راعوث لاقوطة الحصيد

راعوث ٢

"وَعِنْدَمَا تَحْصُدُونَ حَصِيدَ أرْضِكُمْ لا تُكَمِّلْ زَوَايَا حَقْلِكَ فِي الْحَصَادِ. وَلُقَاطَ حَصِيدِكَ لا تَلْتَقِطْ. وَكَرْمَكَ لا تُعَلِّلْهُ وَنِثَارَ كَرْمِكَ لا تَلْتَقِطْ. لِلْمِسْكِينِ وَالْغَرِيبِ تَتْرُكُهُ. أنَا الرَّبُّ الَهُكُمْ".

إن كانت بدايةُ قصة راعوث تصفٍ النعمةَ التي تخلِّصُ، فإن هذا الجزء يُظهرُ النعمةَ التي تؤازر وتغذّي. إن نعمة الله لا تؤتي لنا بالخلاص وحسب، بل، وإذ تكون قد فعلتْ ذلك، فإنها تعلّمنا أن نحيا باتزان واعتدال (في المأكل والمشرب) وأن نعيش ببر وبقداسة في هذا العالم الحاضر. وإذ نأتي تحت تعليم النعمة، فإننا سنحرز تقدماً روحياً. إن هذا هو النمو في النعمة، أو النمو الروحي الذي يُصَوّرُ بشكل جذّابٍ في هذا الأصحاح.

إنها لبركةٌ حقاً للمهتدي الجديد أن يبدأ حسناً بانقطاع ٍ محدد عن العالم وقبول طريق الإيمان في رفقة شعب الله. ولكن البداية الحسنة لا تكفي. إن كان علينا أن نحفظ أنفسنا في طريق الإيمان فيجب أن يكون هناك نمو في النعمة. يقول بطرس الرسول أنه إذا أراد المسيحيون أن يتمتعوا بـ "النِّعْمَة وَالسَّلاَم"، بكثرة، فعليهم أن يتمتعوا بكل الأشياء التي تلائم الحياة والقداسة، "هَارِبِينَ مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي فِي الْعَالَمِ بِالشَّهْوَةِ، وذلك فقط "بِمَعْرِفَةِ اللَّهِ وَيَسُوعَ رَبِّنَا" (٢ بطرس ١: ٢- ٤). ولذلك فإنه يختم رسالته بأن يحرض المؤمنين على أن "انْمُوا فِي النِّعْمَةِ وَفِي مَعْرِفَةِ رَبِّنَا وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ" (٢ بطرس ٣: ١٨).

إن المؤمنين في كورنثوس، ورغم أنهم بدأوا بداية جيدة، كانوا بطيئين في إحراز تقدم روحي. لقد كانت تعوقهم الدنيويات وحكمة هذا العالم. والغلاطيون أيضاً بدأوا بداية جيدة، إذ نجد بولس الرسول يقول لهم: "كُنْتُمْ تَسْعَوْنَ حَسَناً. فَمَنْ صَدَّكُمْ حَتَّى لاَ تُطَاوِعُوا لِلْحَقِّ؟" (غلاطية ٥: ٧). لقد أعاقتْهم الناموسية التي تأتّت عن اتباعهم لتعاليم خاطئة مضلّلة. ولذلك يبدو اليوم أن كثيرين يبدأون بداية جيدة ويعِدون الله بأن يكونوا مسيحيين مخلصين مكرسين، ولكن للأسف، فبعدَ برهة نجد أنهم لا يحرزونَ تقدماً كبيراً. إنهم لا ينمونَ في النعمة وفي معرفة ربنا ومخلصنا يسوع المسيح. فيسقطونَ أمامَ وسائل الجذب التي في العالم ويصبحون دنيويين، أو يقعونَ تحت تأثير معلمين كذبة ويصبحون ناموسيين.

هذا الجزء من قصة راعوث سيكشفُ لنا أسرار النمو في النعمة. وفيما يلي دليلٌ على أن راعوث تُرى كحاصدة. في الآية ٢ نجدها تقول لنعمي: "دَعِينِي أَذْهَبْ إِلَى الْحَقْلِ وَأَلْتَقِطْ سَنَابِلَ". وفي الآية ٧ تقول للغلام: "دَعُونِي أَلْتَقِطْ وَأَجْمَعْ بَيْنَ الْحُزَمِ"، ومن جديد في الآية الأخيرة نعرف أنها "لاَزَمَتْ فَتَيَاتِ بُوعَزَ فِي الاِلْتِقَاطِ".

