المحاضرة ٥

ذبيحة الإثم

اقرأ لاويين ٥: ١٤- ٦: ٧؛ ٧: ١- ٧؛ مز ٦٩.

الذبيحة التي سنتحدث عنها الآن تمثّل ما نعتبره الجانب الجوهري من عمل الرب على الصليب. إنها تجيب الخاطئ الحريص المتيقظ كاستجابة لمخاوفه، عندما يقلق بخصوص آثامه، ويستفسر باهتمامٍ متسائلاً: "كيف يمكنني أن أخلص من التبعات المستحقة شرعاً لخطاياي؟" إن كل خطيئة هي تعدٍ على جلالة السماء. إنها إثم يُرتكب ضد الحكم الإلهي المقدس، ويتطلب البرّ إجراء تحسينات وإصلاحات فيها، وإلا فإن ذلك الأثيم يُغلق عليه خارج حضور الله وإلى الأبد. إن الإثم يمكن أن يكون أيضاً ضد إخوتنا البشر، ولكن حتى في حالة الخطيئة تلك تكون بشكلٍ أساسيٍ وجوهريٍ ضد الله. لقد أساء داود بشكل شنيع نحو صديقه الجندي, أوريّا الحثّي, ونحو بتشبع نفسها, وبمعنى أعمّ نحو كل بني إسرائيل. ولكنه في صلاة اعترافه,  في المزمور ٥١, صرخ من أعماق قلبه المتألّم قائلاً: "إِلَيْكَ وَحْدَكَ أَخْطَأْتُ وَالشَّرَّ قُدَّامَ عَيْنَيْكَ صَنَعْتُ". ولقد كان حزيناً جداً ومُدركاً لجسامة إثمه لدرجة أنه أدرك أن كل دماء الثيران والمِعَز ما كانت لتستطيع أبداً أن تغسل تلك اللطخة, ولذلك يصرخ قائلاً, وهو ينظر بإيمان إلى صليب المسيح: "طَهِّرْنِي بِالزُوّفَا فَأَطْهُرَ. اغْسِلْنِي فَأَبْيَضَّ أَكْثَرَ مِنَ الثَّلْجِ". هذا هو الجانب من الصليب الذي يُحضَر أمامنا في ذبيحة الإثم.

