بسم الله الهادي

آيا صوفيا، أسطنبول، تركيا
آيا صوفيا، أسطنبول، تركيا

الحمد لله الذي ميَّز الإنسان بالنُّطق والبيان، وخصَّه بالعقل، أشرف المواهب وأسماها، وأجلّ النِّعم وأسناها، وبه يتوصَّل إلى معرفة الرحمن الرحيم، ويهتدي إلى المنهج القويم، فيتمتع في الآخرة بفردوس النعيم، ويحظى بالسعادة الجليلة والنعم الجزيلة. قال الله: ﴿أعددتُ لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر﴾ . فاللّهم اجعلنا من عبادك المختارين، وهَبْنا من لدنك عقولاً سليمة وأفكاراً مستقيمة توصِّلنا إلى الحق والحياة، لنفوز بنعيم الخلد والنجاة، فقد مددنا إليك يد الاستعانة وبخعنا إليك بالاستكانة، وأنت نِعم المولى ونِعم المعين.

لا يخفى على ذوي الألباب المشهورين بالتحقيق، أنّ جمال الأجسام السَّماويّة العجيب، ونظام الكائنات الأرضية الغريب، وترتيب الموجودات على ما نراه من الإتقان والإحكام، لم يأتِ من العدم إلى الوجود بدون سبب وعلَّة، بل بالعكس، فقد أوجدته يد المولى، سبب الأسباب وواجب الوجود، البارئ القدير، سبحانه. فعلى القياس نفسه نقول إنّ كلّ شيءٍ، سواء كان فعلاً أو قولاً أو فكراً، لا بدّ أن يكون له سبب خاص؛ لا يمكن أن يحصل بدونه. فلا بدَّ للأثر من مؤثِّر وللمعلول من عِلَّة والمسبِّب من سبب. وبما أنّه توجد في هذه الدّنيا مذاهب شتى وأديان متنوعة مختلفة، فمن الواضح أنّه لابد أن يكون لكلِّ دين في هذه الأديان (حقيقيّاً كان أو كاذباً) مصدر صدر منه، كالمجرى الذي يصدر من الينبوع. وبما أن كثيرين من البشر اعتقدوا بهذا الدين وجعلوه أساس رجائهم ومنتهى غايتهم، رأيت أن أضع الصفحات التّالية، مستعيناً بقوة الله في البحث بدقَّة في مصادر الإِسْلام، لأن اليهود والمسيحين لم يقبلوه، بل قالوا إنّهم بعد البحث والتدقيق لم يجدوا بيِّنات إلهية، وأدلة قوية تؤيد صدقه. أما المسلمون فكثيرون منهم يتمسَّكون بدينهم لأنّهم وجدوا آباءَهم وأجدادهم عليه، فاعتنقوه بدون بحث. كما أنّ بعضهم رفضوه سراً أو جهراً لأنهم لم يجدوا من يستطيع أن يبرهن لهم صدق ما ورثوه عن آبائهم، ولم يقنعهم أحدٌ بأنّه الدين الحق الوحيد.

وقد ألَّف بعض علماء المسلمين كتباً مثل ﴿ميزان الموازين﴾ و ﴿حسام الشيعة﴾ وما شاكلهما، ولكنها لم تروِ غليل المفكّر العاقل، لأن أدلتها لا تزيل الشبهات ولا تدرأ المشاكل من عقل الباحث عن الحق. لقد أظهر مؤلفو الكتب الدفاعيّة عن الإِسْلام غيرة عظيمة في تأييد ديانتهم، وبذلوا الجهد ليدحضوا اعتراضات من طعنوا في أدلته، ولكن معلوماتهم لم تكن قدر غيرتهم المحمودة.

لهذا رأيتُ أن أبحث وأدقِّق في أركان الإِسْلام وأساساته ومصادره مستعيناً بالله سبحانه. ومع اعترافي بالعجز والتقصير، فقد بذلت الجهد المستطاع في البحث والتحقيق، وأتيت بنتيجة تحقيقاتي في هذا الكتاب ليتأمل فيها القارئ، راجياً أن يستفيد منه كل من طالعه بالانتباه والتروي، فيتأكد من معرفة مصادر الإِسْلام وأصل هذا النهر العظيم الذي فاضت مياهه في كثير من الآفاق.