تُصوَّر راعوثُ عندئذ كحاصدة. ولكن ما هو المغزى الروحي من الحصاد؟ علينا أن نتذكر أن الأصحاح الأول ينتهي بإخبارنا بأنها كانت "في ابْتِدَاءِ حَصَادِ الشَّعِيرِ". لقد وجدت نعمي وراعوث أنفسهما في وسط وفرةٍ. ولكن مهما كانت وفرة الحصاد فإنه قبل جمعه سيكون بلا فائدة من حيث إطعام الجائع. إن على الحصادين واللاقطين أن يقوموا بعملهم وإلا فإنهم سيموتون جوعاً وسطَ وفرةٍ. وبالحصاد أمَّنت راعوث حاجاتها الذاتية، وحاجات نعمي، وكانت هذه مؤونة وافرة قد وضعها بين أيديهم سيدُ الحصاد.

أفلا نرى الآن أن الحصاد الروحي يرمزُ إلى اقتبال المؤمن للبركات الروحية التي أعطاها لهُ الله بشكلٍ حق. في تاريخ إسرائيل أعطى الربُ ذلك الشعب الفرصة بأن يستقرَ في أرضٍ ذات وفرةٍ وذات امتداد شاسع، ومع ذلك فقد قال الله: "كُلَّ مَوْضِعٍ تَدُوسُهُ بُطُونُ أَقْدَامِكُمْ لَكُمْ أَعْطَيْتُهُ كَمَا كَلَّمْتُ مُوسَى". كان عليهم أن يتملكوا. وأمكنَ لبولس أيضاً أن يقول بكل ثقة أن المؤمنين يتباركون بكلِّ البركات الروحية في السماويات في المسيح، ولكن هذا ما كان يعيقهُ عن أن يُصلي لأن يكون هناك عمل خاص للروح القدس في الإنسان الداخلي، لكي يُدركَ المؤمنون ما عرض وطول وعمق وارتفاع كل هذه البركات الروحية.

لقد كان يوماً رائعاً في تاريخنا عندما دعانا الربُّ إليه، وعلِمْنا أن خطايانا كانت قد غُفرت، وخُتمنا بالروح القدس ولذلك فقد صرنا ملائمينَ لأن نصيرَ شركاء في نصيب القديسين في النور؛ ورغم أنه ما كان يمكن أن يكون هناك ملاءَمة في النمو مناسبة للمجد، ومع ذلك فإن الرسول بولس يسعى نحو النمو في المعرفة الحقة لله (كولوسي ١: ١٠). ومع ذلك، وللأسف، يا لنا من حصادين بؤساء تعساء. كم هو ضئيلٌ مدى دخولنا إلى غنى المسيح الذي لا حدَّ لهُ.

٢.

لماذا نحنُ حصادون بؤساء تعساء؟ ليس الأمر هو في أن ذلك الحصاد يتطلبُ شروطاً ليست موجودة لدينا دائماً. إن هذا يَظهرُ جلياً واضحاً عندما نلاحظ المواصفات التي جعلت راعوث حصّادةً رائعةً ممتازة.

فأولاً تميزت بروح التواضع والخضوع. إنها تقول لنعمي: "دعيني أذهب"، ومن جديد تقول للخدام: "دعوني ألتقط". لم تتصرف بشكلٍ منفصل عن الآخرين الذين كانوا أكبر منها سناً وأكثر منها خبرةً. لم تحتقر أي إرشاد أو توجيه أو استشارة. لم تُعانِ من إرادة منقسمة، تقودها لفعل ما تراهُ هي مناسباً في عينيها. أمكن لبطرس أن يقول: "كَذَلِكَ أَيُّهَا الأَحْدَاثُ اخْضَعُوا لِلشُّيُوخِ، وَكُونُوا جَمِيعاً خَاضِعِينَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ، وَتَسَرْبَلُوا بِالتَّوَاضُعِ، لأَنَّ اللهَ يُقَاوِمُ الْمُسْتَكْبِرِينَ، وَأَمَّا الْمُتَوَاضِعُونَ فَيُعْطِيهِمْ نِعْمَةً" (١ بطرس ٥: ٥). إن الخضوع والتواضع مرتبطان معاً بروحِ الله. الإنسانُ المتعجرفُ المتكبر لا يحبُّ أن يخضع لأحد. والإرادةُ المنقسمة هي أعظمُ وأكبر عائق أمام النمو في النعمة.