في الآيات الـ ١٣ الواقعة بين لاويين ٥: ١٤- ٦: ٧, لدينا السبب في ذبيحة الإثم وصفة هذه الذبيحة. فنقرأ أولاً: "إِذَا خَانَ أَحَدٌ خِيَانَةً وَأَخْطَأَ سَهْواً فِي أَقْدَاسِ الرَّبِّ يَأْتِي إِلَى الرَّبِّ بِذَبِيحَةٍ لإِثْمِهِ: كَبْشاً صَحِيحاً مِنَ الْغَنَمِ بِتَقْوِيمِكَ مِنْ شَوَاقِلِ فِضَّةٍ عَلَى شَاقِلِ الْقُدْسِ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ. وَيُعَوِّضُ عَمَّا أَخْطَأَ بِهِ مِنَ الْقُدْسِ وَيَزِيدُ عَلَيْهِ خُمْسَهُ وَيَدْفَعُهُ إِلَى الْكَاهِنِ فَيُكَفِّرُ الْكَاهِنُ عَنْهُ بِكَبْشِ الْإِثْمِ فَيُصْفَحُ عَنْهُ". هذا هو أوَّل جانب من ذبيحة الإثم. إنه شيءٌ يحدث ضد الله نفسه؛ ولكن، كما في حالة ذبيحة الخطية، يكون قد حصل من جراء الجهل أو عن طريق الجهل. وذلك فمن جديد يذكّرنا النص أن الله ينظر إلى كل الخطيئة كأنها ناشئة عن الجهل الذي في الإنسان؛ ما لم تكن تلك الخطيئة هي الرفض الأخير للرب يسوع المسيح الذي هو قربان خطية عظيم. فأن تفعل ذلك يعني أنك تكون مذنباً ومداناً بخطيئةٍ متعمدةٍ وأبديةٍ. إن الإسرائيلي قد يخطئ في الأشياء المقدسة التي تتعلق بالرب بطرق مختلفة. فمثلاً قد يقلل من تقدير حجم محصوله السنوي، وبالتالي، وعن جهل، يأتي إلى الكاهن بعُشر أقل منما كان يطلبه الناموس. ولكن عندما يُلفت الانتباه إلى حقيقة وضع الأشياء، فإنه لا يجب أن يمرر الإثم وكأن شيئاً لم يكن، بل كان عليه أن يأتي بذبيحة إثمٍ، ومعها المبلغ أو الكمية المقدرة التي يجب أن يضيف إليها الخمس تحت إرشاد وإشراف الكاهن. كانت ذبيحة الإثم تُقَدَّمُ بتوافق مع الناموس، وكانت الفضة تُعطى للكاهن لتُدخل إلى مقدس الرب. ومن هنا، فحيث تكاثرت الخطيئة كانت تتكاثر النعمة أكثر فأكثر، وإن أمكننا القول، فإن الله قد اقتبل فعلياً من تخبط الإنسان أكثر مما كان ليقتبل منه لو لم يحدث ذلك. كم يتضح هذا على ضوء عمل الصليب! فبه تلقى الله مجداً أكثر بكثير منما خسره بخطيئة الإنسان. في المزمور ٦٩ نسمع المتألم القدوس عند الجلجثة يقول: "حِينَئِذٍ رَدَدْتُ الَّذِي لَمْ أَخْطَفْهُ". لقد سَرَقْنا اللهَ، فهو قد صار ذبيحة إثم، وهو، بذلك، جعل إصلاحاتٍ وتعديلات عند الله تخص كل الخطأ الذي فعلناه، وأضاف الخُمسَ إليه، إذ ليس علينا أن نفكر لوهلة بآلام مخلصنا وكأنها كانت كافية لتكفّر عن تعدياتنا وآثامنا. لقد كان في ذلك العمل المنجز على صليب الجلجثة قيمة لا متناهية، لم تكن فقط لتمحو كل الخطايا الفعلية لجميع أولئك الذين آمنوا به، بل لجميع الذين سيؤمنون به، بل كان هناك أكثر من ذلك وفوق ذلك تلك القيمة التي ما كان أي خاطئ تائب ليستطيع أن يدنوا إلى الله لولاها.

إن الكبش الصحيح في ذبيحة الإثم يرمز إلى القدوس الذي كان "مِثْلَ شَاةٍ سِيقَ إِلَى الذَّبْحِ وَمِثْلَ خَرُوفٍ صَامِتٍ أَمَامَ الَّذِي يَجُزُّهُ هَكَذَا لَمْ يَفْتَحْ فَاهُ". هنا نرى رئيس القطيع, الكبش الفخم الطويل, يُذعِن للموت لكي يُكفّر عن آثامنا. "وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا".

