيتين في اولية خلق الأرض على السماء.

٣٣. هل ينطبق ذلك على قوله: ﴿ شرع لكم من الدين ما وصى به (الشورى ١٣)؟

٣٤. وقوم محمد هم العرب، لا قريش وحدها. لأنه ابن اسماعيل جد العرب المستعربه في الحجاز.

٣٥. السيوطي: الإتقان ١ : ١٩٦.

٣٦. محمد زغلول سلام: أثر القرآن في تطور النقد العربي. ص ٢٨.

٣٧. الإتقان ١ : ١٣٦.

٣٨. لقد وهموا في ذلك: فالبيعة سريانية؛ والكنيسة عبرانية.

٣٩. والأصح: جنة باليونانية.

٤٠. والأصح: اهتدينا؛ فهم يشتقون اسمهم من الهدى، والهدى من اسمهم.

٤١. عن عبد الكريم الخطيب: إِعجاز القرآن ١ : ٣٤٧.