ثانياً، تميزت راعوث بالكد والاجتهاد. فكما نقرأ في الآية ٧: "جَاءَتْ وَمَكَثَتْ مِنَ الصَّبَاحِ إِلَى الآنَ. قَلِيلاً مَّا لَبِثَتْ فِي الْبَيْتِ". ومن جديد نقرأ في الآية ١٧ أنها "الْتَقَطَتْ فِي الْحَقْلِ إِلَى الْمَسَاءِ". أليسَ هناك نقصٌ كبيرٌ عند المؤمنين في الكد والاجتهاد في أمور الله؟ إننا نكدُ ونجهدُ كثيراً في أمور هذا العالم، ولكن، للأسف، أمورُ الرب تشغلُ فقط بضعة لحظات من حياتنا. هل نجتهدُ في دراسة الكلمة؟ هل نجتهدُ في الصلاة؟ قد ننشدُ أو نطلب أن لا تشغل المشقات أو المصاعب الكثير من حياتنا، ولكن السؤال لا يزالُ قائماً هو: كيف نمضي الوقت القصير المتوافر لدينا؟ في عبرانيين ٦: ١١ يحرض الكاتب (بولس الرسول) على الكد والاجتهاد ثم يضيف قائلاً: "لاَ تَكُونُوا مُتَبَاطِئِينَ بَلْ مُتَمَثِّلِينَ بِالَّذِينَ بِالإِيمَانِ وَالأَنَاةِ يَرِثُونَ الْمَوَاعِيدَ". إن كنا نرغبُ في الدخول إلى التمتع بميراثنا علينا أن نكونَ مجتهدينَ. قد نتيهُ قليلاً إذا ما أحرزنا تقدماً ضئيلاً في النفس عندما نجدُ وقتاً لنقرأ الأخبار اليومية، والأدب الخفيف في هذا العالم، ومع ذلك فإننا لا نجدُ وقتاً لنحصدَ الغنى الذي في كلمة الله المقدسة.

ثالثاً، كانت راعوث مثابرة. لم تكن مجتهدة في يوم ومتكاسلة في آخر، بل "لاَزَمَتْ فَتَيَاتِ بُوعَزَ فِي الاِلْتِقَاطِ حَتَّى انْتَهَى حَصَادُ الشَّعِيرِ وَحَصَادُ الْحِنْطَةِ". يوماً بعد يومٍ كانت تلتقط الحصيد إلى أن انتهى حَصَادُ الشَّعِيرِ وَحَصَادُ الْحِنْطَةِ. إن أهل بيريةَ لم يطرِ بولس عليهم بشكلٍ خاص لأنهم كانوا يفحصون الكلمة، بل لأنهم كانوا يفعلون ذلك كل يوم (أعمال ١٧: ١١). لعلهُ من السهل أن نجاهد أو نجتهد ليومٍ واحد، ولكن أن نجاهد يوماً بعد يوم يتطلبُ مثابرةً. "كل يوم" هي كلمةٌ صعبةٌ وتضعنا على المحك. قال الربُّ: ليحمل التلميذُ صليبَه كل يوم. إنه لأمرٌ سهلٌ نسبياً أن نبذلَ جهداً كبيراً لنقومَ بتضحيةٍ بطوليةٍ ما، ولكن أن نثابر على ذلك يوماً فيوماً متبعين المسيح هو المحك. ليسَ الإنسانُ الذي يبدأ بشكلٍ جيد هو الذي يفوزُ بالسباق بل هو الإنسانُ الذي يثابر ويستمر.

وأخيراً، نقرأ أن راعوث "خَبَطَتْ مَا الْتَقَطَتْهُ" (الآية ١٧). لا يكفي أن نلتقط الشعير والحنطة، بل يجب أن تُخبط. الحق الذي ندركه من خلال دراستنا الخاصة، أو من خدمة الآخرين، يجب أن تصبح موضوع صلاة وتأمل لنرى إذا ما كانت تساعد في النمو الروحي. إن الاكتفاء بمعرفة الحق سوف يؤدي إلى الانتفاخ. يجب أن نتمتع بها في شركة مع الرب إن أردنا أن تؤدي إلى المزيد من معرفة الرب.

ولذلك فلأجل الحصول على النمو الروحي يجب أن تكون النفس في حالة خضوع وكد واجتهاد ومثابرة وتأمل.

إضافة إلى ذلك، حالة نفس الفرد، ورغم أنها تأتي بالدرجة الأولى، إلا أنها ليست كل شيء. هناك المعونة التي نستمدها من آخرين تساعدنا على التقدم الروحي. وهذا نراه بشكلٍ مذهل واضح في الشخصيات المختلفة التي تمرُّ أمامنا في هذا الأصحاح. فنعمي، والخادمات، والحصّادون، والخادم المشرف على الحصّادين، وأخيراً بوعز الرجل المقتدر ذي الثروة، جميعهم يمرون أمامنا، ونرى في كلٍ منهم علاقة مع راعوث. بطرقٍ مختلفة يساعدونها جميعاً على أن تلتقط الحصاد، وفي ذلك نرى الطرق المختلفة التي يضعها المسيح أمامنا ليحث على النمو الروحي بالنعمة لشعبه المحبوب.

٣.

