تفسير متى

هـ. أ. آيرونسايد

الطبعة  الأولى: سبتمبر ١٩٤٨

تمت ترجمة النص إلى العربية عن طبعة نوفمبر عام ١٩٥٥

فريق الترجمة والتعريب المحتويات

المحتويات

الأصحاح الموضوع الصفحة
  تمهيد  
  مدخل  
١ سلسلة نسب وميلاد الملك  
٢ حفظ الملك  
٣ السابق، ومسح الملك  
٤ تجربة الملك وامتحانه  
٥ مبادئ الملكوت (الجزء ١)  
٦ مبادئ الملكوت (الجزء ٢)  
٧ مبادئ الملكوت (الجزء ٣)  
٨ أعمال الملك  
٩ الملك يستمر في إظهار قدرته ونعمته  
١٠ رسل الملك  
١١ نعمة ورحمة الملك  
١٢ إنكار سلطة الملك  
١٣ أسرار الملكوت  
١٤ سلطان الملك على كل الطبيعة  
١٥ الملك يشجب الرياء  
١٦ الكنيسة والملكوت  
١٧ مجد الملكوت  
١٨ رعايا مثاليُّون للملكوت، والتأديب في الكنيسة  
١٩ ناموس الملكوت الجديد  
٢٠ معايير الملكوت  
٢١ الملك في أورشليم  
٢٢ الملك ومناوئيه  
٢٣ التُّهَم الموجّه إلى الملك  
٢٤ الملك يكشف المستقبل (الجزء ١)  
٢٥ الملك يكشف المستقبل (الجزء ٢)  
٢٦ الملك يواجه الصليب  
٢٧ إدانة وموت الملك  
٢٨ الملك القائم والتفويض الملكي  

تمهيد

معظم مادة هذا الكتاب ظهرت على مر السنوات التسع الأخيرة، في مجلة مدارس الأحد The Sunday School Times ، واستُخدمت هنا بالتوافق والتفاهم مع أصحاب تلك الدورية وبعد أخذ إذنهم، وذلك مع تحمل مسؤولية النشر.

مع وجود هذا الكم الكبير من المادة المنشورة لتوها وقيد الاستخدام، ارتأيتُ ألا أنتظر أن تسمح الظروف بتقديم سلسلة محاضرات على إنجيل متى واختزالها وتحريرها إعداداً لنشرها، بل أن أكتب تفسيراً مرتبطاً بها بإضافة مواد جديدة إليها. ومن هنا ظهر الكتاب بحلة جديدة مختلفة عن تلك التي ظهرت في الدورية.

أقدِّمُ هذا الكتاب مع صلاة قلبية لأن يكون مفيداً ومعيناً لكثيرين.

هـ. أ. آيرونسايد

مدخل

بينما لا نجد طريقة نعرفُ بها متى كُتِبَ هذا الإنجيل بالضبط، أو حتى فيما إذا كان (كما يفترض البعض) قد ظهر أولاً باللغة العبرية، أو كان قد كُتِب أصلاً باليونانية كما وصل إلينا، إلا أنه من الواضح جداً أنه قد وُضِعَ في بداية العهد الجديد وكان هذا اختياراً صائباً؛ لأنه يشكل، تحديداً، صلةَ وصلٍ بين الأنبياء في القديم والتدبير الجديد للنعمة. وإن الاقتباسات العديدة التي من كتب الأنبياء عُنِيَ بها أن تُظهِرَ كيف جاء ربنا يسوع المسيح على أنه الملك الموعود لإسرائيل، في توافق كامل مع التنبؤات العديدة التي أوحى بها الله إلى خدامه لينقلوها للناس منذ أيام إبراهيم إلى عهد ملاخي، حيث توقفت الشهادة النبوية، وصمتت لأربعمائة سنة، إلى أن جاء يوحنا المعمدان، آخر الأنبياء، فأعلن قائلاً: "قَدْ كَمَلَ الزَّمَانُ".