في الآيات ١٧- ١٩ نقرأ: "«وَإِذَا أَخْطَأَ أَحَدٌ وَعَمِلَ وَاحِدَةً مِنْ جَمِيعِ مَنَاهِي الرَّبِّ الَّتِي لاَ يَنْبَغِي عَمَلُهَا وَلَمْ يَعْلَمْ كَانَ مُذْنِباً وَحَمَلَ ذَنْبَهُ. فَيَأْتِي بِكَبْشٍ صَحِيحٍ مِنَ الْغَنَمِ بِتَقْوِيمِكَ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ إِلَى الْكَاهِنِ فَيُكَفِّرُ عَنْهُ الْكَاهِنُ مِنْ سَهْوِهِ الَّذِي سَهَا وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ فَيُصْفَحُ عَنْهُ. إِنَّهُ ذَبِيحَةُ إِثْمٍ. قَدْ أَثِمَ إِثْماً إِلَى الرَّبِّ»". ههنا الحقيقة المهمة التي يتم التأكيد عليها في أن كلمة الله هي معيار الدينونة، وليس معرفتي بها. إن النّفْسَ التي ترتكب الإثم عن جهل، أو أي شيء محظور بحسب شريعة الله، مدانة، حتى ولو لم تعرف بأنها مخطئة. وبدون ذبيحة الإثم لا يمكن لهذه النفس أن تحتمل تبعات تلك الخطايا. المسألة ليست أن الله سيعتبر الناس مسؤولين عن النور الذي لم يحصلوا عليه، بل إنه سيعتبرهم مسؤولين عن أن ينتفعوا من النور الذي كان يعطيه. لقد أعطى الناموسَ لبني إسرائيل؛ وبالتالي هم مذنبون آثمون إذا ما تجاهلوه ولم يطيعوا وصاياه. بما أنه كان لديهم موسى والأنبياء، فإنهم كانوا مسؤولين عن إطاعتهم، كما يعلن ابراهيم للرجل الغني في هادس (الهاوية). ثم ما الذي يمكننا أن نقوله، اليوم، عن أولئك الذين لديهم كل كلمة الله، ومع ذلك يسمحون بإلقاء الكتاب المقدس في منازلهم مُهمَلاً متروكاً، ولا يكلّفون أنفسَهم عناءَ البحث أو السعي ليعرفوا فكر الرب؟ كم ستكون خطيئتهم عظيمة ودينونتهم كبيرة في ذلك اليوم الذي تجاهلوا فيه عن عمد هذا الإعلان الإلهي وهكذا أخفقوا في أن يعرفوا إرادة الله!

في قصة رمزية خالدة لبنيان، عندما قرأ رجل اسمه غريسلس في سفرٍ، أدرك منه ثقل العبء المُلقى على ظهره. وكان ذلك كأن كلمة الله قد أتت فأثقلت على ضمائر الخطاة الذين يشعرون بخطاياهم ويصرخون طالبين الخلاص والانعتاق منها، وعندما يوضع حمل خطايانا أمامنا، فإن ذبيحة الإثم – والحمد لله- تكون قريبة، في متناول أيدينا. ما علينا سوى أن نأتي إلى الله طالبين الاستفادة من امتيازات العمل الكفاري الذي قام به ابنُه المحبوب لنجد التكفير الكامل عن كل معاصينا وآثامنا.

في الأصحاح ٦: ١- ٧, لدينا الجانب الآخر من الأشياء, الخطيئة ضدّ القريب. ولكن حتى تلك هي إثمٌ تجاه الرب, ولذلك يُقال لنا: "إِذَا أَخْطَأَ أَحَدٌ وَخَانَ خِيَانَةً بِالرَّبِّ وَجَحَدَ صَاحِبَهُ وَدِيعَةً أَوْ أَمَانَةً أَوْ مَسْلُوباً أَوِ اغْتَصَبَ مِنْ صَاحِبِهِ أَوْ وَجَدَ لُقَطَةً وَجَحَدَهَا وَحَلَفَ كَاذِباً عَلَى شَيْءٍ مِنْ كُلِّ مَا يَفْعَلُهُ الْإِنْسَانُ مُخْطِئاً بِهِ - فَإِذَا أَخْطَأَ وَأَذْنَبَ يَرُدُّ الْمَسْلُوبَ الَّذِي سَلَبَهُ أَوِ الْمُغْتَصَبَ الَّذِي اغْتَصَبَهُ أَوِ الْوَدِيعَةَ الَّتِي أُودِعَتْ عِنْدَهُ أَوِ اللُّقَطَةَ الَّتِي وَجَدَهَا أَوْ كُلَّ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ كَاذِباً. يُعَوِّضُهُ بِرَأْسِهِ وَيَزِيدُ عَلَيْهِ خُمْسَهُ. إِلَى الَّذِي هُوَ لَهُ يَدْفَعُهُ يَوْمَ ذَبِيحَةِ إِثْمِهِ". هنا أيضاً، نجد المبدأ الذي أشرنا إليه سابقاً، أن الإنسان يستفيد من تدبير ذبيحة الإثم. فالإنسان الذي أخطأ تكون حاله أفضل بعد أن يعترف بخطيئته ويدفع الخمس جزاءً عن الخطأ الذي ارتكبه بالإهمال وعن جهل وبدون معرفة عندما قدم ذبيحة الإثم إلى الرب. إذ كما في الحالة السابقة، ولو كان قد سرق جاره عن خداعٍ ، أو وجد شيئاً كان مفقوداً فخبّأه وفي نيته أن يحتفظ به لنفسه، أو أخطأ في أي شكل من الأشكال أو احتال على شخص آخر، فإن ذبيحة إثمه ما كانت لتُقبل لدى الله ما لم يقدم تعويضاً كاملاً بإعادة الشيء الذي كان قد استحوذ عليه بالخداع ثم يضيف إليه خمس قيمته.كم تُظهِر لنا هذه عِظَمَ وروعة نعمة الله التي لا مثيل لها فخلال كل الدهور سيُرى، كما قال تينيسون، في قصيدته "الحالم"،