كانت نعمي تعرف بوعز منذ زمنٍ بعيد، وكانت تقدر أن تنصح وتعلم وترشد راعوث. وهكذا نجد الآن أولئك الذين ساروا مسافةً طويلة على الطريق، في علاقة مع المسيح؛ ورغم أنهم ربما أخفقوا كثيراً (مثل نعمي) فمع ذلك تأهلوا بالخبرة ليصيروا قادرين على أن يعلّموا ويرشدوا القديسين الأصغر سناً. لا تبدي نعمي موهبة إلا فيما ندر في التعليم أو الكرازة بل أولئك القديسين الطاعنين في السن، الذين نقرأ عنهم في الأصحاح الثاني من رسالة تيطس، الذين هم مثال للآخرين، "معلّمين للأمور الحسنة"، وقادرين على تقديم المشورة المحِبة للنساء الصغيرات السن. من روح هذه الآيات، نعمي، وإذ لا تجدُ صعوبات أو عراقيل في طريقها، تقول في الحال: "اذهبي يا ابنتي". إنها تشجع راعوث على هذا العمل السعيد. إضافة إلى ذلك، فلدى عودة راعوث من أعمالها تُدرك بسرورٍ تقدمها، إذ نقرأ "رَأَتْ حَمَاتُهَا مَا الْتَقَطَتْهُ" (الآية ١٨). وفوق ذلك فإنها تهتم بنفسها بتقدم راعوث، إذ تسألها: "أَيْنَ الْتَقَطْتِ الْيَوْمَ وَأَيْنَ اشْتَغَلْتِ" (الآية ١٩). أخيراً تُنير راعوث بما يخص بوعز وتقدم لها مشورة محِبة تتعلق بالتقاطها بالحصاد (الآيات ٢٠، ٢٢). لعلنا نفهم من روح سلوك نعمي ضرورة أن يُعنى القديسون الكبار بالأصغر سناً، وأن يشجعوهم، وأن ينتبهوا إلى تقدمهم الروحي، وأن يتابعوا فائدتهم الروحية، وأن يعلموهم في معرفة المسيح، وأن يرشدوهم فيما يخص التقاطهم الحصاد.

٤.

إن الفتيات الخادمات يساعدن أيضاً في عمل التقاط الحصاد السار هذا. نجدهن أمامنا في الآيات ٨، ٢٢ و ٢٣. إنهن الأصحاب اللواتي ترافقهن راعوث خلالَ عملها في التقاط الحصاد. أفلا يرمزون، صورياً، لتلك الرفقة السعيدة والشركة بين شعب الله الذين يساعدون جداً في الحث على النمو الروحي؟

يحذِّر بوعز راعوث قائلاً لها: "لاَ تَذْهَبِي لِتَلْتَقِطِي فِي حَقْلِ آخَرَ، وَأَيْضاً لاَ تَبْرَحِي مِنْ هَهُنَا، بَلْ هُنَا لاَزِمِي فَتَيَاتِي". هناكَ حقولٌ أخرى وفتياتٌ أخريات، ولكنهم غرباء بالنسبة لبوعز. سواء كنا حديثي الإيمان أم متقدمين في، يجدرُ بنا أن ننتبه إلى التحذير الذي يقدمهُ بوعز. ذلك لأن العالم يشكّلُ حقل جذبٍ ويمكن أن يقدم رفقة سارة في بعض الأحيان، ولكن حقول العالم الجميلة وصحبة العالم الفارغة التي لا طائل تحتها ليست من المسيح. في أيام الرسل لم يقدم العالم لهم سوى سجن، ولكن عندما أُطلق سراحهم ذهبوا إلى "رفقاءهم". بدافع الضرورة يجب علينا أن نتواصل مع أناس في العالم من خلال علاقات العمل وقضايا هذه الحياة، ولكن ليست هذه هي الحلقة التي نستمتعُ فيها بالصحبة الجميلة ونحرزُ تقدماً روحياً. هذا وحده يمكن أن نجدهُ في "جماعتنا الخاصة"، ألا وهي الصحبة مع شعب الرب. في أيام المسيحية الأولى، علاقة الصحبة والشركة بين الله وشعبه التي لا تنفصم نتجَ عنها "قوة عظيمة" و"نعمة كبيرة". في عبرانيين ١٠ يحضّنا بولس الرسول قائلاً: "لْنُلاَحِظْ بَعْضُنَا بَعْضاً لِلتَّحْرِيضِ عَلَى الْمَحَبَّةِ وَالأَعْمَالِ الْحَسَنَةِ، غَيْرَ تَارِكِينَ اجْتِمَاعَنَا كَمَا لِقَوْمٍ عَادَةٌ، بَلْ وَاعِظِينَ بَعْضُنَا بَعْضاً، وَبِالأَكْثَرِ عَلَى قَدْرِ مَا تَرَوْنَ الْيَوْمَ يَقْرُبُ". ليس القديسون هم مصدر الْمَحَبَّةِ وَالأَعْمَالِ الْحَسَنَةِ بل رفقة القديسين بالتأكيد هي التي تشجعُ على الْمَحَبَّةِ وَالأَعْمَالِ الْحَسَنَةِ. إن يوم دينونة هذا العالم يقترب، ولذلك فيحسن بنا أن نتشاركَ مع جماعة هذا العالم قليلاً، وأن نجد نصيبنا السعيد مع "فتيات بوعز"، أولئك الناس غير المنجسين الذين حافظوا على بياض ردائهم. وكلما اقترب النهار كلما دنونا أكثر من بعضنا البعض.