يمكن القول أن إنجيل متى هو الإنجيل اليهودي بمعنى ما. هذا لا يعني أنه ليس فيه رسالة إلى المسيحيين، بل بالحري قد قصد الروح القدس به أن يصوِّر المسيح بطريقة توضح لليهود المتسائلين الصادقين أنه ذاك الذي تكلم عنه موسى والأنبياء. في ١- ١٧ لدينا نسب الملك، وفي ١: ١٨- ٢٥ ميلاد الملك. في ٢: ١- ١٢ يدخل الأمميون إلى رعية الملك، وفي ٢: ١٣- ٢٣ نرى حفظ الملك. يُظهِر لنا الأصحاح ٣ تكرس ومسح الملك؛ بينما نجد تجربته وامتحانه في الأصحاح ٤. في الأصحاحات ٥ إلى ٧ المتضمنة ما يُسمى "العظة على الجبل" يكشف الملك مبادئ ملكوته. ومن الأصحاحات ٨ إلى ١٢ نرى الملك وقد صادقت عليه أعمالُ قدرته بقوة، بينما يقابل معارضة ومقاومة مطردة. في الأصحاحات ١٣ إلى ٢٠ نرى حالة جديدة- تلك التي ستسود بعد أن يعود الملك المرفوض إلى السماء، وحتى مجيئه ثانيةً. إن ملكوت السماء يُرى طوال الوقت بشكل أسراري روحي. بمعنى آخر، إنه تطور لما نشير إليه عموماً بأنه العالم المسيحي. وإن الذروة بالنسبة إلى إسرائيل نراها في الأصحاحات ٢١ إلى ٢٣، حيث نجد أن شعب الله الأرضي تتم تنحيته جانباً بسبب رفضهم اقتبال الملك عندما جاء إليهم تماماً كما ورد في كتاباتهم المقدسة. الأصحاحات ٢٤ و٢٥ تتناول موضوع المجيء الثاني للملك. في الأصحاحات ٢٦ إلى ٢٨ نرى موته وقيامته ويختمها تفويضه لتلاميذه بأن يذهبوا إلى الأمم حاملين رسالة الملكوت.

إن سلسلة النسب الواردة في متى هي تلك التي ليوسف، الأب الذي ربّى يسوع، النسل المتحدِّر من داود ووريث العرش، الذي من خلاله انتقلت حقوق العرش إلى ربنا. جرَت حادثةُ ولادته في بيت لحم في أواخر العام ٥ ق. م أو أوائل العالم ٤ ق. م، بينما كانت زيارة المجوس على الأرجح بعد الميلاد بحوالي شهرين، وهذا تلاه مباشرة تقريباً الهرب إلى مصر.

ليس من داعٍ لأن نندهش إذ نجد أن كل شيء مرتبط بمجيء الملك كان ذا طابعٍ عجائبي، إذ ندرك أنه كان حقاً "عمانوئيل"، أي "الله معنا"، كما تنبّأ أشعياء في ٧: ١٤. عندما جاء الله إلى الأرض ما كان ليمكن إلا إبطال النواميس الطبيعية المحدودة لكيما يدخل إلى عالمنا بطريقةٍ تلائم جلاله وقدرته. ولذلك نجده يتخذ طبيعةً بشرية بولادته من أمٍّ عذراء، وجُعِلَ مجيئهُ معروفاً بطريقةٍ فائقة الطبيعة للمجوس الذين من الشرق، وحُفِظَت حياتُهُ بترتيبٍ إلهي يعجزُ معهُ مكر وحقد هيرودس من الوصول إليه وإهلاكه. إن جمال وبساطة السرد تملؤنا إعجاباً وتحرّك قلوبنا لنتعبّد ونشكر عطية الله التي لا يُنطَق بها والتي تفوق الوصف.

من المهم جداً أن نلاحظ ونأخذ بالاعتبار المكانة التدبيرية الخاصة لهذا الإنجيل لئلا نُخفق في إدراكنا بأنه "بشرى" وليس ناموساً. لأن الإنجيل هو رسالة الله المتعلِّقة بابنهِ، وهنا يُصوَّر الابن بوجهه الملكيّ لكي نتعلّم أن نوقّرهُ وأن نحني ركبتنا خاضعين مُذعنين له.