"ما نخسره سيكون أقل مما نكسبه".

ذلك لأن الله يجعل حتى غضب الإنسان لمدحه، وبقية الغضب يكبته ويكبحه. قد يسأل الشكوكي بسخرية قائلاً: "لماذا يسمح الله العادل البار والكلي القدرة بالخطيئة لترتفع برأسها البشع في الكون، وهكذا تنجّسُ السموات والأرض؟" ولكن عمل الصليب هو الجواب على هذا كله. إن مسؤولية الإنسان نحو الله كخاطئ مَفدي أعظم بكثير وأكثر بركة بكثير من مجرد علاقة بين مخلوق وخالق. ونعمة الله قد تضاعفت بذبيحة الإثم العظيمة التي على الصليب بطريقة ما كان ليمكن أن يُعرف معها إن كانت الخطيئة أصلاً قد أتت أبداً على الإطلاق.

كم هي ثمينة كلمات الآية ٧ "فَيُكَفِّرُ عَنْهُ الْكَاهِنُ أَمَامَ الرَّبِّ فَيُصْفَحُ عَنْهُ فِي الشَّيْءِ مِنْ كُلِّ مَا فَعَلَهُ مُذْنِباً بِهِ". هل تخطر هذه الكلمات على فكر أي نفس بائسة قلقة مضطربة؟ أتتساءلون أحياناً إن كنتم قد خطئتم فتجازتُم كل أمل بالرحمة؟ كونوا على ثقة، إن أتيتم إلى الله وحسب مُحضرين ذبيحة إثمكم، أي بوضع ثقة قلبكم في الرب يسوع، ناظرين إليه وحده لأجل الخلاص، فإن كل خطيئة سوف تُغتفر؛ وكل ما قد فعلتموه سيُمحى وإلى الأبد، ويكون في نظر الله كأنه لم يحدث أبداً.

قبل سنين وفي ختام لقاء مهم كبير في شيكاغو حيث كان الغجري رودني سميث هو الواعظ، جاء رجل قويٌّ يبكي وهو يسير في الممشى الذي في الكنيسة في ختام عظة الكارز، وكان يحكي وهو ينشجُ بالبكاء قصة خطيته وخزيه. فقال للغجري الذي كان يحاول أن يساعده: "يا سيدي، خطيئتي عظيمة جدا أكبر من أن تُغتَفر". فرد عليه الواعظ بسرعة كالبرق قائلاً: "ولكن نعمته أعظم من كل خطاياك". وهنا التقط الدكتور تاونر، كاتب الترانيم المحبوب والموسيقي، الذي كان يقف إلى جانب، التقط الكلمات، وهو يسير نحو منزله في تلك الليلة فأخذت شكلاً في قلبه وفكره، وألَّف لحناً سماه "الكورس":

"النعمة، النعمة، نعمة الله،>
النعمة التي هي أعظم من كل خطايانا".

إنَّ لحن الأبيات كان أيضاً قد أُعطي له، وقد دونه عندما وصل إلى منزله. في اليوم التالي أعطاهُ إلى جوليا جونستون، التي كانت قد كتبت الكثير من ترانيم التسبيح الثمينة، وألَّفَتْ كلمات الترنيمة المعروفة جيداً التي تحمل عنوان "الجوقة". ويقول المقطع الأول فيها:

"نعمةٌ مذهلة من ربنا المحب،
نعمةٌ فاقت كل خطيئة وكل ذنب،
على جبل الجلجثة انسكَبَتْ،
هناك حيث سُفك دم الحمل".