٥.

اللاقطون أيضاً يتشاركون في الخدمة مع راعوث. يمرون أمامنا في الآيات ٤، ٥- ٧، ٩ و ٢١. أولئك كانوا خدام لبوعز ويظهرون لنا بشكلٍ حيوي السمات التي يجب أن تميز خدام الرب الذين يكرسون أنفسهم للخدمة في مساعدة شعب الله.

إن الحاجة الضرورية الأولى بالنسبة لكل خادم للرب هو حضور الرب. ولذلك نجد أن بوعز يُحيّي اللاقطين عنده بالتحية الجميلة "الرَّبُّ مَعَكُمْ" (الآية ٤). وبنفس الروح نقرأ في الإنجيل: "وَأَمَّا هُمْ فَخَرَجُوا وَكَرَزُوا فِي كُلِّ مَكَانٍ وَالرَّبُّ يَعْمَلُ مَعَهُمْ" (مرقس ١٦: ٢٠).

ثانياً، حتى تُنجز خدمة بوعز بشكلٍ فعّال يجب أن يكون هناك خضوع للخادم المشرف على اللاقطين. لسنا في حاجة فقط إلى الرب ليكون معنا، بل أيضاً لسيادة الروح القدس، الأقنوم الإلهي الذي يمثلهُ سبقياً الخادمُ الغفلُ الاسم (الآية ٥).

ثالثاً، اللاقطون يمضون أولاً وتتبعهم راعوث، وهكذا أمكنها القول: "دَعُونِي أَلْتَقِطْ وَأَجْمَعْ بَيْنَ الْحُزَمِ وَرَاءَ الْحَصَّادِينَ". يميز الكتاب المقدس أن هناك في وسط شعب الله من يقود الناسَ روحياً، أولئك الذين نقلوا إلينا كلمة الله والذين يشكِّلون مثالاً في الإيمان علينا نتبعهُ. فهؤلاء علينا أن نُطيع ولهؤلاء يجب أن نخضع، لأنهم يسهرون على أنفسنا (عبرانيين ١٣: ٧، ١٧).

رابعاً، هؤلاء الشبان- خدام بوعز- يستخرجون الماء من الآبار. لقد كان امتيازاً لراعوث أن تشربَ الماء ولكن مسؤولية استخراج الماء كانت تقع على الشبان. ليس الكل مدعوين أو مؤهلين ليستخرجوا ماءً من آبار الله العميقة، ولكن يمكن للجميع أن يشربوا من الماء عندما يوضعوا في آنيةٍ تلائمُ كفايتهم. إن الماء في البئر ليس في متناول الكثيرين؛ أما الماء في الآنية فمتاحٌ للجميع. ومن هنا كان الأمرُ لراعوث أن "اذْهَبِي إِلَى الآنِيَةِ وَاشْرَبِي". كانَ على تيموثاوس أن "يتأمل في هذه الأمور" لكي ينشغل بها كلياً. بالتأكيد كان هذا استخراج الماء من البئر. ولكن "فائدته" كانت في "إظهاره للجميع". كان هذا الماء في الآنية المتاح للجميع (١ تيموثاوس ٤: ١٥).

خامساً، لكي يكون اللاقطون مؤهلين لخدمتهم فإنهم يتلقون تعليمات محددة خاصة من معلمهم. "أَمَرَ بُوعَزُ غِلْمَانَهُ: «دَعُوهَا تَلْتَقِطْ بَيْنَ الْحُزَمِ أَيْضاً وَلاَ تُؤْذُوهَا. وَأَنْسِلُوا أَيْضاً لَهَا مِنَ الْحُزَمِ وَدَعُوهَا تَلْتَقِطْ وَلاَ تَنْتَهِرُوهَا»" (الآيات ١٥- ١٦). إن الحاجة الخاصة للأفراد تستدعي تعليمات وتوجيهات وإرشادات خاصة من الرب. يجب أن يكون الخادمُ قريباً جداً من المعلم أو السيد، خلال سير عمل الخدمة، لكي يعرف كيف يُلقي حفنة خاصة، لأجل حاجة خاصة، دون "توبيخ" وبدون "تأديب". إن الرب في هذه، كما في كل الأشياء الأخرى، هو مثلنا الأعلى الكامل. في يوم القيامة، عندما يبعثُ برسالة إلى بطرس بقوله: "اذْهَبْنَ وَقُلْنَ لِتَلاَمِيذِهِ وَلِبُطْرُسَ..." أما كانَ يُطلق بكمالٍ لا متناهٍ "حفنة قصدٍ" لخروفٍ ضالٍ بائس، بدون "توبيخ" وبدون "تأديب" (مرقس ١٦: ٧).

وأخيراً، جهدُ عمل اللاقطين سيُنهي الحصاد، إذ يأمرُ بوعز راعوث أن تلازم غلمانهُ، إلى أن "يكمِّلوا جميع حصادي" (الآية ٢١). وكما كان الحال مع خدام بوعز سيكون مع خدام الرب، إذ أن الرسول لجأ إلى الرجاء المجيد الموضوع أمامنا ليحثَّ الخدام في خدمتهم. "إِذاً يَا إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ كُونُوا رَاسِخِينَ غَيْرَ مُتَزَعْزِعِينَ مُكْثِرِينَ فِي عَمَلِ الرَّبِّ" (١ كورنثوس ١٥: ٥٨).

٦.

خادمُ بوعز، المشرف على اللاقطين، لهُ مكانته أيضاً ودوره في تقدم راعوث في عملية التقاط الحصاد. إنه غُفل الاسم وقلّما يُرى ومع ذلك فهو خلف كواليس كل شيء، لصالح بوعز، فيتحكم بكل لاقطٍ وحاصدٍ في حقل بوعز. إضافة إلى ذلك، فإنه يوصلُ راعوث إلى اتصال مع بوعز، ويتحدث مع بوعز بشأن راعوث. إن الخادم أيضاً على توافقٍ كاملٍ مع فكر بوعز. إنه يطيعُ بوعز في الحق، ولكنهُ لا ينبس ببنت شفه بخصوص انتقاص قدرها، ويتوقع أن يوافقَ بوعز على تشجيع راعوث على الالتقاط في حقول بوعز. إنه يمثّل بالتأكيد أقنوم الروح القدس العظيم ذاك الذي جاء من قِبَل المسيح الممجد باسم المسيح ليُظهر اهتمامات المسيح. إنه ذاك الذي لا يتحدث من تلقاء ذاته، غير المنظور في العالم، ولكنهُ يسودُ ويتحكم بخدام الرب، وبعمله المجيد في النفوس يأتي بهم إلى المسيح. إنه ذاك الذي جاء إلى الأرض مُرسلاً من المسيح، والذي يفكرُ ويتصرفُ بتوافقٍ كاملٍ مع فكر وقلب الآب والابن.

٧.

نقول في نهاية الأمر أن بوعز يمثل المسيح من جهتين: أولاً في مجد شخصه وعمله، وثانياً في تعامله السمح معنا فرداً فرداً.

يتم تعريف بوعز شخصياً على أنهُ "ذو قرابة" و "رجلاً مقتدراً ذي ثروةٍ". إن كلمة "قريب" التي تُستخدم كثيراً في سفر راعوث، تُترجم في مكان آخر بكلمة "فادي" هذه الكلمة التي تُعطي الأهمية الحقيقية لخدمة القريب. فالقريب كان له الحق والقدرة على أن يفتدي أخاه وأرثَ أخيه، إذا ما وقعا في أيدي غريب.

بالسقوط فقدَ الإنسانُ كل حقٍ بإرثٍ أرضي، وصار نفسهُ تحتَ سلطان العدو، وكخاطئ أثيم مذنب صارَ عرضةً للموت والدينونة. ليس له قدرة على أن يفتدي نفسه أو أن يفتدي الأرض من سطوة الخطيئة والموت أو الشيطان. إنهُ في حاجة إلى فادٍ، شخصٍ لديه الحق والقوة أيضاً على الفداء. المسيح هو الفادي العظيم، الذي كان بوعز مجرد رمزٍ له. إنه يفتدي شعبهُ بدفع الثمن وبقوة. الثمن الذي دفعهُ كان دمهُ نفسه لأجلنا، "عَالِمِينَ أَنَّكُمُ افْتُدِيتُمْ لاَ بِأَشْيَاءَ تَفْنَى، بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، مِنْ سِيرَتِكُمُ الْبَاطِلَةِ الَّتِي تَقَلَّدْتُمُوهَا مِنَ الآبَاءِ بَلْ بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَلٍ بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ، دَمِ الْمَسِيحِ". إضافة إلى أنه افتدانا بقوةٍ، إذ لم يكن فقط بدمه المسفوك، بل أيضاً بالقيامة، فإنه أبطل قوة الموت والقبر. وإذ أننا قد افتُدينا بالدم، فإننا نترقب أن نُفتدى بالقوة، في تلك اللحظة عندما يُحرر كل هذه الأجساد الفانية من أي أثرٍ للفناء بتحويل أجساد مذلتنا، مُشكلاً إيانا على هيئة جسد مجده بحسب الأعمال التي بها يقدر أن يُخضع كل الأشياء لهُ. وأخيراً سيكون لنا الميراث- الممتلكات الباهظة الثمن التي اشتراها- والتي سيفتديها من سلطان الخطيئة والموت والشيطان، والتي سنتمتع بالشركة بها مع المسيح لمديح مجده (أفسس ١: ١٤).