عبر السنين منذ ذلك الحين وما تلاه، حملت تلك الترنيمة قصتها عن النعمة التي هي أعظم من كل الخطايا، إلى عشرات الآلاف من النفوس القلقة المضطربة. وكانت هذه بالفعل هي رسالة ذبيحة الإثم.

 في الأصحاح ٧: ١- ٧ لدينا شريعة ذبيحة الإثم. وكما في حالة شريعة الخطيَّة، يقال عنها مرتين "إنها قدس أقداس". ما كان الله ليترك أدنى فُسحة للفكرة بأن ناسوت مخلصنا المبارك كان قد تنجس بالخطيئة. فيُقال لنا: "لم يعرِفْ خطيئةً"، "ولم يفعلْ خطيئةً"، "وليس فيه خطيئة". كيف حفظ الله هذا بعناية! حتى في نفس صباح يوم محاكمته وطوال نهار تنفيذ حكم الإعدام كان متبدياً. أرسلت زوجة بيلاطس الرسالة التي تقول: "ما لك وهذا الرجل البار". وبيلاطس نفسه أعلن قائلاً: "لا أجد عيباً فيه"؛ واللص على الصليب هتف قائلاً: "هذا لم يفعل شيئاً ليس في محله"؛ وقائد المئة الروماني، وقد ارتاع من الأحداث المذهلة في تلك الساعة المخيفة، أعلن قائلاً: "بالحقيقة كان هذا رجلاً باراً". ومع ذلك فإننا نرى أن البار يتألم عنا نحن غير البررة، لكيما يأتي بنا إلى الله.

كان يجب نحرُ ذبيحة الإثم على المذبح وأن يُرش الدَّم حول المذبح. وأجزاء معينة من الضحية كانت تُحرق على المذبح، وهكذا تصعد إلى الله كتعبير عن الدينونة الإلهية ضد خطايانا، بينما الأجزاء الأخرى كان يأكلها الكهنة في المقدس، كما الحال في ذبيحة الخطية، إذ يُقال لنا أنّ "ذَبِيحَة الْإِثْمِ كَذَبِيحَةِ الْخَطِيَّةِ لَهُمَا شَرِيعَةٌ وَاحِدَةٌ. الْكَاهِنُ الَّذِي يُكَفِّرُ بِهَا تَكُونُ لَهُ". كل مؤمن هو كاهنٌ اليوم، وإنه لامتياز مقدَّس لكل واحد منا أن يتغذى على ذبيحة الإثم. إننا نفعل ذلك بينما نقرأ كلمة الله ونتأمل فيما يعلنه لنا عن العمل الكفاري لربنا يسوع المسيح لكيما يُزيل كل خطايانا وآثامنا ويؤهلنا للحضور أمام الله القدوس.