٨.

إضافة إلى ذلك، لدينا في بوعز، ليس فقط إعلان مسبق عن أمجاد فادينا العظيم، بل كشفٌ جميل للطرق الرائعة التي يتعامل بها الرب معنا كأفراد. إنه امتياز لنا، ليس فقط في أن نعرف الحق عن شخصه وعمله، بل أيضاً أن نختبر تعاملاته الكريمة الرائعة التي يقودنا بها إلى معرفة نفسه. لو أن كل المؤمنين يسعون لعلاقة أكثر تحديداً مع المسيح سرياً- تاريخ علاقةٍ لا يمكنهم أن يقولوا الكثير عنها للآخرين- بل تكون معروفة للمسيح فقط وللنفس التي لا يتدخلُ فيها أي غريب.

لدينا ظل عن هذه التعاملات الشخصية مع النفس من خلال الطرق السمحة التي يتعامل بها بوعز الثري مع راعوث الغريبة.

هذه الطرق تتميز بالنعمة والحق، مستحضرة أمامنا ذاك الذي جاء بالنعمة والحق. في ضعفنا قد نظهر النعمة على حساب الحق، أو نحافظ على الحق على حساب النعمة. مع المسيح هناك هذا التعبير اللا متناهي عن النعمة مع المحافظة الكاملة على الحق.

بنعمة مؤثرة يضع بوعز كل ثرواته تحت تصرف الغريبة التي من يوآب- تلك التي، بحسب حرفية الناموس، ما كان يحق لها أن تدخل إلى جماعة الرب حتى الجيل العاشر (تثنية ٢٣: ٣). إن حقوله، وخادماته، وغلمانه، وآباره، وشعيره، كلها تحت تصرف راعوث. إن لها الحق بأن تبقى في حقوله، وتلازم فتياته، وتلتقط وراء غلمانه، وتشرب من بئره. إنه لا يقول شيئاً عن أصلها عن كونها غريبة أو عن فقرها. ولا يلومها ولو بكلمةٍ على الماضي، ولا يوجه أية تهديدات لها بخصوص المستقبل، ولا يلزمها بأي شيء حالياً، بل يقدم كل شيء لها بإنعام لا حدود له. وهكذا الحالُ من نواحٍ كثيرةٍ في تعامل المسيح مع الخطاة أمثالنا. إن النعمة تضع أفضل عطايا السماء في متناول المرأة عند بئر سيخار؛ النعمةُ أمرت سمك البحر من أجل رجل مليء بالخطيئة مثل بطرس؛ والنعمة تفتح فردوس الله للص المحتضر. وهكذا باركتنا النعمةُ بكل غنى المسيح الذي لا حد لهُ بدون أن نقدم مالاً أو ثمناً.

وبما أنَّنا نعرف جيداً غنى النعمة فلا يجب أن نعتّم لمعان الحقيقة. أجل، إن النعمة هي التي تستدعي الحق. ليسَ من داعٍ لأن يذكّر بوعز هذه الغريبة بأصلها الوضيع. فهي نفسها تقر بالحقيقة، ولكنَّ نعمة بوعز هي التي تستجرُّ الإقرار. تقعُ راعوث على وجهها أمام بوعز، فتمحو نفسها في إدراكٍ منها لعظمة الشخص الذي تحظر أمامه، ذاك الذي تدين له بكل بركة. ومن هنا جاءَ سؤالها: "كَيْفَ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ". إذ أنها لا تجد في ذاتها ما تستحقُّ عليه هذا الإنعام. وفي طبيعتها لا تجدُ أيَّ حق لها على بوعز، إذ تقر قائلة: "أنا غريبةٌ". وحدها في حضرة نعمة بوعز تُعطيه مكانته الحقيقية وتأخذ مكانها الحقيقي، وبذلك تُذكّرنا بأمثلة أخرى ساطعة عن طرق النعمة والحق في أيام ربنا.

إن أعلمت النعمة الخاطئة البائس بالعطية المجانية في الماء الحي الذي يفيض إلى حياةٍ أبدية، فإنها أيضاً تسترعي انتباههُ إلى الحق الذي فيها. كلمة يسوع تلك: "اذهبي وادعي رجلك" كانت تدلُّ على الحقيقة إذ يُخبرها بكل الأشياء التي فعلتها، وتلك الكلمة الأخرى "وتعالي إلى هنا"، كانت فيها نعمةٌ تُرحب بها بكل المحبة التي في قلب الله. لقد كشفت لها الحقيقةُ رداءة قلبها، ولكن النعمة كشفت لها قلباً يعرفُ كل الأشياء التي فعلتها ومع ذلك أمكن أن يحبها وأن يرحب بمجيئها إليه.

وهذا حدث في مناسبة أخرى، مع امرأة أخرى- تلك المرأة التي كانت غريبة مثل راعوث، المرأة الكنعانية- فمعها نرى عرض نفس طرق النعمة والحق. لقد كان التلاميذ ليحافظون على الحق على حساب النعمة. فقد قالوا: "أقصها بعيداً". ولكن الرب لا يفعل هذا، بل إنه لن يستغني عن النعمة على حساب الحق. ولذلك فإنه يتعامل معها بطريقة جعلت الحق يخرج من شفتيها، إذ تأتي إلى الإقرار قائلةً: "«نَعَمْ يَا سَيِّدُ. وَالْكِلاَبُ أَيْضاً تَأْكُلُ مِنَ الْفُتَاتِ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ مَائِدَةِ أَرْبَابِهَا»". إنها تقر بالحقيقة بأنها مجرد كلب، ولكنها ترى النعمة في الرب الذي لن ينكر عليها الفتات الذي يقدم للكلاب. النعمة في الرب تقودها للإقرار بحقيقة ذاتها. فتنال مكافأة الإيمان، إذ أن الرب، الذي يسرُّ بهكذا رد على نعمته، يقول لها: "«يَا امْرَأَةُ عَظِيمٌ إِيمَانُكِ! لِيَكُنْ لَكِ كَمَا تُرِيدِينَ»" (متى ١٥: ٢١- ٢٨).

مباركة بالفعل تلك اللحظة من تاريخ حياتنا، عندما نكون وحدنا في حضرة الرب فندرك رداءة قلوبنا في حضور نعمة قلبه. فنتعزى في هكذا لحظات إذ نعرف أنه مهما كنا أردياء، فإن ثمة نعمة في قلبه تمحو كل ذلك.

فهذا ما جعل بوعز يعزّي قلب راعوث. فقد كانت قد أقرت بالحقيقة أن: "أَنَا غَرِيبَةٌ"، وكأن بوعز يقول لها أنه ليس من داعٍ لأن تخبريني شيئاً عنك، لأني أعرف كل شيء: "إِنَّنِي قَدْ أُخْبِرْتُ بِكُلِّ مَا فَعَلْتِ" (الآية ١١). ليس من بقايا خوف في فكرها في أن ينكشف يوم ما شيء من ماضيها يجعل بوعز يسترد عطايا النعمة. ومن هنا تنطلق الكلمات عفوية على شفتيها أن: "قَدْ عَزَّيْتَنِي، وَطَيَّبْتَ قَلْبَ جَارِيَتِكَ". ما من شيء يلمس الفؤاد على هذا النحو، فيكسب القلب، أو يعزيه، كمثلِ أن ندرك في حضرة الرب أنه يعرف كل شيء ومع ذلك يُحبنا.

٩.

على كل حال، هذا لا يختم هذا الجزء من قصة راعوث. لقد تبدت النعمة في بوعز، وأقرت راعوث بالحق، وهذا ما أتى بالسلام إلى الوجدان والمسرة إلى القلب بالفعل، ولكن ليس هذا كل شيء. إن بوعز ليس مكتفٍ بمنح التعزية إلى راعوث وتركها بقلبٍ ممتلىءٍ بالامتنان. وحتى لو كان هذا يرضي قلبها فإنه لن يرضي قلبه. إن كانت لا تتوقع بركات أكثر، فإنه كان لديه المزيد ليمنحه لها. ما كان بوعز ليقنع بدون صحبة تلك التي تحدث إلى قلبها. ولذلك قال: "تعالي إلى هنا". إذا تمعنا أكثر، ألا نجد أن الرب يتعامل معنا هكذا؟ إن كان يزيل مخاوفنا، ويتحدث إلى قلوبنا، ويمتلك مشاعرنا، فذلك لكي نكون في صحبة معه. إن المحبة لا ترتضي إلا برفقة المحبوب. ولهذه الغاية مات لكي نحيا معه بالكلية سواء كنا مستيقظين أم نائمين. فطوبى لنا إذا سمعنا وانتبهنا إلى دعوته الكريمة قائلاً: "تعالوا إليَّ".

وهذا ما حدث مع راعوث التي جالست جماعة من الناس ما كانت تعرفهم قبلاً. ولكن إذ "جلست قرب الحصادين" فإنها فعلت ذلك في صحبة بوعز، إذ نقرأ أنه: "ناولها فريكاً". طوبى لنا إذا جلسنا في رفقة شعب الله مدركين لحضور الرب نفسه. عندها بالفعل سنقتات من شعير الأرض. ومثلنا مثل راعوث سوف "نكتفي" و"نحتفظ بالبعض" (الآية ١٤). في حضوره تتغذى نفوسنا، وتشبع قلوبنا، وذلك القلب المكتفي سيجد امتلاءً فيعطي آخرين.