إنَّ المزمور ٦٩ هو خيرُ دليلٍ على الربط بين هذه التعليمات اللاوية. إنه مزمور ذبيحة الإثم؛ فيُظهر لنا ربَّنا المبارَك ماضياً إلى الصليب، مرذولاً من الناس، حاملاً دينونةً بسبب خطايانا. وهناك كما ذكرنا للتو نسمعه يقول: "حِينَئِذٍ رَدَدْتُ الَّذِي لَمْ أَخْطَفْهُ". وأقرّ بخطايانا كأنها خطاياه, ويمكنه أن يقول: "لأَنَّ غَيْرَةَ بَيْتِكَ أَكَلَتْنِي وَتَعْيِيرَاتِ مُعَيِّرِيكَ وَقَعَتْ عَلَيَّ". وفي الآيات ٢٠ و٢١ من هذا المزمور نقرأ: "الْعَارُ قَدْ كَسَرَ قَلْبِي فَمَرِضْتُ. انْتَظَرْتُ رِقَّةً فَلَمْ تَكُنْ وَمُعَزِّينَ فَلَمْ أَجِدْ.وَيَجْعَلُونَ فِي طَعَامِي عَلْقَماً وَفِي عَطَشِي يَسْقُونَنِي خَلاًّ". كم واضحٌ أن هذه الآلام التي يتم التنبؤ عنها هنا هي تلك التي ستعانيها نفسه على الصليب, وإذ نتأمل به كذبيحة إثمٍ عظيمةٍ نهتف مع صاحب المزامير قائلين: "فَيُسْتَطَابُ عِنْدَ الرَّبِّ أَكْثَرَ مِنْ ثَوْرِ بَقَرٍ ذِي قُرُونٍ وَأَظْلاَفٍ" (الآية ٣١). ما لم تستطع ذبائح القديم أن تحققهُ، أعني إزالة الخطيئة فعلياً، قد حققه عمل ربنا يسوع المُتمم المُنجز، تلك الذبيحة الوحيدة، التي لن تتكرر، التي جُعلت من أجلنا على عود الشجرة الملعون (الصليب). لا يمكننا أن نضيف إلى هذا العمل المُنجز المُتم، و-الحمد لله- لانستطيع أن ننتقص منه. إنه قائم بذاته بكماله المذهل. وفيه وجد الله رضىً لا متناه، وفيه يجد الخاطئ الذي يؤمن رضاً أيضاً. إن جواب ذلك الراهب العجوز للشاب الذي جاء إلى باب الدير يسأله عما يجب أن يفعله لكي تزول خطاياه، هو في توافق تام مع حقيقة ذبيحة الإثم. فذاك الرجل الكهل أجابه: "ما من شيء قد بقي لك لتفعله". وعندها حاول أن يُري ذلك السائل كيف أن المسيح قد سدد بالكامل كل مطاليب الله ضد الخاطئ هناك على الصليب. فأن نحاول أن نزيل خطايانا ما هي إلا حماقة وجهل مُتحدَّان.

"ليس ما فعلَتْه هاتان اليدان،
 يمكن أن يُطهِّر هذهِ النفس الأثيمة؛
 ليس ما حملهُ هذا الجسد المتعب،
يمكن أن يجعل روحي تَخلصُ.
ليس ما أفكر به أو أفعله،
يمكن أن يعطيني سلاماً مع الله؛
ليست كل صلواتي، ولا كدحي، ولا دموعي،
يمكن أن تخفف هذا العبء الثقيل المريع.
دَمُكَ وحدهُ، أيا ربي يسوع،
يمكنه أن يُطهِّرَ نفسي من الخطيَّة؛
كلمتك وحدها، يا حمل الله،
 يمكن أن تعطيني سلاماً داخلياً".

وهكذا نأتي إلى نهاية تأملنا الحالي حول هذه الذبائح الخمس وأهمية معانيها الرمزية. لم أحاول أن أغوص فيها بشكل شامل؛ إذ أن آخرين قد فعلوا ذلك، وكتاباتهم يمكن الوصول إليها بسهولة وهي جديرة حقاً بالدراسة المتأنية والمعمَّقة. ما حاولتُ أن أفعله هنا هو ببساطة أن أؤكد على الحقائق البارزة العظيمة المتعلقة بشخص وعمل ربنا يسوع المسيح كما توحي بها القرابين والذبائح في العهد القديم، وإني آمل أن يستفيد كل واحدٍ منا بها. كم هو جميل أن نعرف عنه أكثر وأن نُقدِّر بشكلٍ كامل عمَلَه الرائع الذي كان يعني الكثير بالنسبة إلى الله والذي هو أساس بركتنا الأبدية!

"هنا نرى بزوغ السماء،
 في حين ننظر إلى الصليب؛
فنرى آثامَنا قد غُفرت،
وترانيم ظَفَرِنا ترتفعُ".

هذا ما أنشده السير إدوارد ديني، ولعلَّ كل مؤمن تائب يستطيع أن ينشدها، وهو يستند إلى الإيمان القائم على ذبيحة الإثم تلك.

هـ. أ. آيرونسايد